مرابطة

مرابطة

منذ يومين

الصّهيونيّة ما زالت «العنصريّة»


رغم إلغاء القرار الأمَميّ (3379)

الصّهيونيّة ما زالت «العنصريّة»

 _____ علي هويدي*______

بتاريخ 10/11/1975، أصدرت «الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة» القرار (رقم 3379)، الذي ينصّ على أنّ «الصّهيونيّة شكل من أشكال العنصريّة والتّمييز العنصريّ»، وقد صوَّت لصالح القرار 73 دولة، بينما صوّتت 35 دولة ضدّه، وامتنعت 32 دولة عن التّصويت.

إلّا أنّ اللّوبي الصّهيونيّ ومن خلال نفوذه السّياسيّ في الأمم المتّحدة، وبالتّعاون مع حلفائه، لا سيّما أميركا، وخلال 16 سنة من العمل المستمرّ، استطاع إجبار الجمعيّة العامّة وفي خطوة غير مسبوقة، على إلغاء القرار واستبداله بالقرار (رقم 8646) لتاريخ 16/12/1991، حيث صوّت لصالح الإلغاء 111 دولة، وعارضته 25 دولة، وامتنعت 13 دولة عن التّصويت، وتغيّبت 17 دولة عن الحضور، وجاء قرار الإلغاء في كلمات معدودة صاغها نائب وزير الخارجيّة الأميركيّ آنذاك لورنس إيغلبرغ: «تُقرّر الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة نبذ الحكم الوارد في قرارها رقم 3379».

 

العنصريّة المستدامة

بعد 23 سنة على إلغاء القرار وحتّى يومنا هذا، يكاد لا يختلف اثنان من أنّ صفة العنصريّة لا تزال ملازمة للصّهيونيّة، فما الّذي يدفع دولاً صادقت على قرار بهذه الأهمّيّة الاستراتيجيّة في سياق الصّراع مع الاحتلال للتّراجع، فهل تغيّرت الصّهيونيّة مثلاً، ولم تعد شكلاً من أشكال العنصريّة؟

- أوَليس إصدار قوانين مصادرة أراضي الفلسطينيّين والبناء عليها بعنصريّة؟

- أوَليست محاولات تهويد القدس والأقصى سواءً على مستوى الحجر أو البشر بعنصريّة؟

- أوَليس مطالبة الاحتلال بشَطب قضيّة اللّاجئين وحقّ العودة، والطّلب للفلسطينيّين والعالم بالاعتراف بيهوديّة الدّولة بعنصريّة؟

- أوَليس احتلال أرض الغير وطرد أهلها منها وارتكاب المجازر بحقّ سكّانها الأصليّين وتغيير اسمها، واستجلاب ملايين اليهود ليسكنوا نفس البيوت بعنصريّة؟

- أوَليس اعتبار القرى والبلدات المهجَّرة - داخل فلسطين المحتلّة عام 1948م - مناطق مغلقة وعسكريّة وتابعة «للدّولة»، وأهلها مُهجَّرون يسكنون بالقرب منها، ويُمنع عليهم حتّى زيارتها بعنصريّة؟.. وهذه الأمثلة ليست بحصريّة..

 

الصهيونية تتحدّى المجتمع الدولي في عُقر داره

في نهاية خمسينيّات القرن الماضي، وربّما لأوّل مرّة تمّ وصف الصّهيونيّة بالعنصريّة، وذلك من خلال مؤتمر دوليّ عُقد في القاهرة بتاريخ 26/12/1957 لتضامن الشّعوب الإفريقيّة والآسيويّة، فقد تمّ تبنّي الفقرة الأولى من تقرير الأوضاع في فلسطين والذي قدّمه الوفد الفلسطينيّ المشارك، وفيها:

«من الواضح أنّ مشكلة فلسطين إنّما تنبع من مؤامرة إمبرياليّة صهيونيّة، هدفت إلى طرد السّكّان الأصليّين من وطنهم، بحيث يُمكن إنشاء دولة تجسّد المصالح الإمبرياليّة، لها مخطّطات الصّهيونيّة التّوسّعيّة العنصريّة العدوانيّة».

خلال حوالي العشرين سنة، بقي مصطلح وصف الصّهيونيّة بالعنصريّة مُتداولاً وبشكلٍ محدودٍ في الأروقة الثّقافيّة والفكريّة والأدبيّة والسّياسيّة، ولم يتّخذ شكله القانونيّ إلّا في العام 1975م، حينها لم يتمالك ممثّل الكيان «الإسرائيليّ» في الأمم المتّحدة حاييم هرتزوغ نفسَه، ليقف أمام ممثِّلي الدّول الأعضاء وليمزّق نصّ القرار قائلاً: «الأمم المتّحدة التي صاغت القرار هي نفسُها مَن سيُلغيه». ومنذ أن اتّخذ القرار شكله التّشريعيّ، تغيّرت مواقف الدّول الأعضاء في الأمم المتّحدة من الصّهيونيّة والاحتلال لصالح حقوق الشّعب الفلسطينيّ.

استشعر القادة الصّهاينة الخطر الدّاهم على مشروعهم الاستراتيجيّ، وما الّذي يمكن أن يحقِّقه القرار الأمميّ في الوعي واللّاوعي الرّسميّ والشّعبي الفلسطينيّ والعربيّ والإسلاميّ والدّوليّ، الذي يُمكن أن يُمهّد لزوال دولة الاحتلال عن فلسطين، لتبدأ معركة جديدة من معارك الدّهاء والخبث السّياسيّ والدّبلوماسيّ والعلاقات العامّة للكيان الصّهيونيّ وأميركا، باستهداف الدّول التي أيّدت القرار وممارسة الضّغط السّياسيّ والإقتصاديّ بانتظار الظّروف المناسبة للمطالبة بالإلغاء.

فأوّل ما طالب به الاحتلال الرّئيسَ المصريّ الأسبق أنور السادات بعد زيارته لفلسطين المحتلّة عام 1977، بأن يساعد دولة الاحتلال على شطب القرار، وهدّدت أميركا بمعاقبة الدّول التي تستمرّ في التّأييد. وفي العام 1985 طلب الكونغرس الأميركيّ من الحكومة الأميركيّة القيام بخطوات جادّة لإلغاء القرار، وفي الذّكرى الأربعين لإنشاء الأمم المتّحدة وجّه الرّئيس الأميركيّ رونالد ريغن كلمة إلى المنظّمة الدّوليّة يبلّغها فيها رسميّاً بأنّ: «القرار 3379 أبشع قرار اتّخذته الأمم المتّحدة في مجمَل تاريخها»، وطالبها بإلغائه.

في المقابل، اتّخذت آلاف المنظّمات غير الحكوميّة قراراً بضرورة إعادة الاعتبار للقرار 3379، وذلك خلال «مؤتمر ديربان لمناهضة العنصريّة» الذي عُقد في جنوب أفريقيا. وفي ليلة 31/8 – 1/9/2001، تحوَّل الحدث إلى الخبر العالميّ الأوّل، ترتّب عليه انسحاب «إسرائيل» وأميركا من المؤتمر.

إلغاء القرار مدخلاً إلى التسوية مع العرب

 انتهت حرب تحرير الكويت في أواخر شباط/ فبراير1991، وفي أوائل آذار/ مارس بدأت التّحضيرات لعقد «مؤتمر مدريد» للتسوية في الشّرق الأوسط. استغلّ الكيان الصّهيونيّ الفرصة واعتبرها الظّرف المناسب، مبدياً الشّرط الرّئيس لمشاركته في المفاوضات: إلغاء القرار!

حملت واشنطن المقترح للدّول العربيّة والإسلاميّة المعنيّة التي «تفهّمت» المقترح، واقتنعت «منظمة التّحرير الفلسطينيّة» بضرورة القبول بإلغاء القرار ثمناً لمطلبها بأن يكون لها إسهام في «مؤتمر مدريد»، وكان موقفها: «نقبل البحث في مبدأ إلغاء القرار، إذا ثبت صدق نوايا إسرائيل في بلوغ السلام»!

عُقد مؤتمر مدريد في 31/10/1991، وأُلغي القرار الأمَميّ في 16/12/1991.

للأسف في الوقت الذي كان فيه اللّوبي الصّهيونيّ وحلفاؤه يسعون للإلغاء، لم يكن هناك، على التّوازي، حِراك فلسطينيّ وعربيّ وإسلاميّ ودوليّ لتثبيت القرار وممارسة المزيد من التّوعية والتّعريف بنتائجه.

بعد 39 سنة على صدوره، وحوالي 23 سنة على إلغائه، يُمكن إعادة الاعتبار لذلك القرار وإحيائه من جديد؛ فالظّروف الموضوعيّة والعلميّة قائمة، والشّواهد تكاد لا تُحصى، لكنّه بحاجة إلى إرادة سياسيّة رسميّة وأدوات شعبيّة مُحرِّكة وفاعلة..

 
 
 

* المنسّق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني - لندن

--

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

منذ يومين

دوريّات

نفحات