مراقبات
شهر محرّم الحرام
زيارة عاشوراء: وِرْدُ أجيال المؤمنين، وأنيسُ الفقهاء العارفين
_____
إعداد: «شعائر» _____
في (مسار الشيعة) للشيخ
المفيد، أنّ شهر محرّم:
* شهرٌ حرام، كانت الجاهليّة تعظّمه، وثبت ذلك في الإسلام.
* في أوّل يوم منه استجاب الله تعالى دعوة زكريا عليه
السلام.
* وفي اليوم الثالث منه كان خلاص يوسف عليه السلام من
الجُبّ.
* في اليوم
الخامس منه، عبر موسى بن عمران عليه السلام من البحر.
* وفي اليوم السابع كلّم الله النبيّ موسى تكليماً على
جبل طور سيناء.
* في اليوم التاسع كانت نجاة يونس عليه السلام من بطن الحوت.
* وفي اليوم العاشر منه مقتل سيّدنا أبي عبد الله
الحسين عليه السلام من سنة إحدى وستّين من الهجرة، وهو يوم تتجدّد فيه أحزان آل
محمّد عليهم السلام وشيعتهم.
* وفي اليوم الخامس والعشرين منه سنة أربع وتسعين كانت
شهادة الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام.
حول بكاء الكائنات والأجرام على الإمام الحسين عليه
السلام، يقول العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين، قدّس سرّه، في كتابه (فلسفة
الميثاق والولاية) أنّه قد ورد في أحاديث الشيعة وصِحاح السنّة التصريحُ «ببكاء
الأرض والسماء على سيّد الشهداء وخامس أصحاب الكساء، إذ بَكَتْهُ الشمس بحُمرتها،
والآفاق بغبرتها، وأظلّة العرش بإعوالها، وطبقات الأرض بزلزالها، والطير في
أجوائها، وحجارةُ بيت المقدس بدمائها، وقارورة أُمّ سلمة بحَصَياتها، وتلك الساعة
بآياتها».
الليلة الأولى: ثلاث
صلوات مرويّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله
ذكر
السيّد ابن طاوس في (الإقبال) ثلاث صلوات وردت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله
لليلة الأولى من المحرّم:
الصلاة الأولى: «إِنَّ في المُحَرَّمِ لَيْلَةً شَريفَةً،
وَهِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْهُ، مَنْ صَلَّى فيها مِئَةَ رَكْعَةٍ، يَقْرَأُ في كُلِّ
رَكْعَةٍ (الحمد)، و(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، وَيُسَلِّمُ في آخِرِ كُلِّ تَشَهُّدٍ،
وَصامَ صَبيحَةَ اليَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ المُحَرَّمِ، كانَ مِمَّنْ يَدومُ
عَلَيْهِ الخَيْرُ سَنَتَهُ، وَلا يَزالُ مَحْفوظاً مِنَ الفِتْنَةِ إِلى القابِلِ،
وَإِنْ ماتَ قَبْلَ ذَلِكَ صارَ إِلى الجَنَّةِ إِنْ شاءَ اللهُ تَعالى».
الصلاة الثانية: نظير الأولى من حيث الأجر والصيام
صبيحة اليوم الأوّل، لكنّها ركعتان، وتقرأ التوحيد في كلٍّ منهما إحدى عشرة مرة.
الصلاة الثالثة: «تُصَلّي أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنَ المُحَرَّمِ
رَكْعَتَيْنِ، تَقْرَأُ في الأُولى (فاتِحَةَ الكِتابِ) وَسورَةَ (الأَنْعامِ)، وفي
الثّانية (فاتِحَةَ الكِتابِ) وَسورَةَ (يَس)».
اليوم الأوّل:
استجابةُ الدعاء
عن الإمام الرِّضا عليه السلام: «..وَفي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ المُحَرَّمِ
دَعا زَكَرَيّا عليه السلام رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فمَنْ صامَ ذَلِكَ
اليَوْمَ، اسْتَجابَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ كَما اسْتَجابَ لِزَكَرِيّا عليه السلام».
وفي (مصباح المتهجّد) للشيخ الطوسي أنه
يُستحبّ صيام الأيّام التّسعة من أوّل محرَّم، وفي اليوم العاشر يُمسِك عن الطّعام
والشّراب إلى بعد العصر، ثمّ يفطر بقليلٍ من تربة الحسين عليه السلام.
