من (مجموع الدعوات) للتّلعَكْبَري:
... واكتُبْ إلى اللهِ عزَّ وَجلَّ رسالة
____
إعداد: «شعائر» ____
الدعاء والاعتصام به من أكدار الدنيا والنفس الأمّارة
ذات منزلة عظيمة في توجيهات أكابر العلماء المسلمين. وقد اخترنا لهذا الباب قبسات
وردت في كتاب (بحار الأنوار) للعلامة المجلسي نقلاً عن كتاب (مجموع الدعوات) لأبي
جعفر التّلعكبري، والمعروف أيضاً بـ (الكتاب العتيق).
«يُروى
عن عبد الله بن جعفر الحِمْيَري، قال:
كنت
عند مولاي أبي محمّد الحسن بن علي العسكريّ، صلوات الله عليه، إذ وَردتْ إليه رقعة
من الحبس من بعض مواليه يذكر فيها ثقلَ الحديد، وَسوء الحال، وَتحامُل السلطان.
وكتب
عليه السلام إليه: يا عَبْدَ اللهِ! إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، يَمْتَحِنُ عِبادَهُ،
لِيَخْتَبِرَ صَبْرَهُمْ فَيُثيبَهُمْ عَلى ذَلِكَ ثَوابَ الصَّالحينَ؛ فَعَلَيْكَ
بِالصَّبْرِ، وَاكْتُبْ إِلى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، رُقْعَةً، وَأَنْفِذْها إِلى مَشْهَدِ
الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ، وَارْفَعْها عِنْدَهُ إِلى
اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَادْفَعْها حَيْثُ لا يَراكَ أَحَدٌ، وَاكْتُبْ في الرُّقْعَةِ:
إلى اللهِ المَلِكِ الدَّيّانِ، المُتَحَنِّنِ المَنّانِ، ذي الجَلالِ
وَالإْكرامِ، وَذي المِنَنِ العِظامِ وَالأَيادي الجِسامِ، وَعالِمِ الخَفِيّاتِ،
وَمُجيبِ الدَّعَواتِ، وَراحِمِ العَبَراتِ، الّذي لا تَشْغَلُهُ اللُّغاتُ، وَلا
تُحَيِّرُهُ الأَصْواتُ، وَلا تَأْخُذُهُ السِّناتُ، مِنْ عَبْدِهِ الذَّليلِ
البائِسِ الفَقيرِ المِسْكينِ الضَّعيفِ المُسْتَجيرِ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، وَإلَيْكَ يَرْجِعُ
السَّلامُ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ، يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، وَالمِنَنِ العِظامِ
وَالأَيادي الجِسامِ، إِلَهي مَسَّني وَأَهْلِي الضُّرُّ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمينَ،
وَأَرْأَفُ الأَرْأَفِينَ، وَأَجْوَدُ الأَجْوَدينَ، وَأَحْكَمُ الحاكِمينَ، وَأَعْدَلُ
الفاصِلينَ.
اللَّهُمَّ إِنّي قَصَدْت بابَكَ، وَنَزَلْتُ بِفِنائِكَ، وَاعْتَصَمْتُ
بِحَبْلِكَ، وَاسْتَغَثْتُ بِك وَاسْتَجَرْتُ بِكَ، يا غِياثَ المُسْتَغيثينَ أَغِثْني،
يا جارَ المُسْتَجيرينَ أَجِرْني، يا إِلَهَ العالَمِينَ خُذْ بِيَدي، إِنَّهُ قَد
عَلا الجَبابِرَةُ في أَرْضِكَ، وَظَهَروا في بِلادِكَ، وَاتَّخَذوا أَهْلَ دينِكَ
خَوَلاً، وَاسْتَأْثَروا بِفَيْءِ المُسْلِمينَ، وَمَنَعوا ذَوي الحُقوقِ حُقوقَهُمْ
الّتي جَعَلْتَها لَهُمْ، وَصَرَفوها في المَلاهي وَالمَعازِفِ، وَاسْتَصْغَروا
آلاءَكَ، وَكَذَّبوا أَوْلِياءَكَ، وَتَسَلَّطوا بِجِبِرّيَّتِهم لِيُعِزّوا مَنْ أَذْلَلْتَ، وَيُذِلّوا
مَنْ أَعْزَزْتَ، وَاحْتَجَبُوا عَمَّنْ يَسْأَلُهُمْ حاجَةً، أَوْ مَنْ يَنْتَجِعُ
مِنْهُمْ فائِدَةً.
وَأَنْتَ مَوْلايَ سامِعُ كُلِّ دَعْوَةٍ، وَراحِمُ كُلِّ عَبْرَةٍ،
وَمُقيلُ كُلِّ عَثْرَةٍ، سامِعُ كُلِّ نَجْوى، وَمَوْضِعُ كُلِّ شَكْوَى، لا يَخْفَى
عَلَيْكَ ما في السَّماواتِ العُلى، وَالأَرْضينَ السُّفْلى، وَما بَيْنَهُما وَما
تَحْتَ الثَّرى.
