أعلام

أعلام

منذ يوم

العلامة المُقدّس الشّيخ محمّد جواد البلاغيّ النّجفيّ


العلامة المُقدّس الشّيخ محمّد جواد البلاغيّ النّجفيّ

الفقيه والأديب والمناظر بالّتي هي أحسن

ــــــــــــــــ سليمان بيضون ـــــــــــــــــــ

عالمٌ فاضلٌ كامل، فقيهٌ مُتكلّمٌ، أُصوليّ، أحدُ حسناتِ هذا العصر. اهتمّ بمواجهة الثقافة الاستعماريّة، وتوضيح حقيقة التوحيد.

سار على خطى الأولياء الصّالحين في الابتعاد عن حبّ الشّهرة وعن التظاهر، حتّى أنه لم يكن يأبه أن يوضع اسمه على مؤلّفاته.

ما يلي، تعريف موجز بسيرة الفقيه العلّامة الشّيخ محمّد جواد البلاغيّ النّجفيّ، اخترناه من مقدّمة محقّق كتابه (الرّدّ على الوهّابيّة)، ومصادر أخرى.

 

هو الشّيخ محمّد جواد بن حسن بن طالب البلاغيّ النّجفيّ الرّبعيّ. وُلد في النّجف الأشرف سنة 1282 للهجرة [1862م] في بيتٍ من أقدم بيوتاتها وأعرقها في العلم والفضل والأدب، والمشهورة بالتّقوى والصّلاح والسّداد، فقد أنجبت هذه الأسرة - آل البلاغيّ - عدّة من رجال العلم والدّين والأدب، منهم الشّيخ إبراهيم البلاغي، توفّي في الكاظميّة سنة 1246 للهجرة [1826م]، وسكنت ذرّيته قرية الكوثريّة من قرى جبل عامل، والشّيخ حسن البلاغي، قرأ الدرس بقرية طيردبا العامليّة مدّة من الزمن، ثمّ انتقل إلى العراق فقرأ في النجف، ولم تطل مدّته فتُوفّي بها، وأيضاً الشيخ طالب البلاغي، وولده الشيخ رشيد، كلاهما من علماء ووجهاء «بلاد بشارة» كما في بعض التراجم.

نشأته وشيوخه وسجاياه

- نشأ حيث وُلد، وأخذ المقدّمات عن أعلامها الأفاضل، ثمّ سافر إلى الكاظميّة سنة 1306 للهجرة [1886م]، وتزوّج هناك ابنةَ السّيّد موسى الجزائريّ الكاظميّ.

- عاد إلى النّجف الأشرف سنة 1312 للهجرة‍ [1892م] فحضر على الشّيخ محمّد طه نجف، والشّيخ آقا رضا الهمدانيّ، والشّيخ الآخوند محمّد كاظم الخراسانيّ، والسّيّد محمّد الهنديّ.

- هاجر إلى سامرّاء سنة 1326 للهجرة [1906م]، فحضر على الميرزا محمّد تقيّ الشّيرازيّ - زعيم الثّورة العراقيّة - عشر سنين، وألّف هناك عدّة كتب، وغادرها – عند احتلالها من قبل الجيش الإنكليزيّ - إلى الكاظميّة، فمكث بها سنتين مؤازراً العلماء في الدّعاية للثّورة ومحرّضاً إيّاهم على طلب الاستقلال.

- ثمّ عاد إلى النّجف الأشرف وواصل نشاطه في التّأليف، فكان من أولئك النّدرة الأفذاذ الّذين أوقفوا حياتهم وكرّسوا أوقاتهم لخدمة الدِّين والحقيقة، فلم يُرَ إلّا وهو يجيب عن سؤال، أو يحرِّر رسالةً يكشف فيها ما التبس على المرسِل من شكّ، أو يكتب في أحد مؤلّفاته.

- وقف أمام تيّار الغرب الجارف، فمثّل للمفتونين به سموّ الإسلام على جميع المِلل والأديان.

- كما تصدّى للفرق المنحرفة الهدّامة – كالبابيّة، والقاديانيّة، والوهّابيّة، والإلحاديّة.. وغيرها - فألّفَ عدّة كُتب ورسائل قيّمة في الرّدّ عليهم ودحْض شبهاتهم، وفضْح تَوافِهَ مبانيهم ومعائب أفكارهم.

