تاريخ
هلاكُ زياد بن أبيه
«في سنة ثلاث وخمسين هلكَ
زيادُ بن أبيه بالكوفة في شهر رمضان، وكان يُكنّى أبا المُغيرة، وقد كان كتب إلى معاوية
أنّه قد ضبط العراقَ بيمينه، وشمالُه فارغة، فجمعَ له الحجازَ مع العراقَين، واتّصلت
ولايتُه بأهل المدينة، فاجتمع الصغيرُ والكبيرُ بمسجد رسول الله صلّى الله عليه [وآله]
وسلّم، وضجّوا إلى الله، ولاذوا بقبر النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ثلاثةَ أيّام،
لعِلمهم بما هو عليه من الظّلم والعَسف، فخرجتْ في كفّه بَثْرة، ثمّ حكَّها، ثمّ سرَتْ
واسودّتْ فصارت آكلةً سوداء، فهلك بذلك وهو ابن خمس وخمسين سنة، وقيل: اثنتين وخمسين،
ودُفن بالثويّة من أرض الكوفة.
وقد كان زياد جمع الناس
بالكوفة بباب قصره يحرّضهم على لعن عليٍّ عليه السلام، فمَن أبى ذلك عرضَه على السيف.
فذكر عبد الرحمن بن السائب،
قال: حضرتُ فصرتُ إلى الرّحبة ومعي جماعةٌ من الأنصار، فرأيتُ شيئاً في منامي - وأنا
جالسٌ في الجماعة - وقد خفقتُ، وهو أنّي رأيتُ شيئاً طويلاً قد أقبل، فقلتُ: ما هذا؟
فقال: أنا النقّادُ ذو الرقبة، بُعثتُ إلى صاحب هذا القصر! فانتبهتُ فزعاً، فما كان
إلّا مقدارَ ساعة حتّى خرج خارجٌ من القصر، فقال: انصرفوا، فإنّ الأمير عنكم مشغول،
وإذا به قد أصابه ما ذكرنا من البلاء، وفي ذلك يقول عبد الله بن السائب من أبيات:
مَا كانَ مُنتَهِياً
عَمَّا أَرَادَ بِنَا
|
حَتَّى تَأَتَّى لَهُ
النّقادُ ذو الرَّقَبة
|
فَأسقطَ الشّقَّ منه
ضربةٌ ثَبتتْ
|
لَمَّا تَنَاوَلَ ظُلماً
صَاحِبَ الرَّحْبَة
|
يعني بـ(صاحب الرحْبة)
عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه».
(مروج الذهب، المسعودي)
بلدان
الخَبَارُ
الخَبارُ، بفتح
أوّله، وآخره راءٌ: موضعٌ قريبٌ من المدينة، ومعناه الأرض الرّخوة
ذات الحجارة. وكان عليه طريق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين خرج يريد قريشاً قبل وقعة بدر، ويقال
له: فَيفاء الخَبار؛ والفَيفُ أو الفَيفاء: المفازة التي لا ماء فيها، جمعُها
فَيافي.
وفي (معجم
البلدان) أنّ الخَبار في نواحي العقيق بالمدينة، وكان قد قَدِم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نفرٌ من أعراب «عُرَيْنَة»
كانوا مجهودين مضرورين، فأنزلهم عنده ثمّ أخرجهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى لقاح له بفَيف الخبار، لتصحَّ
أبدانُهم.
وذكر ابن هشام في (سيرته) فيفاء الخَبار في غزاة العُشَيْرة، فقال: «فَسَلَكَ
عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ، ثُمّ عَلَى فَيْفَاءِ الْخَبَارِ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ
بِبَطْحَاءِ ابْنِ أَزْهَرَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ السّاقِ فَصَلّى عِنْدَهَا. فَثَمّ
مَسْجِدُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلّمَ، وَصُنِعَ لَهُ عِنْدَهَا طَعَامٌ،
فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ النّاسُ مَعَهُ، فَمَوْضِعُ أَثَافِي الْبُرْمَةِ مَعْلُومٌ
هُنَالِكَ، وَاسْتُقِيَ لَهُ مِنْ مَاءٍ بِهِ يُقَالُ لَهُ الْمُشْتَرِبُ... ثُمّ ارْتَحَلَ
رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلّمَ فَتَرَكَ الْخَلَائِقَ بِيَسَار،
وَسَلَكَ شُعْبَةً يُقَالُ لَهَا: شُعْبَةُ عَبْدِ اللهِ، وَذَلِكَ اسْمُهَا الْيَوْمَ،
ثُمّ صَبّ لِلْيَسَارِ حَتّى هَبَطَ يَلْيَلَ، فَنَزَلَ بِمُجْتَمَعِهِ وَمُجْتَمَعِ
الضّبُوعَةِ، وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ بِالضّبُوعَةِ ثُمّ سَلَكَ الْفَرْشَ فَرْشَ مَلَلَ،
حَتّى لَقِيَ الطّرِيقَ بِصُحَيْرَاتِ الْيَمَامِ، ثُمّ اعْتَدَلَ بِهِ الطّرِيقُ حَتّى
نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ. فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى الْأُولَى وَلَيَالِيَ
مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَادَعَ فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي
ضَمْرَةَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا».
وفَيفاء الخبار، فيما يُسمّى اليوم «الدّعيثة» أو العزيزيّة بالمدينة، والعزيزيّة،
أحد أحياء المدينة المنوّرة، ويقع هذا الحيّ في الجهة الشّماليّة الغربيّة من
المدينة المنوّرة، ويبعد عن الحرم النّبويّ نحو عشرة كيلومترات، وهو من الأحياء
الكبيرة، وفيه مرافق خدماتيّة ومدارس وجامعات، ومستشفيات.