من وصايا الحكيم
الإلهي الشيخ حسن زاده آملي
الدوام على الطهارة سببُ الارتقاء إلى العالم القُدسي
هذه الوصية
عبارة عن مقتطفات من (رسالة في لقاء الله تعالى) للفقيه العارف الشيخ حسن حسن زاده
آملي، أوردها حفظه الله في الجزء التاسع عشر من (منهاج البراعة في شرح نهج
البلاغة).
يُشار إلى أنّ
الشرح المذكور على (نهج البلاغة) في واحدٍ وعشرين جزءاً، صنّفه العلاّمة الميرزا حبيب
الله الهاشمي الخوئيّ (ت:
1324 للهجرة)، وبلغ بشرحه حتّى الخطبة (218)، ولمّا لم
يُمهله الأجل، قام سماحة آية الله حسن زاده آملي بتتميم هذه المهمّة بعد سنين، فأنجز
خمسة أجزاء منه اعتباراً من الجزء الخامس عشر إلى الجزء التّاسع عشر. ثمّ قام الباحث
المعاصر العلامة الشيخ محمّد باقر الكمره اي بإتمامه عبر الجزئين العشرين والحادي والعشرين.
عليك بالمحاسبة! ففي
وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وآله لأبي ذرّ الغفاريّ رحمه الله: «يا أبَا ذَرّ،
لا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنَ المُتَّقِينَ حَتّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ أَشَدَّ مِنْ مُحَاسَبَةِ
الشَّريكِ شَريكَهُ، فَيَعْلَمَ مِن أينَ مَطْعَمُهُ، ومِنَ أَيْنَ مَشْرَبُهُ، وَمِنْ
أَيْنَ مَلْبَسُهُ، أَمِنْ حِلٍّ ذَلِكَ أَمْ مِنْ حَرَامٍ».
والمراقبة لله تعالى،
وهي العمدة في الباب، وهي مفتاح كلّ سعادة ومجلبة كلّ خير، وهي خروج العبد عن
حَوله وقوّته، مراقباً لمواهب الحقّ، ومتعرّضاً لنفَحات ألطافه ومُعرِضاً عمّا
سواه، ومستغرقاً في بحر هواه ومشتاقاً إلى لقائه، وإليه قلبه يَحِنّ، ولديه روحه يَئِنّ،
وبه يستعين على أداء حقوقه، ومنه يستعين إليه، حتّى يفتح الله له بابَ رحمةٍ لا
مُمسكَ لها، ويغلق عليه باب عذابٍ لا مفتّح له، بنورٍ ساطعٍ من رحمة الله تعالى
على النفس به يزول عنها في لحظةٍ ما لا يزول بثلاثين سنة بالمجاهدات والرياضات،
يبدّل الله سيّئاتهم حسنات؛ ﴿للَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ..﴾ يونس:26،
والزيادة حسناتُ ألطاف الحقّ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فعليك بالمراقبة،
وعليك بالمراقبة، وعليك بالمراقبة. ففي الباب التاسع والثلاثين من (إرشاد القلوب)
للديلمي رضوان الله عليه: «قال الله تعالى: ﴿..وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا﴾
الأحزاب:52،
وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله لبعض أصحابه: (اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَراه،
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) وهذه إشارة إلى المراقبة، لأنّ
المراقبة علمُ العبد باطلاع الربّ عليه في كلّ حالاته، وملاحظة الإنسان لهذا الحال
هو المراقبة، وأعظم مصالح العبد استحضارُه مع عدد أنفاسه أنّ الله تعالى رقيبٌ
ومنه قريب، يعلم أفعاله ويرى حركاته ويسمع أقواله ويطّلع على أسراره، وأنّه يتقلّب
في قبضته، وناصيته وقلبه بيده، وأنّه لا طاقة له على السّتر عنه، ولا على الخروج
من سلطانه.
قال لقمان لابنه: (يَا
بُنَيّ، إذا أردتَ أن تعصيَ اللهَ فاطلبْ مَكَاناً لا يَراكَ فيه)، إشارةً منه
إلى أنّك لا تجد مكاناً لا يراك فيه، فلا تعصِه! وقال تعالى: ﴿..وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ
مَا كُنْتُمْ..﴾ الحديد:4.
