أمُّ
المؤمنينَ أمُّ سَلَمَة الشّاهدة والشّهيدة
أوّل مدافع عن الزّهراء عليها السّلام
ماتت
كمداً بعد قتل الحسين عليه السّلام
______
إعداد: سليمان بيضون ______
هي أفضل زوجات النّبيّ
صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد أمّ المؤمنين خديجة رضوان الله عليهما، وقد شهد لها رسول
الله صلّى الله عليه وآله بحُسن العاقبة.
كانت أمّ سلمة مجاهدةً
بالكلمة والموقف، منذ الانقلاب على الأعقاب مروراً بفِتَن النّاكثين والقاسطين والمارقين.
وقد روت الأحاديث الولائيّة، وشهدت على نزول آية التّطهير وجُلّ مناقب العترة
الطّاهرة. وأجمع الرّواة والمحدّثون الثّقات على أنّها كانت مستودعاً لأسرار
الإمامة، ومنها حفظُها تربةَ سيّد الشّهداء عليه السلام قبل استشهاده.
هنا نبذة من سيرتها
الشّريفة، مقتبسة من عدّة مصادر.
|
هند بنتُ أبي أُميّة،
حُذَيفةَ بنِ المُغيرة، من قريش، من أشرف نساء العرب نسَباً، وأكرمهنّ أصلاً،
وأبعدهنّ نظراً، وأحزمهنّ رأيّاً، وذات حلمٍ ورأي وأنَاة، تزوّجها عبدُ الله بن
عبد الأسد، من بني مخزوم، وأمّه بَرّة بنتُ عبد المطّلب، فهو ابن عمّة النبيّ صلّى
الله عليه وآله وسلّم. وأنجبَت له من الذّكور: سَلَمة وعُمَر، وقيل: عَمرو. ومن
الإناث: دُرّة، وزينب.
كانت أمّ سلَمة وزوجُها
من أوائل المُلّبين لدّعوة النبي صلّى الله عليه وآله في مكّة، فتعرّضا مع سائر
المسلمين في تلك المرحلة إلى الإيذاء الشّديد من قبل عُتاة القرشيّين، وكانا ممّن
هاجر إلى الحبشة فراراً بدينهما، ثمّ عادا بعد مدّة إلى مكّة مُستجيرَين بأبي طالب
رضوان الله تعالى عليه، إلى أن كانت الهجرة إلى المدينة، فكانت أمّ سلَمة وزوجها
من السّابقين لها، فخرجا من مكّة، إلّا أنّ رجالاً من قومها منعوها من الخروج،
وأخذ قوم زوجها منها ولدها، وذلك في قصّة ترويها هي كما يَنقل ابن هشام في (السيرة
النبوية)، فتقول:
«لمّا أجمع أبو سَلَمة
الخروج إلى المدينة، رحّل بعيراً له وحَمَلني وحَمَل معي ابني سَلَمة، ثمّ خرج
يقود بعيرَه، فلمّا رآه رجالٌ مِن بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسُك غَلبتَنا
عليها، أرأيتَ صاحبتَنا هذه علامَ تُترك تسير بها في البلاد؟ ونَزَعوا خِطام
البعير من يده وأخذوني. وغَضِبَتْ عند ذلك بنو عبد الأسد وأهوَوا إلى سلَمة،
وقالوا: لا واللهِ، لا نترك ابنَنا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا. فتجاذبوا ابني
سلَمة حتّى خَلَعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد رَهطُ أبي سلَمة، وحَبَسني بنو
المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلَمة حتّى لحق بالمدينة، ففُرِّق بيني وبين زوجي
وبين ابني».
تستمرّ أمّ سلمة في
بيان محنتها، فتقول:
«فكنتُ أخرُج كلَّ
غداةٍ فأجلس بالأبطَح، فما أزال أبكي حتّى أُمسي، سنةً أو قريبَها.. حتّى مرّ بي
رجلٌ من بني عمّي من بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمَني، فقال لبَني المغيرة: ألا
تُخرجون هذه المسكينة ؟! فَرَّقتُم بينها وبين زوجها وبين ابنها. فقالوا لي: الحَقي
بزوجِك إنْ شئتِ. وردّ علَيّ بنو عبد الأسد عند ذلك ابني، فرَحّلْتُ بعيري
ووَضَعتُ ابني في حِجْري، ثمّ خَرَجتُ أُريد زوجي بالمدينة..».