اللَّهُمَّ إِنّي عَبْدُكَ ابْنُ أَمَتِكَ، ذَليلٌ بَيْنَ بَرِيَّتِكَ،
مُسْرِعٌ إِلى رَحْمَتِكَ، راجٍ لِثَوابِكَ. اللَّهُمَّ إِنَّ كُلَّ مَنْ أَتَيْتُهُ
فَعَلَيْكَ يَدُلُّني، وَإِلَيْكَ يُرْشِدُني، وَفيما عِنْدَكَ يُرَغِّبُني، مَوْلايَ!
وَقَدْ أَتَيْتُكَ راجِياً، سَيِّدي وَقَدْ قَصَدْتُكَ مُؤَمِّلاً، يا خَيْرَ مَأْمولٍ،
وَيا أَكْرَمَ مَقْصودٍ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ، وَلا تُخَيِّبْ
أَمَلي، وَلا تَقْطَعْ رَجائي، وَاسْتَجِبْ دُعائي، وَارْحَمْ تَضَرُّعي، يا غياثَ
المُسْتَغيثينَ أَغِثْني، يا جارَ المُسْتَجيرينَ أَجِرْني، يا إِلَهَ العالَمينَ
خُذْ بِيَدي، أَنْقِذْني وَاسْتَنْقِذْني وَوَفِّقْني وَاكْفِني.
اللَّهُمَّ إِنّي قَصَدْتُكَ بِأَمَلٍ فَسيحٍ، وَأَمَّلْتُكَ بِرَجاءٍ
مُنْبَسِطٍ، فَلا تُخِيِّبْ أَمَلي، وَلا تَقْطَعْ رَجائي، اللَّهُمَّ إِنَّهُ لا يَخيبُ مِنْكَ سائِلٌ، وَلا يُنْقِصُكَ نائِلٌ، يا رَبّاهُ!
يا سَيِّداهُ! يا مَوْلاهُ! يا عِماداهُ! يا كَهْفاهُ! يا حِصْناهُ! يا حِرْزاهُ! يا لَجَآهُ! [اللَّجَأُ: المَعْقِلُ والمَلاذُ]
اللَّهُمَّ إِيّاكَ أَمَّلْتُ يا سَيِّدي، وَلَكَ أَسْلَمْتُ مَوْلايَ،
وَلِبَابِكَ قَرَعْتُ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَلا تَرُدَّني بِالخَيْبَةِ مَحْزوناً، وَاجْعَلْني مِمَّنْ تَفَضَّلْتَ
عَلَيْهِ بِإِحْسانِكَ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بِتَفَضُّلِكَ، وَجُدْتَ عَلَيْهِ بِنِعْمَتِكَ،
وَأَسْبَغْتَ عَلَيْهِ آلاءَكَ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ غِياثي وَعِمادي، وَأَنْتَ عِصْمَتي وَرَجائي،
ما لي أَمَلٌ سِواكَ، وَلا رَجاءٌ غَيْرُكَ.
اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَجُدْ عَلَيَّ
بِفَضْلِكَ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِإِحْسانِكَ، وَافْعَلْ بي ما أَنْتَ أَهْلُهُ، وَلا
تَفْعَلْ بي ما أَنا أَهْلُهُ، يا أَهْلَ التَّقْوى، وَأَهْلَ المَغْفِرَةِ، وَأَنْتَ
خَيْرٌ لي مِنْ أَبي وَأُمّي، وَمِنَ الخَلْقِ أَجْمَعينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّ هَذِهِ قِصَّتي إِلَيْكَ لَا إِلى المَخْلوقينَ،
وَمَسْأَلَتي لَكَ إِذْ كُنْتَ خَيْرَ مَسْؤولٍ، وَأَعَزَّ مَأْمولٍ.
اللَّهُمَّ صلّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَتَعَطَّفْ عَلَيَّ
بِإحْسانِكَ، وَمُنَّ عَلَيَّ بِعَفْوِكَ وَعافِيَتَكَ، وَحَصِّنْ دِيني بِالغِنى،
وَاحرزْ أَمانَتي بِالكِفايَةِ، وَاشْغَلْ قَلْبي بِطاعَتِكَ، وَلِساني بِذِكْرِكَ،
وَجوارِحي بِما يُقَرِّبُني مِنْكَ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْني قَلْباً خاشِعاً وَلِساناً ذاكِراً، وَطَرْفاً
غاضّاً، وَيقيناً صَحيحاً حَتَّى لا أُحِبّ تَعْجيلَ ما أَخَّرْتَ، وَلا تَقْديمَ
ما أَجَّلْتَ، يا رَبَّ العالَمِينَ، وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمينَ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاسْتَجِبْ دُعائي، وَارْحَمْ تَضَرُّعي، وَكُفَّ عَنّي البَلاءَ،
وَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْداءَ وَلا حاسِداً، وَلا تَسْلُبْني نِعْمَةً أَلْبَسْتَنيها،
وَلا تَكِلْني إِلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً، يا رَبَّ العالَمِينَ، وَصَلِّ
عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْليماً»..