الحركة
الوهّابيّة
استراتيجيّة الغرب في محو آثار النبوّة*
ـــــــــــــــــ
شمس الدين العجلانيّ ــــــــــــــــــــــــ
عندما
كنت أتابع الاعتداءات الوحشيّة على دمشق [يقصد
اعتداءات التكفيريّين بالقصف وزرع المفخّخات خلال السنوات الأخيرة]،
وهذا الكمّ الهائل من التدمير غير الإنسانيّ تساءلت: مَن الفاعل؟ وما غايته؟ وتذكّرت
مجموعة صحف قديمة لديّ تعود إلى عام 1925م، تتحدّث عن تدمير وحشيّ للآثار الإسلاميّة
في الجزيرة العربيّة التي كانت تعرَف آنذاك ببلاد الحجاز.
لقد
زخرت الصحف والمجلّات القديمة بالعديد من الأخبار والتحقيقات والصور التي تفتقدها
مكتبتنا العربيّة، ولم يولِ أولو الأمر منّا الاهتمام بهذه الصحف والمجلّات، رغم
أنّها وثيقة مهمّة تؤرّخ للحدث ساعة وقوعه بالكلمة والصورة، لكونها السجّل اليوميّ
لحياتنا على الصعد كافّة: السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة.. ومن ثمّ تُعتبر
وثيقة مهمّة تحمل تفاصيل الحدث بالكلمة والصورة. لا بدّ لنا من العودة إلى هذه
الصحف ورفع الغبار عنها، لأنّها قد تقول لنا ما يحصل اليوم في شامنا! ولأنّها
تحتوي على كنز سياسيّ وثقافيّ واجتماعيّ نفتقده ونحتاج إليه.
في
هذه الصحف والمجلّات القديمة قد نقرأ خبراً أو تحقيقاً يدهشنا، أو يقع نظرنا على
صورة تُبهرنا، أو ليس هذا وذاك، بل قد نقرأ ونرى صوراً تدعنا نقف طويلاً في حيرة!
وهذا ما حصل معي عندما كنت اقرأ مجموعة من الصحف المصريّة.
«اللّطائف
المصوّرة»
بين
يدَيّ الآن مجلة «اللطائف المصوّرة» المصريّة لصاحبها إسكندر مكاريّوس، وهي من
المجلّات التي انتشرت بين الجمهور السوريّ في العشرينيّات والثلاثينيّات من القرن
الماضي بشكلٍ كبير، وهي مجلّة أسبوعيّة كانت تصدر يوم الاثنين من كلّ أسبوع،
سياستها كما جاء في تعريفها على صفحتها الأولى، أدبيّة علميّة تاريخيّة تنشر صور
الحوادث الجارية ومشاهير رجال العالم. بين يدَيّ العدد الصادر بتاريخ 7 أيلول عام
1925. نقرأ في هذا العدد: «آل
سعود يعتدون على المدينة المنوّرة».
مجلّة
«اللّطائف المصوّرة» في عددها ليوم الاثنين في 7 أيلول من عام 1925م، نشرت تحقيقاً
مصوّراً عن اعتداء آلِ سعود (الوهّابيّين) على المدينة المنوّرة، وصور التظاهرات
التي خرجت بدمشق احتجاجاً على اعتدائهم على الآثار الإسلاميّة، والغضب الشعبيّ
الذي عمّ المدن والقرى في جميع أنحاء العالم الإسلاميّ على أفعال آل سعود الوحشيّة
بحقّ الآثار الدينيّة. فتحتَ عنوان: «منظر عام للمدينة المُقدّسة التي يهاجمها
الوهّابيّون، وقد ضربوا آثارها المقدّسة التاريخيّة فأثار عملهم سخط العالم
الإسلاميّ» نشرت تحقيقاً مصوراً يضمّ صورة كبيرة للمدينة المنوّرة، وصورة
للملك فؤاد الأوّل ملك مصر مع تعليق جاء فيه: «صاحب الجلالة مولانا الملك فؤاد
الأوّل الذي برهن على ما عهده المسلمون في جلالته من الغيرة على الآثار الإسلاميّة
المقدّسة، فقد أرسل تلغرافاً إلى السلطان ابن آل سعود طلب فيه باسم مسلمي مصر بألّا
تطلق قنابل المدافع على قبر النبيّ في المدينة المنوّرة، وأن تُذَاع الحقيقة عن
الهجوم على المدينة تسكيناً لخواطر العالم الإسلاميّ».
وأشارت
المجلّة إلى البيان الذي أصدره مندوب «الحزب الوطنيّ الحجازيّ» ونشرته الصحف المصريّة
حول الاعتداءات على الآثار الإسلاميّة من آل سعود. وفي عددها الصادر يوم الإثنين 5
تشرين الأوّل عام 1925 نشرت مجلة «اللطائف المُصوّرة» صورة كبيرة لأهالي دمشق وهم
خارجون في تظاهرات الاحتجاج على الاعتداء الوحشيّ على الآثار الإسلاميّة وتعليقاً
يقول: (خرج المسلمون من الجامع الأمويّ في دمشق في 11 أيلول الماضي في تظاهرة
احتجاجاً على ضرب الوهّابيّين لآثار المدينة، فاصطدم البوليس بالمتظاهرين وفرّقهم
خوفاً من حدوث ما لا تُحمَد عقباه).
آل
سعود يدمّرون أضرحة الصحابة
منذ
سنوات عديدة دأبت مجلة (الكفاح العربيّ) على إعادة تسليط الضوء على وقائع وحوادث
وقعت وحدثت في الزمن الغابر، من خلال صفحة أو صفحتين تحت اسم (مجلّة الكون). وعن
وحشيّة آل سعود بحقّ الأماكن المُقدّسة نشرت (الكون) في عددها رقم 526 مؤرّخاً في
يوم 3 كانون الأول عام 1925، تحقيقاً مصوَّراً حول ذلك تحت عنوان: «آل سعود يدمّرون
أضرحة الصحابة»، جاء فيه:
«أدّت
جريمة تدمير أضرحة الصحابة وأهل البيت إلى موجة استنكار واسعة في أنحاء العالم
الإسلاميّ، وقد بدأ وفد إيرانيّ برئاسة السفير جعفر خان جلال جولته الميدانيّة في
أنحاء مكّة المكرّمة والحرم النبويّ الشريف في المدينة المنوّرة، وذلك بعد الأنباء
التي ذكرت أنّ زعماء الحركة الوهّابيّة من آل سعود دمّروا قبور الصحابة وأهل
البيت. وقد قدّم ابن سعود اعتذاره لرئيس الوفد الإيرانيّ الذي أشار إلى أنّ قبر
السيّدة خديجة والسيّدة آمنة وبعض قبور أهل البيت والصحابة دُمّرت تماماً، وحركة
الاستنكار الإسلاميّة الحادّة التي بدأت طلائعها والتي يتوقّع أن تتنامى وتستمرّ
بأشكال متعدّدة يحرّكها، إضافة إلى الألم على ما جرى وطال مقامات لها في نفوس
المسلمين قيمتها الأثريّة والدينيّة، الخشية الواسعة من التطاول على ضريح النبيّ
صلّى الله عليه وآله. وكان الاعتداء حدث على يد جنود سعوديّين اتّهمهم الملك بأنّهم
متطرّفون!».
التدمير
لقد
قام آل سعود بتدمير معظم تراث النبيّ صلّى الله عليه وآله والصحابة والمسلمين في
الأماكن المقدّسة.. ولو خضنا في البحث عمّا دمّروه من آثار إسلاميّة دينيّة تاريخيّة
في الجزيرة العربيّة لعجزنا عن إحصائها، ولكن نقول على سبيل المثال:
-
هدم آل سعود البيت الذي وُلد فيه النبيّ صلّى الله عليه وآله بمكّة المكرّمة.
-
بيت السيّدة خديجة زوجة النبيّ صلّى الله عليه وآله.