- كان من خلوص النّيّة وإخلاص العمل بمكان، حتّى أنهّ كان لا يرضى أن يوضع اسمه على تآليفه عند طبعها، ويقول: «إنّي لا أقصد إلّا الدّفاع عن الحقّ، لا فرق عندي بين أن يكون باسمي أو اسم غيري». حتّى أنّ يوسف إليان سركيس في كتابه: (معجم المطبوعات العربية) ذكر كتاب (الهدى إلى دين المصطفى) للشيخ البلاغيّ - رضوان الله عليه - ضمن الكُتب المجهولة المؤلّف، وربما كان - قدّس سرّه - يذيّل بعضها بأسماء مستعارة مثل: كاتب الهدى النّجفيّ، وعبد الله العربيّ، وغيرها.

- أجاد اللّغات العبرانيّة، والفارسيّة، والإنكليزيّة، ولذلك برع في الرّدّ على أهل الكتاب ودحْض أباطيلهم وكشف خفايا دسائسهم.

- كما كان متواضعاً للغاية، يقضي حاجاته بنفسه، ويختلف إلى الأسواق بشخصه لابتياع ما يلزم عياله، وكان يحمله إليهم بنفسه، ويعتذر لمَن يروم مساعدته بحمله عنه فيقول له: «ربّ العيال أولى بعياله».

- أقام صلاة الجماعة في المسجد القريب من داره، وبعد الفراغ من الصّلاة كان يدرّس كتابه (آلاء الرّحمن في تفسير القرآن).

- كان ليّنَ العريكة، خفيف الرّوح، منبسط الكفّ، لا يمزح ولا يحبّ أن يمزح أحد أمامه، تبدو عليه هيبة الأبرار، وتقرأ على أساريره صفات أهل التُّقى والصّلاح.

- على الرّغم من كبر سنّه وضعف بنية جسده، كان هذا العلّامة الجليل يحرص على المشي حافياً أمام الحشد المُتجمهر يوم عاشوراء، وهو يلطم صدره على هيئة أهل العزاء. وله في سيّد الشّهداء الإمام أبي عبد الله الحسين، عليه السّلام، عقيدة راسخة، وحبّ ثابت، فكم له في هذا المضمار من مواقف مشهودة.

- عمل بكلّ قوّة على استنهاض علماء الدّين وإثارة الرّأي العام ضد البهائيّة في بغداد، وإقامة الدّعوى في المحاكم لمنع تصرّفهم في المُلك الّذي استولوا عليه (في محلّة الشيّخ بشّار في الكرخ)، واتّخذوه مكاناً لإقامة طقوس الطّاغوت، فقضت المحاكم بنزعه منهم، واتّخذه، رضوان الله عليه، مسجداً تقام فيه الصّلوات الخمس والمآتم الحسينيّة في ذكرى الطّفّ، وشعائر أهل البيت عليهم السّلام.

 

من أقوال العلماء والأدباء فيه

مدح العلاّمة البلاغيّ وأطراه كلّ مَن ذكره وترجمَ لحياته، خصوصاً زملاؤه ورفاقه في الدّرس وتلامذته الّذين عاشوا معه ردحاً من الزّمن، ونقلوا ما كانوا يشاهدونه من أخلاقه العالية وتواضعه المنقطع النّظير وسموّ نفسه المباركة.

* قال السّيّد محسن الأمين العامليّ (ت: 1371 للهجرة): «كان عالماً فاضلاً، أديباً شاعراً، حسنَ العِشرة، سخيّ النّفس، صرف عمره في طلب العلم وفي التّأليف والتّصنيف، وصنّف عدّة تصانيف في الرّدود، صاحبناه في النّجف الأشرف أيّام إقامتنا فيها، ورغبَ في صُحبة العامليّين فصاحبناه، وخالطناه، حَضَراً وسفراً عدّة سنين إلى وقت هجرتنا من النّجف، فلم نرَ منه إلّا كلّ خُلُقٍ حسن وتقوى وعبادة وكلّ صفة تُحمَد، وجرت بيننا وبينه بعد خروجنا من النّجف مراسلات ومحاورات شعريّة ومكاتبات في مسائل علميّة».

* وقال المحدّث الشّيخ عبّاس القمّيّ (ت: 1359 للهجرة): «..كان، رحمه الله تعالى، ضعيفاً ناحل الجسم، تفانت قواه في المجاهدات، وكان في آخر أمره مُكبّاً على تفسير القرآن المجيد بكلّ جهد أكيد».  

