قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

منذ يوم

«تفسير المحيط الأعظم والبحر الخِضَم»


(تفسير المحيط الأعظم والبحر الخِضَمّ) للحكيم الإلهي السيد حيدر الآملي

تأويلُ العارف بآيات الله

ـــــــــــــــــ قراءة: محمود إبراهيم ــــــــــــــــــ

الكتاب: (تفسير المحيط الأعظم والبحر الخِضمّ في تأويل كتاب الله العزيز المُحكَم)

المؤلّف: السيد حيدر الآملي (ت: 782 للهجرة)

الناشر: «وزارة الثقافة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، طهران 1415 للهجرة، الطبعة الثانية

 

مبتدأ ما يلفتنا في تفسير العارف الكامل والفيلسوف الإسلامي السيد حيدر الآملي، هو العنوان الذي سطّر تحته منجزَه التأويلي للقرآن الكريم. إذ لم يكن من قبيل العناية اللّفظية أن يصفَ المؤلّف تفسيره بـ (المحيط الأعظم والبحر الخِضَمّ)، فلقد كان بانتقائه لهذا العنوان يرمي الى بلوغ الحدّ الأقصى ممّا توفّره العربية من جميل العبارة لبيان التعامل مع الكتاب الإلهي، فضلاً عن مطابقة اللفظ لمعنى الحكمة البالغة. ولذا فلسنا نرى إلى هذه اللافتة سوى تعبير عن سموّ النص المقدّس وتعاليه. ذلك بأنّ (المحيط الأعظم والبحر الخِضَمّ) هو صفة القرآن، لا تفسيره.

من هذا المدخل الإيماني سيمضي الفيلسوف الإلهي السيد حيدر الآملي الى مسعاه التأويلي. وهو ما سيظهر لنا بوضوح بيّن من خلال منهجه الجَمعي. حيث يتكامل في هذا المنهج الوحي والعقل والكشف، ضمن وحدة معرفيّة لا انفصامَ لها. ولقد أشار المؤلّف الى أحواله فذكرَ أن العناية الإلهية كانت حاضرة في الفؤاد وهو يخوضُ غمارَ (المحيط الأعظم والبحر الخِضَمّ). الأمر الذي ألمح اليه في مطلع كتابه (جامع الأسرار) من أنّ ما قام به من تأويل للآيات الشريفة ليس بكسبٍ ولا اجتهاد، بل إفاضة غيبيّة بطريق الكشف من حضرة الرحمن. وفي خاتمة كتابه الشهير (نَصّ النصوص: ص 536) يتحدّث عن إقامته في النجف الأشرف، فيقول: «فرجعتُ بالسلامة إليه، وسكنتُ فيه، مشتغلاً بالرياضة والخَلوة والطاعة والعبادة التي لا يُمكن أن يكون أبلغ منها ولا أشدّ ولا أعظَم، ففاض على قلبي من الله تعالى، ومن حضراته الغيبيّة في هذه المدّة غير ما قلتُه من: (تأويل القرآن)، و(شرح فصوص الحكم)، وكانت لي من المعاني والمعارف والحقائق والدقائق التي لا يمكن تفصيلها بوجهٍ من الوجوه، لأنها من كلمات الله غير القابلة للحصر والعدّ والانتهاء والانقطاع..».

وشأن السيد حيدر الآملي في رفقة الكتاب الإلهي، شأن صفوة من أكابر أهل الحكمة والعرفان، لمّا وصفوا ما تلقّوه من علوم القرآن، بأنه علمٌ لَدُنيٌّ إرثيٌّ حصَّلوه من طريق طهارة الباطن والارتياض الشرعي والمداومة عليهما، وأيضاً من طريق قرب النوافل وقرب الفرائض والعمل بالأربعينيات والإخلاص لله تعالى. وهذه كلّها حقيقة واحدة تُوجِب أن يكون الانسان طاهراً وتجعله مستعدّاً لنيل شهادة الإفاضة من الحقّ تعالى. ومن الواضح أنّ هذا الإنسان لو استطاع أن يصبح إنساناً قرآنيّاً وسرى القرآن في وجوده لصار من أولئك الذين وصفهم الحقّ تعالى بالمطهّرين، العارفين بالعلوم الإلهية التي لا حدّ لها. وأولئك الذين أُوتوا العلم والمعرفة من لَدنه سبحانه، كما في قوله تعالى: ﴿..وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا..﴾ البقرة:269، وقوله جلّ شأنه: ﴿.. وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ..﴾ الطلاق:2-3.

 

أركان التفسير ومزاياه

بحسب المحقّقين كان فراغ السيد حيدر الآملي من تأليف (المحيط الأعظم) في شهر رمضان المبارك سنة 777 للهجرةـ. وقد وزّعه على سبعة مجلّدات وجعل لها سبع مقدّمات تشكّل كلّ واحدة منها ركناً معرفياً متّصلاً بسائر الأركان ومتكاملاً معها:

-           المقدمة الأولى: وتُعنى ببيان التأويل والتفسير والفرق بينهما وبيان أنّ تأويل القرآن واجب عقلاً وشرعاً.

-           المقدمة الثانية: وهي في بيان كتاب الله الكبير الآفاقي وتطبيقه بكتاب الله القرآني.

-           المقدمة الثالثة: في بيان حروف الله الآفاقية وتطبيقها بحروف الله القرآنية.

-           المقدمة الرابعة: في بيان كلمات الله الآفاقية وتطبيقها بكلمات الله القرآنية.

