الملف

الملف

منذ أسبوع

عيد الغدير في كلام الإمام القائد حفظه الله


عيد الغدير في كلام الإمام القائد حفظه الله
امتدادٌ لخطّ الرسالات الإلهيّة

نقدّم في ما يلي مختارات من خُطب وأحاديث الإمام القائد السيّد على الخامنئي دام ظلّه، في يوم الغدير، وقد أُلقيت في مناسبات وأماكن مختلفة، وهي تركّز على المعاني العميقة لهذا اليوم الأغرّ، ووجوب استلهام مغزاه وأهميته العظمى بالنسبة إلى المسلمين جميعاً.

 

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم

﴿..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..﴾ المائدة:3.

***

«ينبغي أن لا يُنظر إلى واقعة الغدير التاريخيّة الكبرى التي اتّخذناها، اليوم، عيداً على أنّها مناسبة مذهبيّة؛ فحادثة الغدير، بمغزاها الحقيقي، لا تخصّ الشيعة وحدهم، وإن كان الشيعة يتّخذون من يوم تنصيب مولى المتّقين للإمامة والولاية عيداً ويُقيمون فيه مراسم الشكر، حيث إنّ يوم الغدير يمثّل في الحقيقة امتداداً لخطّ الرسالات الإلهيّة بأسرها، وهو تتويج لهذا الخطّ الأرحب الزاهر على مرّ التاريخ. وإذا ما ألقينا نظرة على الرسالات الإلهية، نجد أنّ الأنبياء والرسل قد تناقلوا هذا الخط الأرحب عبر التاريخ حتّى آل إلى النبيّ الأكرم الخاتَم صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ تجسّد وتبلور عند نهاية حياة هذا الرجل العظيم على هيئة واقعة الغدير».

(18 ذي الحجة 1422 هجرية)

الغدير تجسيد لإدارة المجتمع

«إنّ قضية الغدير وتنصيب أمير المؤمنين، عليه الصلاة والسلام، وليّاً على أمر الأمة الإسلاميّة، من قِبل النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، قضيّة عظيمة وذات دلالات عميقة، تدخّل فيها النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله في إدارة المجتمع.

إنّ معنى هذه الحادثة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة في السنة الهجرية العاشرة، أنّ الإسلام يدرك أهمّية مسألة إدارة المجتمع، فلم يُهملها أو يتعامل معها ببرودة، والسبب في ذلك أنّ إدارة المجتمع في أكثر مسائله تأثيراً، وأنّ تعيين أمير المؤمنين، عليه السلام، الذي هو تجسيدٌ للتقوى والعلم والشجاعة والتضحية والعدل من بين أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، يُثبت أبعاد هذه الإدارة، وبذلك يتّضح أنّ هذه الأمور هي التي يجب تَوفّرها في إدارة المجتمع».

 (18 ذي الحجة 1425 هجرية)

سِمات الحاكم

«إنّ الإمامَ المعصوم إنسان رفيع؛ يمثّل قلبُه من الناحية الدينيّة مرآة مضيئة لأنوار الهداية الإلهيّة، وروحه تتّصل بمنهل الوحي، خالصةٌ هدايتُه؛ ومن ناحية الأخلاق الإنسانيّة، فإنّ سيرته وأخلاقه ممزوجتان بالفضيلة، لا سبيل للأهواء النفسيّة إليه؛ لا تغلبه المعصية، ولا يغلِّب الشهوات والنزوات على نفسه؛ ولا يبعده الغضب والسخط عن صراط الله تعالى.

أمّا سياسيّاً، فله رؤية ثاقبة بنحوٍ يرقب بعينه الفاحصة أخفى التحرّكات وأدقّ الأحداث في حياة المجتمع، وكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (وَاللهِ لا أَكونُ كَالضَّبُعِ تَنامُ عَلى طولِ اللَّدْمِ)؛ مِقدام، ذو قوّة روحيّة ومعنويّة في مواجهة عواصف الحياة... فيردّد لأجلها: (فَلَوْ أَنَّ امْرِأً مُسْلِماً ماتَ مِنْ بَعْدِ هَذا أَسَفاً ما كانَ بِهِ مَلوماً، بَلْ كانَ بِهِ عِنْدي جَديراً).

