صاحب الأمر

صاحب الأمر

منذ يوم

انتظار الفرج


انتظارُ الفَرَج

لا يقبلُ اللهُ عملاً إلّا به

____ المحدّث الشّيخ عبّاس القمّيّ* رحمه الله ____

 

ليس في التعاليم الإسلاميّة مفهومٌ تَعطيليّ يُلقي المكلّف في متاهات الفراغ والسلبيّة، وإنّما كلّ ما أكّدت عليه الشريعة المقدّسة يندرجُ في منظومة بناء الشخصيّة الإيمانيّة المطلوبِ منها أن تكون رافداً يصبّ في تيار الإصلاح الاجتماعي للأجيال الحاضرة والآتية.

وفي هذا السّياق يأتي مفهومُ انتظار الفرج، الذي يُعتبر انتظار دولة صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف من أبرز تجلّياته.

 

من تكاليف العباد في أيّام الغَيبة، انتظارُ فَرَج آل محمّدٍ، صلّى الله عليه وآله وسلّم، في كلّ آنٍ ولحظة، وترقّب ظهور الدّولة القاهرة، والسَّلطنة الظّاهرة لمهديّ آل محمّد، عليهم السّلام، وامتلاء الأرض بالعدل والقسط، وغَلَبة الدِّين القويم على سائر الأديان، كما أخبر الله، تعالى، بذلك النّبيَّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم، ووَعَده، بل أخبر جميع الأنبياء والمِلَل بذلك، وبَشَّرهم بمجيء يومٍ لا يُعبد فيه إلّا الله، ولا يَبقى شيء من الدِّين مُختفياً خوفاً من الأعداء، ويذهب فيه البلاء عن المؤمنين، كما نقرأ في زيارة مهديّ آل محمّد عليه السّلام: «السَّلامُ عَلى المَهْدِيِّ الّذي وَعَدَ اللهُ بِهِ الأُمَمَ أَنْ يَجْمَعَ بِهِ الكَلِمَ، وَيَلُمَّ بِهِ الشَّعثَ، وَيَمْلَأَ بهِ الأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً، وَيُنْجِزَ بِهِ وَعْدَ المُؤْمِنينَ».

وقد وُعدنا بهذا الفرج في سنة السّبعين من الهجرة، كما روى الشّيخ الرّاونديّ في (الخرائج) عن أبي إسحاق السّبيعيّ، وهو عن عمرو بن الحمق (وهو من الأربعة الذين كانوا أصحاب سرّ أمير المؤمنين عليه السّلام) أنّه قال: «دخلتُ على عليٍّ عليه السّلام حين ضُرب الضّربة بالكوفة، فقلت: ليسَ عليكَ بأسٌ، إنّما هو خِدش.

قال: لَعَمْري إِنّي لَمُفارِقُكُمْ، ثمّ قال لي: إِلى السَّبْعينَ بَلاء - قالها ثلاثاً - قلتُ: فهل بعد البلاء رخاء؟ فلم يُجبني وأُغمِيَ عليه، فبكت أمُّ كلثوم، فلمّا أفاق قال: لا تُؤْذيني يا أُمَّ كُلْثومٍ، فَإِنَّكَ لَوْ تَرَيْنَ ما أَرى لَمْ تَبْكي؛ إِنَّ المَلائِكَةَ مِنَ السَّماواتِ السَّبْعِ بَعْضَهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ وَالنَّبِيّينَ يَقولونَ لي: انْطَلِقْ يا عَلِيُّ، فَما أَمامَكَ خَيْرٌ لَكَ مِمّا أَنْتَ فيهِ.

فقلتُ: يا أمير المؤمنين إنّك قلت: إلى السّبعين بلاء، فهل بعد السّبعين رخاء؟ قال: نَعَمْ، وَإِنَّ بَعْدَ البَلاءِ رَخاءً: ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ الرّعد:39».

أذَعتُم الحديث.. فأَخَّره الله

* وروى الشّيخ الطّوسيّ في كتاب (الغَيبة)، والكلينيّ في (الكافي) عن أبي حمزة الثّماليّ، أنّه قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السّلام: إنّ عليّاً عليه السّلام كان يقول: إلى السّبعين بلاء، وكان يقول بعد البلاء رخاء، وقد مضت السّبعون ولم نرَ رخاءً؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام: يا ثابِتُ، إِنَّ اللهَ، تَعالى، كانَ وَقَّتَ هَذا الأَمْرَ في السَّبْعينَ، فَلَمّا قُتِلَ الحُسَيْنُ، عَلَيْهِ السَّلامُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلى أَهْلِ الأَرْضِ، فَأَخَّرَهُ إِلى أَرْبَعينَ وَمائَةِ سَنَةٍ، فَحَدَّثْناكُمْ فَأَذَعْتُمُ الحَديثَ، وَكَشَفْتُمْ قِناعَ السِّرِّ (السِّتْرِ)، فَأَخَّرَهُ اللهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَنا وَقْتاً، وَ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾.

 قال أبو حمزة: وقلتُ ذلك لأبي عبد الله عليه السّلام، فقال: قَدْ كانَ ذاكَ».

* وروى الشّيخ النّعمانيّ في كتاب (الغَيبة) عن علاء بن سيّابة، عن أبي عبد الله عليه السّلام أنّه قال: «مَنْ ماتَ مِنْكُمْ عَلى هَذا الأَمْرِ مُنْتَظِراً، كانَ كَمَنْ هُوَ في الفُسْطاطِ الّذي للْقائِمِ عَلَيْهِ السَّلامُ».

* ورُوي أيضاً عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السّلام أنّه قال ذات يوم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِما لا يَقْبَلُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ العِبادِ عَمَلاً إِلّا بِهِ؟

فقلتُ: بلى، فقال: شَهادَة أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ (وَرَسولُهُ)، وَالإِقْرار بِما أَمَرَ اللهُ، وَالوِلايَة لَنا، وَالبَراءَة مِنْ أَعْدائِنا - يعني الأئمّة خاصّة - وَالتَّسْليم لَهُمْ، وَالوَرَع وَالاجْتِهاد وَالطُّمْأنينَة، وَالانْتِظار للقائِمِ عَلَيْهِ السَّلامُ.

ثمّ قال: إِنَّ لَنا دَوْلَةً يَجيءُ اللهُ بِها إِذا شاءَ، ثمّ قال: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكونَ مِنْ أَصْحابِ القائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ، وَلْيَعْمَلْ بِالوَرَعِ وَمَحاسِنِ الأَخْلاقِ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ، فَإِنْ ماتَ وَقامَ القائِمُ بَعْدَهُ كانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أَدْرَكَهُ، فَجِدُّوا وَانْتَظِروا، هَنيئاً لَكُمْ أَيَّتُها العِصابَةُ المَرْحومَةُ».

* وروى الشّيخ الصّدوق في (كمال الدّين) عن أبي عبد الله عليه السّلام أنّه قال: «إِنّ فيهِمُ الوَرَعَ وَالعِفَّةَ وَالصَّلاحَ.. وَانْتِظارَ الفَرَجِ بِالصَّبْرِ..».

إنّما يَجيءُ الفَرَجُ عَلى اليَأس

* وروي أيضاً عن عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام أنّه قال: «إِنَّ رَسولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قالَ: أَفْضَلُ أَعْمالِ أُمَّتي انْتِظارُ الفَرَجِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».

* وروي أيضاً عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: «المُنْتَظِرُ لِأَمْرِنا كَالمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ في سَبيلِ اللهِ».

* وروى الشّيخ الطّبرسيّ في (الاحتجاج) أنّه ورد توقيعٌ من صاحب الأمر عليه السّلام على يد محمّد بن عثمان، وفي آخره: «..وَأَكْثِروا الدُّعاءَ بِتَعْجيلِ الفَرَجِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فَرَجَكُمْ..».

* وروى الشّيخ الطّوسيّ في كتاب (الغَيبة) عن المفضّل أنّه قال: «ذكرنا القائمَ عليه السّلام ومَن مات من أصحابنا ينتظرُه، فقال لنا أبو عبد الله عليه السّلام: إِذا قامَ أُتِيَ المُؤْمِنُ في قَبْرِهِ، فَيُقالُ لَهُ: يا هَذا إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ صاحِبُكَ، فَإِنْ تَشَأْ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ فَالْحَقْ، وَإِنْ تَشَأْ أَنْ تُقيمَ في كَرامَةِ رَبِّكَ فَأَقِمْ».

* وروى الشّيخ البرقيّ في (المحاسن) عنه عليه السّلام أنّه قال لأحد أصحابه: «مَنْ ماتَ مِنْكُمْ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ لِهَذا الأَمْرِ كَمَنْ هُوَ مَعَ القائِمِ، عَلَيْهِ السَّلامُ، في فُسْطاطِهِ».  وفي روايةٍ أخرى: «كَمَنْ كانَ مَعَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»، وفي رواية ثالثة: «كانَ كَمَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ».

* ورُوي أيضاً عن محمّد بن الفضيل، عن الرّضا عليه السّلام، قال: «سألته عن شيءٍ من الفَرَج، فقال: أَلَيْسَ انْتِظارُ الفَرَجِ مِنَ الفَرَجِ؟ إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: ﴿..فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ الأعراف:71».

* ورُوي أيضاً عنه عليه السّلام أنّه قال: «ما أَحْسَنَ الصَّبْرَ وَانْتِظارَ الفَرَجِ، أَما سَمِعْتَ قَوْلَ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿..وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ هود:93، ﴿..فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ، فَإِنَّهُ إِنَّما يَجيءُ الفَرَجُ عَلى اليَأْسِ، فَقَدْ كانَ الّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَصْبَرَ مِنْكُمْ».

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نقلاً عن كتابه (منتهى الآمال في تواريخ النبيّ والآل عليهم السّلام)


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ 0 ساعة

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات