كلمة سواء

كلمة سواء

منذ يوم

مشكلة المسلمين ليست مع مسيحيّي الغرب!


مشكلة المسلمين ليست مع مسيحيّي الغرب!

ـــــــــــــــــ صبحي غندور* ـــــــــــــــــــــــــــ

مشكلة العالم الإسلاميّ ليست مع المسيحيّين في الغرب، لأنّ العالم المسيحيّ نفسه عانى من صراعات دمويّة حصيلة الصّراع على المصالح بين حكّام دول «العالم الغربيّ»، وقد شهدت أوروبا الغربيّة في القرن العشرين حروباً لم يشهد العالم لها مثيلاً من قبل، جرت بين دول أوروبيّة مسيحيّة، يجمع بينها الموقع الجغرافيّ الواحد، كما يجمعها الدّين الواحد والحضارة الواحدة.

لكن هناك في داخل الغرب قوى تريد التّقارب مع العرب والمسلمين، كما هناك في داخل الغرب قوى تريد العداء معهم. هناك في داخل الغرب قوى تتصارع مع بعضها البعض، وهناك في داخل العالم الإسلاميّ حروب داخليّة على أكثر من مستوى. إذ ليس هناك جبهتان: غربيّة وإسلاميّة، بل هناك كُتَل متنوّعة وقوى متصارعة في كلٍّ من الموقعين.

ولقد مرّت الصّورة المشوّهة للعرب والمسلمين في الغرب عموماً بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: فهناك مرحلة ما قبل سقوط «المعسكر الشّيوعيّ»، حيث كان التّركيز السّلبيّ على الإنسان العربيّ تحديداً (كهويّة قوميّة وثقافيّة دون التّطرّق للبُعد الدّينيّ)، من خلال توصيفه عبر الإعلام وبعض الكتب والأفلام السّينمائيّة بالإنسان الماجن والمتخلّف الذي يعيش في بلدان صحراويّة، ما زالت تركب الجِمال رغم ما تملكه من ثروةٍ نفطيّة. وفي هذه المرحلة جرى تجنّب الحملات السّلبيّة على الإسلام أو المسلمين عموماً بسبب تجنيد المسألة الدّينيّة الإسلاميّة في مواجهة «المعسكر الشّيوعيّ»، كما حدث في أفغانستان ضدّ الحكم الشيوعيّ فيها، وكما جرى في تحريك جمهوريّات إسلاميّة في آسيا ضدّ موسكو الشّيوعيّة.

المرحلة الثّانية: التي بدأت بمطلع عقد التسعينيّات، واستمرّ فيها التّشويه السّلبيّ للهويّة القوميّة الثقافيّة العربيّة، لكن مع بدء التّركيز أيضاً على الهويّة الدّينيّة الإسلاميّة، حيث تجاوز التّشويهُ العرب ليطالَ عموم العالم الإسلاميّ، باعتباره مصدر الخطر القادم على الغرب و«العدوّ الجديد» له بعد سقوط «المعسكر الشّيوعيّ».

في هاتَين المرحلتَين، لعبت (وما تزال إلى الآن) الجماعات الصهيونيّة وقوى عنصريّة ودينيّة متعصّبة ومتصهينة، الدّور الأبرز في إعداد وتسويق الصّور المشوّهة عن العرب والإسلام. بدايةً، لإقناع الرّأي العام الغربي بمشروعيّة وجود «إسرائيل» (مقولة شعب بلا أرض على أرض بلا شعب)، وبأنّ العرب شعب متخلّف ولا يمثّل الحضارة الغربيّة كما تفعل «إسرائيل»! ثمّ أصبح الهدف في المرحلة الثانية (أي في مطلع التّسعينات) هو تخويف الغربيّين من الإسلام والمسلمين كعدوٍّ جديدٍ لهم، وفي ظلّ حملة واسعة من الكتابات والكُتب والمحاضرات عن «صراع الحضارات».  

المرحلة الثّالثة: ظهرت عقب أحداث 11 أيلول 2001، وما لحقها من أعمال عنفيّة في بلدان مختلفة جرت تحت أسماء جماعات إسلاميّة وأصبح يُرمز إليها، اختصاراً لمفاهيمها وأساليبها، بجماعات «القاعدة» رغم عدم تبعيّتها لقيادة واحدة، وهذه المرحلة تجدّد نفسها الآن من خلال ما قامت وتقوم به «جماعات داعش» من إرهاب ووحشيّة في الأساليب، تحت راية ما يُسمّى بـ «الدّولة الإسلاميّة»!

طبعاً تشويه الصّورة العربيّة والإسلاميّة في الغرب، رافقه ويرافقه، عاهات وشوائب كثيرة قائمة في الجسمَين العربيّ والإسلاميّ، ولذلك فإنّ تصحيح الذّات العربيّة، والذّات الإسلاميّة، يجب أن تكون له الأولويّة قبل الحديث عن مسؤوليّة الغرب، علماً أنّ العرب يتحمّلون بحكم المشيئة الإلهيّة دوراً خاصّاً في ريادة العالم الإسلاميّ، فأرضهم هي أرض الرّسل والرّسالات السّماويّة، ولغتُهم هي لغة القرآن الكريم، وعليهم تقع مسؤوليّة إصلاح أنفسهم وريادة إصلاح الواقع الإسلاميّ عموماً.

* باحث عربي مقيم في أميركا.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

منذ يوم

دوريّات

نفحات