إنفاق المال دليل حبّ الله

إنفاق المال دليل حبّ الله

31/05/2011

من أدب الإنفاق: التعجيلُ وعدم المنّ

ــــ الشيخ محمّد مهدي النراقي ـــــ

التوحيد العام ألَّا يبقى لِلموحِّد محبوب سوى الواحد الفرد، إذ المحبَّة لا تقبل الشركة، والتوحيد باللّسان قليل الجدوى، وإنَّما تُمتَحن درجة الحبّ بمفارقة سائر المَحَابّ، فامتُحِن الناس في صدق دعواهم الحبَّ التام لله تعالى بمُفارقتهم عن بعض محابِّهم، أعني المال، ولذلك قال الله سبحانه: ﴿إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنَّة..﴾ التوبة:111.
ما يلي مختارات من فرائد (جامع السعادات) للفقيه الكبير الشيخ محمّد مهدي النّراقي قدّس سرّه.

السِّرُّ في فضيلة مطلَق إنفاق المال، ثلاثة أمور:

*الأوَّل: أنَّ التوحيد العام ألَّا يبقى للموحِّد محبوب سوى الواحد الفرد، إذ المحبَّة لا تقبل الشركة، والتوحيد باللّسان قليل الجدوى، وإنَّما تُمتَحَن درجة الحبِّ بمفارقة سائر المَحابّ، والأموال محبوبة عند الناس، لأنّها آلة تمتُّعهم بالدنيا، ولأجلها يَأنَسون بهذا العالم، ويخافون من الموت ويَتوحشُّون منه، مع أنَّ فيه لقاء المحبوب، فامتُحِنوا في صدق دعواهم الحبّ التام لله تعالى بمفارقتهم عن بعض مَحابِّهم، أعني المال، ولذلك قال الله سبحانه: ﴿إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنّة..﴾  التوبة:111. ولِفهم هذا السرّ في بَذْل الأموال، إنقسم الناس بحسب درجاتهم في التوحيد والمحبَّة ثلاثة أقسام:
1- الذين صدَقوا التوحيد وَوَفوا بعهده، ولم يجعلوا قلوبهم إلَّا محلاًّ لحبٍّ واحد، فنزلوا عن جميع أموالهم، ولم يَدَّخروا شيئاً من الدرهم والدينار، وغيرهما من أنواع المال، ولم يعترضوا لوجوب الزكاة عليهم، حتّى قيل لبعضهم: «كم يجب من الزكاة في مائتي درهم؟ فقال: ".." أمّا نحن فيجب علينا بذل الجميع». وسُئل الصادق عليه السلام: «في كم تجب الزكاة من المال؟ فقال: أمّا الزكاة الظاهرة، ففي كلِّ ألفٍ خمسة وعشرون، وأمّا الباطنة، فلا تستأثر على أخيك بما هو أحوج إليه منك».

2- درجتهم دون هذا، وهم الذين أمسكوا أموالهم (أي لم ينفقوها) ولكنّهم راقبوا مواقيت الحاجات ومواسم الخيرات، ويكون قصدهم من الإمساك الإنفاق على قدر الحاجة، دون التنعُّم، وصَرْف الفاضل عن قدر الحاجة إلى وجوه البِرّ. وهؤلاء لا يقتصرون على إعطاء مجرّد ما يجب عليهم من الزكاة والخمس، بل يُؤدُّون جميع أنواع البر والمعروف أو أكثرها.

3- اقتصروا على أداء الواجب، فلا يزيدون عليه ولا يُنقصون منه. وهو أَدْوَنُ الدرجات وأقلّ المراتب، وهو درجة العوامّ الراغبين إلى المال، لجهلهم بحقيقته وفائدته، وضَعْفِ حبّهم للآخرة.

*الثاني: تطهير النفْس عن رذيلة البخل، فإنَّه من المُهلكات، وإنّما تزول هذه الرذيلة بِبَذل المال مرّةً بعد أخرى حتّى يتعوَّد، إذ حبُّ الشيء لا ينقطع إلّا بِقَهر النفس على مفارقته، حتّى يصير ذلك اعتياداً.
وعلى هذا، فالإنفاق يُطهِّر صاحبه من خبث البخل المُهلِك، وإنَّما طهارته بقدْر بذلِه، وبقدر فَرَحه بإخراجه واستبشاره بصرفه إلى الله تعالى.
*الثالث: شكر النعمة، فإنَّ لله سبحانه على عبده نعمةً في نفسه ونعمةً في ماله. فالعبادات البدنيَّة شُكرٌ لِنعمة البدن، والماليّة شكرٌ لِنعمة المال.
وما أقبح بالغنيِّ المسلم أن ينظر إلى فقير مسلم، وقد ضُيِّق الرزق عليه وأُحْوِج إليه، ثمَّ لا تسمح نفسه بأن يؤدِّي شكر الله تعالى على إغنائه عن السؤال، وإحواج غيره إليه، بإعطاء عُشرٍ، أو ربع عُشر من ماله.

