الموقع ما يزال قيد التجربة
ملحق
شــعائـر
التّكفير والاستكبار خطران متلازمان
النّصّ الكامل لخطاب السيّد القائد الإمام الخامنئيدام ظلّه
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات التّكفيريّة
إصدار المركز الإسلامي
بيروت – لبنان
1436 هـ 2015 م
بسم الله الرّحمن الرّحيم
تقديم
لم يكن المؤتمر العالميّ حول التيّارات التكفيريّة الذي انعقد في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة مجرّد لقاء تداولي عادي، وإنّما جاء ليشكِّل محطّة استثنائيّة للوقوف على واحدة من أهمّ وأخطر اللّحظات التاريخية التي تمر بها الأمّة الإسلاميّة.
ولعلّ ما يمنح هذا الملتقى مرتبته الخاصّة من الأهمّية، هو موضوعه وزمانه ومكانه ومشاركة المرجعيّة الدينيّة، وعلى رأسها وليّ أمر المسلمين الإمام السيّد عليّ الخامنئي دام ظلّه.
أمّا الموضوع الذي تناوله المؤتمِرون فهو متّصل بشأنٍ مصيريٍّ يتوقّف على الإحاطة به ودرء مخاطره الكبرى مستقبلُ المجتمعات الإسلاميّة ووحدتها؛ عنينا به تنامي الظاهرة التّكفيريّة، مقرونة بالاحتلال الأجنبيّ والتّدخّلات الاستعماريّة الاستكباريّة. الأمر الذي يجعل الزمن الراهن في بلاد المسلمين، زمناً مشحوناً بالفتن والحروب الأهليّة.
أمّا أن يلتقي علماء الأمّة ونُخَبُها في مدينة قمّ المقدّسة، فهذا حدث ينطوي على أهمّية مضاعفة، نظراً لجلالة مكانتها الدّينيّة والدّور التّاريخي الذي تتبوّأه في تظهير علوم الوحي والنّبوّة، والدّعوة إلى وحدة المسلمين من كلّ الطوائف والمذاهب والفِرَق.
ضمن هذه المناخات يأتي الخطاب الذي ألقاه السيد القائد الخامنئي في ختام المؤتمر، ليقاربَ بعمقِ ودرايةِ وليِّ الأمر، حالَ الأمّة، وليعيِّن مصادر الخَلل التي أدّت إلى استشراء الموجات التكفيريّة والعوامل المغذِّية لها، والرافدة لدمويّتها وآثارها التدميريّة.
*****
يأتي خطاب السيد القائد دام ظلّه في هذه اللّحظة بالذات ليشكِّل رسالة توحيديّة جامعة، ودعوة شاملة إلى مواجهة التكفير والاستكبار.
ولعلّ من أهمّ العناوين والمرتكزات التي تضمّنتها هذه الرسالة، ما يمكن إيراده بالنقاط التالية:
أولاً: التأكيد على أنّ الظاهرة التكفيريّة المتمادية اليوم، ليست جديدة في تاريخ الأمّة، وإنّما هي أحد فروع الشجرة الخبيثة التي عاثت فساداً ودمويّة وقتلاً في الكثير من محطات التاريخ الإسلامي.
ثانياً: إظهار حقيقة أنّ الموجة التكفيريّة التي تجتاح عدداً من البلاد والمجتمعات الإسلاميّة، إنّما هي حصيلة تلازُم صريح في الأهداف والغايات مع المشروع الاستعماري الاستكباري الذي تقوده أميركا وحلفاؤها الغربيّون خدمةً للوجود الصّهيوني في فلسطين، وحفظاً لمصالحها العليا.. وذلك عن طريق تقوية عوامل التجزئة وتمزيق وحدة البلاد الإسلامية، وإثارة الحروب الأهليّة المستدامة.
ثالثاً: الإشارة إلى سعي القوى الاستكباريّة لمنع أيّ محاولة للتقدّم الحضاري والاقتصادي والعلمي داخل البلاد الإسلاميّة من خلال تدمير البُنى التحتيّة، وعلى نحو يمكِّن المركز الاستعماري من تجديد هيمنته والسيطرة على موارد شعوب المنطقة ومقدّراتها.