ومن علامات المراقبة
إيثارُ ما آثرَ الله، وتعظيمُ ما عظّم الله، وتصغيرُ ما صغّر الله، فالرجاء يحثّك
على الطاعات، والخوف يبعدك عن المعاصي، والمراقبة تؤدّي إلى طريق الحياة وتحمل على
ملازمة الحقائق والمحاسبة على الدقائق، وأفضل الطاعات مراقبة الحقّ سبحانه وتعالى
على دوام الأوقات.
ومن سعادة المرء أن
يلزم نفسه المحاسبة والمراقبة، وسياسة نفسه باطّلاع الله ومشاهدته لها، وأنّها لا
تغيب عن نظره ولا تخرج عن عمله»، انتهى كلامه قدّس سرّه.
قلت: ومن آداب المراقب
أن يراقب أعمال الأوقات من الشهور والأيّام، بل الساعات، بل يواظب أن لا يُهمل
الآنات، ويكون على الدوام متعرّضاً لنفحَات أُنسه ونسائم قدسه، كما قال عليه
السلام: «إِنَّ لِرَبِّكُم فِي أَيّامِ دَهْرِكُم نَفَحاتٍ، أَلَا فَتَعَرَّضُوا
لها ولا تُعْرِضُوا عَنْها».
وللعَلَم الآية
الميرزا جواد الملَكي التبريزي قدّس سرّه، كتابٌ في (مراقبات أعمال السنة) وهو من
أحسن ما صُنع في هذا الأمر، فعليك بالكتاب.
دوامُ الطهارة
عن النبيّ صلّى الله
عليه وآله أنّه قال: «قَالَ اللهُ تَعَالى: مَنْ أَحْدَثَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ فَقَدْ
جَفَانِي، ومَنْ أَحْدَثَ وَتَوضَّأَ ولَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَين فَقَدْ جَفَانِي، ومَنْ
صَلَّى رَكْعَتَين وَلَمْ يَدْعُنِي فَقَدْ جَفَانِي، ومَنْ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى
رَكْعَتَيْن وَدَعَانِي فَلَمْ أُجِبْهُ فِيمَا يَسْأَلُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاه
فَقَدْ جَفَوْتُه، وَلَسْتُ بِرَبٍّ جافٍ».
اعلم يا حبيبي أنّ
الوضوء نور، والدوام على الطهارة سببٌ لارتقائك إلى عالَم القُدس، وهذا الدستور
العظيم النفع مجرَّبٌ عند أهله جدّاً، فعليك بالمواظبة عليه. ثمّ عليك بعلوّ
الهمّة وكبر النفس، فإذا صلّيتَ الركعتين فلا تسأله تبارك وتعالى إلّا ما لا يَبيد
ولا ينفد ولا يفنى، فلا تطلب منه إلّا إيّاه.
فإذا صلّيت فقُل
ساجداً: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حَلاوَةَ ذِكْرِكَ ولِقَاءَكَ وَالحُضُورَ عِنْدَكَ»
ونحوها.
الجوعُ من خَصال
المؤمن
قال عزَّ من قائل:
﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ الأعراف:31.
واعلم حبيبي أنّ فضول الطعام يُميت القلبَ بلا كلام، ويُفضي إلى جموح النفس
وطغيانها، والجوعُ من أَجَلِّ خصال المؤمن، ونِعمَ ما قال يحيى بن معاذ: «لو
تشفّعتَ بملائكة سبع سماوات، وبمائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبيٍّ، وبكلّ كتابٍ
وحكمةٍ ووليٍّ على أن تصالحَك النفسُ في ترك الدنيا والدخول تحت الطاعة لم تُجبك،
ولو تشفّعتَ إليها بالجوع لأجابتك وانقادتْ لك».
عن الإمام الصادق عليه
السلام: «إِنَّ الْبَطْنَ لَيَطْغَى مِنْ أَكْلةٍ، وأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ
مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ إِذَا خَفَّ بَطْنُه، وأَبْغَضُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى
الله عَزَّ وجَلَّ إِذَا امْتَلأَ بَطْنُه».
... وقِلّةُ الكلام
إيّاك وفضول الكلام،
فقد روى شيخ الطائفة الناجية الطوسي في (أماليه)، بإسناده عن عبد الله بن دينار،
عن أبي عمر، قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لَا تُكْثِرُوا
الكَلامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ
قَسْوَةُ القَلْبِ، إِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللهِ القَلبُ القَاسِي».
(بتصرّف)