زواجُها من
رسول الله صلّى
الله عليه وآله
جاء في (الطّبقات
الكبرى) لابن سعد: «قالت أمّ سلمة لأبي سلَمة: بَلَغَني أنّه ليس امرأةٌ يموت
زوجها وهو من أهل الجنّة، ثمّ لم تتزوّج بعده، إلاّ جمَعَ اللهُ بينهما في الجنّة،
وكذا إذا ماتتِ امرأةٌ وبقيَ الرجل بعدَها، فتعالَ أعاهدْك ألّا تتزوّج بعدي ولا
أتزوّج بعدك. قال: أتُطيعيني؟
قلت: ما استأمرتُك إلّا
وأنا أريد أن أطيعَك. قال: فإذا مِتُّ فتزوّجي. ثمّ قال: أللّهمّ ارزُق أمّ سلَمة
بعدي رجلاً خيراً منّي لا يُحزنها ولا يؤذيها. فلمّا مات أبو سلَمة، قلت: مَن هذا
الفتى الذي هو خيرٌ لي من أبي سلَمة؟..».
وكان أبو سلَمة من
مجاهدي طليعة جيشِ الإسلام في المدينة، فأصابه سهمٌ ترك له جرحاً بليغاً، فلبث مدّة
ثمّ قضى شهيداً.
ولمّا انقَضَت عِدّة
أمّ سلمة أرسل إليها أبو بكرٍ يخطبها فأبَتْ، ثمّ أرسل إليها عمر يخطبها فأبَت،
ثمّ أرسل إليها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله يخطبها، فقالت: مرحباً برسول الله
صلّى الله عليه وآله. وكان ذلك في شوّال سنة 4 للهجرة النبويّة المباركة.
في البيت
النبويّ
احتلّت أمّ سلمة مكانة
مرموقة في بيت النّبي صلّى الله عليه وآله، استحقّتها بخصائصها الإيمانية، وعقلها
الوافر، فكانت محور كثير من الوقائع التي جرت في هذا البيت المبارك، وهذه عائشة بنت
أبي بكر تشهد لها بذاك المقام، وقد جاءت تدعوها للخروج للطّلب بدم عثمان فتقول لها:
«.. أنت
أوّل مهاجرة من أزواج النّبي صلّى الله عليه وآله، وأنت كبيرةُ أمّهات المؤمنين،
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يقسم لنا من بيتك، وكان جبرئيلُ أكثر ما يكون
في منزلك».
كما عرفت أمّ سلَمة
مقام أمّ المؤمنين السيدة خديجة رضوان الله تعالى عليها، ففي وقت كانت زوجات أُخَر
يتذمّرن من ذكر رسول الله الدائم لها، حيث كان صلّى الله عليه وآله يردّد: «وَأَيْنَ
مثلُ خَديجَة؟ صَدَّقَتْنِي حِينَ كَذَّبَنِي النّاسُ، وواَزَرَتْنِي عَلَى دِيْنِ
اللهِ، وَأَعَانَتْنِي عَلَيْهِ بِمَالِهَا..»، تقول له أمّ سلمة: «فديناك
بآبائنا وأمّهاتنا، إنّك لم تذكر من خديجة أمراً إلّا وقد كانت كذلك، غير أنّها قد
مضت إلى ربّها فهنّأها الله بذلك، وجمع بيننا وبينها في جنّته».
راوية للحديث
تصدّر اسمُ أمِّ سلَمة
معاجم الحديث تروي عن رسول الله، صلّى الله عليه وآله، وهي التي عاشت في بيتِه
وشهدت كثيراً من أحواله، وسمعت من كلامه صلّى الله عليه وآله في شؤون مختلفة، وهذه
منقبة كبيرة من مناقبها، رضوان الله تعالى عليها.
قال ابن حَجَر في
(التّهذيب): «رَوَت أمّ سلَمة عن النبيّ، صلّى الله عليه وآله، وعن أبي سلَمة بن
عبد الأسد، وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله. وعنها روى: ابناها عمر
وزينب، ومُكاتِبُها بَنهان، وأخوها عامر بن أبي أُميّة ..»، وعدّ ابن حجر نحواً من
ثلاثين راوياً عنها.
