حقيقة كمال الاستعانة
____
الفقيه الشيخ الميرزا الملَكي التبريزي قدّس
سرّه ____
في
كتابه (أسرار الصلاة)، وفي سياق شرحه مضامينَ سورة (الفاتحة) المباركة، توقّف الفقيه
الميرزا الملَكي التبريزي، قدّس سرّه، عند مفهوم الاستعانة بالله تعالى، مُبيّناً
ما يجب أن يعقد المُستعين قلبه عليه من معرفة المستعان به، جلّ وعلا.
لا
يتمّ كمال الاستعانة إلّا بأمرين:
1)
علم المستعين بفقره ذاتاً، وبعجزه عن تحقيق مطلبه بنفسه.
2)
علم المستعين بغناء المُستعان المطلق، وبقدرته على إعانته، وبرأفته بالمستعين، وأنّه
لا يبخل عليه؛ فإذا أفقره – مثلاً – فلأنّ حال الفقر أصلح له من سائر الحالات.
فإذا
تمّ للعبد العلم بهذين الأمرين من نفسه، ومن ربِّه، سبحانه وتعالى، تَمّ – حينئذٍ
- له حالٌ تقتضي الاستعانة، فيستدعيها لسانُ حاله قبل لسان مقاله، وكلّما كمُل
اعتقاده بهذه الصفات؛ ما كان منها في نفس المستعين، وما كان منها في بارئه، عزّ
وجلّ، كَمُل حال الاستعانة، وإذا كمُل ذلك، ثارت فيوض الربّ بالإعانة والإجابة.
مثلاً:
إذا انكشف للعبد حقيقة فقره ذاتاً ووجوداً وصفةً وفعلاً، من جميع الوجوه، وفي جميع
الأوقات والأحوال، ورأى نفسه محتاجاً – بل رأى نفسه احتياجاً
وفقراً - في كلِّ آنٍ من آناته من جميع الجهات، حتّى
أنّه لا يكفيه إيجاده في الآن – أي في هذه اللحظة - السابق لوجوده في الحال، بل
يحتاج في وجوده الفعليّ إلى إيجادٍ آخَر جديد –
على ما هو الحقّ في احتياج الأكوان في الآن الثاني إلى علّة
مُحدِثة - وكذا في صفاته يحتاج في كلّ صفةٍ إلى فيضٍ
جديدٍ وإيجادٍ آخر؛ وبالجملة رأى نفسه في صفاته وجميع ما يحتاج إليه في جميع آناته:
-
فقيراً من جميع وجوه الحيثيّات إلى ربِّه.
-
ورأى ربَّه غنيّاً مطلقاً في جميع الوجوه، ومنعماً عليه في كلِّ ما هو واجده من
وجوه النعم التي لا يحيط بها علمه، ولا يقدر على إحصائها.
-
وأنّ الله تعالى قد أنعم عليه بذلك كلّه قبل وجوده ووجود فقره.
-
وأنعم عليه بذلك كلّه على الرغم من جهله بوجوه نعمته سبحانه.
-
وأنّه موجودٌ بإيجاده تعالى، وحيٌّ بإحيائه، ومرزوقٌ برزقه، وساكنٌ في مُلكه، يتقلّب
بقوّته في معصيته.
-
والله تعالى لا يأخذه بمعصيته، ولا يُعاجله بالعقوبة على اغتراره.
فإذا
انكشف له ما تقدّم: يكمل عند ذلك رجاؤه بعنايته، ويقوى حال الاستعانة في قلبه.
فإذا استعان بعد هذا الحال في ما لا يضرّه، فدعاؤه مستجابٌ وحاجته بالباب. وإنْ
كان دعاؤه دعاءَ الشرّ بدعاء الخير، فاللهُ، عزّ وجلّ، يُعطيه الخير عوضَ ما دعاه
من الشرّ في الدنيا أو في الآخرة، وما في الآخرة خيرٌ وأبقى، فالأَولى للداعي أن
يستثني في دعائه غير الأصلح، أو يشترط الصلاحَ والعافية، إذا لم يكن ممّن يرضى
ببلاء الدنيا مع خير الآخرة.
(بتصرّف)