موجز في تفسير
سورة
المُجادِلة
ـــــ سليمان
بيضون ـــــ
* السُّورة الثامنة والخمسون في ترتيب سُوَر
المُصحف الشّريف، نزلتْ بعد «المنافقون».
* سُمِّيتْ بـ «المجادلة»،
لقوله، عزّ وجلّ، في الآية الأولى منها: ﴿ قَدْ سَمِعَ
اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا..﴾.
* آياتُها اثنتان وعشرون،
وهي مدنيّة، مَن قرأها كُتب من حزب الله في يوم القيامة، ومَن أدام قراءتَها
في فرائضه، لا يرى في نفسِه ولا في أهلِه سوءاً أبداً، كما في الحديث الشّريف.
في ما يلي، موجز في تفسير السّورة المباركة اخترناه من تفاسير: (الميزان)
للعلّامة السّيّد محمّد حسين الطّباطبائيّ، و(الأمثل) للمرجع الدّينيّ الشّيخ
ناصر مكارم الشّيرازيّ، و(نور الثّقلين) للّشيخ عبد عليّ الحويزيّ.
|
رُوي في سبب نزول الآيات الأولى من سورة
المجادلة أنّ امرأةً جاءت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله تشكو إليه زوجَها الذي
قال لها في ساعة غضب: «أنتِ عَلَيَّ كظَهر أُمّي»، وهي صيغةٌ من الطّلاق كان عند
عرب الجاهليّة. عندها نزلت هذه الآيات (1 إلى 4) تبيّن حرمةَ هذا القول من الرّجل
لامرأته، وبطلانَ هذا النّوع من الطّلاق – وهو الظِّهار - ولزوم الكفّارة على من يُوقِعه
قبل أن تحلّ له زوجتُه من جديد.
مضامين سورة المجادلة
«تفسير الميزان»: تتعرّض السّورة لِمعانٍ متنوّعة: من أحكام
وآداب وصفات: فشطرٌ منها في حُكم الظِّهار، والنّجوى، وأدب الجلوس في المجالس.
وشطرٌ منها يصِفُ حال الذين يُحَادّون الله ورسولَه،
والذين يوادّون أعداء الدّين، ويَصِفُ الذين يتحرّزون من موادّتهم من المؤمنين، ويعِدُهم
وعداً جميلاً في الدّنيا والآخرة.
***
«تفسير
الأمثل»: نزلت هذه السّورة في المدينة، وانسجاماً مع موضوعات السّوَر المدنيّة
فإنّها تتحدّث في الغالب عن الأحكام الفقهيّة، ونظام الحياة الاجتماعيّة، والعلاقات
بين المسلمين وغيرهم، ونستطيع أن نلخّص أهمّ أبحاثها في ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل: يتحدّث عن حكم (الظِّهار)، الذي كان يُعدّ
نوعاً من الطّلاق والانفصال الدّائم، حيث قوَّمه الإسلام، وجعله في الطّريق الصّحيح.
القسم الثّاني: يتحدّث عن مجموعة من التّعليمات الخاصّة
بآداب المُجالسة، والتي منها: «التّفسُّح» في المجالس، ومَنع النّجوى.
القسم الثّالث: يتعرّض إلى بحثٍ وافٍ ومفصّل حول المُنافقين،
تلك الفئة التي تتظاهر بالإسلام، إلّا أنّها تتعاون مع أعدائه، ويحذّر المؤمنين من
الدّخول في حزب الشّيطان والنّفاق، ويدعوهم إلى الحبّ في الله والبغض في الله، والالتحاق
بحزب الله.
ثواب تلاوتها
نُقلت روايتان في فضيلة تلاوة سورة المجادلة:
الأولى في (تفسير مجمع البيان) للطبَرسيّ،
عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «مَنْ قَرَأَ سورَةَ المُجادِلَةِ كُتِبَ
مِنْ حِزْبِ اللهِ في يَوْمِ القِيامَةِ».
والرّواية الثّانية في (ثواب الأعمال)
للشّيخ الصَّدوق، عن الإمام الصّادق عليه السّلام: «مَنْ قَرَأَ سورَةَ الحَديدِ
وَالمُجادِلَةِ في صَلاةِ فَريضَةٍ وَأَدْمَنها، لَمْ يُعَذِّبْهُ اللهُ حَتّى يَموتَ
أَبَداً، وَلا يَرى في نَفْسِهِ وَلا في أَهْلِهِ سُوءاً أَبَداً، وَلا خَصَاصَةً في
بَدَنِهِ».
تفسير آيات من سورة المجادلة
قوله تعالى: ﴿.. مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا
هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ
وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا..﴾ الآية:7.
* عن أمير المؤمنين عليه السّلام في
تفسير «المَعيّة» المذكورة في الآية: «.. إِنَّما أَرادَ بِذَلِكَ اسْتيلاءَ أُمَنائِهِ
بِالقُدْرَةِ الّتي رَكَّبَها فيهِمْ عَلى جَميعِ خَلْقِهِ، وَأَنَّ فِعْلَهُمْ فِعْلُهُ».