وقال الذهبيّ في
(الأعلام): «يبلغ مُسند أمّ سلمة 378 حديثاً».
وكانت رواياتها من عيون
الأحاديث النبوية، التي ركّزت على أُسُس الإسلام ودعائمه، ومؤكَّداتِ وصايا النّبيّ
صلّى الله عليه وآله، ومن ذلك:
- ذكر الحاكم النيسابوريّ عن أبي ثابت مولى أبي ذرّ، أنّ أمّ سلَمة
قالت له: «سمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول: عَلِيٌّ مَعَ القُرْآنِ،
وَالقُرْآنُ مَعَ عَلِيٍّ.. لَنْ يَفْتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوْضَ».
- وروى الشّيخ الطّوسيّ
عن أبي ثابت، قال: «سمعتُ أمَّ سلَمة رضيَ الله عنها تقول: سمعتُ رسولَ الله صلّى
الله عليه وآله في مرَضه الذي قُبِض فيه يقول - وقد امتلأتِ الحجرة من أصحابه: أَيُّها
النّاسُ، يُوشِكَ أَنْ أُقْبَضَ قَبْضاً سَريعاً فَيُنْطَلَقَ بي، وَقَدْ قَدَّمْتُ
إِلَيْكُمُ القَوْلَ مَعْذِرَةً إِلَيْكُمْ، أَلا وَإنّي مُخَلِّفٌ فيكُمْ: كِتابَ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعِتْرَتي أَهْلَ بَيْتي. ثمّ أخذ بيَد عليٍّ عليه السّلام فرفعَها وقال: هَذا
عَلِيٌّ مَعَ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ مَعَ عَلِيٍّ، خَليفَتانِ بَصيرانِ، لا يَفْتَرِقانِ
حَتّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ فَأَسْأَلُهُما: ماذا خُلِّفْتُ فيهِما؟!».
- وروى الشّيخ الطّوسيّ
أيضاً عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال - وهو آخِذٌ بكفّ عليٍّ عليه
السّلام: «الحَقُّ بَعْدي مَعَ عَلِيّ،ٍ يَدورُ مَعَهُ حَيْثُ دارَ».
- وروى الشّيخ الصّدوق
بسنده عنها أنّها قالت: «سمعت رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول: عَلِيُّ بْنُ
أَبي طالِبٍ وَالأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِهِ سادَةُ أَهْلِ الأَرْضِ، وَقادَةُ الغُرِّ
المُحَجَّلينَ يَوْمَ القِيامَةِ».
والعشرات من الرّوايات
على هذا النَّسَق الشريف.
أمّ سلَمة وحديث
الكساء
أخرج ابن جرير، وابن
المنذر، وابن أبي حاتم، والطّبراني، وابن مَردَويه عن أمّ سلَمة رضيَ الله عنها: «أنّ
رسول الله، صلّى الله عليه وآله، كان في بيتها عليه كِساءٌ خَيبريٌّ، فجاءت فاطمة عليها
السّلام، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله: ادْعِي زَوْجَكِ وَابْنَيْكِ
حَسَناً وحُسَيناً. فدَعَتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلّى
الله عليه وآله: ﴿... إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيتِ
ويُطهِّرَكم تطهيراً﴾ الأحزاب:33.
فأخذ النبيّ صلّى الله عليه وآله بفضل إزاره فغَشّاهم، ثمّ أخرج يده من الكساء،
وأومأ بها إلى السّماء، ثمّ قال: اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ
بَيْتي وَخاصَّتي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهيراً ـ قالها ثلاث مرّات. قالت أم سلَمة: يا رسولَ
الله، وأنا معكم؟ قال
صلّى الله عليه وآله: أَنْتِ إِلى خَيْرٍ، أَنْتِ إِلى خَيْرٍ».