التعجيل في الإعطاء

 ينبغي للمُعطي المُنفِق، عند ظهور داعية الخير من باطنه، أن يغتنم الفرصة، ويُسارع إلى الإمتثال، تعجيلاً لإدخال السرور في قلوب الفقراء، وحَذَراً عن عوائق الزمان المانعة عن الخيرات، وعِلماً بأنَّ في التأخير آفات، وتنبُّهاً بأنَّ انبعاث داعية الخير لُمَّة (إلمامة وتأثير) الملََك، وقلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، فما أسرع تقلُّبه، والشيطان يَعِدُ الفقر ويأمر بالفحشاء والمنكر، وله لُمَّةٌ عقيب لُمَّة الملَك، وصَوْناً للفقراء عن الإضطرار إلى السؤال، إذ ورد: إنَّ الإعطاء مع السؤال مكافأةٌ لوجهه المبذول، وثمنٌ لما أُخذ منه، وليس بمعروف. ورُوي «أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام بعث إلى رجل بخمسة أوساق من ثمر البغيبغة، وكان الرجل مِمَّن تُرجى نوافله، ويُؤمل نائله ورفده، وكان لا يَسأل عليّاً ولا غيره شيئاً. فقال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام: والله ما سألك فلان شيئاً! ولقد كان يُجزيه من الخمسة أوساق وسق واحد. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لا كَثَّر الله في المؤمنين ضربك! أُعطي أنا، وتَبخل أنت؟! للهِ أنت! إذا أنا لم أُعطِ الذي يَرجوني إلَّا من بعد المسألة، ثمّ أُعطيه بعد المسألة، فلم أُعطِه إلَّا ثمن ما أخذتُ منه، وذلك لأنّي عرَّضتُه أن يَبذل لي وجهه الذي يُعفِّره في التراب لربِّي وربِّه عزَّ وجلَّ عند تعبُّده له، وطلب حوائجه إليه. فمَن فعل هذا بأخيه المسلم، وقد عرف أنَّه موضع لِصَلته ومعروفه، فلم يصدق الله في دعائه، حيث يتمنّى له الجنّة بلسانه، يبخل عليه بالحطام من ماله». ثمّ ينبغي أن يُعيِّن لأداء صدقته وقتاً فاضلاً، كيوم الغدير وشهر ذي الحجّة، لا سيَّما العشرة الأولى، أو شهر رمضان، لا سيَّما العشرة الأخيرة. وقد ورد أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان أجود الخلق، وكان في رمضان  كالريح المرسَلة، لا يمسك فيه شيئاً.

ذمّ المنِّ والأذى في الصدقة

ينبغي للمُتصدِّق أن يَجتنب عن المنِّ والأذى. قال الله سبحانه: ﴿..لا تبطلوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى..﴾ البقرة:264. وقال: ﴿قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى..﴾ البقرة:263. وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إنَّ الله تبارك وتعالى كرِهَ لي ستّ خصال، وكرهتهنّ للأوصياء من وُلدي وأتباعهم من بعدي: العَبَثَ في الصلاة، والرَّفث في الصوم، والمنّ بعد الصدقة، وإتيان المساجد جنباً، والتطلّع في الوفد، والضحك بين القبور». والمنُّ: أن يرى نفسه مُحسناً. ومن ثمراتها الظاهرة: الإظهار بالإنفاق، والتحدُّث به، وطلب المكافأة منه، بالشكر والخدمة والتعظيم، والمتابعة في الأمور. والأذى: التعيير، والتوبيخ، والإستخفاف، والإستخدام، والقول السيّء، وتقطيب الوجه، وهَتْك الستر.



لازَمَ الرّوحَ الكُليّة

قال جبران خليل جبران:
في عقيدتي أنّ ابن أبي طالب كان أوّل عربي لازَم الرُّوحَ الكُـليّة وجاورَها وسامَرها، وهو أوّل عربي تناولت شفتاه صَدى أغانيها فردَّدَها على مسمع قومٍ لم يَسمعوا بمثلها من ذي قبل، فَتَاهوا بين مناهج بلاغته وظُلُمات ماضيهم، فمَن أُعجِب بها كان إعجابه موثوقاً بالفطرة، ومَن خاصَمَه كان من أبناء الجاهليّة.
مات عليّ بن أبي طالب شهيد عَظَمته. مات والصّلاة بين شفتيْه. مات وفي قلبه الشَّوق إلى ربّه، ولم يَعرف العرب حقيقة مقامه ومِقداره، حتّى قام من جيرانهم الفُرس أناسٌ يدركون الفارق بين الجواهر والحَصَى. مات قبل أن يُبلِّغ العالم رسالته كاملةً وافيةً، غير أنّني أتمثّلُه مبتسِماً قبل أن يُغمض عينَيْه عن هذه الأرض، مات شأن جميع الأنبياء الباصرين، الّذين يأتون إلى بلدٍ ليس ببلدهم، وإلى قومٍ ليسوا بقومهم، في زمنٍ ليس بزمنهم، ولكن لربّك شأناً في ذلك، وهو أعلم.


اخبار مرتبطة

  إصدارات : دوريات

إصدارات : دوريات

02/06/2011

  إصدارات : كتب أجنبية

إصدارات : كتب أجنبية

02/06/2011

  إصدارات : كتب عربية

إصدارات : كتب عربية

02/06/2011

نفحات