بُغضُ المؤمنِ حرام
____
المُقدّس الأردبيلي* رحمه الله
_____
بُغض
المؤمن مطلقاً، ظهرَ أم لم يظهر، فإنّه حَرامٌ، بل نُقل الإجماعُ على تحريمِه، وتحريمِ
الحسدِ، واستفاضة الأخبار عليه.
قال
[الشهيد الثاني] في (شرح الشرائع): «لا خلافَ في تَحريم هذَين الأمرَين، والتهديدُ
عليهما في الأخبار مستفيض، وهما من الكبائر».
ثمّ
قال: «والمُراد ببُغض المؤمن كراهتُه واستثقالُه، لا بسببٍ دينيٍّ كَفِسقٍ فَيبغضه
لأجله، سواء قاطعَه مع ذلك أم لا، فإنْ هجرَه فهما مَعصيتان، وقد يحصلُ كلٌّ منهما
بدون الآخر».
وإنّما
قُيِّد بالظهور، لأنّه في مقام عَدِّ ما يُخِلُّ بالشّهادة، وإنّما يكونُ ذلك إذا ظهر،
فلا يتحقّق التأثير ولا يظهر إلّا حينئذٍ فقيَّده، فتأمّل.
قال
الفيروز آبادي في (القاموس المحيط): «البغض - بالضمّ - ضدّ الحبّ».
والذي
يُفهم منه ومن العُرف أيضاً أنّ البُغض نوعُ عداوةٍ وكَراهة، بحيث لو وصلت إليه
نعمةٌ يتألّم بها، ويُسَرُّ إذا فارقته، أو قريباً من ذلك.
والظاهر
أنّ مجرد الاستثقال ليس ببُغض؛ لا لغةً ولا عُرفاً، ولو كان ذلك لأشكَل؛ إذ قد
يثقلُ على النفس لا بسببٍ دينيّ، بل ليس له ميلٌ إلى الاختلاط به أو بغيره. هكذا يقتضي
طبعُه، إذ قد يكون بسببٍ غير دينيّ، مثل شَغلِه عن أمره - ولو كان من أكْله وشربه
وسائر لذّاته. وبالجملة: هو معنًى نجدُه في النفس غير الذي فسِّر به.
ثمّ
إنّه بالتفسير الذي ذُكر، يحتمَل تحريمُ بُغض غيرِ المؤمن أيضاً، فإنّه إذا أبغضَ
غيره للدنيا فليس له وجهٌ معقول يَقتضي اختصاصَ عدم تحريمه، فإنّ الظاهر أنّ بُغضَ
غير المؤمن ليس بحرام؛ لأنّ بغضَه من حيث إنّه غير مؤمن، وهو سببٌ دينيّ، فتأمّل.
وأيضاً
تحريمُ الهَجر بدون البغض، والغَيظ، والكُدورة، والاستثقال الذي هو معنى البُغض
عنده غير معلوم، وإنْ وردت أخبار كثيرة دالّة على تحريمه على الوجه الذي فيه
مبالغة، بحيث يُفهم كونه كبيرة، بل أشدّ.
ولكنّ
الظاهر تأويلُها، فإنّ تحريمَه مطلقاً غيرُ معلومٍ أنّه مذهبٌ للأصحاب، ولهذا ترى
أنّه واقعٌ من الصُّلحاء والأتقياء، بل الأنبياء والأولياء، بل لا يُمكن العملُ به،
فإنّ المؤمنين كثيرون، وإذا كان هَجْرُ كلّ واحدٍ حراماً، فلا يشتغل بشيءٍ إلّا التّزاور.
نعم،
الرواية في كون الهَجر مذموماً ولا يجوز كثيرُه، لعلّها محمولة على المهاجرة على
طريق الغيظ والبُغض والعداوة. مثل صحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه
السلام، قال: «قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: لا هِجْرَةَ فَوْقَ
ثَلاثٍ». ويؤيِّد ما قلناه أنّ في أكثره إشارة إلى ذلك.
ومثل
رواية داود بن كثير، قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قالَ أَبي: قالَ
رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: أَيُّما مُسْلِمَيْنِ تَهاجرا فَمَكَثا
ثَلاثاً لا يَصْطَلِحانِ إِلّا كانا خارِجَيْنِ مِنَ الإِسْلامِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُما
وِلايَةٌ، فَأَيُّهُما سَبَقَ إِلى كَلامِ أَخيهِ كانَ السَّابقَ إِلى الجَنَّةِ يَوْمَ
الحِسابِ».
(مختصَر)
_______________________________
*
(مجمع الفائدة: ج 12/ ص 346)