* الإمام الصّادق عليه السّلام: «هُوَ
واحِدٌ أَحَدِيُّ الذّاتِ، بايِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَبِذَلِكَ وَصَفَ نَفْسَهُ؛ وَهُوَ
بِكُلِّ شَيْءٍ مُحيطٌ، بِالإِشْرافِ وَالإِحاطَةِ وَالقُدْرَةِ، لا يَعْزُبُ عَنْهُ
مِثْقالُ ذَرَّةٍ في السَّماواتِ وَلا في الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا
أَكْبَرُ، بِالإِحاطَةِ وَالعِلْمِ لا بِالذّاتِ، لِأَنَّ الأَماكِنَ مَحْدودَةٌ تَحْويها
حُدودٌ أَرْبَعَةٌ، فَإِذا كانَ بِالذّاتِ لَزِمَهُ الحواية».
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ
الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا..﴾ الآية:10.
النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «إِذا
كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلا يَتَناجَ اثْنانِ دونَ صاحِبِهما، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ».
قوله تعالى: ﴿.. يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ
وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ..﴾ الآية:11.
النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «فَضْلُ
العالِمِ عَلى الشَّهيدِ دَرَجَة، وَفَضْلُ الشَّهيدِ عَلى العابِدِ دَرَجَة، وَفَضْلُ
النَّبِيِّ عَلى العالِمِ دَرَجَة، وَفَضْلُ القُرْآنِ عَلى سائِرِ الكَلامِ كَفَضْلِ
اللهِ عَلى سائِرِ خَلْقِهِ، وَفَضْلُ العالِمِ عَلى سائِرِ النّاسِ كَفَضْلي عَلى
أَدْناهُمْ».
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً..﴾ الآية:12.
أمير المؤمنين عليه السّلام: «إِنَّ
في كِتابِ اللهِ لَآيَةً ما عَمِلَ بِها أَحَدٌ قَبْلي وَلا يَعْمَلُ بِها أَحَدٌ بَعْدي،
آيَةَ النَّجْوى، إِنَّهُ كانَ لي دينارٌ فَبِعْتُهُ بِعَشَرَةِ دَراهِمَ، فَجَعَلْتُ
أُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ كُلِّ نَجْوى أُناجيها النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ، دِرْهَماً..».
قوله: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ
فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ..﴾ الآية:19.
أمير المؤمنين عليه السّلام، في خطبة
له: «إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ،
يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ الله، ويَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالًا عَلَى غَيْرِ
دِينِ الله، فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى
الْمُرْتَادِينَ، ولَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ
عَنْه أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ، ولَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ ومِنْ هَذَا ضِغْثٌ
فَيُمْزَجَانِ، فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِه، ويَنْجُو
الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الْحُسْنى».
قوله تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ
بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ..﴾ الآية:22.
النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «.. أَلا
إِنَّ أَعْداءَ عَلِيٍّ هُمْ أَهْلُ الشِّقاقِ والنِّفَاقِ، والحَادّون، وهُمُ العادونَ
وَإخوانُ الشَّياطينِ الّذينَ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُروراً.
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَهُمُ الّذينَ ذَكَرَهُمُ اللهُ في كِتابِهِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ
اللهَ وَرَسُولَهُ..﴾».
قوله تعالى: ﴿..أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ
الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ..﴾ الآية:22.
* الإمام الصّادق عليه السّلام: «ما
مِنْ مُؤْمِنٍ إِلّا وَلِقَلْبِه أُذُنانِ في جَوْفِهِ: أُذُنٌ يَنْفُثُ فيهِ الوَسْواسُ
الخَنّاسُ، وَأُذُنٌ يَنْفُثُ فيها المَلَكُ، فَيُؤَيِّدُ اللهُ المُؤْمِنَ بِالمَلَكِ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وأَيّدَهُمْ بِرُوْحٍ مِنه﴾».
* الإمام الكاظم عليه السّلام: «إِنَّ
اللهَ، تَبارَكَ وَتَعالى، أَيَّدَ المُؤْمِنَ بِرُوحٍ مِنْهُ، تَحْضُرُهُ في كُلِّ
وَقْتٍ يُحْسِنُ فيهِ وَيَتَّقي، وَتَغيبُ عَنْهُ في كُلِّ وَقْتٍ يُذْنِبُ فيهِ وَيَعْتَدي،
فَهِيَ مَعَهُ تَهْتَزُّ سُروراً عِنْدَ إِحْسانِهِ، وَتَسيخُ في الثَّرى عِنْدَ إِساءَتِهِ،
فَتَعاهَدوا عِبادَ اللهِ نِعَمَهُ بِإِصْلاحِكُمْ أَنْفُسَكُمْ تَزْدادوا يَقيناً،
وَتَرْبَحوا نَفيساً ثَميناً، رَحِمَ اللهُ امْرَءاً هَمَّ بِخَيْرٍ فَعَمِلَهُ، أَوْ
هَمَّ بِشَرٍّ فَارْتَدَعَ عَنْهُ..».
* الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام:
«إِنَّ ابْني هُوَ القائِمُ مِنْ بَعْدي، وَهُوَ الّذي يَخْرُجُ في سِيَرِ الأَنْبِياءِ،
عَلَيْهِمُ السَّلامُ، بِالتَّعْميرِ وَالغَيْبَةِ، تَقْسو القُلوبُ بِطولِ الأَمَدِ
فَلا يَثْبُتُ عَلَى القَوْلِ بِهِ إِلّا مَنْ كَتَبَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ في قَلْبِهِ
الإيمانَ وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ».