الاستحواذ*
دلالاته ومعانيه في الآيات والروايات
ــــــــــــ
الشيخ حسين كوراني ـــــــــــــــــــــ
قال الله تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ
الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ..﴾ المجادلة:19.
والاستحواذ في اللّغة: الاستيلاء والحيازة.
* وفي (العين للفراهيديّ: 3/284) ما يدلّ على أنّ «حاذ» قريبٌ من «حاط»،
و«حاز».. وعليه: فيكون معنى ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِم﴾: أدخلَهم في حَيِّزه..
وحوزتِه.
* وفي (الصِّحاح) للجوهريّ:
«استحوذ عليه الشّيطان أي غلبَ عليه، وهذا
جاء بالواو على أصله كما جاء استروَح واستَصوَب ".." تقول العرب: استصابَ
واستَصوَب واستجابَ واستجوَب..».
أضاف:
«وقوله تعالى: ﴿.. أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ
عَلَيْكُمْ..﴾ النساء:141، أي: أَلَم نَغْلِب على أمورِكم ونَستَولِ على مودّتِكم».
(الصِّحاح: 2/563)
وذُكِرَ هذا المعنى في (البحار: 7/209).
* قال الشّيخ الطّوسيّ عليه الرّحمة:
«.. ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ
الشَّيْطَانُ..﴾ معناه: استولى عليهم، فالاستحواذُ الاستيلاءُ على الشيء باقتطاع».
(التّبيان: 9/555)
*
وفي (رياض السّالكين) للّسيّد علي خان: «استحوذَ عليه الشّيطان: غلبَه، واستَمالَه
إلى ما يريدُ منه».
(المصدر: 5/46)
*
وفي (تفسير مقتنيات الدُّرَر) للسّيّد عليّ الحائريّ الطّهرانيّ: «.. ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ..﴾: من
حُذْتُ الإِبِلَ؛ إذَا اسْتَولَيْتُ عَليها وجَمَعتُها وسُقْتُها سَوقاً عَنيفاً،
أي ملَكَهم الشّيطانُ لطَاعتِهم لَه في كلِّ مَا يريدُ منهم».
(المصدر: 1/79)
ومن الطّبيعيّ أن تكون نتيجة عمليات النَّزغ
والهَمز والاستفزاز والاتْباع والاستهواء هي الاستحواذ. قال أمير المؤمنين عليه
صلوات الرّحمن:
«اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأَمْرِهِمْ
مِلَاكاً، واتَّخَذَهُمْ لَه أَشْرَاكاً، فَبَاضَ وفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ، ودَبَّ
ودَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ ونَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ،
فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وزَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ، فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَه
الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِه، ونَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِه».
ومن هنا يتّضح أنّ: التّديُّن تأكيدُ الذّات..
وعدمُه هو: ﴿الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.
وكما يتعيّن الحذر على مشارف كلّ عمليّة
من عمليّات الشيطان.. فإنّه يتعيّن على مشارف الاستحواذ.. بل لا بدّ من أن يكون
الحَذَر هنا أشدّ بكثير.. ألا ترى أنّ مَن يَجِد نفسَه قد أُحيطَ به.. فهو على
مشارف الهاوية والهلاك يبذلُ من الجهد ما لا عهدَ له به في وقتٍ سابق.. واستحواذُ
الشّيطان يعني الهَلاك.. فمن الطبيعيّ جدّاً أن يبذلَ مَن يَجِد نفسَه على أبوابه
أقصى جهدِه للإفلات من قبضة الشّيطان..
ومن نِعَم الله تعالى أنّنا دُللنا على
المخاطر التي إذا وقعنا فيها أمكنَ للشّيطان أن يستحوذَ علينا.. فأصبحَ باستطاعتنا
تجنّبُها..
* من مخطوط لسماحة الشيخ حسين كوراني تحت
عنوان: (أسرار اللّيل في شرح دعاء كُميل)