شهادةُ الإمام
الحسين عليه السّلام
روى الطّبرانيّ، وابن
عساكر، والهيثميّ أنّ أمّ سلَمة رضوان الله عليها قالت: «كان الحسن والحسين يلعبان
بين يدَيِ النبيِّ صلّى الله عليه وآله في بيتي، فنزل جبرئيل عليه السّلام فقال: يا مُحمّد، إنّ أُمّتَك
تَقتلُ ابنَك هذا مِن بَعْدِكَ - وأومأ جبرئيل بيده
إلى الحسين - فبكى رسولُ الله صلّى الله عليه وآله، ووضَعه على صدره، [وكان بيَدِه
تُربَة فجعلَ يشمُّها وهو يقول: وَيْحَ كَرْبٍ وَبَلَاء، وناولَها أمّ
سلَمَة] ثمّ قال: وَديعَةٌ عِنْدَكِ هَذِهِ التُّرْبَةُ. قالت: وقال رسولُ
الله صلّى الله عليه وآله: يا أُمَّ سَلَمَةَ، إِذا
تَحَوَّلَتْ هَذِهِ التُّرْبَةُ دَماً، فَاعْلَمي أَنَّ ابْني قَدْ قُتِلَ».
قال الراوي:
فجعَلَتْها أُمُّ سلمة في قارورة، ثمّ جعلَتْ تنظر إليها كلَّ يوم وتقول: «إنّ
يوماً تُحوَّلين دماً، لَيَوْمٌ عَظِيم»!
وقال الذهبيّ: «السّيّدة
المُحجّبة الطاهرة، هند بنت أبي أُميّة بن المغيرة، من المهاجرات الأُوَل، وكانت
آخِرَ مَن مات مِن أُمّهات المؤمنين، عُمِّرت حتّى بلَغَها مقتلُ الحسين الشّهيد،
فوجمتْ لذلك وغُشِيَ عليها وحَزَنت عليه كثيراً، فلم تَلْبثْ بعده إلّا يسيراً،
وانتقلت إلى الله».
الإخلاص
للصّدّيقة الكبرى عليها السّلام
عاشت أمّ سلَمة أحداثَ
صدر الإسلام بوعيٍ وبصيرة، وشهدتْ ما كان بعدَ رسول الله صلّى الله عليه وآله،
وصدعتْ بكلمة الحقّ في وقتٍ سكتَ عنه الكثيرون، فقد روى الطبري الإمامي في (الدلائل)
موقفاً لها تخاطب فيه أبا بكر بعد أن منع السيّدة الزّهراء، عليها السّلام،
ميراثها من أبيها صلّى الله عليه وآله في فدك، تقول له: «ألِمِثْلِ فاطمةَ يُقال
هذا؟! وهيَ - واللهِ - الحوراءُ بين الإنس، والآنَسُ للنّفس، تَرَبَّت في حُجور
الأنبياء، وتناوَلَتْها أيدي الملائكة، ونَمَتْ في المَغارس الطّاهرات، ونَشأتْ
خيرَ مَنشأ، ورُبِّيتْ خيرَ مَرْبى. أتزعُمونَ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله
حَرَّم عليها ميراثَه ولم يُعْلِمْها؟! وقد قال اللهُ تعالى: ﴿وَأنْذِرْ عشيرتَكَ
الأقْرَبِينَ﴾ الشعراء:214،
فأنذرَها، وجاءت تطلبُه وهي خيرةُ النّسوان، وأمّ سادة الشبّان، وعديلةُ ابنة
عِمران، وحليلة ليث الأقران، تمّتْ بأبيها رسالاتُ ربّه، فوَاللهِ لقد كان يُشفق
عليها من الحَرّ والقَرّ، فيُوسِّدُها بيمينه ويدُثِّرها بشماله. رُوَيداً! فرسولُ
اللهِ صلّى الله عليه وآله بمَرأى لأَعينكم، وعلى الله تَرِدون، فواهاً لكم! وسوف
تعلمون».
من مواقفها في
الفِتن
- عن ثابت مولى أبي ذر،
قال: «كنت مع عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يومَ الجمَل، فلمّا رأيتُ عائشة دخلَني
بعضُ ما يدخل النّاس [أي من الشّكّ في مشروعيّة قتالها]
فكشفَ الله عنّي ذلك عند صلاة الظّهر، فقاتلتُ مع أمير المؤمنين عليه السّلام. فلمّا
فرغ ذهبتُ إلى المدينة فأَتيتُ أمّ سلَمة، فقلت: إنّي والله ما جئتُ أسألُ طعاماً
ولا شراباً، ولكنّي مولًى لأبي ذر. فقالت: مرحباً.
