(المَلهوف على قَتلى الطّفوف) للسيّد ابن طاوس
حكاية
السّرّ الإلهيّ في الحادث الحسيني
ـــــــــــــــــــــــــــــــ قراءة: محمود إبراهيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب: (الملهوف على قتلى الطفوف)
المؤلّف: السيد ابن طاوس، رضي الدين عليّ بن موسى بن جعفر (ت:
664 للهجرة)
المحقّق: الشيخ فارس
الحسون تبريزيان
الناشر: «دار المحجّة البيضاء»، بيروت
ما كان لكتاب (الملهوف على قتلى الطفوف) أن يُتَوّج بمثل
هذا العنوان لولا أن قصد منه صاحبه إيصال الحادث الحسيني إلى ذروة معناه، ومحاكاة
السرّ الإلهي الكامن في أعماقه.
مَن يستعيد قراءة الكتاب، ولو بقدر يسير من التدبّر، قد يجد
نفسه أمام نصِّ لم يألف له مثيلاً ممّا قُصّ من السيرة الحسينية الطاهرة. فعلى
الرغم من انقضاء ما يزيد على السبعة قرون- لا ينفكّ كتاب سيد العارفين والسالكين
رضيّ الدين بن طاووس، حاضراً حضور العين والفؤاد في وجدان المسلمين، عوامِّهم
وخواصِّهم على السواء.
أما سبب هذه الخاصيِّة التي انفرد بها كتاب السيّد،
فتعود على الراجح من الظنّ إلى اللغة الفائضة بالوجد والعشق التي كتب بها، وما ذاك
إلّا لأنّ المؤلّف راح يدوِّن السيرة كما لو كان شريكاً في الواقعة. فقد عاش الألم
بكلِّه. لم يُنسِه سهوٌ عن مشهد، ولا غفلةٌ عن رؤية سيّد الشهداء وأهله وصحبه.
صحيح أنّ الكتاب نصٌ ينتمي إلى أدب السيرة أو ما يُعرف
في تصنيفنا المعاصر بـ «الرواية التسجيلية»، إلا أنه يفارقها بالأسلوب الذي صاغ به
الراوي وقائع الملحمة. ولو شاء أحدنا أن يصنَّف هذا الكتاب لأقامه على منزلة تتّصل
بالأسلوب التقليدي لتدوين السيرة وتنفصل عنه في الآن عينه. ذلك بأن الكاتب هنا ليس
مؤرّخاً محايداً انفصل عن الحدث، بقدر ما عاشه بقلبه وعقله وتعشّقِهِ الممتدّ في
فضاء كربلاء...
في المقدّمة التي استهلّ بها السيد ابن طاوس كتابه، ما
يشي بهذه الخاصيِّة، ولنا أن نقرأ بعض ما جاء فيها: «الحمد لله المتجلّي لعباده من أُفق
الألباب، المجلِّي عن مراده بمنطق السُّنّة والكتاب، الذي نزّه أولياءه عن دار
الغرور، وسما بهم إلى أنوار السرور. ولم يفعل ذلك محاباةً لهم على الخلائق، ولا إلجاءً
لهم إلى جميل الطرائق. بل عرف منهم قبولاً للألطاف، واستحقاقاً لمحاسن
الأوصاف، فلم يرضَ لهم التعلّق بحبال الإهمال، بل وفّقهم للتخلّق بكمال الأعمال. حتّى عزفت نفوسهم
عمن سواه، وعرفت أرواحهم شرف رضاه، فصرفوا أعناق قلوبهم إلى ظلّه، وعطفوا آمالهم
نحو كرمه وفضله. فترى لديهم فرحة المصدّق بدار بقائه، وتنظر عليهم مسحة المُشفق
من أخطار لقائه. ولا تزال أشواقهم متضاعفة إلى ما قرُب من مراده، وأريحيّتهم مترادفةً
نحو إصداره وإيراده، وأسماعهم مصغيةً إلى استماع أسراره، وقلوبهم مستبشرةً
بحلاوة تذكاره. فحيّاهم منه بقدر
ذلك التصديق، وحباهم من لدنه حباء البرّ الشفيق.