لقد كان أمير المؤمنين، عليه الصلاة والسلام، شجاعاً في مواجهته الأخطار بالمستوى الذي يصرّح بعدم قدرة أيّ أحد [غيره] على مواجهة الفتنة التي فقأ عينها - ومراده بذلك فتنة الخوارج أو فتنة الناكثين - فتلك المعنويّات والتديّن والأخلاق والفضائل من ناحية، وتلك الرؤية الثاقبة والشجاعة والتضحية والمشاعر الإنسانيّة المرهفة، إلى جانب الصلابة والقوّة المعنويّة والروحيّة في ناحية أخرى، إنّما منشؤها جميعاً العصمة؛ لأنّ الله، سبحانه، قد اجتباه لمنزلة العصمة، ولا منفذ للمعصية والخطأ إلى عمله؛ فإذا ما وقف مثل هذا الإنسان على هرم المجتمع تحقّق بذلك غاية ما تنشده الرسالات بأجمعها؛ هذا هو معنى الغدير، وهذا ما تحقّق في الغدير».

مغزى واقعة الغدير

«لا تنظروا إلى الغدير في حدود تنصيب أو تعريف عادي حيث قام النبيّ الأكرم، صلّى الله عليه وآله، بتعريف شخصٍ ما. ولا شكّ - بطبيعة الحال – في أنّ النبيّ نصّب أمير المؤمنين للخلافة على مشهدٍ من عشرات الآلاف من المسلمين، وليس هذا بالأمر الذي يرويه الشيعة فقط، بل إنّ واقعة الغدير ممّا يرويها إخواننا أهل السنّة ومحدّثوهم بنفس المواصفات التي ينقلها الشيعة، وهو ليس بالأمر الذي يسعُ المرء إنكاره؛ بيد أنّ القضيّة لا تقف عند هذا الحدّ.

القضيّة هي: أنّ ذروة ما بلغه مزيج الدين والسياسة بصورته الرائعة البديعة وتَبلوره كسنّة خالدة تؤمّن الهداية للمجتمع منذ عهد آدم، عليه السلام؛ حيث انطلقت النبوّات والرسالات وتشكّلت حكومات الأنبياء مرّات ومرّات على مرّ التاريخ - من قبيل حكومة النبيّين سليمان وداود، عليهما السلام، وغيرهما من أنبياء بني إسرائيل حتّى عهد نبيّنا صلّى الله عليه وآله - قد تحّقق في واقعة الغدير، لذا فإنّنا نقرأ في دعاء الندبة: (فَلَمَّا انْقَضَتْ أَيّامُهُ أَقامَ وَلِيَّهُ عَلِيَّ بْنَ أَبي طالِبٍ، صَلَواتُكَ عَلَيْهِما وَآلِهِما، هادِياً، إِذْ كانَ هُوَ المُنْذِرُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ).

بيد أنّ النبيّ ليس مُخلّداً وأزليّاً، والمجتمعات بحاجة إلى مَن  يهديها، والإسلام قد تكفّل بهذا الهادي، وهم المعصومون الذين يتوالون جيلاً بعد جيل فيُمسكون بزمام الأمور، ويتصدّون لهداية البشريّة من خلال التعاليم القرآنيّة الأصيلة الخالصة أجيالاً وقروناً. وهم في الحقيقة إنّما يقومون بعمليّة تجذير للأفكار والخِصال والسلوكيّات والأخلاق الإسلاميّة في المجتمع؛ لتبقى حجّة الله حيّة فيما بعد في أوساط المجتمع، فلا وجود للدنيا والبشريّة من دون حجّة قائمة، على أن تشقّ البشريّة طريقها، وهذا ما لم يتحقّق، وهذا هو ما خطّط له الإسلام ومشروعه الشامل، وهذا هو المغزى من الغدير.