-
البيت الذي وُلدت فيه السيّدة فاطمة بنت الرسول صلّى الله عليه وآله.
-
بيت حمزة بن عبد المطّلب.
-
بيت الأرقم؛ أوّل بيت كان يجتمع به الرسول مع أصحابه.
-
كما هدم آل سعود قبور شهداء مكّة وبعثروا رفاتهم، وكذلك هدموا البيت الذي ولد فيه أمير
المؤمنين عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام.
-
وبقيع الغرقد في المدينة المنوّرة حيث يرقد المهاجرون والأنصار من صحابة رسول
الله، صلّى الله عليه وآله.
-
هدموا القبّة التي تظلّل الروضة النبويّة المقدّسة، لكنّهم توقّفوا حينما وقف
الشعب وبعض العلماء الصالحين من شعبنا ومن البلاد الإسلاميّة كافّة رافضين هذه
الإجراءات وخرجوا في التظاهرات، كما سرق آل سعود الذهب الموجود في القبّة.
وحالما
دخل جند الاحتلال السعوديّ مكّة المكرّمة، اتّجهوا لتدمير كلّ ما هو ورق… وكلّ ما
هو كُتُب، وكلّ ما هو وثائق وصُوَر، وكلّ ما هو تاريخيّ… من ذلك على سبيل المثال
ما ارتكبوه «بالمكتبة العربيّة» التاريخيّة العلميّة التي أحرقوها، وهي التي تُعدّ
من أثمن المكتبات في العالم قيمة تاريخيّة، إذ لا تقدّر بثمن أبداً، لقد كان بهذه
المكتبة ستّون ألف كتاب من الكتب النادرة الوجود، وفيها أربعون ألف مخطوطة نادرة
الوجود من مخطوطات «جاهليّة» خطّت كمعاهدات بين طغاة قريش واليهود، تكشف الغدر
اليهوديّ وعدم ارتباط اليهود بالدين والوطن من قديم الزمان، وتكشف مؤامرات اليهود
على النبيّ صلّى الله عليه وآله.
وفي
هذه المكتبة وغيرها من مكتبات المدينة التي أحرقها ودمّرها آل سعود بعض المخطوطات
التي كُتبت بخطّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، وبخطّ الإمام عليّ بن أبي طالب عليه
السلام، وعددٍ من الصحابة، كما أحرقوا كلّ الوثائق التي تهتمّ بالأشراف الذين هم
من سلالة الرسول الكريم. لقد أراد آل سعود بذلك ألّا يبقى أيّ أثر يذكر تاريخنا،
وألّا يبقى للعرب من تاريخهم إلّا الاسم السعوديّ المزيف المهين.
وبعد،
لا يخفى على الباحث عن الحقيقة أنّ ما يُسمّى الدولة السعوديّة اكتملت بوسائط
الغزو الوحشيّ والتوسّع على حساب البلدان المجاورة تحت عين الرضى البريطانيّة تارةً،
وتارةً أخرى الأميركيّة. ولكن ما لم يتمّ توثيقه والبحث عنه بتؤدةٍ، هو تطلّعاتهم العدوانيّة
على بلاد الشام. فلو بحثنا عبر السنين الطويلة عمّا تعرضت له بلاد الشام من دسائس
ومؤامرات، لتَبيّن لنا بوضوح بصمات آل سعود عليها، فنقرأ عن دورهم في إيقاف الثورة
الفلسطينيّة الكبرى عام 1939م، وموقفهم من اتّفاق التابلاين مع شركة أرامكو
الأميركيّة، ودورهم في توقيع اتّفاق مُجحِف للهدنة مع «إسرائيل»، وبصماتهم العريضة
في الانقلابات العسكريّة في سورية في فتره نهاية الأربعينيّات والخمسينيّات من
القرن الماضي، ومحاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر زمن الوحدة. وأخيراً وليس آخراً
دورهم الجشع الإرهابيّ الآن على سوريا والمنطقة عموماً.
*
نقلاً عن جريدة الوطن السوريّة (بتصرّف يسير وتعديل في العنوان)