حكم
أَهْلُ الدُّنْيا سَفَرٌ يَحُلُّونَ
عُقَدَ رِحالِهِمْ في غَيْرِها
عَن الإِمام أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد البَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلامُ:
«أَيُّها النّاسُ، إِنَّكُمْ في هَذِهِ الدّارِ أَغْراضٌ تَنْتَضِلُ فيكُمُ
المَنايا. [الانتضال: رَمْيُ
السّهام للسَّبق] لَنْ يَسْتَقْبِلَ
أَحَدٌ مِنْكُمْ يَوْماً جَديداً مِنْ عُمُرِهِ إِلّا بِانْقِضاءِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ.
فَأَيَّةُ أَكْلَةٍ لَيْسَ فيها غُصَصٌ؟ أَمْ أَيُّ شَرْبَةٍ لَيْس فيها شَرَقٌ؟
اسْتَصْلِحوا ما تُقْدِمونَ عَلَيْهِ بِما تَظْعَنونَ عَنْهُ، فَإِنَّ اليَوْمَ
غَنيمَةٌ وَغَداً لا تَدْري لِمَنْ هُوَ. أَهْلُ الدُّنْيا سَفَرٌ يَحُلُّونَ عُقَدَ
رِحالِهِمْ في غَيْرِها. قَدْ خَلَتْ مِنّا أُصولٌ نَحْنُ فُروعُها، فَما بَقاءُ الفَرْعِ
بَعْدَ أَصْلِهِ؟
أَيْنَ الَّذينَ كانوا أَطْوَلَ أَعْماراً مِنْكُمْ وَأَبْعَدَ آمالاً؟! أَتاكَ
يا ابْنَ آدَمَ ما لا تَرُدُّهُ، وَذَهَبَ عَنْكَ ما لا يَعُودُ، فَلا تَعُدَّنَّ عَيْشاً
مُنْصَرِفاً عَيْشاً. ما لَكَ مِنْهُ إِلّا لَذَّةٌ تَزْدَلِفُ بِكَ إِلى حِمامِكَ
وَتُقَرِّبُكَ مِنْ أَجَلِكَ! فَكَأَنَّكَ قَدْ صِرْتَ الحَبيبَ المَفْقودَ وَالسَّوادَ
المُخْتَرَمَ [المستأصَل]؛ فَعَلَيْكَ بِذاتِ نَفْسِكَ، وَدَعْ ما سِواها، وَاسْتَعِنْ
بِاللهِ يُعِنْكَ».
(ابن شعبة الحراني، تحَف العقول)
لغة
نسأ
* نَسَأَ الشّيءَ يَنْسَؤُه نَسْأً وأَنْسَأَه أَخَّرَهُ؛ والنُّسْأَة، بالضّم، التّأْخيرُ.
* وانْتَسَأْتُ عنه: تأَخَّرْتُ وتباعَدْتُ، وكذلك
الإِبل إِذا تَباعَدَتْ في المرعى.
* ونَسَأَ اللهُ في أَجَلِه وأَنْسَأَ أَجَلَه:
أَخَّره، تقول للرّجل: نَسَأَ الله في أَجَلك، لأَنّ الأَجَلَ مَزِيدٌ فيه، ولذلك قيل
للَّبنِ: النَّسيءُ لزيادة الماء فيه، وكذلك قيل: نُسِئَتِ المرأَةُ إِذا حَبِلَتْ،
جُعلت زِيادةُ الولد فيها كزيادة الماء في اللّبن.
* وفي الحديث: «مَن أَحَبَّ أَن يُبْسَطَ له في رِزْقِه
ويُنْسَأَ في أَجَلِه، فَلْيَصِلْ رَحِمَه»؛ النَّسْءُ التّأخيرُ يكون في العُمُرِ
والدَّيْنِ. وفي الحديث: «لا تَسْتَنْسِئُوا الشّيطانَ»، أَي إِذا أَردتُمْ
عَمَلاً صالحاً فلا تُؤَخِّرُوه إِلى غَدٍ ولا تَسْتَمْهِلُوا الشّيطانَ.
* ونَسَأَ الشّيءَ نَسْأً باعه بتأْخيرٍ، والاسم النَّسِيئةُ؛
تقول نَسَأْتُه البيعَ وأَنْسَأْتُه وبِعْتُه بِنُسْأَةٍ وبعته بِكُلأَةٍ وبعته بِنَسِيئةٍ
أَي بأَخَرةٍ.
* النُسْأَةُ، بالضّمّ وسكون السّين: النَّسِيءُ الذي ذكره
الله في كتابه من تأْخير الشّهور بعضها إِلى بعض.
* والنَّسِيءُ شهرٌ كانت العرب تُؤَخِّره في الجاهليّة فنَهى
اللهُ، عزّ وجلّ، وقوله تعالى: ﴿إِنّما النّسِيءُ زيادةٌ في الكُفْر..﴾ التّوبة 37، وذلك أَنّ
العرب كانوا إِذا صدروا عن مِنى يقوم رجل منهم من كنانة فيقول: أَنا الذي لا أُعابُ
ولا أُجابُ ولا يُرَدُّ لي قضاءٌ، فيقولون: صَدَقْتَ أَنْسِئْنا شهراً، أَي أَخِّرْ
عنَّا حُرْمة المُحرَّم واجعلها في صَفَر وأَحِلَّ المُحرَّمَ؛ لأَنّهم كانوا يَكرهون
أَن يَتوالى عليهم ثلاثة أَشهر حُرُمٍ لا يُغِيرُون فيها، لأَنَّ مَعاشَهم كان من الغارة
فيُحِلُّ لهم المحرَّم فذلك الإِنساءُ.
(لسان العرب، بتصرّف)