رابعاً: في سياق عرضه مفاصلَ اللحظة الراهنة، بيَّن السيد القائد دام ظلّه أمام المؤتمرين جملةً من الشواهد الدالّة على أثر الموجة التكفيريّة في تشويه صورة الإسلام المتسامح، ودين الرحمة للعالَمين؛ ولقد جاء المشهد مروِّعاً في هذا الصعيد؛ من انتهاكٍ للحُرمات، وقتلٍ للأبرياء، وتدميرٍ لأماكن العبادة، وصولاً إلى إصدار الفتاوى التي تسوّغ لهم بشاعة أفعالهم أمام الملأ.
خامساً: الإشارة الى تمكُّن التيّار التّكفيري وبنسبة وازنة، من حرف الأنظار عن التوجّه إلى مقاومة العدوّ الرئيسي للمسلمين في فلسطين، وهو ما تبيّن بوضوح في الحرب الصهيونية الأخيرة على غزّة. ما يُظهر حقيقة التحالف الوطيد بين هذا التيّار التّكفيري التقتيلي والكيان الصّهيوني.
*****
لقد خلص السّيّد القائد دام ظلّه، بناء على ما تقدّم من عرضٍ لأحوال البلاد الإسلامية، إلى تقديم أُسس المواجهة من خلال رؤية استراتيجيّة يمكن حصرُها في مجموعة من النقاط:
1- نهضة علميّة شاملة من خلال بَلورة إطار مرجعي يجمع علماء الأمّة، ويُعيد الاعتبار للخطاب التوحيدي الإسلامي الجامع لكلّ المذاهب في مواجهة خطاب التّكفير والقتل والانحراف.
2- كشف حقائق السياسات الاستعماريّة الاستكباريّة الساعية إلى دعم الجماعات التكفيريّة المثيرة للفتنة.
3- رفع مستوى الاهتمام بالقضيّة الفلسطينيّة وجَعْلها قضية المسلمين الأولى، ودعم المقاومة للاحتلال الصهيوني وتأكيد حرص الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة على خط العداء للكيان الصّهيوني وتفعيل حركة المقاومة في سائر أنحاء فلسطين وخصوصاً في الضفّة الغربيّة المحتلّة، أنّى كانت الآثار المترتّبة على ذلك، باعتبار أنّ هذا الدعم إنّما يدخل في صميم قيَم الثورة الإسلاميّة التي أرسى أُسسَها الإمام الراحل الخميني قدّس سرّه.
4- التأكيد على الثقة بالله عزّ وجلّ بقدرة شعوبنا على الانتصار، حيث إنّنا نواجه عدوّاً واهناً وضعيفاً، ولا ينقصنا في تحقيق الغَلَبة عليه سوى وحدة الأمة وتآزرها.
*****
تعيد «شعائر» نشر النصّ الكامل لخطاب الإمام الخامنئي دام ظلّه في ملحقها الدوري، سعياً منها لتعميم مضمونه بما هو وثيقة معرفيّة ذات بُعد استراتيجي في المرحلة الحاضرة التي تعيشها الأمّة الإسلاميّة.
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين
«شعائر»
بيروت، صفر 1436 للهجرة
كانون الثاني 2015
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمین وصلّى الله على سیّدنا
ونبیّنا المصطفى الأمین محمّد وآله الطّیّبین الطّاهرین المعصومین وعلى صَحبه
المنتجبین والتّابعین لهم بإحسان إلى یوم الدّین.
بدايةً أرحّب بضيوفنا الأعزّاء والحضور المحترمين وعلماء المذاهب الإسلاميّة
المختلفة المشاركين في هذا اللقاء، وأشكر حضوركم الفعّال والمفيد في اللقاءات
المهمّة لهذا المؤتمر، والتي دامت يومين. ومن الضّروريّ أن أتوجّه بالشّكر إلى علماء
قمّ الكبار وفضلائها، وخصوصًا جناب آية الله مكارم الشّيرازيّ، وجناب آية الله
السّبحانيّ، اللّذَين يعود إليهما إبداع هذه الفكرة ووضْعها موضع التّنفيذ؛ وبحمد
الله، لقد قاما بالمقدّمات الأساسيّة لهذا العمل، وينبغي لهذه الحركة أن تستمرّ.
لقد اطّلعت – بالإجمال - طيلة اليومَين الماضيَين على كلمات الخطباء المحترمين؛ وأنا «العبد» أريد أن أتناول عدّة نقاطٍ أيضًا:
في مواجهة التيّار التكفيريّ
أوّلًا: إنّ هذا المؤتمر هو لأجل [التّداول حول وضعيّة] التيّارات
التّكفيريّة، والتي تُعدّ تيّارات مضرّة وخطِرة في العالم الإسلاميّ. إنّ التيّار
التّكفيريّ، وإن لم يكن [ظاهرة جديدة]، حيث إنّه ممتدّ عبر التّاريخ، وله سوابق
تاريخيّة، إلّا أنّه قد اكتسب حياةً جديدة وقوّة إضافيّة في السّنوات الأخيرة، ذلك
بفضل خطّة الاستكبار والأموال التي ضخّتها بعض دُول المنطقة، ومن خلال تخطيط عدد
من الأجهزة الأمنية والمخابراتيّة للدّول الاستعماريّة كأميركا وإنكلترا والنّظام
الصهيونيّ.
إنّ هذا اللقاء، وهذا المؤتمر، وحركتكم هذه، إنّما هي لأجل المواجهة الشّاملة لهذا التّيّار، وهو ليس منحصرًا بما يُسمّى اليوم بـ «داعش». إنّ التيّار المعروف اليوم بـ «داعش» هو أحد فروع الشّجرة الخبيثة للتّكفير ولا يمثّلها كلّها؛ إنّ هذا الفساد الذي قامت به هذه المجموعة وهذا الإهلاك للحرث والنّسل وكلّ هذا الإهراق لدماء الأبرياء هو جزءٌ من جرائم تيّار التّكفير في العالم الإسلاميّ، ويجب أن ننظر بهذه العين إلى هذه القضيّة.
إنّني من كلّ قلبي أشعر بالأسف، لأنّنا نحن في العالم الإسلاميّ - الذين ينبغي أن نصرف كلّ طاقاتنا لأجل مواجهة مؤامرة الكيان الصهيونّي، ومواجهة هذا العمل الذي يتمّ ضدّ القدس الشّريف والمسجد الأقصى، والذي ينبغي أن يهزّ كلّ العالم الإسلاميّ - مضطرّون اليوم للانشغال بتلك الابتلاءات التي أوجدها الاستكبار داخل العالم الإسلاميّ، ولا بدّ [لنا] من ذلك. في الواقع، إنّ تناول قضيّة التّكفير هو أمرٌ فُرض على علماء العالم الإسلاميّ ونُخبه وحكمائه. إنّ هذا الأمر قد افتعله العدوّ كمشكلة للعالم الإسلاميّ، ونحن مضطرّون لمواجهته؛ في حين أنّ القضيّة الأساسيّة هي الكيان الصهيونيّ، وهي قضية القدس، وهي قضيّة القبلة الأولى للمسلمين، والمسجد الأقصى، هذه هي القضايا الأساسيّة.
التيّار التكفيريّ في خدمة الاستكبار
ثانياً: هناك نقطة لا يمكن إنكارها وهي أنّ تيّار التّكفير، والحكومات التي
تدعمه وتحميه، إنّما تتحرّك كلّها باتّجاه النّوايا المبيّتة للاستكبار والصّهيونيّة؛
وإنّ كلّ ما يفعلونه إنّما يخدم أهداف أميركا والدّول الاستعماريّة الأوروبيّة
والكيان الصّهيونيّ، والشّواهد على ذلك تجعل الأمر قطعيًّا. إنّ للتيّار
التّكفيريّ ظاهراً إسلاميّاً، لكنّه من النّاحية العمليّة ليس سوى خدمة للتيّارات
الاستعماريّة والاستكباريّة والسّياسيّة الكبرى التي تعمل ضدّ العالم الإسلاميّ؛
ويوجَد شواهد واضحة في هذا المجال، ولا يمكن التغاضي عنها، وسوف أتعرّض لبعض هذه
الشّواهد.