فقصصتُ عليها قصّتي.
فقالت: أين كنتَ حين طارت القلوبُ مطائرها؟ قلت: إلى حيث كشفَ اللهُ ذلك عنّي عند
زوالِ الشّمس.
قالت: أحسنت. سمعتُ
رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول: عَلِيٌّ مَعَ القُرآنِ وَالقُرآنُ مَعَ عَلِيّ،
لَنْ يتفرّقا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الحَوض».
- وبعد شهادة أمير المؤمنين
عليه السّلام، واتّساق الدنيا لمعاوية، أخذ الانحرافُ يتّسع بشكلٍ خطير، فقد عيّن
معاويةُ المُغيرةَ بن شُعبة والياً على الكوفة، وأوصاه قائلاً له: «قد أرَدتُ إيصاءَك بأشياء كثيرة، فأنا
تاركُها اعتماداً على بصرك، ولستُ تاركاً إيصاءَك بخصلةٍ واحدة: لا تَترُكْ شتمَ عَلِيٍّ
وذمَّه، والتّرحُّمَ على عثمان والاستغفار له، والعيبَ لأصحاب عليٍّ والإقصاءَ
لهم، والإطراءَ لشيعة عثمان والإدناءَ لهم».
وتتصدّى أمُّ سَلَمة
الغيورة على إمامها لهذا الهتك لحرمة الله تعالى فتكتب إلى معاوية: «إنّكم
تَلعَنونَ اللهَ ورسولَه على منابركم؛ وذلك أنّكم تلعنون عليَّ بن أبي طالب ومَن
أحَبّه، وأنا أشهد أنّ اللهَ أحبَّه ورسولَه».
- وروى الحاكم
النيسابوريّ: «قال أبو عبدالله الجدليّ: حَجَجتُ وأنا غلام، فمَرَرتُ بالمدينة
وإذا الناس عُنقٌ واحد، فاتّبعتُهم، فدخلوا على أمّ سلَمة، فسمعتُها تقول: يا شبيب
بن رِبعيّ.. يُسَبّ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله في ناديكم؟! قال: وأنّى ذلك؟!
قالت: فعليُّ بن أبي طالب؟ قال: إنّا لَنقولُ أشياءَ نريد عَرَض الدّنيا. قالت:
فإنّي سمعتُ رسولَ الله صلٍّى الله عليه وآله يقول: مَن سَبَّ عليّاً فقد
سَبَّني، ومَن سَبَّني فقد سَبَّ اللهَ تَعَالى».
- وروى ابن عساكر في
(تاريخ دمشق) أنّ زيد بن أرقم قال: «دخلتُ على أمّ سلَمة فقالت: من أين أنت؟ قلت:
من أهل الكوفة. قالت: أنت من الذين يُسَبُّ فيهم رسولُ الله صلّى الله عليه وآله؟
قلت: لا واللهِ يا أمّ المؤمنين، ما سمعتُ أحداً فينا يَسبُّ رسولَ الله صلّى الله
عليه وآله. قالت: بلى واللهِ! إنّهم يقولون: فعلَ اللهُ بِعَلِيّ، وصنعَ به وبمَن
يحبُّه، وقد كان واللهِ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله يحبُّه، وكان أحبَّ النّاسِ
إليه».
وفاتها
روى الحاكم النيسابوري
أنّ أمّ سلَمة أوصتْ أن يصلّي عليها سعيد بن زيد، خشيةَ أن يصلّي عليها مروانُ بن
الحكم.
وتقدّم قول الذّهبيّ أنّ
أمّ سلمة عُمِّرت حتّى بلَغَها خبر شهادة الإمام الحسين عليه السلام، فوجمتْ لذلك
وغُشِيَ عليها وحَزَنت عليه كثيراً، فلم تَلْبثْ بعده إلاّ يسيراً حتى توفّيت. لذا فإنّ وفاتها كانت عام 61 أو 62 للهجرة
عن عمرٍ ناهز الرابعة والثمانين من الأعوام أمضَتها هجرةً وجهاداً ونصرةً للحقّ
وأهله، فدُفنت بالبقيع بالمدينة المنوّرة رضوان الله تعالى عليها.