(مباني وأصول العرفان الشيعي) للمُلّا
محمّد علي فاضل
حقيقة التوحيد في دعاء
عرَفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ قراءة: محمود إبراهيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب: مباني وأصول العرفان الشيعي - قراءة في دعاء عرفة (للإمام
الحسين بن عليّ عليهما السلام)
المؤلّف: المُلّا محمّد علي فاضل
الناشر: «دار المعارف الحكميّة»، بيروت 2011م
إذا كان من وصف إجمالي
لكتاب الفقيه العارف المُلّا محمّد علي فاضل (مباني وأصول العرفان الشيعي)، فلا يَسعنا
القول إلّا أنّه من الكُتب المرجعية التأسيسية في المعارف الربّانيّة. ومثل هذا
القول الوصفي لا يعود فقط إلى منزلة المؤلّف العلمية وتخصّصه في الإلهيات، وإنّما أيضاً
- وأساساً - إلى جوهريّة الموضوع وسموّه الذي ابتنى عليه رؤيته للعرفان النظري كما
استلهمه من روح المدرسة الإمامية.
والبيّن في ما ذهب إليه
الملا فاضل، أنّه لم يشأ أن يعرض إلى المبادىء النظرية
المجرّدة لعلوم العرفان، بل هو اتّخذ من دعاء عرَفة للإمام الحسين بن عليّ، عليهما
السلام، مصداقاً لتظهير المباني النظرية للعرفان الشيعي.
وممّا لا جدال فيه بين
حكماء المسلمين وعلمائهم، أنّ دعاء عرفة، بمضامينه ومقاصده، شكّل بحراً من بحور
علم التوحيد.
من هذا المقام المُتعالي
لدعاء عرفة، تأسّسَ ركنٌ أساسيّ لمعارف أهل الحقّ بعد القرآن والسُّنّة المُطهّرة
والحكمة العلوية في نهج البلاغة.
لو تصفّحنا فصول النصّ، لوجدنا شرحاً دقيقاً ولطيفاً للدعاء، وسيتبيّن لنا،
من خلال ما قدّمه المؤلّف من شروح هي في غاية العمق والتدبُّر، أنّ دعاء الإمام،
عليه السلام، هو مصدر إلهام للعارفين والحُكماء من بعده. ومن روحه الممتلئ
بالتوحيد والحبّ الإلهي، أشرقت أنوار الصحيفة السّجّادية – لابنه الإمام عليّ بن
الحسين زين العابدين عليه السلام - لتؤسّس الخطوط الهادية إلى صراط الحقّ.
تتضمّن شروحات المُلّا
فاضل المفاصل الأساسية في دعاء عرفة، وقد جاءت على الترتيب التالي: في معنى الحمد
والشكر الثناء – قوله ليس لقضائه دافع – في القضاء والقدر – القول في التفويض –
القول في المشيئة – في أنّ الوجود خيرٌ مَحض – المرء يحشر مع مَن أحبّ – وجوب
إنكار المُنكر – في أنّ واجب الوجود لذاته واجب الوجود من جميع الجهات – الجواد
الحقيقي هو الله تعالى فقط – في فضل القرآن – في نسبة الإسلام – في تمثّل الأعمال
وتَجسُّمها – فضل التواضع – في أنّ التضرّع والإلحاح يوجبان الاستجابة – في الدعاء
وفضله – اختلاف درجات العباد في العقل والإيمان – في أنّ الله هو دافع كلّ كَرب
وكاشف كلّ غمّ – في ذمّ التكبّر – فضل البُكاء من خشية الله – في التوحيد ومعاني
الأسماء – في معنى السميع والبصير – في معنى اللطيف والخبير – في معنى الربّ – في
بدء خلق الأئمّة عليهم السلام - في أنّ آباء الأنبياء كلّهم كانوا مُوَحّدين – في
الخوف والخشية من الله تعالى – في التفكّر وفضله وأنواعه وإراءة اللهِ الأئمّة ما
في السماوات والأرض– في إخبار الأئمّة عن عوالم غير هذا العالم – في حقيقة الذِّكر
وفضله – في وجوب نشر العلم على العالم، وذمّ كتمانه - في علم الأئمّة عليهم السلام
– في مبادئ طينة الناس، ومبدأ خِلقة الأئمّة عليهم السلام – في حقيقة الرزق
ومعانيه.