-           المقدمة الخامسة: في بيان آيات الله الآفاقية وتطبيقها بآيات الله القرآنية.

-    المقدمة السادسة: في بيان الشريعة والطريقة والحقيقة، وبيان أنها أسماء مترادفة صادقة على حقيقة واحدة باعتبارات مختلفة.

-           المقدمة السابعة: في بيان التوحيد وأقسامه ومراتبه؛ من التوحيد الفعلي والوصفي والذاتي.

 

المقدّمات السَّبع للبطون السَّبعة

لم تكن المقدّمات السَّبع التي رتّب السيد الآملي نظامه التفسيري على نصابها، ضرباً من المصادفة المنهجية، وإنما جاءت لتنسجم وتُطابق مقتضى الحديث الشريف: «إنّ للقرآن ظَهراً وبطناً، ولِبَطنِه بطناً الى سَبعَة أبطُن». ومن أجل أن يكتمل الانسجام والتطابق بين ظاهر المنهج وأبعاده الباطنية، سنجد كيف جمع السيد بين المقدّمات السَّبع، والبطون السبعة إلى اشتمال القرآن المجيد على السّبعات المعلومة (السّبع المثاني) وغير ذلك ممّا أوجب ترتيبه على الأعداد السبعة.

وعلى أيّ حال لم تكن الدقّة المنهجيّة سوى واحدة من جملة مزايا شكّلت الشخصية العارفة بالآيات البيّنات لدى المؤلّف. فإلى زهده وتواضعه وإلمامه العميق بالحكمة الإلهية والعرفان والفقه والتأويل، كانت له إمكاناته الخلاّقة على الجمع بين جوهر التشيّع وجوهر العرفان بقسمَيه النظري والعملي. حتّى لقد بلغ الأمر بكثيرين من الحكماء وأقطاب التصوّف في زمانه إلى النظر إليه باعتباره الشخصيّة المحورية التي استطاعت إجراء مصالحة عميقة بين علوم الشريعة وعلوم الحقيقة ومنظومة السير والسلوك إلى عالَم التوحيد.

ولعلّ من جملة الخصوصيّات التي تميّزت بها شخصية السيد الآملي أنه في جميع كُتبه ومؤلّفاته ولا سيّما كتاب (جامع الأسرار)، كان يحرص على الذَّود عن عقائد الإمامية وعن العرفان الحقيقي، ويعتقد بأنّ مذهبه في هذا هو المذهب الحقّ، لأنّ الولاء لأهل العصمة والطهارة هو الصراط المستقيم، فهو نفس طريق النبيّ وطريق الحقّ سبحانه.

وهكذا فقد اهتمّ في كتاب (جامع الأسرار) بالتركيز على أربع قواعد متلازمة كفيلة بوصول السالك عقيدة التوحيد الحقّة، وهي:

-           وحدة الشريعة والطريقة والحقيقة.

-           وحدة النبوّة والرسالة والولاية.

-           وحدة الوحي والإلهام والكشف.

-           وحدة الإسلام والإيمان والإيقان.

وسنجده بعد أن يستقرّ به الحال على هذه القواعد المنهجية ينبِّه الى ما يجب على السالك لزومُه وهو يمضي في تدبّر الآيات الشريفة. يقول المؤلّف: «يجب على السّالك إلى الله أن يتعلّم من الشريعة ما لا بدّ من عِلمه، ومن عمل الطريقة ما لا بدّ منه، وذلك حتّى يتمكّن من أن يحصل على أنوار الحقيقة بقدر سَعيه وجُهده».

وعلى أساس هذه السَّيرورة من المجاهدة في السبيل الإلهي يقرّر المؤلّف جملة استنتاجات:

-           كلّ شخص يقبل ما قاله النبيّ صلّى الله عليه وآله فهو من أهل الشريعة.

-           وكلّ شخص يعمل عملَ النبيّ صلّى الله عليه وآله فهو من أهل الطريقة.

-           وكلّ شخص يرى ما يراه النبيّ صلّى الله عليه وآله فهو من أهل الحقيقة.

على هذا النحو يُمكن القول إنّ البناء المعرفي الفلسفي والعرفاني عند السيد حيدر الآملي هو بناء ترتكز قواعده على الفهم النبويّ للكلام الإلهي، وما بلغَنا ممّا رُوي عن أوصيائه المعصومين عليهم السلام. وسنرى ذلك بوضوح كامل في استحضاره الروايات الشريفة، ومنها الكثير ممّا ورد عنهم صلوات الله عليهم حولَ القرآن الكريم. نشير على سبيل المثال، لا الحصر، إلى ما رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام: «كتابُ اللهِ عَلى أربعةِ أشياء: العبارة، والإشارة، واللّطَائف، والحقائق. فالعبارةُ للعَوامّ، والإشارةُ للخَواصّ، واللّطائفُ للأولياء، والحقائقُ للأنبياء عليهم السلام».

وسنلاحظ كيف أن صاحب (المحيط الأعظم والبحر الخِضَمّ) يُكثِر من روايات الأئمّة الأطهار وهو يواصل عملَه التفسيري على امتداد مجلّدَين كاملَين.

قصارى الكلام حول كتاب (تفسير المحيط الأعظم والبحر الخِضَمّ)، أنّه أحد العلامات الفارقة في التفسير والتأويل التي شهدَها حقل التفسير في الفكر الإسلامي سحابةَ أكثر من ستّة قرون خَلَت.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

منذ يوم

دوريّات

نفحات