* آقا بزرك الطّهرانيّ (ت: 1389 للهجرة)، قال: «..وقف قبال النّصارى وأمام تيّار الغرب الجارف، فمثّل لهم سموّ الإسلام على جميع الملل والأديان، حتّى أصبح له الشّأن العظيم والمكانة المرموقة بين علماء النّصارى وفضلائها».

* المحامي توفيق الفكيكيّ (ت: 1387 للهجرة): «..نصير الإسلام الشّيخ محمّد الجواد البلاغيّ، [قد] جرّد قلمه البليغ في وجوه المُلحدين والمُبشّرين المستشرقين في الشّرق والغرب..».

* السّيّد حسن الصّدر (ت: 1354 للهجرة)، قال: «عالم فاضل كامل، فقيه مُتكلّم، أديب شاعر، أُصوليّ، أحد حسنات هذا العصر، من بيت علم وفضل، له مصنّفات».

* السّيّد شهاب الدّين المرعشيّ النّجفيّ (ت: 1411 للهجرة)، قال: «العلاّمة الأُستاذ.. سيّد علم المناظرة، والحَبر الوحيد في الجدل، إمام هذا المضمار ومقدام هذه الفسحة..».

شعره

كان الشّيخ محمّد جواد البلاغيّ، مع عظيم مكانته في العلم وتفقّهه في الدّين، أديباً كبيراً وشاعراً مبدعاً، تزخر أشعاره بالعواطف الوجدانيّة، والمشاعر الإنسانيّة، والتّأمّلات الرّوحيّة، وأكثر شعره كان في مدح أهل البيت عليهم السّلام ورثائهم:

* فمن قصائده في ذكرى مولد الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السّلام في الثّالث من شعبان:

شـَعْبانُ كَـمْ نَعِمَتْ عَيْنُ الهُدى فيهِ

لَـوْلا الـمُحَرَّمُ يَـأْتي في دَواهيهِ

وَأَشْـَرقَ الـدِّينُ مِـنْ أَنْوارِ ثالثِهِ

لَـوْلا تَـغَشّاهُ عـاشورٌ بِـداجيهِ

وَارْتاحَ بِالسِّبْطِ قَلْبُ المُصْطفى فَرَحاً

لَـوْ لَـمْ يَـرُعْهُ بذِكْرِ الطَّفِّ ناعيهِ

رآهُ خَـْيـرَ وَلـيِدِ يُـسْتَجارُ بِـهِ

وَخَـيْرَ مُـسْتَشْهَدٍ في الدِّينِ يَحْميهِ

قَـرَّتْ بِهِ عَيْنُ خَيْرِ الرُّسْلِ ثُمَّ بَكَتْ

فـَهَلْ نُـهَنِّيهِ فـيهِ.. أَمْ نُعَزِّيهِ؟

 

* وله قصيدة في ذكرى مولد الإمام المهديّ المنتظر عليه السّلام، مطلعها:

حَيِّ شَعْبانَ فَهُوَ شَهْرُ سُعودي

وَعْدُ وَصْلِي فيهِ وَلَيْلَةُ عيدي

مِنْهُ حَيا الصَّبُّ المَشوقُ شذا الميـ

لادِ فيه وَبَهْجَةَ المَوْلودِ

 

* بعث أحدَ شعراء بغداد بقصيدة رائيّة إلى العلماء يتساءل مُتحيّراً أو مشكّكاً في أمر الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرَجَه الشّريف، فأجابه الشّيخ البلاغيّ بقصيدةٍ طويلة أوّلها:

 

أطَعْتُ الهَوى فيهِمْ فَعاصانيَ الصَّبْرُ

فـَها أنا ما لي فيه نَهْـيٌ وَلا أَمْـرُ

 

 

* ومن قصيدة له يرثي بها الإمام الحسين عليه السّلام، قوله:

يا تَريبَ الخَدِّ في رَمْضا الطُّفوفْ

لَـيَتَني دونَـك نَـهْباً لـلسُّيوفْ

يا نَصيرَ الدّينِ إِذْ عَزَّ النَّصيرْ

وَحِمى الجارِ إِذا عَزَّ المُجيرْ

 

* وله قصيدة عينيّة طويلة ذات معانٍ فلسفيّة عالية، عارض بها عينيّة ابن سينا في النّفس، وممّا قال فيها:

نَـعُمَتْ بِـأَنْ جـاءَتْ بخَلْقِ المُبدِعِ 

ثُـمَّ الـسَّعادَةِ أَنْ يَقولَ لها: ارْجِعي

خُـلِـقَت لأنـفَعِ غـايةٍ، يـا لَيْتَها 

تَـبِعَتْ سـَبيلَ الـرُّشْدِ نَحْوَ الأَنْفَعِ

 

* وله قصيدة في ثامن شوّال سنة 1343 للهجرة‍، وهو اليوم الذي هدّم فيه الوهّابيّون قبور أئمّة الهدى الأطهار عليهم السّلام في البقيع؛ ومطلعها:

دَهاكَ ثامِنُ شَّوّالٍ بِما دَهَما

فَحَقَّ للعَيْنِ إِهْمالُ الدُّموعِ دَمَا

 

ومنها:

يَوْمَ البَقيعِ لَقَدْ جَلَّتْ مُصيبَتُهُ

وَشارَكَتْ في شجاها كَرْبَلا عِظَما

 

تلامذته

قد مرّ ذكر أسماء أساتذة العلامة البلاغيّ وشيوخه، أمّا تلامذته، فقد تتلمذ عليه العديد من أعيان الطّائفة وعلمائها المشهورين، ومن جملة الّذين نهلوا من معين علمه، أو حضروا مجلس درسه، أو رووا عنه، نذكر:

1 - السّيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ، المتوفّى سنة 1413 للهجرة‍.

2 - السّيّد شهاب الدّين المرعشيّ النّجفيّ، المتوفّى سنة1411 للهجرة.

3 - السّيّد محمّد هادي الحسينيّ الميلانيّ، المتوفّى سنة 1395 للهجرة‍.

مصنّفاته وآثاره العلميّة

في الحقيقة أنّه لم يمُت مَن خلّف ما خلّفه شيخنا البلاغيّ من الآثار الّتي تهتدي بها الأجيال، وتحتجّ بها العلماء، فإنّ في مؤلفاته ثمرات ناضجة قدّمها، رضوان الله تعالى عليه، لروّاد الحقيقة، وفيما يلي أسماء عددٍ منها:

1 – (آلاء الرّحمن في تفسير القرآن). توفّي - رحمه الله - ولم يتمّه، إذ وصل فيه إلى نهاية تفسير آية الوضوء من سورة المائدة.

2 - تعليقة على (العروة الوثقى) للسّيّد اليزديّ.

3 - تعليقة على مباحث البيع من كتاب (المكاسب) للشّيخ الأنصاريّ.

4 - تعليقة على كتاب الشّفعة من كتاب (جواهر الكلام).

5 – (العقود المفصّلة في حلّ المسائل المشكلة)، وهي أربعة عشر عقداً في الفقه وأصوله.

6 – (أنوار الهدى)، في الرّدّ على الطّبيعيّين والمادّيّين وشبهاتهم الإلحاديّة. تُرجم إلى الأورديّة.

7 – (مصابيح الهدى)، أو: (المصابيح في بعض مَن أبدع في الدّين في القرن الثّالث عشر)، في الرّدّ على القاديانيّة والبابيّة والبهائيّة والأزليّة، طُبع قسم منه.

8- (دعوى الهدى إلى الورع في الأفعال والفتوى)، في إبطال فتوى الوهّابيّين بهدم أضرحة الأئمّة الأطهار عليهم السّلام في البقيع وبقيّة الأضرحة في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة.

9- رسالة في الرّدّ على الوهّابيّة.

10 – (الهدى إلى دين المصطفى)، في الرّدّ على النّصارى.

11 - ‎(الرّحلة المدرسيّة)، أو: (المدرسة السّيّارة). في الرّدّ على اليهود والنّصارى، في ثلاثة أجزاء.

12 – (داعي الإسلام وداعي النّصارى)، في الرّدّ على النّصارى.

13 – (نور الهدى)، في الرّدّ على شبهات وردت من لبنان.

14 – (البلاغ المبين) في الإلهيّات.

15 – رسالة في الاحتجاج لكلّ ما انفردت به الإماميّة بما جاء من الأحاديث في كتب غيرهم.

16 – (إلزام المُتديّن بأحكام دينه)، بطراز جذّاب وأسلوب فريد في بابه.

17 – (دارْوين وأصحابه).

 

 

وفاته ومدفنه ورثاؤه

توفّي العلّامة المقدّس الشّيخ محمّد جواد البلاغيّ بمرض ليلة الاثنين الثاني والعشرين من شهر شعبان 1352 للهجرة [1932م]، فارتجّت مدينة النّجف بأكملها واجتمعت إلى بيته، وشُيِّع تشييعاً يليق بمقامه، سار فيه آلاف من الجماهير يتقدّمهم عظماء المجتهدين وأساطين العلم والأدب، ودُفن في الحجرة المعروفة بحُجرة آل العامليّ داخل مقام أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب، عليه السّلام.

ومن الملفت أنّ مطلع إحدى قصائده - المذكورة آنفاً - في مدح الإمام الحجّة المنتظر عليه السّلام، في ذكرى مولده السعيد المبارك، قوله:

حَيِّ شَعْبانَ فَهُوَ شَهْرُ سُعودي

وَعْدُ وَصْلِي فيهِ ولَيْلةُ عيدي

 

فكان كما أجراه الله على لسانه، إذ وصل إلى رحمة ربّه في شعبان، ففُجع المؤمنون بوفاته، ورثاه أكابر العلماء والأدباء، وكان في طليعتهم خاله العلّامة السّيّد رضا الهنديّ رحمه الله، في قصيدة رائعة ضمّنها بعض أسماء كتبه، ومطلعها:

إن تُمْسِ في ظُلَمِ اللُّحودِ مُوَسَّدا

فَلَقَدْ أَضَأْتَ بِهِنَّ (أَنْوارَ الهُدى)

وَلَئنْ يُفاجِئْكَ الرَّدى فَلَطالما

حاوَلْتَ إِنْقاذَ العِبادَ مِنَ الرَّدى

 

لا دليلَ عندهم إلا التخمين!

قال العلامة البلاغي في كتابه (الرحلة المدرسية) مناقشاً الماديّين والدهريّين:

وُجدت في الحفريّات في طبقات الأرض قطع كثيرة من الصخور، تُشبه في الوضع والهيئة بعض الآلات الحديديّة، كالفؤوس والمناشير والسكاكين وأسنّة الرماح ورؤوس السهام. فجزم الناس بلا ريب بأنّها آلاتٌ من صُنع البشر، قد صنعوها لأجل غايات مقصودة لهم في أعمالهم، ونَسبوها لعصر خاصّ كانت هي آلاته قبل إيجاد الآلات الحديديّة، وسمّوه «العصر الصواني».

مع أنّ هذه القطع التي وجدوها لم يرها أحد مستعملة في غاياتها، فلماذا لا يقول الناس: إنّ هذه القطع بهيئاتها الخاصّة إنّما هي من أعمال النواميس الطبيعيّة، بسبب تأثيرات عوامل الاستحجار... التي تُنتج هذه الهيئات الخاصّة، كما هو في صغار الصخور والصوّان التي يكثر فيها أن تكون على أشكال هندسيّة: كالمسطّح والمستدير، وما يكون مثل نصف الدائرة... وكالمخروطي بقاعدة هلاليّة، أو كنصف دائرة مع التناسب في سمْكه، وكالكرة، والشكل البيضي، والاسطوانة... إلى غير ذلك من الأوضاع والهيئات؟

وقد شاهدنا في سوق سامرّاء ملح طعام مؤلّف من قطع صغار، هي كأظرف ما يكون من أوضاع الأواني الزجاجيّة بأشكال هندسيّة متناسبة، المقعّر والمحدّب في السّمْك والوضع، تكون مثمّنة ومسدّسة وغيرها، وربما يتدرّج تقعيرها وتحديبها بدرجات متناسبة محفوظة الوضع .

إذا،ً فمن أين علم الناس أنّ هذه القطع التي وُجدت في الحفريّات هي آلات صنعَها الإنسان لأجل غايات مقصودة له؟ هل رأى أحدٌ ذلك بعينه؟ هل رآها بخصوصها مستعملةً في تلك الهيئات؟ أوَ ليست هذه الدعوى مثل دعوى تحوّل الأنواع، لا حجّة لها إلاّ التخمين؟!

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

منذ يوم

دوريّات

نفحات