فما أصغر عندهم كلّ ما شغل عن جلاله، وما أتركهم لكلّ ما باعد من وصاله، حتى أنّهم
ليتمتعون بأنس ذلك الكرم والكمال، ويكسوهم أبداً حُلَل المهابة والجلال. فإذا عرفوا أن حياتهم مانعة عن متابعة مرامه، وبقاءهم
حائلٌ بينهم وبين إكرامه، خلعوا أثواب البقاء، وقرعوا أبواب اللقاء، وتلذّذوا في
طلب ذلك النجاح، ببذل النفوس والأرواح، وعرّضوها لخطر السيوف والرماح. وإلى ذلك التشريف الموصوف سَمَتْ نفوس أهل الطفوف، حتّى
تنافسوا في التقدّم إلى الحتوف، وأصبحوا نهب الرماح والسيوف. فما أحقهم بوصف السيّد المرتضى علم الهدى رضوان الله
عليه، وقد مدح من أشرنا إليه فقال:
لَهُمْ
جُســومٌ عَلى الرَّمْضاءِ مُهْمَلَةٌ
وَأَنْـــفُسٌ في جِوارِ
اللهِ يُقريها
كَـــأَنَّ
قـــاصِدَها بِالضّــرِ نافِعُهــا وَأَنَّ قــاتِلَها بِالسَّيْفِ مُحْييها».
بين
المؤلّف وكتابه
يذكر
السيد ابن طاووس في كتابيه (الإقبال)، و(كشف المحجّة) أنّ كتاب (الملهوف على قتلى الطفوف)
في قتل الحسين عليه السّلام هو كتاب غريب الترتيب والتلفيق، وهو من فضل الله جلّ
جلاله، ثم يضيف: «وما عرفت أنّ أحداً سبقني إلى مثله، فمَن وقف عليه عرف ما ذكرته
من فضله».
وهذه
إشارة بالغة الدلالة على يقين السيد ابن طاووس من خصوصية عمله وفرادته. ذلك مع
إقراره بجميل ما قدّمه السابقون عليه من مؤلّفي كتَّاب السيرة العاشورائية
ومحقّقيها، أمثال أبي القاسم الأصبغ التميمي الحنظليّ صاحب أمير المؤمنين عليٍّ عليه
السّلام الذي عمر طويلاً حتى شهد عاشوراء. وأبي مخنف بن سالم الأزدي الغامديّ،
والجلوديّ، والجعفيّ، والمدائنيّ، والهمدانيّ وغيرهم العشرات من مدِّوني السيرة والتابعين
لأهل بيت النبوّة عليه السّلام.
نسبة
العمل واختلاف الاسم
معظم
المحقّقين أكدوا نسبة الكتاب إلى السيد ابن طاوس وعدُّوه من أهم أعماله، فضلاً عن الأعمال
التي سبقت في تدوين السيرة الحسينية المطهّرة. مع ذلك بقي ثمة خلاف حول اسم الكتاب
الذي جاء تحت عناوين مختلفة. ويرجع ذلك – كما يقول المحقّقون - إلى اختلاف النسخ
أولاَ، وإلى نفس المؤلّف ثانياً، لأن المؤلِّف ابن طاوس ذكر لكتبه عدة أسماء، أو
اسماً واحداً مع شيء من التغيير في مفرداته.
أما
عناوين هذا الكتاب كما ورد في المخطوطات والمصادر الذاكرة له فهي على الوجه التالي:
-
اللهوف على قتلى الطفوف.
-
الملهوف على قتلى الطفوف.
-
الملهوف على قتل الطفوف.
-
اللهوف في قتلى الطفوف.
-
الملهوف على أهل الطفوف.
-
المسالك في مقتل الحسين عليه السلام، كما ورد على غلاف نسخة (ر)، وذلك بناء على
قول ابن طاوس في المقدّمة بأنه وضع كتابه هذا على ثلاثة مسالك هي:
المسلك
الأوّل، في الأمور المتقدمة على القتال. والمسلك الثاني، في وصف حال القتال.
والمسلك الثالث، في الأمور المتأخرة عن قتله.
وقد
ذكر الشيخ آقا بزرك الطهراني أن اسم (اللّهوف على قتلى الطفوف) هو أشهر. أما اسم
الكتاب الذي بين أيدينا فقد اختار له المحقّق عنوان: (الملهوف على قتلى الطفوف)،
بناء على ما ورد في نسخة (ر) المعتمدة، وفي (كشف المحجّة: 194)، وفي الإجازات.
وغيرهما من مؤلّفات ابن طاووس.
في
أي حال، نجدنا أمام كتابٍ مرجعيّ في السيرة الحسينية، وهو نصٌّ في السيرة
العاشورائية لا مَحيد عن مطالعته، واستكناه ما انطوى عليه من مشاعر حيال موقعة
الطف.