دائمَ
البِشر، سهلَ الخُلق، لَيِّنَ الجَانب
صفاتُ النبيّ الخاتم بلسان أوصيائه عليهم السلام
معرفة رسول الله
صلّى الله عليه وآله هي عين معرفة الدين الخاتم والمقصد الإلهي من النبوّة
الخاتمة. لكنّ المعرفة الحقيقية بالنفس النبوية وصفاتها المقدّسة لم تأتِنا إلا
بلسان الأئمّة الأطهار من أهل بيته عليهم السلام، ذلك بأنهم نفس الرسول والمبيّنون
الصدّيقون للوحي وكتاب الله العزيز.
هنا، شذرات ممّا
ورد في الروايات الشريفة عن صفات النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله بلسان سبطه
الإمام الحسين عن أمير المؤمنين عليهما السلام، جاء ضمن رواية طويلة أوردها الشيخ
الصدوق في (عيون أخبار الرضا عليه السلام).
«... قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ
دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (..)
* كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ
ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ؛ جُزْءاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَجُزْءاً لِأَهْلِهِ،
وَجُزْءاً لِنَفْسِهِ.
* ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ. (..)
* فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ
أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ، وَقَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ؛
فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذُو
الْحَوَائِجِ. (..)
* وَيَقُولُ: لِيُبْلِغِ
الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي فِي حَاجَةِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ
إِبْلَاغَ حَاجَتِهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَاناً حَاجَةَ مَنْ لَا
يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
(..)
* يَدْخُلُونَ زُوَّاراً وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ
ذَوَاقٍ، وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً فُقَهَاءَ. [الذّواق
بمعنى الفائدة، ويخرجون فقهاء يدلّون الناس على ما ينتفعون به ممّا سمعوه منه صلّى
الله عليه وآله]
يسألُ الناسَ عمّا في الناس
قَالَ: فَسَأَلْتُهُ مِنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ
فِيهِ؟ قَالَ:
* كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ.
* وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُفَرِّقُهُمْ.
* وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ
عَلَيْهِمْ.
* وَيُحَذِّرُ النَّاسَ الْفِتَنَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ،
مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَلَا خُلُقَهُ.
* وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ.
* وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، فَيُحَسِّنُ
الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ.
* مُعْتَدِلَ الْأَمرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ.
* لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا.
* لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ.
* لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يَجُوزُهُ.
* الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ.
* أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً،
وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً.
مجلسُه مجلسُ حِلْمٍ وحَياء
قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ، فَقَالَ:
* كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْلِسُ
وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ.
* وَلَا يُوطِنُ الْأَمَاكِنَ وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا. [إيطانُ الأماكن بمعنى تخصيص مكان بعينه للجلوس على عادة وجهاء
أهل الدنيا]
* وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ،
وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ.
* يُعْطِي كُلًّا مِنْ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ حَتَّى لَا يَحْسَبَ جَلِيسُهُ
أَنَّ أَحَداً أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ.
* مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ
الْمُنْصَرِفَ عَنْهُ.
* وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ
الْقَوْلِ.
* قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ فَكَانَ لَهُمْ أَباً
وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً.
* مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ
فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا يُوهَنُ فِيهِ الْحُرَمُ، وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ،
مُتَعَادِلُونَ، مُتَفَاضِلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى. [لا تُنثى فلتاتُه، النّثو هو الإظهار، أي إذا صدرت عن بعض
جلسائه صلّى الله عليه وآله هفوة أو زلّة يُكتَم عليها، ولا يعرف بها أحدٌ من غير
الحاضرين]
* مُتَواضِعُونَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ فِيهِ
الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ.
لا يتكلّم إلا فيما يرجو ثوابه
قَالَ: قُلْتُ كَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُ مَعَ جُلَسَائِهِ؟
قَالَ:
* كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ
الْبِشْرِ سَهْلَ الْخُلُقِ لَيِّنَ الْجَانِبِ.
* لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ وَلَا فَحَّاشٍ وَلَا
عَيَّابٍ وَلَا مَدَّاحٍ. [الصخّاب: شديدُ الصياح]
* يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي فَلَا يُؤْيِسُ مِنْهُ وَلَا يُخَيِّبُ
فِيهِ مُؤَمِّلِيهِ.
* قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: الْمِرَاءِ وَالْإِكْثَارِ وَمِمَّا لَا
يَعْنِيهِ.
* وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَداً، وَلَا
يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ.
* وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا يَرْجُو ثَوَابَهُ.
* إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤوسِهِمُ
الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ
الْحَدِيثَ. * مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ.
* حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوّلِهِم.
* يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ
مِنْهُ.
* وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ
حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ. [أي يَسترضون الجفاة بالعطيّة حذرَ أن يدخلوا على النبيّ
فيبادروه بالكلام الجافي]
* وَيَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ.
[أي فأَضيفوه]
* وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا عَنْ مُكَافِئٍ. [إشارة إلى أن الثناء يكون عن صنيعة]
* وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ، فَيَقْطَعُهُ
بِانْتِهَاءٍ أَوْ قِيَامٍ.
تفكُّره فيما يبقى ويفنى
قَالَ: قُلْتُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ، قَالَ:
* كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعَةٍ: عَلَى الْحِلْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّقْدِيرِ
وَالتَّفَكُّرِ.
* فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ: فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ
النَّاسِ.
* وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ: فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى.
* وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ وَالصَّبْرُ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا
يَسْتَنْفِرُهُ.
* وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعَةٍ: أَخْذُهُ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى
بِهِ، وَتَرْكُهُ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ، وَاجْتِهَادُهُ فِيمَا أَصْلَحَ
أُمَّتَهُ، وَالْقِيَامُ فِيمَا جَمَعَ لَهُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة».