«.. مَولاك يُقرِئكَ السَّلام»
من الكرامات المهدويّة على أيدي السّفراء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رواية الشّيخ الصّدوق
قدّس سرّه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصّةُ واحدٍ من
التّوقيعات التي خرجت من الإمام المهدي صلوات
الله عليه زمنَ غَيبته الصّغرى بواسطة السّفير
الثّالث أبي القاسم الحسين بن روح النّوبختي، وقد أوردها الشّيخ الصّدوق في
الباب الخامس والأربعين من كتابه (كمال الدّين وتمام النّعمة) تحت عنوان: (ذكر
التّوقيعات)، وأوردها الشّيخ الطّوسيّ في كتابه (الغَيبة) في فصل (معجزات الحجّة
عجّل الله تعالى فرجه الشّريف).
|
قال الشّيخ الصَّدوق
رضوان الله عليه:
«أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ، الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ، بْنِ يَحْيَى الْعَلَوِيُّ، ابْنُ أَخِي
طَاهِرٍ بِبَغْدَادَ، طَرَفَ سُوقِ الْقُطْنِ فِي دَارِهِ، قَالَ:
قَدِمَ أَبُو الْحَسَنِ
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْعَقِيقِيُّ بِبَغْدَادَ - فِي سَنَةِ
ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ - إِلَى عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ الْجَرَّاحِ
- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ وَزِيرٌ - فِي أَمْرِ ضَيْعَةٍ لَهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ
لَهُ: إِنَّ أَهْلَ بَيْتِكَ فِي هَذَا الْبَلَدِ كَثِيرٌ، فَإِنْ ذَهَبْنَا
نُعْطِي كُلَّمَا سَأَلُونَا طَالَ ذَلِكَ...
فَقَالَ لَهُ
الْعَقِيقِيُّ: فَإِنِّي أَسْأَلُ مَنْ فِي يَدِهِ قَضَاءُ حَاجَتِي.
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ
بْنُ عِيسَى: مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَرَجَ مُغْضَباً.
قَالَ [العقيقيّ]:
فَخَرَجْتُ وَأَنَا أَقُولُ: فِي اللهِ عَزَاءٌ مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكٌ مِنْ
كُلِّ مُصِيبَةٍ.
قَالَ [العقيقيّ]:
فَانْصَرَفْتُ فَجَاءَنِي الرَّسُولُ مِنْ عِنْدِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ [السّفير الثّالث]،
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ، فَذَهَبَ مَنْ عِنْدِي
فَأَبْلَغَهُ [أي
أبلغ الحسينَ بن روح]، فَجَاءَنِي [في
المرةّ الثانية] الرَّسُولُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَدَداً
وَوَزْناً، وَمِنْدِيلٍ، وَشَيْءٍ مِنْ حَنُوطٍ وَأَكْفَانٍ، وَقَالَ لِي:
مَوْلَاكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ:
إِذَا أَهَمَّكَ
أَمْرٌ أَوْ غَمٌّ فَامْسَحْ بِهَذَا الْمِنْدِيلِ وَجْهَكَ، فَإِنَّ هَذَا
مِنْدِيلُ مَوْلَاكَ، وَخُذْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَهَذَا الْحَنُوطَ وَهَذِهِ
الْأَكْفَانَ، وَسَتُقْضَى حَاجَتُكَ فِي
لَيْلَتِكَ هَذِهِ، وَإِذَا قَدِمْتَ إِلَى مِصْرَ، يَمُوتُ مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ مِنْ قَبْلِكَ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَمُوتُ بَعْدَهُ
فَيَكُونُ هَذَا كَفَنَكَ، وَهَذَا حَنُوطَكَ، وَهَذَا جَهَازَكَ.
قَالَ [العقيقيّ]:
فَأَخَذْتُ ذَلِكَ وَحَفِظْتُهُ وَانْصَرَفَ الرَّسُولُ، وَإِذَا أَنَا
بِالْمَشَاعِلِ عَلَى بَابِي وَالْبَابُ يُدَقُّ، فَقُلْتُ لِغُلَامِي (خَيْرٍ):
يَا (خَيْرُ)، انْظُرْ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ ذَا؟
فَقَالَ (خَيْرٌ):
هَذَا غُلَامُ حُمَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ ابْنِ عَمِّ الْوَزِيرِ،
فَأَدْخَلَهُ إِلَيَّ.
فَقَالَ لِي [غلامُ حميد الكاتب]:
قَدْ طَلَبَكَ الْوَزِيرُ [أي
ابن الجَرّاح]، وَيَقُولُ لَكَ مَوْلَايَ حُمَيْدٌ:
ارْكَبْ إِلَيَّ.
قَالَ: فَرَكِبْتُ
وَخبت [وجُبْتُ]
الشَّوَارِعُ وَالدُّرُوبُ وَجِئْتُ إِلَى شَارِعِ الرَّزَّازِينَ، فَإِذَا بِحُمَيْدٍ
قَاعِدٌ يَنْتَظِرُنِي، فَلَمَّا رَآنِي أَخَذَ بِيَدِي وَرَكِبْنَا فَدَخَلْنَا
عَلَى الْوَزِيرِ.
فَقَالَ لِيَ
الْوَزِيرُ: يَا شَيْخُ، قَدْ قَضَى اللهُ حَاجَتَكَ، وَاعْتَذَرَ إِلَيَّ،
وَدَفَعَ إِلَيَّ الْكُتُبَ مَكْتُوبَةً مَخْتُومَةً قَدْ فَرَغَ مِنْهَا. [الكُتب هي الأوراق
الخاصّة بضَيعتِه]
قَالَ [العقيقيّ]:
فَأَخَذْتُ ذَلِكَ وَخَرَجْتُ.
***
قَالَ أَبُو
مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ [هو الذي سمع منه الشيخ الصدوق هذا الخبر، وتقدّم ذكره في
بداية النصّ]: فَحَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ
بْنُ أَحْمَدَ الْعَقِيقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، بِنَصِيبِينَ بِهَذَا، وَقَالَ لِي:
مَا خَرَجَ هَذَا الْحَنُوطُ إِلَّا لِعَمَّتِي فُلَانَةَ، لَمْ يُسَمِّهَا،
وَقَدْ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي.*
[أضاف
العقيقيّ]: وَلَقَدْ قَالَ لِيَ الْحُسَيْنُ بْنُ
رَوْحٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنِّي أَمْلِكُ الضَّيْعَةَ وَقَدْ كَتَبَ لِي
بِالَّذِي أَرَدْتُ.**
فَقُمْتُ [الضمير راجع إلى أبي
محمّد الحسن بن محمّد] إِلَيْهِ [أي إلى العقيقيّ]
وَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَعَيْنَيْهِ، وَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي أَرِنِي الْأَكْفَانَ
وَالْحَنُوطَ وَالدَّرَاهِمَ.
قَالَ: فَأَخْرَجَ
إِلَيَّ الْأَكْفَانَ، وَإِذَا فِيهَا بُرْدُ حِبَرَةٍ مُسَهَّمٌ [المسهّم:
المخطّط] مِنْ نَسِيجِ الْيَمَنِ، وَثَلَاثَةُ
أَثْوَابٍ مَرْوِيٌ وَعِمَامَةٌ، وَإِذَا الْحَنُوطُ فِي خَرِيطَةٍ. وَأَخْرَجَ
إِلَيَّ الدَّرَاهِمَ فَعَدَدْتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَوَزْنُهَا مِائَةُ
دِرْهَمٍ. فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي هَبْ لِي مِنْهَا دِرْهَماً أَصُوغُهُ خَاتَماً.
قَالَ: وَكَيْفَ
يَكُونُ ذَلِكَ؟ خُذْ مِنْ عِنْدِي مَا شِئْتَ.
فَقُلْتُ: أُرِيدُ
مِنْ هَذِهِ، وَأَلْحَحْتُ عَلَيْهِ وَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَعَيْنَيْهِ،
فَأَعْطَانِي دِرْهَماً فَشَدَدْتُهُ فِي مِنْدِيلٍ وَجَعَلْتُهُ فِي كُمِّي.
فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى الْخَانِ فَتَحْتُ زِنْفِيلَجَةً [صنف
من الحقائب القديمة] مَعِي وَجَعَلْتُ الْمِنْدِيلَ فِي الزِّنْفِيلَجَةِ،
وَقَيْدُ الدِّرْهَمِ مَشْدُودٌ، وَجَعَلْتُ كُتُبِي وَدَفَاتِرِي فَوْقَهُ.
وَأَقَمْتُ أَيَّاماً،
ثُمَّ جِئْتُ أَطْلُبُ الدِّرْهَمَ، فَإِذَا الصُّرَّةُ مَصْرُورَةٌ بِحَالِهَا
وَلَا شَيْءَ فِيهَا فَأَخَذَنِي شِبْهُ الْوَسْوَاسِ. فَصِرْتُ إِلَى بَابِ
الْعَقِيقِيِّ فَقُلْتُ لِغُلَامِهِ (خَيْرٍ): أُرِيدُ الدُّخُولَ إِلَى
الشَّيْخِ، فَأَدْخَلَنِي إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا لَكَ؟
فَقُلْتُ: يَا
سَيِّدِي الدِّرْهَمُ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي إِيَّاهُ مَا أَصَبْتُهُ فِي
الصُّرَّةِ.
فَدَعَا بِالزِّنْفِيلَجَةِ
وَأَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ، فَإِذَا هِيَ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَداً وَوَزْناً،
وَلَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ أَتَّهِمُهُ، فَسَأَلْتُهُ فِي رَدِّهِ إِلَيَّ
فَأَبَى.
ثُمَّ خَرَجَ [العقيقيّ]
إِلَى مِصْرَ وَأَخَذَ الضَّيْعَةَ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ كَمَا قِيلَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ، رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، وَكُفِّنَ فِي الْأَكْفَانِ الَّتي دُفِعَتْ إِلَيْهِ.
* [توضيح: جاء في
هامش (كمال الدّين) حول هذه العبارة: كذا في (البحار) نقلاً عن (الغَيبة) للطّوسيّ
رحمه الله، فيُحتمل أن تكون عمّته في بيت الحسين بن روح فخرج إليها. وفي بعض النّسخ
من (الإكمال): «وقد
بغيتُه لنفسي».
والمعنى: ما خرج هذا الحنوط أوّلاً إلّا لعمّتي، ثمّ طلبت حنوطاً لنفسي فخرج مع
الكفن والدّراهم]
** [كَتَبَ: على بناء
المعلوم، فالضّمير المرفوع راجع إلى الحسين بن روح، أي: وقد كان كتب مطلبي إليه عليه
السّلام، فلمّا خرج أخبرني به قبل ردّ الضّيعة. كُتِبَ: على بناء المجهول ليكون
حالاً عن ضمير «أملك»، أو تصديقاً لما أخبر به]
قنوت
مولانا الحجّة
محمّد بن الحسن عجّل الله تعالى فرجه الشّريف
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ
وَأَكْرِمْ أَوْلِيَاءَكَ بِإِنْجَازِ وَعْدِكَ، وَبَلِّغْهُمْ دَرْكَ مَا
يَأْمُلُونَهُ مِنْ نَصْرِكَ، وَاكْفُفْ عَنْهُمْ بَأْسَ مَنْ نَصَبَ الْخِلَافَ
عَلَيْكَ، وَتَمَرَّدَ بِمَنْعِكَ [بِنِعَمِكَ] عَلَى رُكُوبِ مُخَالَفَتِكَ، وَاسْتَعَانَ بِرِفْدِكَ عَلَى
فَلِّ حَدِّكَ، وَقَصَدَ لِكَيْدِكَ بِأَيْدِكَ، وَوَسِعْتَهُ حِلْماً
لِتَأْخُذَهُ عَلَى جَهْرَةٍ وَتَسْتَأْصِلَهُ عَلَى عِزَّةٍ
(غرّة).
فَإِنَّكَ اللَّهُمَّ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ ﴿..حَتَّى
إِذا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ
قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً
كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ﴾ يونس:24،
وقلت ﴿فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ..﴾ الزّخرف:55.
وَإِنَّ الْغَايَةَ عِنْدَنَا قَدْ تَنَاهَتْ، وَإِنَّا لِغَضَبِكِ غَاضِبُونَ،
وَإِنَّا عَلَى نَصْرِ الْحَقِّ مُتَعَاصِبُونَ، وَإِلَى وُرُودِ أَمْرِكَ
مُشْتَاقُونَ، وَلِإِنْجَازِ وَعْدِكَ مُرْتَقِبُونَ، وَلِحُلُولِ وَعِيدِكَ
بِأَعْدَائِكَ مُتَوَقِّعُونَ، اللَّهُمَّ فَأَذِّنْ بِذَلِكَ وَافْتَحْ
طُرُقَاتِهِ، وَسَهِّلْ خُرُوجَهُ، وَوَطِّئْ مَسَالِكَهُ، وَاشْرَعْ شَرَائِعَهُ،
وَأَيِّدْ جُنُودَهُ وَأَعْوَانَهُ، وَبَادِرْ بَأْسَكَ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ،
وَابْسُطْ سَيْفَ نَقِمَتِكَ عَلَى أَعْدَائِكِ الْمُعَانِدِينَ، وَخُذْ
بِالثَّارِ إِنَّكَ جَوَادٌ مَكَّار.
(مهج الدعوات، السيّد ابن طاوس)