الشاهد الأوّل: هو أنّ تيّار التّكفير قد استطاع أن يحرف حركة الصّحوة
الإسلاميّة. لقد كانت هذه الحركة الإسلاميّة [الصحوة الإسلامية] حركة معادية لأميركا
والاستبداد وعملاء أميركا في المنطقة، كانت حركة انطلقت من بين عامّة النّاس، في
بلدان شمال أفريقيا المختلفة، ضدّ الاستكبار وضدّ أميركا، وقد استطاع تيّار
التّكفير أن يغيّر وجهة هذه الحركة العظيمة المعادية للاستكبار ولأميركا
وللاستبداد، إلى حربٍ بين المسلمين واقتتالٍ بين الإخوة.
لقد كانت حدود فلسطين المحتلّة تمثّل الخطّ
الأماميّ للنّضال في هذه المنطقة، فجاء هذا التيّار التّكفيريّ وحوّل هذا الخطّ
الأماميّ إلى شوارع بغداد، ومسجد دمشق الجامع، وشوارع باكستان، والمدن المختلفة في
سوريا، بحيث أصبحت هذه الأماكن هي الخطّ الأماميّ للمواجهة.
انظروا اليوم إلى أوضاع ليبيا وسوريا والعراق وباكستان، ولاحظوا ضدّ مَن تعمل
وتُرفع تلك الطّاقات والسّيوف التي يحملها المسلمون! لقد كان من اللازم أن تُسخَّر
كلّ هذه الطّاقات والأسلحة ضدّ الكيان الصهيونيّ، فجاء هذا التيّار التّكفيريّ
وبدّل وجهة هذا القتال، ووجّهه نحو البيوت وإلى داخل مدننا وبلداننا الإسلاميّة.
لقد فجّروا عبوّةً داخل مسجد دمشق الجامع، ووسط تجمّعات النّاس العاديّين في
بغداد، وأطلق مئات الأشخاص في باكستان النّار على مئات الأشخاص. وعندما تنظرون إلى
ليبيا فسوف تلاحظون هذه الوضعيّة وتشاهدونها؛ وهذه كلّها ليست سوى [أمثلة من]
جرائم التيّار التّكفيريّ التاريخيّة، التي لا يمكن أن تُنسى، والتي أدّت إلى كلّ
هذه الأوضاع. لقد قاموا بتبديل [مسار حركة الصحوة] وجعلوه في خدمة أميركا
وإنكلترا، وفي خدمة الأجهزة المخابراتيّة لأميركا وإنكلترا، وللموساد وأمثاله.
الشاهد الثاني: هو قيام أولئك، الذين يدعمون هذا التيّار التّكفيريّ، بالتّنسيق مع الكيان الصّهيونيّ من أجل محاربة المسلمين، تراهم لا يعبسون في وجه الكيان الصّهيوني؛ في حين أنّهم يتآمرون ويوجّهون شتّى أنواع وأشكال الضّربات إلى الدّول الإسلاميّة وشعوبها، وبذرائع مختلفة.
الشاهد الثالث: هو أنّ هذه الحركة المثيرة للفتنة، التي أوجدت هذا التيّار التّكفيريّ في البلدان الإسلاميّة في العراق وسوريّا وليبيا ولبنان وبعض الدّول الأخرى أدّت إلى تخريب البُنى التحتيّة المهمّة لهذه الدّول. فانظروا إلى عدد [الأحياء] والمصافي والمناجم والمطارات والجادّات والمدن والبيوت التي تمّ تدميرها بسبب هذه الحروب الدّاخليّة وعلى أثر كلّ هذا النّزاع بين الإخوة! فكم ينبغي أن يُصرف من وقت ومال وميزانيّات من أجل إعادتها إلى وضعها السّابق؟! فكلّ هذه الأضرار والضّربات التي وُجّهت إلى العالم الإسلاميّ طيلة السّنوات السّابقة وإلى يومنا هذا، إنّما كانت بسبب هذا التيّار التّكفيريّ.
الشاهد الرابع: هو تشويه التيّار التّكفيريّ لصورة الإسلام في العالم وجعلها قبيحةً. لقد شاهد العالم كلّه في أجهزة التّلفاز كيف أنّهم يقومون بذبح إنسان من دون أن يحدّدوا له جنايةً، ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ..﴾ الممتحنة:8-9، لقد قام هؤلاء بالعمل بخلاف هذه الآية تمامًا، فقتلوا المسلمين، وذبحوا غير المسلمين الذين لا يتعرّضون لهم ولم يقاتلوهم، ونشروا صوَر ذلك في كلّ العالم، حتّى تشاهدها الدّنيا كلّها. لقد شاهد العالم بأجمعه، كيف أنّ شخصًا يقوم بذبح شخصٍ آخر تحت اسم الإسلام، وكيف أنّه يستخرج قلبه ويأكله، هذا ما شاهده العالم؛ وقد قاموا بذلك كلّه تحت عنوان الإسلام، إسلام الرّحمة، إسلام التعقّل، إسلام المنطق، إسلام ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ..﴾، قاموا بتعريفه بهذا الشّكل، فهل يوجد من جنايةٍ أو جريمةٍ أكبر من ذلك؟! وهل هناك أخبث من هذه الفتنة؟! هذا ما يرتبط بتيّار التّكفير.
الشّاهد الخامس: هو أنّ هؤلاء قد تركوا محور المقاومة وحيدًا. فقد كانت غزّة لمدّة خمسين يومًا تقاتل لوحدها وتقاوم، ولم تهبّ الدّول الإسلاميّة لمساعدتها، ولم تبذل تلك الأموال والدّولارات النّفطيّة من أجل قطاع غزّة، بينما قد جعل بعض هؤلاء تلك الأموال في خدمة النّظام أو الكيان الصّهيونيّ.
والسيّئة الأخرى والشّاهد الآخر هو أنّ تيّار التّكفير قد قام بحرف كلّ هذا الحماس والعنفوان الموجودَين عند الشّباب المسلم في كلّ أنحاء العالم الإسلاميّ. فنحن نشاهد اليوم حماس هؤلاء الشّباب في كلّ أرجاء العالم الإسلاميّ، وكيف أنّ الصّحوة الإسلاميّة قد أثّرت فيهم، وكيف أنّهم كانوا مستعدّين للتحرّك في خدمة أهداف الإسلام الكبرى، إلّا أنّ تيّار التّكفير قد قام بحرف كلّ هذا الحماس والاندفاع، وجرَّ جماعات من الشّباب الغافل والجاهل نحو ذبح المسلمين وارتكاب المجازر بحقّ النّساء والأطفال في قريةٍ ما، فهذا أحد سيّئات تيّار التّكفير.
لا يمكننا أن نمرّ مرور الكرام على هذه القرائن
والشّواهد، فكلّها تشير إلى أنّ تيّار التّكفير هو في خدمة الاستكبار وفي خدمة
أعداء الإسلام وفي خدمة أميركا، وفي خدمة إنكلترا، وفي خدمة الكيان الصّهيونيّ.
بالطّبع توجد شواهد أخرى أيضًا، وقد أُخبرنا أنّ طائرات النّقل الأميركيّة قد قامت
بنقل الذّخائر التي كانت تحتاج إليها هذه الجماعة المعروفة بـ «داعش» إلى تلك
المراكز التي يستقرّ فيها هذا التّنظيم في العراق، وقدّمت لهم المساعدات؛ فقلنا
لعلّ هذا الأمر قد حصل عن طريق الخطأ، إلّا أنّه تكرّر؛ وقد عرفنا فيما بعد أنّ
هذا الأمر قد تكرّر خمس مرّات، فهل يمكن أن يحدث مثل هذا الخطأ خمس مرّات؟ هذا في
الوقت الذي شكّلوا تحالفًا هو بالظّاهر ضدّ «داعش» لكنّه في الواقع كذبٌ محض؛
فلهذا التّحالف أهداف خبيثة أخرى، وهم يريدون إحياء هذه الفتنة لكي يبقى الكلّ في
حالة نزاعٍ وصراع، وتبقى الحرب الأهليّة بين المسلمين كما هي، فهذه هي أهدافهم،
وبالطّبع لن يفلحوا في النّهاية، اعلموا ذلك.
