وصيّة
العلّامة الشعراني الأخلاقيّة إلى طلَبة العلم:
سرُّ النجاح والتوفيق، حسنُ الظنّ بالعلماء
____ إعداد: «شعائر» ____
*
العلّامة الشيخ أبو الحسن الشعراني، من نوادر العلماء المعاصرين، عاش حياة بسيطة بعيدة
عن زخارف الدنيا وبهارجها.
* وُلد سنة 1320 للهجرة في طهران وبها أتمّ المقدّمات،
وتوفّي سنة 1393 [1973م]، ودُفن إلى جوار السيّد عبد العظيم الحسني في مدينة
الرّي.
* هاجر إلى قمّ المقدّسة، ثمّ إلى النجف الأشرف
وحضر على أعلامها، فتعمّق في الفقه، وأصول الفقه، والمنطق، والكلام، والحكمة، كما سبر
أغوار الرياضيّات القديمة، والفلك، وشيئاً من الطبّ.
* عند عودته إلى موطنه انقطع إلى التدريس والتحقيق
إلى آخر حياته، وكان يشغل، إضافةً إلى الأعمال العلميّة، إمامة أحد مساجد طهران القديمة
المعروف بـ «مسجد حوض».
* من أهمّ آثاره : تعليقاته على (شرح أصول الكافي)
للمولى صالح المازندراني.
* هذا النصّ مقتطف من وصيّة أخلاقيّة وعلميّة حرّرها،
رضوان الله عليه، لطلبة العلوم الدينية، نُوردها نقلاً عن كتاب (وصايا العرفاء)
للسيّد حسين نجيب محمّد.
أُوصي إخواني ومُحقّقي
آثار سيّد الأنبياء صلّى الله عليه وآله، والذين يقرأون هذا الكتاب، أنّ أهمّ
الأمور الواجبة والضروريّة لطالب العلم هي:
*
الإخلاصُ في النيّة لله، تعالى، فإنّه يوفّق عبده، ويُهيّئ له وسائل طاعته، ويُلهم
طريق الحقّ في قلوب عباده. فلو لم يكن هناك إخلاصٌ في النيّة فلا يُوفَّق أحد في
ارتقاء سُلّم العلم أو الاستفادة ممّا تعلّمه.
ومن الأمور الأخرى الواجبة على طالب العلم:
*
الورع والابتعاد عن الحرام والمسائل التي فيها شُبهة، والمواظبة على العبادات،
لأنّه لا يمكن لأيّ شخص الانتفاع من علمه إلّا إذا قرنَه بالعمل، ولأنّ قلوب الناس
لا تطمئنّ ولا تهدأ بواسطة عالم بلا تقوى.
وعلى طالب العلم:
*
أن يستفيد من الأوقات - التي لا يقضيها بطلب العلم - بالعبادات المُستحبّة
والنوافل.
*
وأن يقلّل من البطالة، وصرف الوقت في المناقشات، وفي قراءة المواضيع التي ليس فيها
أيّ منفعة لدينه، مثل... الحكايات، والقصص الخالية من العِبرة والموعظة.
*
ويجب على طالب العلم أيضاً أن لا يترك قراءة القرآن الكريم في الليل والنهار، وأن
يقرن هذه القراءة مع التدبّر والتأمّل في دقائق الآيات ومعانيها حسب قابليّته،
ويرجع إلى التفسير في الآيات التي يواجه صعوبة في فهمها.
*
ويجب عليه أيضاً ترك القول والتصرّف ومطالعة كلّ ما هو غير مفيد. وإذا شعر في وقتٍ
ما أنّ الكسل والتعب بدأ يتسلّل إليه ويُعيقه عن الاهتمام بالمسائل العلميّة، يجب
عليه – كما هو مذكور في الحديث - أن ينعش ويهدّئ قلبه بالحِكَم، وبتجنّب الانشغال
بالألعاب والأعمال غير المفيدة، وقراءة الأشعار والقصص، إلّا إذا كانت حاوية على
عبرة وموعظة.