الليلة العاشرة:
إحياؤها يعدلُ عبادة جميع الملائكة
* جاء في كتاب (كامل الزيارات) لابن
قولويه: «عن جابر الجُعفي قال: دخلت على جعفر بن محمّد عليه السلام في يوم عاشوراء
فقال لي: هَؤلاءِ زُوّارُ اللهِ، وَحَقٌّ عَلى المَزورِ أَنْ يُكْرِمَ الزّائِرَ؛
مَنْ باتَ عِنْدَ قَبْرِ الحُسَيْنِ لَيْلَةَ عاشوراءَ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيامَةِ
مُلَطَّخاً بِدَمِهِ كَأَنَّما قُتِلَ مَعَهُ في عَصْرِهِ، وقال: مَنْ زارَ
قَبْرَ الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِيَوْمِ عاشورا أَوْ باتَ عِنْدَهُ كانَ
كَمَنْ اسْتُشْهِدَ بَيْنَ يَدَيْهِ».
* من أعمال هذه اللّيلة:
1- الإحياء: رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَنْ أَحْيا لَيْلَةَ عاشوراءَ فَكَأَنَّما
عَبَدَ اللهَ عِبادَةَ جَميعِ المَلائِكَةِ، وَأَجْرُ العامِلِ فيها كَأَجْرِ سَبْعينَ
سَنَةً».
2- الصّلاة: ثلاثُ صلواتٍ مرويّة عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله في ليلة العاشر:
أ- «..أَرْبَعُ رَكَعاتٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ،
يَقْرَأُ في كُلِّ رَكْعَةٍ بـ (فاتِحَةِ الكِتابِ) مَرَّةً، وَآيَةِ (الكُرْسيِّ)
عَشْرَ مَرّاتٍ، وَ(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) عَشْرَ مَرّاتٍ، وَ(المُعَوِّذَتَيْنِ)
عَشْراً عَشْراً، فَإِذا سَلَّمَ قَرَأَ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) مائةَ مَرَّةٍ..».
ب- «..مائةُ رَكْعَةٍ بـ (الحمد) مَرَّةً
وَ(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ثَلاثَ مَرّاتٍ، وَيُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ،
فَإِذا فَرَغَ مِنْ جَميعِ صَلاتِهِ قالَ: سُبْحانَ اللهِ
وَالحَمْدُ للهِ وَلا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ
إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظيمِ - سَبْعينَ مَرَّةً..».
ج- « أَرْبَعُ رَكَعاتٍ، في كُلِّ رَكْعَةٍ (الحَمْدُ)
مَرَّةً، وَ(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) خَمْسينَ مَرَّةً، فَإِذا سَلَّمْتَ مِنَ الرّابِعَةِ،
فَأَكْثِرْ ذِكْرَ اللهِ تَعالى، وَالصَّلاةَ عَلى رَسولِهِ، وَاللَّعْنَ لِأَعْدائِهِمْ
ما اسْتَطَعْتَ».
اليوم العاشر:
زيارة الحسين عليه السلام قضاءً لحقّ رسول الله صلّى الله عليه
وآله
قال
الشيخ المفيد في (مسارّ الشيعة): «جاءت الرواية عن الصادقين عليهم السلام باجتناب الملاذ، وإقامة سُنن المصائب، والإمساك عن الطعام
والشراب إلى أن تزول الشمس، والتغذّي بعد ذلك بما يتغذّى به أصحاب أهل المصائب،
كالألبان وما أشبهها دون اللذيذ من الطعام والشراب.
ويستحبّ
فيه زيارة المشاهد، والإكثار فيها من الصلاة على محمّد وآله عليهم السلام،
والابتهال إلى الله تعالى باللعنة على أعدائهم.
وروي
أنّ مَن زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء فكأنّما زار الله تعالى في عرشه. ".."
وروي أنّ من زاره في هذا اليوم غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. وروي من
أراد أن يقضي حقّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وحقّ أمير المؤمنين وفاطمة والحسن
عليهم السلام، فليزر الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء».
أعمال
اليوم العاشر:
1- زيارة كربلاء: (مصباح المتهجِّد): «..عن أبي جعفر
[الإمام
الباقر] عليه السلام، قال: مَنْ زارَ الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ
عليهما
السلام في
يَوْمِ عاشوراءَ مِنَ المُحَرَّمِ حَتّى يَظَلَّ عِنْدَهُ باكِياً، لَقِيَ اللهَ، عَزَّ
وَجَلَّ، يَوْمَ يَلْقاهُ بِثَوابِ أَلْفَيْ حِجّةٍ وَأَلْفَيْ عُمْرَةٍ وَأَلْفَيْ
غَزْوَةٍ؛ ثَوابُ كُلِّ غَزْوَةٍ وَحِجَّةٍ وَعُمَرَةٍ كَثَوابِ مَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ
وَغَزا مَعَ رَسولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَمَعَ الأَئِمَّةِ الرّاشِدينَ».
2- زيارة عاشوراء: يستحبّ أن يزار الحسين عليه السلام في
هذا اليوم بزيارة عاشوراء المعروفة. [مفاتيح الجنان، باب زيارات الحسين عليه
السلام]
3- قراءَةُ التَّوحيدِ أَلْفَ مَرَّةٍ في هذا اليوم، ورُوي أنَّ الله تعالى ينظر
إلى مَن قَرَأها نَظَر الرّحمة.
4- أن يقول ألف مرّة: اللَّهُمَّ
الْعَنْ قَتَلَة الحُسَيْنِ عليه السلام.
5- قراءة زيارة وارث: قال المحدّث القمّيّ في (مفاتيح
الجنان): «ثمّ قُم وسلّم على رسول الله وعليٍّ المرتضى وفاطمة الزّهراء والحسن
المجتبى وسائر الأئمّة من ذرّيّة سيّد الشّهداء عليهم السلام، وعَزِّهم على هذه المصائب العظيمة بمُهجةٍ
حرَّى وعينٍ عَبْرى وزُرْ بهذه الزّيارة: السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ
الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ
إِبْراهِيمَ خَلِيلِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَلِيمِ الله، السَّلامُ
عَلَيْكَ يا وارِثَ عِيسى رُوحِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ
الله..». [أنظر:
مفاتيح الجنان، أعمال اليوم العاشر من محرّم]
6- صلاة بكيفيّةٍ خاصّة، يليها دعاءٌ، أوردها الشّيخ الطّوسيّ
في (مصباح المتهجّد) برواية عبد الله بن سنان عن الإمام الصّادق عليه السلام، وهي صلاة أربع ركعات
بصفةٍ خاصّة يليها دعاءٌ جليل، ذاكراً في آخرها جزيلَ ثوابها. [انظر: باب «بصائر» من هذا العدد]
زيارة عاشوراء:
الإمام الباقر عليه السلام يُوصي بقراءتها يوميّاً
* قال المُحدّث النوري
صاحب (المستدرك) في كتابه (النجم الثاقب) حول زيارة عاشوراء: «وأمّا زيارة عاشوراء:
فيكفي في فضلها ومقامها أنّها لا تسانخها سائر الزيارات التي هي بحسب الظاهر من إنشاء
المعصوم وإملائه، ولو أنّه لا يظهر من قلوبهم المطهّرة شيء إلّا ما وصل إلى ذلك العالم
الأرفع؛ بل هي من سنخ الأحاديث القدسيّة، نزلت بهذا الترتيب من الزيارة واللعن والسلام
والدعاء من الحضرة الأحديّة جلّت عظمته إلى جبرئيل الأمين ومنه إلى خاتم النبيّين صلّى
الله عليه وآله.
وبحسب
التجربة فإنّ المداومة عليها أربعين يوماً أو أقلّ لا نظير لها في قضاء الحاجات، ونيل
المقاصد، ودفع الأعداء».
* وقال الشيخ عبد الرسول المازندراني في (شرح
زيارة عاشوراء): «هذه الزيارة التي ما فتئ علماؤنا، رضوان الله عليهم، يترنّمون بها،
وجعلوها ورداً خاصّاً يلتزمون به في أيّام حياتهم، ولم يكن ذلك الالتزام منهم إلّا
تمسّكاً بكلام الأئمّة عليهم السلام، فإنّ هذا عينه ما نصّ عليه الامام الباقر عليه
السلام لعلقمة بن محمّد، حيث قال له: (وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَزورَهُ في كُلِّ
يَوْمٍ بِهَذِهِ الزِّيارَةِ من دَهرِكَ فَافْعَلْ، فَلَكَ ثَوابُ ذَلِكَ..).
كما أنّه قلّما تجد كتاباً
مدوّناً لجمع الأدعية والزيارات إلّا وهذه الزيارة في صدارة زياراته عليه السلام، فدونك
ما سطّره أعلام الطائفة من القرن الثالث والرابع الهجري إلى يومنا هذا، حيث إنّ أوّل
مصدر لهذه الزيارة من بين الكتب الواصلة إلينا هو كتاب (كامل الزيارة) للشيخ جعفر بن
محمّد بن قولويه رحمه الله (ت: 368 هجريّة)
وكتاب (مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد) لشيخ الطائفة الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي رحمه
الله (ت: 460 هجريّة)،
فإنّ ظاهر من جاء بعدهما أخذ رواية الزيارة منهما».
اليوم الخامس
والعشرون: شهادة الإمام زين العابدين عليه السلام
في مثل هذا اليوم، وعلى رواية مشهورة، كان استشهاد
الإمام زين العابدين، عليّ بن الحسين عليه السلام في السنة الخامسة والتسعين للهجرة،
على يد الوليد بن عبد الملك عليه اللعنة، ودُفن في البقيع عند عمّه الإمام الحسن المجتبى
عليه السلام، وقد بلغ من العمر سبعاً وخمسين عاماً، وبقيَ بعد واقعة كربلاء خمسة وثلاثين
عاماً. وينبغي في هذا اليوم زيارته عليه السلام بقراءة «الزّيارة الجامعة»، أو زيارة «أمين
الله»، وغيرهما من زيارات المعصومين عليهم السلام.