مهمّات كبرى
يوجد عدّة مهمّات كبرى يجب أن تُنجز. وأعرض عليكم، أنتم أيّها السّادة المحترمون الذين شاركتم في هذا المؤتمر على مدى يومين، وفكّرتم بسبل الحلّ، وقمتم بتحديد المسؤوليّات، أعرض عليكم عدّة أعمال ضروريّة لا يمكن التغاضي عنها:
1) نهضة علميّة
أحد [هذه الأعمال] هو تشكيل نهضة علميّة ومنطقيّة شاملة من قبل جميع علماء المذاهب الإسلاميّة من أجل اقتلاع تيّار التّكفير. ومثل هذا الأمر لا يختصّ بمذهبٍ دون آخر، فعلى جميع المذاهب الإسلاميّة التي تتحرّق من أجل الإسلام، وتؤمن به وتحرص عليه أن تشارك في تحمّل هذه المسؤوليّة؛ يجب القيام بحركة علميّة عظيمة.
لقد قام أولئك [التكفيريّون]، تحت شعارهم الكاذب باتبّاع السّلف الصّالح، بالنّزول إلى هذا الميدان. يجب أن نثبت براءة السّلف الصّالح ممّا يرتكبه هؤلاء ومن تلك [التصرّفات التي يقومون بها]، وذلك وفق المنطق الصّحيح ومنطق الدّين. ويجب عليكم أن تخلّصوا الشّباب؛ فهناك مجموعة [منهم] وقعت تحت تأثير هذه الأفكار المضِلّة، وهؤلاء [الشباب] المساكين يتصوّرون أنّهم يقومون بأعمال صحيحة، فأصبحوا مصداق هذه الآية الشريفة: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ الكهف:103-104. يتصوّرون أنّهم يجاهدون في سبيل الله، وهؤلاء هم الذين سيُجيبون يوم القيامة ربّهم قائلين: ﴿..رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ الأحزاب:67–68. هؤلاء المساكين هم المصداق لهذه الآية. فالذي قام بقتل عالمٍ مسلمٍ كبير في مسجد دمشق هو أحد هؤلاء، والذي يقوم بذبح المسلمين تحت حجّة الانحراف عن الدّين هو من هؤلاء، وذاك الذي يرتكب المجازر بحقّ الأبرياء في باكستان وأفغانستان وبغداد والمدن المختلفة للعراق وفي سوريا ولبنان، هو من هؤلاء الذين سيقولون يوم القيامة: ﴿..رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ..﴾ الأحزاب:67–68.
وفي موضعٍ آخر من
القرآن الكريم يقول الله تعالى: ﴿..لِكُلٍّ ضِعْفٌ..﴾
الأعراف:38، فالله تعالى لا يقبل
منهم قولهم: ﴿رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ..﴾،
بل يقول: ﴿..لِكُلٍّ ضِعْفٌ..﴾، فالتّابع والمتبوع في العذاب يقتتلان: ﴿..تَخَاصُمُ
أَهْلِ النَّارِ﴾ ص:64. [لذا] يجب استنقاذ
هؤلاء الشّباب، وهذا يقع على عاتق العلماء؛ فالعلماء على صِلة بالمحافل الثّقافيّة
وبجماهير الشّعب، يجب عليهم أن يسعوا لأنّ الله سبحانه وتعالى سيسألهم يوم القيامة
عمّا فعلوا، فيجب عليهم أن يُقدِموا، هذا عملٌ [واجب].
2) كشف حقائق السياسات الاستكباريّة
العمل الثاني الذي يُعدّ مهمًّا جدًّا هو كشف دور السّياسات الاستكباريّة لأميركا وإنكلترا؛ حيث يجب توضيحها وكشْفها، ويجب أن يعلم العالم الإسلاميّ كلّه ما هو دور السّياسات الأميركية في هذا المجال، وما هو دور الأجهزة المخابراتيّة لأميركا وإنكلترا والكيان الصّهيونيّ في إحياء تيّار الفتنة التّكفيريّ. يجب على الجميع أن يعلموا هذا؛ ويجب أن يعلموا ما الذي يفعله هؤلاء ولأجل أيّ شيء، فالتّخطيط منهم، والدّعم منهم، والتّوجيه أيضًا يصدر عنهم؛ كما أنّ المال يُضخّ من قبل عملائهم - أي الحكومات الموجودة في هذه المنطقة التي تدعم بالمال وتجرّ هؤلاء إلى سوء العاقبة وتوجِد للعالم الإسلاميّ كلّ هذه الصّعاب - فمثل هذا الأمر يُعدّ ضروريًّا أيضًا ويجب أن يُنجز.
3) التّوجّه نحو القضية المركزيّة
العمل الثّالث الذي يجب أن يتحقّق حتمًا هو الاهتمام بقضيّة فلسطين، فلا تسمحوا أن تُنسى قضيّة فلسطين والقدس الشّريف وقضيّة المسجد الأقصى، فهذا ما يريده هؤلاء [المستكبرون]؛ إنّهم يريدون أن يغفل العالم الإسلاميّ عن قضيّة فلسطين؛ وها أنتم ترون اليوم كيف أنّ مجلس وزراء الكيان الصهيونيّ قد أعلن في هذه الأيّام يهوديّة دولة فلسطين، فقد أعلن أنّ فلسطين هي دولة يهوديّة، وقد كانوا يتابعون هذا الأمر ويسعون إليه قبل مدّةٍ طويلة، وها هم اليوم [ينفّذونه] علنًا، وذلك على غفلةٍ من العالم الإسلاميّ وشعوبه. ونجد أنّ الكيان الصّهيونيّ مستمرٌّ في احتلال القدس الشّريف والمسجد الأقصى، وإضعاف الفلسطينيّين أكثر فأكثر، [لذا ينبغي] الالتفات إلى هذا الأمر، ويجب على جميع الشّعوب أن تطالب حكوماتها بقضيّة فلسطين، ويجب على علماء الإسلام أن يطالبوا دولهم وحكوماتهم لأجل [العناية] بالقضيّة الفلسطينيّة؛ فمثل هذا يُعدّ من المسؤوليّات الأساسيّة المهمّة.
إنّنا نشكر الله تعالى أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة - دولةً وشعبًا – على كلمة واحدة في هذا المجال. إنّ حكومة الجمهوريّة الإسلاميّة وإمامنا [الخميني] الجليل قد أعلنا – منذ البداية -سياسة [تبنّي القضية الفلسطينية] ومعاداة الكيان الصّهيونيّ ووضعا ذلك حيّز التّنفيذ، وها هو الأمر مستمرٌّ بعد مضيّ خمس وثلاثين سنة، ونحن مستمرّون على هذا الطّريق ولم نحِد عنه، وشعبنا كذلك فإنّه يتّبعه بكلّ رغبةٍ. في بعض الأحيان، عندما يراجع بعض شبابنا ولا يلقونَ جوابًا، يكتبون لنا الرسائل ويلتمسون أن نسمح لهم بالذهاب إلى الخطوط الأماميّة لمحاربة الكيان الصّهيونيّ، إنّ شعبنا يعشق مواجهة الصّهاينة، وإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة قد أثبتت هذا الأمر.