احترام
العلماء، واجتناب التعصّب
*
ويجب أن يُحسن طالب العلم الظنّ بالعلماء، فهذا سرّ الموفقيّة والنجاح والفوز،
لأنّ سوء الظنّ بهم يجلب الشقاء والفشل، بل قد يؤدّي أحياناً إلى الكفر والضلال
والجهل. إذاً، يجب التدبّر والتفكّر باهتمامٍ كامل في كلامهم، لأنّ الله، تعالى،
قد جعل لكلّ شيءٍ سبباً، ويجب على طالبه الاهتمام في البحث عنه، والأستاذ هو أحد
أسباب التعليم، والعناية بالأستاذ لا تحصل إلّا بالتفاؤل وحُسن الظنّ.
ويجب على طالب العلم أيضاً:
*
أن لا يتعصّب إلى كتابٍ خاصّ، أو طريقة خاصّة، وبالخصوص في الفقه؛ لأنّ هذا يعني
التقليد والتبعيّة للآخرين، فقد لُوحِظ كثيراً أنّ بعض الطلّاب يكتفون بقراءة
الكتب الجديدة فقط تقليداً لمؤلّفين آخرين، في حين أنّ أساتذة العلم وأساطينه كانوا
يعيشون في أواسط القرن الرابع إلى العاشر هجري، حتّى أنّ بعض الطلّاب لا يتأمّلون
ولا يدقّقون في ما يُنقل عن (ابن الجُنيد) و(ابن أبي عقيل) و(علي بن بابويه)، لأنّهم
يعتقدون أنّ فتاواهم قد نُسخت ولا تستحقّ التأمّل.
ويجب على طالب العلم:
*
السعي لتهذيب نفسه وتزيينها بالأخلاق الفاضلة، فلا يكتفي في هذا الطريق بقراءة
الأحاديث المذكورة فقط، بل أساس ذلك معاشرة أهل الأخلاق ومُجالستهم، ويعرض عليهم
أعماله، فيجد عيوبه ونواقصه ويتعلّم منهم طُرق إصلاح نفسه.
*
ومن اللائق لك أن تقلّل معاشرة الناس الخالية من التعليم، وخاصّة الأغنياء
والمترفين وطالبي الدنيا.
*
ويجب أن تترك كلّ ما يُبعد الآخرة عن ذكرك، ويوجد الميل والرغبة للدنيا في نفسك،
وصاحِب الصالحين والزهّاد وأهل العبادة؛ لأنّ هذا العمل مؤثّر جداً في تهذيب
النفس.
***
وأمّا
لو ظنّ أحمقُ أنّه لم يكن في صدر الإسلام مجتهد، ولا مقلِّد، ولا علم أصول، ولا
علم نحو، ولم تكن توجد مدرسة، ولا ذِكر، ولا حلقة درس، فلا يجب الاهتمام بهؤلاء
الأفراد ولا بقولهم؛ لأنّ العلماء كانوا كثيرين في كلّ زمانٍ. وفي عصرنا – بسبب غَلَبة
الكفّار والنصارى - أصبحوا أكثر أيضاً، فلو كان مقرّراً أنّ كلّ ما لم يكن موجوداً
في صدر الإسلام يكون حراماً، إذاً لا بدّ أن يكون بناء المدارس، وتعلّم النحو
والصرف، وحفظ اصطلاحات الحديث ونقلها وروايتها وإجازة الرواية – كما هو متداولٌ
بين أهل الحديث - حراماً أيضاً، في حين أنّه ليس كذلك.
*
وعلى طالب العلم أن يُحسن الظنّ بالله تعالى والناس.
وصيّتي
الأخيرة الورع والتقوى، وأسأل الله تعالى أن يوفّقنا وإيّاكم في مرضاته.