مستحبّات
مكّة المكرّمة
اللَّهُمَّ إِنّي أَنْقَلِبُ عَلى لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ
____
الشيخ محمد بن مكّي الجزيني العاملي (الشهيد الأوّل) قدّس
سرّه ____
يُولي علماؤنا الأبرار رضوان الله
عليهم الآدابَ الشرعيّة المقرّرة في الفروع، عنايةً شديدة، ويؤكّدون ضرورةَ
الالتزام بالمستحبّات، والانتهاء عن المكروهات باعتبارهما – الالتزام والانتهاء - الحصنَ
الذي يصونُ الواجبات، ويَقي من اقتحام المحرّمات.
وفي هذا السّياق، أفردَ الشهيد
الأوّل، الشّيخ محمّد بن مكّي الجزّيني العاملي (استُشهد سنة 786 للهجرة)، «درساً»
حول مستحبّات مكّة المكرمة وآداب الوادع، أوردناه مختصراً نقلاً عن كتابه (الدروس
الشرعية في فقه الإمامية).
يُستحبّ
العود إلى مكَّة بعد النّفْر من مِنى لطواف الوداع ".." فإذا أتى مكَّةَ
استحبّ له أمور:
أحدها:
الغسلُ لدخولها ودخول مسجدها، والدخولُ من باب بني شيبة، والدّعاء.
وثانيها:
دخول الكعبة وخصوصاً الصّرورة [الحجّ لأول مرّة]
بعد الغسل، وليَكُن حافياً بسكينة ووقار، ويأخذ بحلقتَي الباب عند الدخول، ثمّ
يقصد الرخامة الحمراء بين الأسطوانتَين اللَّتين تليان الباب، ويصلّي عليها
ركعتين، يقرأ في الأولى بعد (الحمد) (حم السّجدة) [سورة فصّلت]، وفي الثانية بعدد
آيها - وهي ثلاث أو أربع وخمسون - والدعاء والصلاة في الزوايا الأربع؛ كلّ زاوية
ركعتَين، تأسّياً برسول الله صلّى الله عليه وآله.
والقيام
بين الركن الغربيّ واليمانيّ رافعاً يديه ملصقاً به والدعاء، ثمّ كذلك في الركن
اليمانيّ، ثمّ الغربيّ، ثمّ الركنَين الآخرين، ثمّ يعود إلى الرخامة الحمراء، فيقف
عليها ويرفع رأسَه إلى السماء ويُطيل الدعاء، وليُبالغ في الخضوع والخشوع وحضور
القلب في دعائه، وليَحذر البصاق والامتخاط، ولا يشغل بصرَه بما يشغل قلبه. روي أنّ
رسول الله صلّى الله عليه وآله لمّا دخلَها لم يجاوز بصرُه موضعَ سجوده حتّى خرجَ
منها، وذلك إعظامٌ وإجلالٌ لله تعالى. ".."
ويستحبّ
التكبير ثلاثاً
عند الخروج من الكعبة. ".."
وثالثها:
إتيانُ الحطيم، وهو ما بين الباب والحجر الأسود، وهو أشرف البقاع، والصلاة عنده،
والدعاء، والتعلّق بأستار الكعبة عندَه وعند المستجار، ويلي الحطيم في الفضل عند
المقام، ثمّ الحجر، ثمّ كلّ ما دنا من البيت.
ورابعها:
الشربُ من زمزم، والإكثار منه، والتضلّع منه، أي الامتلاء، فقد قال النّبيّ صلّى
الله عليه وآله: «ماءُ زَمْزَمَ لِما شُرِبَ لَهُ»، وقد روي أنّ جماعةً من
العلماء شربوا منه لمطالب مهمّة ما بين تحصيل علم، وقضاء حاجة، وشفاءٍ من علَّة،
وغير ذلك فنالوها، والأهمّ طلبُ المغفرة من الله تعالى، فليُسَمِّ ولينوِ بشربه
طلبَ المغفرة والفوز بالجنّة والنجاة من النار وغير ذلك، ويستحبّ حمله وإهداؤه.
وفي
رواية معاوية بن عمار عن الإمام الصادق عليه السلام: «أَسْماءُ زَمْزَمَ: رَكْضَةُ
جَبْرَئيلَ، وَسُقْيا إِسْماعيلَ، وَحَفيرَةُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَزَمْزَمُ، وَالمَصونَةُ،
وَالسُّقْيا، وَطَعامُ طُعْمٍ، وَشِفاءُ سُقْمٍ».