إنّنا بتوفيق الله وبفضله تعالى قد تجاوزنا نطاق الخلافات المذهبيّة، إنّ ذلك الدّعم الذي قدّمناه لحزب الله الشّيعيّ هو نفس الدّعم الذي قدّمناه لحماس وللجهاد وسوف [نبقى] نقدّمه؛ إنّنا لم نقع أسرى الخلافات المذهبيّة، ولم نقل يومًا من الأيّام هذا شيعيّ وذاك سنّيّ، وهذا حنفي، وهذا حنبليّ، وذاك شافعيّ، وهذا زيديّ. لقد نظرنا إلى الهدف الأساسيّ، وقدّمنا الدّعم، واستطعنا أن نقوّي من عَضُد إخواننا الفلسطينيّين في غزّة وفي المناطق المختلفة، وإنّنا بمشيئة الله تعالى مستمرّون على هذا الطّريق، وإنّني أعلن - وسوف يحصل هذا حتمًا - بأنّ الضفّة الغربيّة يجب أن تتسلّح مثل غزّة وأن تصبح جاهزةً للدّفاع [عن نفسها].
لا تُخيفنّكم هيمنة أميركا؛
فالعدوّ ضعيفٌ!
وأقول لكم أيضًا أيّها الإخوة الأعزّاء: لا تُخيفنّكم هيمنة أميركا؛ فالعدوّ
ضعيفٌ! إنّ عدوّ الإسلام وهو الاستكبار، بات أضعف من أيّ وقتٍ مضى طيلة الحقبات
الماضية [وعلى مدى مائة وخمسين سنة]. إنّكم ترون دُول أوروبّا الاستعماريّة: تعاني
من المشكلات الاقتصاديّة والسّياسيّة والأمنيّة ومختلف ألوان وأنواع المشاكل؛ وإنّ
أميركا أسوأ منها، فهي تعاني من المشكلات الأخلاقيّة والسّياسيّة ومن الأزمات
الماليّة الشّديدة، وسُمعتها كقوّة عظمى تزداد انحدارًا يومًا بعد يوم في كلّ
العالم، وليس في العالم الإسلاميّ فحسب، بل في كلّ العالم.
وهذا الكيان الصّهيونيّ قد أصبح أضعف بكثير [مما كان عليه]، هذا الكيان الذي كان يُطلِق شعار «من النّيل إلى الفرات»، ويعلن ويصرّح بأنّ كلّ المنطقة الواقعة بين النّيل والفرات هي له، لم يتمكّن من احتلال الأنفاق الفلسطينيّة طيلة خمسين يومًا في غزّة، هوذا الكيان نفسه الذي أعملَ كلّ قوّته طيلة الخمسين يومًا لكي يتمكّن من تخريب الأنفاق التّحتيّة [لحركتَي] حماس والجهاد والفلسطينيّين واحتلالها وتدميرها لكنّه لم يُفلح، هو ذا الكيان نفسه الذي كان يقول «من النّيل إلى الفرات»، انظروا كيف اختلف الأمر، وكم أصبح ضعيفًا.
إنّ مشاكل أعداء الإسلام وأزَماتهم كثيرة، لقد فشل أعداءُ الإسلام في العراق، وكذلك في سوريا، وفي لبنان، وهكذا كان مصيرهم في المناطق المختلفة، ولم تتحقّق أهدافهم، وأنتم ترون أميركا ومعها كلّ الدّول الأوروبيّة الاستعماريّة تجتمع لمواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة وتُعمل كلّ إمكاناتها في قضيّة الملف النوويّ من أجل إخضاع الجمهوريّة الإسلاميّة، ومع ذلك لم يتمكّنوا ولن يتمكّنوا من ذلك، هذا هو ضعف الجبهة المقابلة. وأنتم بمشيئة الله سوف تزدادون قوّةً يومًا بعد يوم، فالمستقبل لكم: ﴿..وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ..﴾ يوسف:21.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
0
أيـــــــــــــــــــــــــن الرَّجبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون؟ يستحب في شهر رجب قراءة سورة التوحيد عشرة آلا مرة..
يدعوكم المركز الإسلامي- حسينية الصديقة الكبرى عليها السلام للمشاركة في مجالس ليالي شهر رمضان لعام 1433 هجرية. تبدأ المجالس الساعة التاسعة والنصف مساء ولمدة ساعة ونصف. وفي ليالي الإحياء يستمر المجلس إلى قريب الفجر. نلتمس دعوات المؤمنين.