الحاكم النّيسابوري، وأبو حامد الغزالي، وفخر الدين
الرازي تضرّعوا على أعتابه
قوافل زوّار
الإمام الرضا، عليه السلام، من أعلام المسلمين السُّنّة*
اتّفق علماء
المسلمين على جواز زيارة القبور عامّة، وقبور الأنبياء والأولياء والصالحين خاصّة،
وروَوا أنّ النبيّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم، زار قبر أُمّه السيّدة آمنة، عليها
السلام، فبكى وأبكى مَن حَوله، وقال: «اسْتَأْذَنْتُهُ - أي الله تعالى -
في أَنْ أَزورَ قَبْرَها، فَأَذِنَ لي؛ فَزُوروا القُبورَ فَإِنَّها تُذَكِّرُ الموتَ».
وقال صلّى الله
عليه وآله وسلّم: «مَنْ زار قَبْري وَجَبتْ لَهُ شَفاعَتي».
وقال صلّى الله
عليه وآله وسلّم: «مَنْ حَجَّ فَزارَني بَعْدَ وَفاتي، كانَ كَمَنْ زارَني في حَياتي».
دأَبَ محبّو أهل البيت،
عليهم السّلام، من الشيعة والسُّنّة، ومنذ القرون الهجرية الأولى، على زيارة قبر
رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومشاهد أئمّة أهل البيت، عليهم السّلام،
ومنهم الإمام الهُمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام، حيث روى الشيخ الصدوق في
خاتمة كتابه (عيون أخبار الرضا عليه السلام) أخباراً عن زيارة أهل السنّة لمرقد
هذا الإمام الرؤوف، فضلاً عن شيعته.
ونورد في ما يلي أسماء
بعض أعلام أهل السنّة ورجالاتهم ممّن تشرّفوا بزيارة المرقد الطاهر للإمام الرضا
عليه السّلام.
أبو بكر بن خُزَيمة، وأبو علي الثقفيّ
(القرن الهجري الرابع)
أبو بكر بن خزيمة
النيسابوري (223 - 311 للهجرة)
أحد المُحدّثين المشهورين الذين خلّفوا تراثاً روائيّاً ضخماً، ومن مؤلّفاته:
(صحيح ابن خُزيمة)، و(كتاب التوحيد).
وأبو علي محمّد بن عبد الوهاب
الثقفيّ (ت: 329 للهجرة)،
أحد علماء نيسابور الأعلام، وكان يحظى بمنزلة علميّة مرموقة، إلاّ أنّه لزم بيته
جرّاء مخالفته ابنَ خُزيمة في أبحاثه العقائديّة.
يقول ابن حَجَر في
(تهذيب التهذيب): كتب الحاكم النيسابوري في تاريخ نيسابور يقول:
«سمعتُ أبا بكر محمّد بن
مؤمّل يقول: خَرَجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خُزيمة وعَديلِه أبي علي
الثقفيّ مع جماعةٍ من مشايخنا - وهم إذ ذاك متوفّرون - إلى زيارة عليّ بن موسى
الرضا بطوس. قال: فرأيتُ من تعظيمه - يعني ابن خُزيمة - لتلك البُقعة وتواضعه لها
وتضرّعه عندها ما حَيَّرنا».
ابن حَبّان البُستي (القرن الرابع)
أبو حاتم محمّد بن
حَبّان البُستي (ت: 354 للهجرة)،
أحد مُحدّثي أهل السنّة وعلمائهم البارزين في علم الرجال خلال القرن الرابع
الهجري، ألّف كتابَين مُهمَّين في علم الرجال، أوّلها (كتاب الثقات)، والثاني
(كتاب المجروحين)، إضافة إلى مؤلّفاته في المجالات الأخرى.
يقول ابن حَبّان في كتاب
(الثقات)، في خاتمة ترجمته للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام: «مات عليّ بن
موسى الرضا بطوس من شربةٍ سقاه إيّاها المأمون، فمات من ساعته، وذلك في يوم السبت
آخر يوم سنة ثلاث ومائتين، وقبره بـ (سناباد) خارج النُّوقان مشهور، يُزار بجنب
قبر الرشيد. قد زُرتُه مراراً كثيرة، وما حَلّت بي شدّةٌ في وقتِ مقامي بطوس،
فزُرتُ قبرَ عليّ بن موسى الرضا، صلوات الله على جدّه وعليه، ودعوتُ الله إزالتَها
عنّي، إلّا استُجيب لي وزالت عني تلك الشدّة، وهذا شيءٌ قد جرّبتُه مِراراً
فوجدتُه كذلك، أماتَنا الله على محبّة المصطفى وأهل بيته، صلّى الله عليه وعليهم
أجمعين».
الحاكم النَّيسابوري (القرن الخامس)
محمّد بن عبدالله،
المعروف بالحاكم النَّيسابوري (321 - 405 للهجرة)،
من علماء أهل السنّة ومُحدّثيهم وأعلامهم البارزين، ألّف كتاباً مهمّاً باسم
(المستدرك)، استدرك فيه على كتابَي أهل السنّة المشهورَين: (صحيح البخاري)، و(صحيح
مسلم).
والحاكم النيسابوري من مُحبّي
أمير المؤمنين، عليه السّلام، ومن أعداء معاوية بن أبي سفيان الألدّاء، خلافاً لما
كان عليه أهل السنّة في عصره. ويَعتبر الحاكمُ مقامَ أمير المؤمنين، عليه السلام، أعلى
وأرفع من جميع الصحابة، كما أنّه دوّن في تاريخ نيسابور ترجمةً مُفصّلة للإمام
الرضا، عليه السّلام، بَيْد أنّ كتابه فُقد للأسف، فلم يصل إلينا من هذه الترجمة
إلاّ ما نقله ابن حَجَر في كتابه (تهذيب التهذيب)، وما ورد في التلخيص الفارسي
لتاريخ نيسابور.
وكان الحاكم قد دوّن -
كذلك - كتاباً خاصّاً بالإمام الرضا، عليه السّلام، سمّاه (مفاخر الرضا)، فُقد
أيضاً، فلم يَبقَ منه إلاّ ما نُقل في كتاب (الثاقب في المناقب) لابن حمزة الطوسي.
ولا ريب في أنّ من يؤلّف
ترجمة مُفصّلة للإمام الرضا، عليه السلام، ويؤلّف في مناقبه، ينبغي أن يكون في
عداد زائريه.
أبو الفضل البَيهقي (القرن الخامس)
أبو الفضل محمّد بن حسين
البَيهقي (385 - 470 للهجرة)
أحد الأساتذة المشهورين في البلاط الغَزنوي، وفي عداد كبار المؤرّخين الإيرانيّين،
بَيْد أنّ كتابه في التاريخ فُقد ولم يبقَ منه إلّا جزء يسير، وهو ترجمة مسعود ابن
السلطان محمود الغزنوي.
وأبو الفضل من جملة
زائري الإمام الرضا عليه السّلام. يقول في (تاريخه): «وقد ذهبتُ إلى طوس سنة إحدى
وثلاثين (وأربعمائة) مع راية المنصور، قبل هزيمة دندانقان، فذهبت إلى منطقة نُوقان
فزُرت مرقدَ الرضا رضيَ الله عنه».
كما أوصى البيهقي أن
يُحمل تابوته إلى مشهد الإمام الرضا، عليه السلام، فحُمل إلى طوس ودُفن هناك، وكان
قد أعدّ في حياته المالَ اللازم لذلك. كما أجرى البيهقي قناة الماء في مدينة مشهد
- وكانت قد جَفّ ماؤها - وبنى خاناً لاستراحة القوافل، ثمّ أوقف عائدات إحدى القرى
لتأمين نفقات القناة والخان.
وأشار البيهقي في كتابه
إلى أنّ أبا بكر شهمرد قد بذل جهوداً كبيرة في بناء بقعة الإمام الرضا، عليه
السّلام، وأنّ أبا الفضل سوري بن المعتزّ قد زاد في عمارتها كثيراً، وأنّه بنى
فيها منارة، ثمّ اشترى إحدى القُرى وأوقف عائداتها على تلك البقعة المقدّسة.
وأشار الراوندي في كتابه
(راحة الصدور) إلى بناء سوري بن المعتزّ - عميد نيشابور - قبّةً على ضريح الإمام
الرضا عليه السّلام.
منتجب الدين الجُوَيني (القرن السادس)
منتجب الدين بديع
الجُوَيني (المُتوفّى بعد سنة 552 للهجرة) مِن كُتّاب بلاط السلطان سَنجر، ومن
تأليفاته الباقية: كتاب (عتبة الكَتَبة) الذي قال في مقدّمته إنّه تعلّم فنّ كتابة
الرسائل على الخواجة الشهيد ظهير الدين البَيْهقي مدّةً من الزمن، فلمّا توفّي
البيهقي عاد الجويني من مَرْو إلى مازِندَران، فزار في طريقه الحرمَ الرضويّ
المقدّس؛ وممّا قاله حول ذلك:
«فمررتُ في طريقي
بالمشهد الرضوي المُقدّس المُعظّم المُطهّر - على ساكنه الصلاة والسّلام - في طوس،
فلمّا حَطَطتُ رِحالي في طوس، اغتنمتُ الفرصة للزيارة - كما هو واجب - ودعوتُ الله،
تعالى، في تضرّع وخضوع اقتضاهما حالي آنذاك، أن يمُنّ عليّ بالمهارة والحذاقة في
تلك الصَّنعة التي عكفتُ عليها همّتي، وجعلتُها مطيّةً لبلوغ طلِبتي، وأن يمُنّ
عليّ بذهنٍ صافٍ وذكاءٍ مُتَوقّد - ثمّ أشار إلى استجابة دعائه فقال: فعلمتُ أنّ
ذلك الاستحسان حصل إثر بركات وميمنة تلك البقعة الشريفة، وأنّه من كرامات ذلك
السيّد الهُمام، عليه وعلى آبائه السّلام».
كما تطرّق الجويني في
كتابه (رُقية القلم) إلى مشكلة أخرى اعترضته، فشدّ الرحال من أجلها لزيارة الإمام
عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام، فقال:
«.. فلمّا حرّرتُ
الرسالةَ وجئتُ السلطان بها، انزعج كثيراً وجَفاني ومزّق الرسالة، وقال: لا تَعُد
إلى الكتابة بعد هذا!
فسافرتُ إلى المشهد
المبارك لـعليّ بن موسى الرضا بقلبٍ محزون وخاطرٍ مكدَّر، واستعنتُ بروحه الطاهرة،
وابتهلتُ إلى الله، تعالى، في رحابه، وتضرّعتُ إلى الحضرة الصمديّة وسألته، تعالى،
تسهيلَ هذا الأمر، فاستجاب الخالقُ سبحانه دعائي وكشفَ ما أَلَمَّ بي».
محمّد الغزالي (القرن السادس)
أبو حامد محمّد الغزالي (450
- 505 للهجرة) الفيلسوف المشهور، عاش مطلعَ حياته في
مدينة طوس، ثمّ شدّ الرحال إلى بغداد، فاشتغل بالتدريس في المدرسة النظاميّة، ثمّ
انصرف إلى التصوّف في الحجاز وبلاد الشام مدةً تزيد على عشْر سنوات قضاها في عُزلة
وانفراد، ثمّ عاد إلى إيران فاستدعاه السلاطين السلاجقة للتدريس من جديد.
كتب الغزالي في سنة 503
للهجرة في جوابه إلى أحد سلاطين السلاجقة، وكان قد دعاه إلى بلاطه، حاكياً عن
تاريخ حياته: «..وها قد طرق سمعي أنّ السلطان يستدعيني إلى بلاطه، فقدمتُ إلى مشهد
الرضا عليه السلام - لا إلى بلاط السلطان - وفاءً بالعهد الذي قطعتُه عند مقام
الخليل، وها أنا أضرعُ في هذا المشهد..».
فخر الدين الرازي (القرن السابع)
في (تاريخ رويان) تأليف
أولياء الله الآملي ما ترجمته: «ذكروا أنّ سُلْطانَيْن من سلاطين الغوريّة؛ غياث
الدين وشهاب الدين حضرا إلى خراسان واستخلصا نيسابور، وتوجّها إلى زيارة الإمام
علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه. وكان معهما أستاذ العلم ومجتهد العصر فخر
الدين الرازي (ت: 606 للهجرة)
مع جمع من علماء الغوريّة والغزنويّة».
__________________________________
*
نقلاً عن الموقع الإلكتروني لشبكة الإمام الرضا عليه السلام.