وخامسها:
الإكثارُ من الطواف مهما استطاع.
وسادسها:
خَتمُ القرآن بها، إمّا في زمان الوداع أو غيره، فقد روى الشيخ [الطوسي] عن زين
العابدين عليه السلام: «مَنْ خَتَمَ القُرْآنَ بِمَكَّةَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَرى
رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَيَرى مَنْزِلَهُ في الجَنَّةِ».
وكذا يُكثر من ذكر الله تعالى، فعن زين العابدين عليه السلام أيضاً: «تَسْبيحَةٌ
بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ خَراجِ العِراقَيْنِ يُنْفَقُ في سَبيلِ اللهِ». [العِراقان:
البصرة والكوفة]
وسابعها:
أنّه إذا جلس في المسجد جلس قبالةَ
الميزاب مستقبلاً للبيت.
وثامنها:
الصلاة في موضع المقام قديماً وخلفَ
المقام الآن، وأفضل منهما عند الحَطيم، وهو الموضع الذي تاب الله على آدم عليه
السلام فيه.
وتاسعها:
زيارة المواضع الشريفة بمكَّة، فمنها:
إتيانُ مولد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو الآن مسجدٌ* في زقاقٍ يُسمّى زقاق
المولد.
ومنها:
إتيان منزل خديجة الذي كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يسكنه وخديجة به، وفيه
ولدت أولادها منه صلّى الله عليه وآله وفيه توفّيت، ولم يزل رسول الله صلّى الله
عليه وآله مقيماً به حتّى هاجر، وهو الآن مسجد*.
ويستحبّ
أن يزور خديجة عليها السلام بالحجون، وقبرها* معروفٌ هناك قريبٌ من سفح الجبل.
ومنها:
إتيان مسجد الأرقم*، ويقال للدّار التي هو فيها: دار الخيزران، وفيه استترَ رسول
الله، صلّى الله عليه وآله، في أوّل الإسلام.
ومنها:
إتيان الغار الذي بجبل حراء، الذي كان رسول الله، صلّى الله عليه وآله، في ابتداء
الوحي يتعبّد فيه، وإتيان الغار الذي بجَبل ثور، واستتر فيه النّبيّ صلّى الله
عليه وآله من المشركين، وهو المذكور في الكتاب العزيز.
ومنها:
طوافُ الوداع، وليكن آخر أعماله بحيث يخرج بعده بلا فصل.. ويستلم فيه الأركان
والمستَجار، ويدعو بالمأثور فيه وبعده، ويصلّي ركعتَيه. وروي وداع البيت بعد طواف
الوداع من المُستجار، بين الحجر والباب، ثمّ الشرب من زمزم. وروى قثم بن كعب عن
الصادق عليه السلام جَعْلُ آخرِ عهدِه وَضْعَ يدِه على الباب. ويقول في خروجه من
المسجد وتوجّهه إلى أهله: «آئِبونَ تائِبونَ عابِدونَ، لِرَبِّنا حامِدونَ، إِلى
رَبِّنا راغِبونَ، إِلى رَبِّنا راجِعونَ».
ومنها:
أن يشتري بدرهمٍ شرعيّ تمراً ويتصدّق به قبضةً قبضة، ليكون كفّارة لما عساه لحقَه
في إحرامه من حكٍّ أو سقوط قُمَّلَة أو شعرة ونحوه، وقال الجعفي: «يتصدّق بدرهم،
فلو تصدّق ثمّ ظهر له موجبٌ يتأدّى بالصَّدقة أجزأَ على الأقرب».
ومنها:
الخروج من باب الحنّاطين، وهو بابُ بني جمح بإزاء الركن الشاميّ، والسجود عند
الباب مستقبل الكعبة ويُطيل سجوده، والدعاء، وليكن آخرُ كلامه وهو قائمٌ مستقبلَ
الكعبة: «اللَّهُمَّ إِنّي أَنْقَلِبُ عَلى لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ».
***
ملاحظة:
المواضع المشار إليها بنجمة (*) في المتن، كانت قائمة أيام حياة الشهيد الأول قدّس
سرّه. ولكن، في العقود الأخيرة، تمّ إزالتها أو إخفاء معالمها من قبل السلطات
السعودية تحت عناوين وذرائع شتّى.