من سيرته الفاضلة
مؤلّف هذا الكتاب هو
الحكيم الجليل والعلاّمة الفقيه، جامع المعقول والمنقول، المرحوم المُلّا محمّد
علي فاضل المشهور بـ «حاجي فاضل خراساني»، كان يُعدّ من أكابر علماء الإسلام في
القرن الرّابع عشر الهجريّ.
كان حاجي فاضل أستاذاً كبيراً في الفقه، والأصول،
والتفسير، والحكمة - بما فيها الحكمة المشّائية - والإشراق، وفلسفة ملّا صدرا.
وكان مُتبحّراً في الحديث، وأخبار أهل البيت عليهم السلام، وأصول العقائد. وكانت له
مطالعة كثيرة في الشعر العربي والفارسي، وهو نفسه تمتّع بقريحة شعرية، من هنا جاء
اسمه كأحد شعراء خراسان في القرن الرّابع عشر الهجريّ، ولكن من المؤسف أنّنا لم
نجد له ديواناً حتّى اليوم.
وُلد المرحوم حاجي فاضل
بمشهد المُقدّسة بعد سنة 1260 للهجرة، وعاش عمراً مُباركاً ناهز الثمانين، إلى أن
توفّي سنة 1342 للهجرة، وهذا هو ما اتّفق عليه ذوو أرحامه؛ ونقل أحد تلاميذه تاريخ
وفاته ومدفنه قائلاً:
«... من جملتهم المرحوم
الحاج المُلّا محمّد علي الشهير بالحاج فاضل، وكان أستاذي، كما كان فريد عصره
علماً وفضلاً وتحقيقاً. توفّي في ربيع الأوّل سنة 1342 للهجرة، ودُفن في... الحرم
الرضوي الشريف».
أمّا في ما يتعلّق
بأعماله الكتابية، فهي غنية في مضامينها رغم حجمها المحدود، وهذا خلاف الانطباع
السائد عن شخصيات علمية وفقهية كمقام المؤلف.
إنّ ما نعرفه عن
الشخصيات العلمية الجامعة للمعقول والمنقول هو كثرة كتبها ورسائلها العلمية في
الحقل الذي تخصّص فيه كلّ واحد منهم. من هنا، نتوقّع أن يخلف لنا المرحوم حاجي
فاضل آثاراً علمية جمّة أيضاً، بيد أننا لا نلحظ ذلك؛ ولعلّ أحد الأسباب التي لم
تساعده على التأليف هو انشغاله في محكمة الشرع، والمرجعية العلمية في العلوم
المتداولة. من هذا المنطلق، كان، كما قال الأستاذ الآشتياني، يجيب عن كلّ سؤال
جواباً وافياً على البديهة، كما كان مزّاحاً.
أمّا ما توصّل إليه
المحقّقون من إحصاء لكتبه، فهي الأعمال التالية:
1) شرح دعاء عرفة، وهو كتابنا الحاضر، وقد أُشير
إليه في جميع الكتب التي ترجمت له.
2) تفسير آيات النور من
سورة النور المباركة.
3) حاشية على شرح
المنظومة.
جامع المنقول والمعقول
من الجدير ذكره أنّ
الذين تعرّضوا إلى سيرته نقلوا أنّه كان جامع المعقول [المعقولات: علم يبحث في ما اختصّ العقلُ
بإدراكه من المُدركات]، وكان مُجتهداً كبيراً
وفيلسوفاً رفيع المستوى. ونُورد فيما يأتي، على سبيل المثال، ما كتبه عنه العلّامة
الشهيد الأستاذ مرتضى مطهّري، والأستاذ السيّد جلال الدين الآشتياني.
* قال الأستاذ مطهّري
قدّس سرّه:
«كان الحاج فاضل
الخراساني من تلاميذ الملّا هادي السبزواري في المعقول بصورة غير مباشرة، ومن طلّاب
الميرزا الشيرازي في المنقول [المنقول
ما عُلِمَ من طريق الرِّواية أَو السّماع، وهنا النصّ الشرعي من آيات وأحاديث].
وكان أحد النماذج المشهورة في العلم والشمولية في القرن الرابع عشر الهجري. وهو
أحد الثلاثة الذين كانوا مضرب الأمثال في الشمولية والدقّة والتحقيق يومئذٍ،
والآخران هما الشيخ عبد النبي النوري في طهران، والميرزا حسين العلوي السبزواري في
سبزوار. وكان مُدرّساً اجتمعت عليه الكلمة في تدريس كتب الفلسفة في حوزة مشهد
الزاهرة. وتوفّي بمشهد في نفس السنة التي توفّي فيها تِربه الطهراني المرحوم الشيخ
عبد النبي».
وقال الأستاذ الآشتياني:
«كان المرحوم الحاج فاضل
الخراساني أحد تلاميذ المُلّا غلام حسين شيخ الإسلام، والحكيم السبزواري. وكان من
فُقهاء عصره وحكمائه وأدبائه وعرفائه المشهورين. وعُدّ مدرّساً رفيعاً في فنون
الحكمة، وأستاذاً ممتازاً في جودة التقرير وقدرة البيان على صعيد إيران».
قال مؤلّف (سفر نامه
خراسان وكرمان) [رحلة خراسان وكرمان] وكان قد رأى المرحوم حاجي فاضل عن كثْب:
«في هذه المدينة مُجتهد
كبير آخر، هو سماحة أفقه العصر والزمان آغا محمّد علي المعروف بفاضل. وهو لبّ،
وسائر المجتهدين فيها قشور... وكانت جميع المسائل الفقهية الشرعية، والعُرفية الظاهرية
والباطنية بيده... ومن هنا ضرب عن المرجعية صفحاً، بيد أن حُكمَه ظلّ مطاعاً متّبعاً...».
وصفه أحد العلماء في ظهر
المخطوطة التي تضمّ شرحاً لدعاء عرفة، والعائدة لابنه، قائلاً:
«...قد تتلمذ في العقليّات
عند أساتذة دهره، ومنهم الحكيم المُحقّق والفقيه المتبحّر المولى غلام حسين
المعروف بشيخ الإسلام، وهو من أعاظم تلاميذ الحكيم السبزواري، ومن أجَلّ تلامذة
الشيخ الأعظم الأنصاري، قدّس سرّه، ومنهم الحكيم العلّامة الآغا الميرزا محمّد
السرودي المعروف بـ (خادمباشي)، وهو أيضاً من أكابر تلاميذ السبزواري في
العقليات... والشارح العلّامة حضر أبحاث المجدّد الشيرازي، رضوان الله عليه، في سُرّ
من رأى [أي
سامرّاء]، وهو من أكابر تلاميذه، وحضر، برهةً من
الزمان، أبحاثَ الفقيه العلاّمة الشيخ حسن علي الطهراني... وقرأ أيضاً كثيراً من
أبحاث فقهية وأصولية عند الفقيه المحقّق المولى عبد الله الكاشاني، وهو من أجَلّ
تلاميذ الشيخ الأنصاري. واعلم أنّ الشارح المحقّق كان حكيماً مُحقّقاً وفقيهاً
عرّيفاً، وأصوليّاً ماهراً، وكان أيضاً مفسّراً ومُحدّثاً، وأديباً جامعاً قلّ منه
في الجامعة. وكان طليقَ اللسان، سليم الجنبة، مأمون الناحية، لطيف العِشرة، قويَّ
الإيمان، ليّن العريكة».
وعلى أيّ حال، فإنّ
الكتاب الذي بين أيدينا يشكّل مُرتكَزاً مرجعياً لإدراك وفهم مباني العرفان وأصوله
في المدرسة الإمامية. كما أنّه يمنح الدارسين
للعرفان النظري منهجية التمييز بين التصوّف الإسلامي الكلاسيكي وبين ما أسّس له أئمّة
أهل البيت، عليهم السلام، من علوم الحقائق الدقيقة في معرفة توحيد الله، تعالى،
ومبادئ السير والسلوك إلى الحضرة المُقدّسة.