جهاد النَّفس، قبل يوم الحساب والحسرة
من
الأمور التي حثّ عليها شرعُ الإسلام المقدّس، أن يبكي الإنسانُ على نفسه. ولا شكّ في أنّنا سنبكي جميعاً على
أنفسنا لو أدركْنا واقعَنا. فنحن، في الحقيقة، في غفلةٍ عن حالنا. ".."
يقول
الله تعالى في إشارةٍ إلى يوم القيامة: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ
الْأَمْرُ..﴾ مريم:39،
إنّ كلّ لحظةٍ واقعيّة، والتي قد تكون أقلَّ من ثانية واحدة، تصنع لكم الدرجات
العليا في الآخرة، ولكنّكم يومَ القيامة سترون كيف أنّ آلافَ ملايين اللّحظات قد
ضاعتْ في الدّنيا مقابل لا شيء. أفَلا يُورث هذا الأمر نَدَماً؟!
يومُ
الحسرة هو هذا؛ حيث ترون أنّ قسماً من لحظات عمركم قد صُرفت في مسيرة البُعد عن
الهدف، والبُعد عن الله تعالى. ولهذا، فإنّ البكاء على النّفس من خير الأعمال.
بكاءُ الإنسان على العاقبة بعد الموت ويومَ القيامة، هذا اليوم الذي قد يكون عذابه
أشدّ بكثير من عذاب القبر وآلامه، هذا البكاء هو من الأعمال الصالحة.. فهل عسانا،
ونحن نرى الموت من حولنا، ونستطيع أن نتصوّر ظلماتِ القبر، أن نستيقظَ قبل فوات
الأوان؟!
نحن
الآن نعيش بين الأصدقاء والأحبّاء، ونَنعُم بملذّات الدنيا وسعاداتها، ولكنْ سيأتي
زمانٌ - من الممكن أن يكون بعد ساعة واحدة، أو سنة، أو عشرين سنة - نفقدُ فيه كلّ
أعزّائنا وملذّاتنا، ونبقى في وحدتنا، تحت التراب.
في
ذلك الحين، ستكون تلك الغُربة، وذلك البُعد عمّا اعتاد عليه الإنسان طيلةَ حياته
من أصعب الأمور، لا سيّما عندما يرى جميع أعماله في الدّنيا حاضرة ومحيطة به،
ويعلم أنّ سؤال مُنكَرٍ ونَكير حقّ، كما نقرأ في زيارة «آل يس».
يوم
القيامة الذي قد يبدو لنا، بمنظارنا الدّنيويّ، صعباً هو في الواقع أصعب بآلاف
المرات ممّا نتصوّر، ولكن بما أنّه بعيدٌ عن أنظارنا في الوقت الحاضر، فإنّنا لن
ندرك قيمةَ البكاء على هذه المسائل، ولن نعرف فظاعةَ يوم الحَسرة.