الإمامة هي تلك القمّة في المعنى المنشود من إدارة المجتمع قبال ضروب الإدارة وأصنافها المنبثقة عن مكامن الضعف والشهوة والحميّة في الإنسان ومطامعه، والإسلام يطرح أمام البشرية نهج الإمامة ووصفتها؛ أي ذلك الإنسان الطافح قلبه بفيض الهداية الإلهيّة، العارف بعلوم الدين المتميّز بفهمه - أي يجيد تشخيص الطريق الصحيح - ذو قوّة في عمله: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ..﴾ مريم:12، ولا وزن لديه لنفسه ورغباته الشخصيّة، لكنّ أرواح الناس وحياتهم وسعادتهم تُمثّل أهمّ ما لديه، وهذا ما عبّر عنه أمير المؤمنين، عليه السلام، عمليّاً أثناء حكمه الذي استمرّ أقلّ من خمس سنوات، فإنّكم تلاحظون أنّ فترة ما يقلّ من خمسة أعوام هي فترة حكم أمير المؤمنين، تمثّل أنموذجاً ومقتدىً لن تنساه البشريّة أبداً، وستبقى خالدة وضّاءة قروناً متطاولة، وهذه هي ثمرة واقعة الغدير، والدرس والمغزى والتفسير المستقى منها».

(18 ذي الحجة 1422 هجرية)

الغدير: خارطة الطريق بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله

«إنّ قضية (الغدير) ليست قضية تاريخيّة بحتة، بل إنّها ملمح من ملامح الجامعيّة الإسلاميّة. وإذا ما افترضنا أنّ النبيّ الأكرم، صلّى الله عليه وآله، لم يترك للأمّة منهاجاً لبناء مستقبلها بعد عشر سنوات أمضاها في تحويل ذلك المجتمع البدائي الملوّث بالعصبيّات والخرافات إلى مجتمع إسلامي راقٍ، بفضل سعيه الدؤوب، وما بذله أصحابه الأوفياء من جهود، لظلّت كلّ تلك الإنجازات مبتورة وبلا جدوى.

لقد كانت تراكمات العصبيّة الجاهليّة على قدَرٍ عظيم من العمق، بحيث إنّها كانت بحاجة إلى سنوات طويلة للتغلّب عليها والتخلّص منها.

لقد كان كلّ شيء على ما يرام على ما يبدو، وكان إيمان الناس حسناً، حتى ولو لم يكونوا على مستوى واحد من العقيدة، فبعضهم كان قد اعتنق الإسلام قبل وفاة الرسول الأكرم، صلّى الله عليه وآله، بستّة أشهر أو بعامٍ واحد أو عامين، وذلك بفضل هيمنة البُنية العسكريّة التي أسّسها النبيّ، صلّى الله عليه وآله، مع ما رافقها من حلاوة الإسلام وجاذبيته.

إنّهم لم يكونوا جميعاً من طراز المسلمين الأوائل؛ ولهذا فقد كان من الضروري اتّخاذ ما يلزم من التدابير، بغية إزالة تلك التراكمات الجاهليّة من أعماق المجتمع الجديد، والحفاظ على خطّ الهداية الإسلاميّة سليماً وممتدّاً بعد رحيل الرسول الأكرم، صلّى الله عليه وآله، بحيث إنّ جهوده الجبّارة خلال تلك السنوات العشر ستبقى بلا ثمار إذا لم يتمّ اتّخاذ تلك التدابير.

وهذا ما صرّحت به الآية المباركة من سورة المائدة، وهي قوله تعالى: ﴿.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي..﴾. فهذه إشارة إلى أنّ هذه النعمة هي نعمة الإسلام، ونعمة الهداية، ونعمة إرشاد العالمين جميعاً إلى الصراط المستقيم. وهذا ما لا يُمكن أن يتمّ بلا خارطة للطريق بعد الرسول، صلّى الله عليه وآله، وهذا أمر طبيعي.

وهذا هو عين ما فعله النبيّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم، في الغدير، حيث نصَّب للولاية خليفةً عظيماً لا نظير له، وهو أمير المؤمنين عليه السلام؛ لِمَا كان يتمتّع به من شخصيّة إيمانيّة فريدة، وأخلاق سامية حميدة، وروح ثوريّة وعسكريّة متميّزة، وسلوك راقٍ مع جميع الناس، وقد بايعه المسلمون على الولاية بأمر من نبيّهم صلّى الله عليه وآله.

ولم يكن هذا من عند رسول الله، صلّى الله عليه وآله، بل كان هداية ربّانيّة، وأمراً إلهيّاً، وتنصيباً من الله تعالى، كما هو شأن كافّة أقوال وأفعال الرسول، صلّى الله عليه وآله، التي كانت وحياً إلهيّاً، وهو الذي لا ينطقُ عن الهوى.

لقد كان هذا أمراً إلهيّاً صريحاً للرسول، صلّى الله عليه وآله، فقام بتنفيذه وإطاعته. وهذه هي قضيّة الغدير، أي بيان جامعيّة الإسلام وشموليّته، والتطلّع إلى المستقبل؛ وذلك الأمر الذي لا تتمّ هداية الأمّة الإسلاميّة وزعامتها إلّا به».

(18 ذي الحجّة 1427 هجرية)

المحجّة البيضاء

«عيدُ الغدير عيدٌ في غاية العظَمة، ويُعدّ واقعة تاريخيّة كبرى فيها من الدروس ما إن استوعبَته الأُمّة الإسلاميّة فإنّها ستجني الفائدة الحقيقيّة من هذا اليوم؛ ففي واقعة الغدير أعظم الدروس، فهي من الحوادث المسلّم بها في التاريخ الإسلامي، وليس الشيعة وحدهم الذين رووا حديث الغدير، بل هنالك الكثير من بين علماء السنّة ومُحدّثيهم الذين رووه أيضاً، ونقلوا الواقعة كما نقلها الشيعة، وقد [جرى] العلماء [مجرى] مَن شهد تلك الواقعة في فهمهم لفعل رسول الله، صلّى الله عليه وآله، عندما رفع يد أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: (مَنْ كُنْتُ مَولَاهُ فَهَذا عَلِيٌّ مَولَاهُ)؛ أي أنّه صلّى الله عليه وآله نصّب أمير المؤمنين عليه السلام خليفةً له. ".."

لو كانت الأُمّة الإسلاميّة قد وعت يومها عملية التنصيب التي بادر إليها النبي، صلّى الله عليه وآله، بمغزاها الحقيقي، وأحسنت استيعابها، واقتفت أثر عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و[لو] تواصلت التربية النبويّة، وظَلّل المعصومون من بعد أمير المؤمنين عليه السلام الأجيال البشرية المتعاقبة بظلال تربيتهم الإلهيّة - بعيداً عن الهَفَوات [التي تسبّب بها حكّام الجَور] - كما صنع رسول الله، صلّى الله عليه وآله، لأَفلَحت البشريّة في بلوغ المستوى الذي عجزتْ عن بلوغه لحدّ الآن بسرعة فائقة، من تطوّر في العلم البشري وتسامٍ في المراتب الروحيّة للإنسان، واستتبابٍ للسلام والوئام بين الناس، وزَوالٍ للظلم والجور، وانعدام الأمن، والتمييز، والحَيف بين الناس، وهذا ما صرّحت به فاطمة الزهراء سلام الله عليها - التي كانت أعرفَ أهل زمانها بمنزلة النبيّ وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما- من أنّ الناس لو اتّبعوا عليّاً لسلك بهم هذا الطريق، وبلغ بهم هذا المآل. غير أنّ الإنسان كثيراً ما يقع في الأخطاء».

(18 ذي الحجة 1421 هجرية)

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات