مراقبات شهر ذي القعدة
ثاني أشهُر الحجّ،
وفيه نُشرت الرحمة
____ إعداد: «شعائر» ____
*
ذو القعدة: بالفتح والكسر، جمعه ذوات القعدة، سُمّي بذلك لأنّ العرب تقعد فيه عن
القتال تعظيماً له.. وهو الشهر الحادي عشر من السنة القمريّة، وهو من الأشهر الحُرُم،
ومن أشهُر الحجّ، بحيث لو أحرم به المرء بالعمرة كان مُتمتّعاً.
* وفي (مسارّ الشيعة) للشيخ المفيد إنّه شهرٌ: «..معظّمٌ في
الجاهليّة والإسلام.. وفي اليوم الخامس والعشرين منه نزلت الكعبة، وهو أوّل يوم
رحمة نزلت. وفيه دحا الله سبحانه الأرض [من] تحت الكعبة، وهو يوم عظيم، مَن صامه
كتب الله الكريم له صيام ستّين شهراً على ما جاء به الأثر عن الصادقين عليهم
السلام».
*
وفي (إقبال الأعمال) للسيد ابن طاوس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَنْ صامَ
مِنْ شَهْرِ حَرامٍ ثَلاثَةَ أَيّامٍ: الخَميسِ وَالجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ، كَتَبَ لَهُ
عِبادَةَ تِسْعَمائَةِ سَنَةٍ».
أشهُر الحَجّ
* (جواهر الكلام) للشيخ محمّد حسن النجفي:
«أشهُر الحجّ على الأصحّ، هي: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة.. وقيل: شوّال، وذو
القعدة، وعشرة أيّام من ذي الحجّة».
* (وسائل الشيعة) للحرّ العاملي: عن الإمام
الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ
الْحَجَّ..﴾ البقرة:197،
قال: «..والْفَرْضُ: التَّلْبِيَةُ والإِشْعَارُ والتَّقْلِيدُ، فَأَيَّ ذَلِكَ
فَعَلَ فَقَدْ فَرَضَ الْحَجَّ، ولَا يُفْرَضُ الْحَجُّ إِلَّا فِي هَذِه الشُّهُورِ
الَّتِي قَالَ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ﴾، وهُوَ شَوَّالٌ
وذُو الْقَعْدَةِ وذُو الْحِجَّةِ».
* (تذكرة الفُقهاء) للعلامة الحلّي: «يُستحبّ لمن
أراد [عمرة] التمتّع [للحجّ] أن يوفّر شعر رأسه ولحيته من أوّل ذي القعدة ولا يمسّ
منهما شيئاً بحلقٍ أو نَتفٍ أو جزٍّ، ويتأكّد عند هلال ذي الحجّة، فإنْ مسّ منهما
شيئاً، يكون قد ترك الأفضل، ولا شيء عليه..».
ليلة النصف من ذي
القعدة
(المراقبات) للميرزا ملكي التبريزي: «ومن مهامّ هذا الشهر
عملُ ليلة النصف منه.. رُوي عن النبيّ صلَّى الله عليه وآله، أنّ في ذي القعدة ليلة
مباركة وهي ليلة خمس عشرة، ينظر الله إلى عباده المؤمنين فيها بالرحمة، أجر العامل
فيها بطاعة الله أجر مائة سائح [أي
الصائم الملازم للمسجد] لم يعصِ اللهَ
طرْفةَ عين، فإذا كان نصف اللَّيل فخُذ في العمل بطاعة الله والصلاة وطلب الحوائج،
فقد رُوي أنّه لا يبقى أحدٌ سأل الله فيها حاجةً إلّا أعطاه.
أقول:
..العمل في هذه اللّيلة، من جهة قلَّة العامل به لعدم اشتهاره، له خصوصيّة ليس في غيره
من أعمال اللَّيالي المشهورة.. لأنّ الذكر عند غفلة العامّة عن مهامّ المُراقبات، أسرعُ
للإجابة.. فاغتنم الفرصة واستيقظ من نومك، فستأتيك عن قريب داهيةُ الموت الَّذي لا
تقدر بعدها إلى تحصيل شيء يسير من هذه الفوائد الجليلة، وتستيقظ عند معاينة ناصية ملك
الموت، وتستمهله سنة، ويقول لك: قد فَنِيت السنون، وتقول: يوماً، ويقول: فنيت الأيّام،
وترضى بساعة ولا يُمهلك، فتموتُ بحسرةٍ بعد حسرة عن تفويت أيّام الفرصة، وتضييع زمان
المهلة، فيا لها حسرةً ما أعظمها، وغصّةً ما أشدّها..».
اليوم الخامس
والعشرون: دَحْو الأرض
منزلة هذا اليوم:
* (روضة المُتّقين) للمجلسي الأوّل: عن الإمام
الكاظم عليه السلام: «..وَفي خَمْسٍ وَعِشْرينَ مِنْ ذي القَعْدَةِ وُضِعَ البَيْتُ،
وَهُوَ أَوَّلُ رَحْمَةٍ وُضِعَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَجَعَلَهُ اللهُ، عَزَّ
وَجَلَّ، مَثابَةً للنَّاسِ وَأَمْناً..».
وسُئل
الإمام الرضا عن اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، أيّ يومٍ هو؟ فقال عليه
السلام: «يَوْمُ نُشِرَتْ فيهِ الرَّحْمَةُ، وَدُحِيَتْ فيهِ الأَرْضُ، وَنُصِبَتْ
فيهِ الكَعْبَةُ، وَهَبَطَ فيهِ آدَمُ، صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ».
* (مصباح المتهجّد) للشيخ الطوسي:
«ذو القعدة: يوم الخامس والعشرين منه دُحيت الأرض من تحت الكعبة..».
الصوم:
* (وسائل الشيعة):
«عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله، في خلال حديث: «..وَأَنْزَلَ
اللهُ الرَّحْمَةَ لِخَمْسِ لَيالٍ بَقينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، فَمَنْ صامَ ذَلِكَ
اليَوْمَ كانَ كَصَوْمِ سَبْعينَ سَنَةً».
* (هداية الأمّة) للحرّ العاملي:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: «..مَنْ صامَ ذَلِكَ اليَوْمَ وَقامَ تِلْكَ
اللَّيْلَةَ، فَلَهُ عِبادَةُ سَنَةٍ».
وعن الإمام الكاظم عليه السلام: «.. فَمَنْ
صامَ ذَلِكَ اليَوْمَ، كتبَ اللهُ لَهُ صِيامَ سِتّينَ شَهراً»، وفي رواية: «
مَنْ صامَ ذَلِكَ اليَوْمَ، كانَ كَفّارَةَ سَبْعينَ سَنَةً».
* (الكافي) للكليني: «..عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ الله الصَّيْقَلِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا أَبُو الْحَسَنِ - يَعْنِي الرِّضَا
عليه السلام - فِي يَوْمِ خَمْسَةٍ وعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَالَ: صُومُوا
فَإِنِّي أَصْبَحْتُ صَائِماً..».
* (مصباح المتهجّد):
«.. ويستحبّ صومُ هذا اليوم، وروي: أنّ صومَه يعدلُ صومَ ستّين شهراً».
الدعاء:
(مصباح المتهجّد):
«ويستَحبّ أن يُدعى في هذا اليوم بهذا الدعاء: اللَّهُمَّ داحِيَ الكَعْبَةِ وَفالِقَ
الحَبَّةِ وَصارِفَ اللَّزْبَةِ وَكاشِفَ كُلِّ كُرْبَةٍ، أَسأَلُكَ فِي هذا اليَوْمِ
مِنْ أَيَّامِكَ الَّتِي أَعْظَمْتَ حَقَّها، وَأَقْدَمْتَ سَبْقَها، وَجَعَلْتَها
عِنْدَ المُؤْمِنِينَ وَدِيعَةً وَإِلَيْكَ ذَرِيعَةً، وَبِرَحْمَتِكَ الوَسِيعَةِ،
أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ المُنْتَجَبِ فِي المِيثاقِ، القَرِيبِ يَوْمَ
التَّلاقِ، فاتِقِ كُلِّ رَتْقٍ وَداعٍ إِلى كُلِّ حَقٍّ، وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ الأطهارِ
الهُداةِ المَنارِ دَعائِمِ الجَبَّارِ وَوُلاةِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ..». [ إلى آخر الدعاء،
وتجده في (مفاتيح الجنان) وغيره من كتب الأدعية ضمن أعمال اليوم الخامس والعشرين
من ذي القعدة ]
الصلاة:
* (هداية الأُمّة):
«صلاة يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة. روي: أنّه يُصلَّى فيه ركعتان عند الضّحى،
بـ (الحمد) مرّة، و(الشّمس) خمساً، وتقول بعد التّسليم: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ
إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظيمِ، وتدعو».
*
وفي (إقبال الأعمال)،
مثله، وزاد في آخره: «وتدعو وتقول: يا مُقِيلَ العَثَراتِ أَقِلْني عَثْرَتي،
يا مُجيبَ الدَّعَواتِ أَجِبْ دَعْوَتي، يا سَامِعَ الأَصْواتِ اسْمَعْ صَوْتي وَارْحَمْني،
وَتَجاوَزْ عَنْ سَيِّئاتي وَما عِنْدي، يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ».
الإمام الرِّضا والإمام الجواد عليهما
السلام
في
اليوم الحادي عشر من ذي القعدة سنة 148 للهجرة كانت ولادة الإمام أبي
الحسن، عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام، في المدينة المُنوّرة.
وفي
اليوم الثّالث والعشرين منه سنة 203 للهجرة، كانت شهادته، صلوات الله عليه،
في خراسان؛ ومن المسنون فيه زيارته، عليه السّلام، من قُرب ومن بُعد ببعض زياراته
المعروفة.
وفي
(مفاتيح الجنان) للمُحدّث القُمّيّ، أنّ فضيلة زيارته، عليه السّلام، أكبر من أن
تُحْصى، وأورد في الباب نصوص عدّة زيارات، وعشرة أحاديث عن رسول الله، صلّى الله
عليه وآله، وعن الأئمّة، عليهم السّلام، وفيها عن الإمام الجواد، عليه السّلام،
أنّ موضع دفنه، عليه السّلام، بطوس: «قَبْضَةٌ قُبِضَتْ مِنَ الجَنَّةِ، مَنْ دَخَلَها
كانَ آمِناً مِنَ النّارِ يَوْمَ القِيامَةِ».
وفي
اليوم الأخير من ذي القعدة سنة 220 للهجرة - على المشهور - استُشهد الإمام
أبو جعفر الثّاني محمّد بن عليّ التّقيّ، عليه السّلام، في بغداد، وقد سمّه المعتصم،
الحاكم العبّاسي، وكانت شهادته بعد سنتيْن ونصف من موت المأمون، كما كان الإمام
نفسه يتنبّأ بذلك فيقول: «الفَرَجُ بَعْدَ المَأْمونِ بِثَلاثينَ شَهْراً»؛
تُشعر هذه الكلمة بما كان يُعانيه من الأذى والمِحَن من سوء معاشرة المأمون له، حتّى
اعتبر الموت فرَجه الذي يرتقبه! كما عانى من المِحَن ما عاناه أبوه العظيم الإمام
الرضا عليه السلام حينما ولي العهد... وقد استُشهد الإمام محمّد بن عليّ التّقيّ،
عليه السّلام، وله من العمر خمس وعشرون سنة وبضعة أشهر، ويقع قبره الشريف خلف قبر
جدّه العظيم الإمام موسى الكاظم، عليه السّلام، في الكاظميّة. وفي (مفاتيح الجنان)
عدّة زيارات له عليه السّلام.
التَّوبة
في شهر ذي القعدة
«عن أَنَسِ بن مالك، قال: خرج رسول الله صلّى
الله عليه وآله يوم الأحد في شهر ذي القعدة، فقال: يا أَيُّها النّاسُ، مَنْ
كانَ مِنْكُمْ يُريدُ التَّوْبَةَ؟ قلنا: كلّنا نريد التوبة يا رسول الله، فقال
عليه السلام: اغْتَسِلوا وَتَوَضَّأُوا وَصَلُّوا أَرْبَعَ رَكَعاتٍ، وَاقْرَأُوا
في كُلِّ رَكْعَةٍ (فاتِحَةَ الكِتابِ) مَرَّةً، (وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ثَلاثَ
مَرّاتٍ، وَ(المُعَوَّذَتَيْنِ) مَرَّةً، ثُمَّ اسْتَغْفِروا سَبْعينَ مَرَّةً، ثُمَّ
اخْتِمُوا بِـ (لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظيمِ)، ثُمَّ
قولوا: (يا عَزيزُ يا غَفّارُ، اغْفِرْ لي ذُنوبي وَذُنوبَ جَميعِ المُؤْمِنينَ وَالمُؤْمِناتِ،
فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنوبَ إِلَّا أَنْتَ). ثمّ قال عليه السّلام: ما
مِنْ أُمَّتي فَعَلَ هَذا إِلّا نودِيَ مِنَ السَّماءِ: يا عَبْدَ الله اسْتَأْنِفِ
العَمَلَ، فَإِنَّكَ مَقْبولُ التَّوْبَةِ مَغْفورُ الذَّنْبِ.. قلنا: يا رسول
الله، لو أنّ عبداً يقول في غير الشّهر؟ فقال عليه السّلام: مِثْلَ ما وَصَفْتُ،
وَإِنَّما عَلَّمَني جَبْرَئيلُ، عَلَيْهِ السَّلامُ، هَذِهِ الكَلِماتِ أَيّامَ أُسْرِيَ
بِي».
(إقبال
الأعمال، وانظر: مفاتيح الجنان)