موجز في التعريف بسورة نوح
الولاية
بيتُ الأنبياء
ــــــ إعداد: سليمان بيضون ــــــ
* السورة الحادية والسبعون في ترتيب سوَر
المُصحف الشريف، نزلت بعد سورة «النحل».
* سُمّيت بـ «نوح» لابتدائها بقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا
إِلَى قَوْمِهِ..﴾ ولتضمّنها مواقف لهذا النبيّ العظيم مع قومه.
* آياتها ثمانٍ وعشرون، وهي مكّيّة، مَنْ
قرأها كان من المؤمنين الذين تُدركهم دعوةُ نوح عليه السلام: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا..﴾، كما في الحديث النبويّ
الشريف.
* ما يلي موجز في تفسير السورة المباركة
اخترناه من تفاسير: (نور الثّقلين) للشيخ عبد علي الحويزي رحمه الله، و(الميزان) للعلّامة السيّد محمّد
حسين الطباطبائيّ رحمه الله، و(الأمثل) للمرجع الدينيّ الشيخ
ناصر مكارم الشيرازيّ.
|
وردت الإشارة إلى قصّة نبيّ الله نوح عليه
السلام في سوَر متعدّدة في القرآن المجيد، منها: الشعراء، والمؤمنون، والأعراف، والأنبياء،
وبشكل أوسع في سورة هود، حيث تحدّثت خمس وعشرون آية فيها عن هذا النبيّ العظيم، الذي
هو من أُولي العزم.
وما جاء في سورة نوح عن قصّته عليه السلام هو مقطع
خاصّ من حياته، يرتبط بدعوته المستمرّة والمتتابعة إلى التوحيد، مقابل قوم معاندين
ومتكبّرين يأنفون الانقياد إلى الحقّ.
الدعوة إلى التوحيد بالبرهان والمودّة
تشير السورة إلى رسالة نوحٍ عليه السلام إلى قومه
وإجمال دعوته وعدم استجابتهم له، ثمّ شكواه إلى ربّه منهم ودعائه عليهم، واستغفاره
لنفسه ولوالديه ولمَن دخل بيته مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات، ثمّ حلول العذاب بالمعاندين
وإهلاكهم بالإغراق.
وبلحاظ أنّها نزلت في مكّة، وأنّ النبيّ صلّى الله
عليه وآله وسلّم والمسلمين القلائل في ذلك الزمان كانوا يعيشون ظروفاً مشابهة لظروف
عصر نوح عليه السلام وأنصاره، فإنّها تعلّمهم أموراً كثيرة، وكانت هذه واحدة من أهداف
إيراد هذه القصّة، ومنها:
1 - أنّها تذكّرهم كيف يبلّغون الرسالة للمشركين
عن طريق الاستدلال المنطقي المقترن بالمحبّة والمودّة، واستخدام كلّ طريقة تكون مفيدة
ومؤثّرة في الدعوة.
2 - أنّها تعلّمهم الثبات والنشاط في طريق الدعوة
إلى الله، عزّ وجلّ، وعدم التكاسل مهما طالت الأعوام، ومهما وضع الأعداء العوائق.
3 - أنّها تعلّمهم كيف يرغّبونهم ويشجّعونهم تارة،
وتكون لديهم عوامل الإنذار والتخويف تارة أخرى، والاستفادة من كِلا الطريقين في الدعوة
إلى الله جلّ وعلا.
4 - الآيات الأخيرة من هذه السورة هي تحذير للمشركين
المعاندين بأنّ عاقبتهم وخيمة إذا لم يستسلموا للحقّ، وتخلّفوا عن أمر الله تعالى.
5 - أنّ هذا السورة جاءت لتهدئة مشاعر المؤمنين
الأوائل ومن يعيش مثل ظروفهم، ليصبروا على الصعوبات، ويطمئنّوا في مسيرهم بلطفٍ من
الله عزّ وجلّ.
مَن قرأها في الصلاة أَسكنَه اللهُ
مساكنَ الأبرار
* عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال:
«مَنْ قَرَأَ سورَةَ نوحٍ كانَ مِنَ المُؤْمِنينَ الّذينَ تُدْرِكُهُمْ دَعْوَةُ
نُوحٍ».
* وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: «مَنْ
كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَيَقْرَأُ كِتابَهُ فَلا يَدَعْ أَنْ يَقْرَأَ
سورَةَ ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا﴾، فَأَيُّ عَبْدٍ قَرَأَها مُحْتَسِباً صابِراً
في فَريضَةٍ أَوْ نافِلَةٍ، أَسْكَنَهُ اللهُ مَساكِنَ الأَبْرارِ، وَأَعْطاهُ ثَلاثَ
جِنانٍ مِنْ جَنَّتِهِ كَرامَةً مِنَ اللهِ».
في تفسير آياتٍ من السورة: مبادرةُ
المَنِيّة بالاستغفار
قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ
أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ..﴾ الآية:1.
الإمام الباقر عليه السلام: «كانَ بَيْنَ آدَمَ
ونوحٍ عَشَرَةُ آباءٍ كُلُّهُمْ أَنْبِياءُ ".." وَإِنَّ الأَنْبِياءَ بُعِثوا
خاصَّةً وعامَّةً، فَأَمّا نوحٌ فَإِنَّهُ أُرْسِلَ إِلى مَن في الأَرْضِ بِنُبُوَّةٍ
عامَّةٍ وَرِسالَةٍ عامَّةٍ».
قوله تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ
بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾
الآيات:10-12.
* أمير المؤمنين عليه السلام: «.. وَقَدْ جَعَلَ
اللهُ، سُبْحانَهُ، الاسْتِغْفارَ سَبَباً لِدُرورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ الخَلْقِ
".." فَرَحِمَ اللهُ امْرَءاً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ، وَاسْتَقالَ خَطيئَتَهُ،
وَبادَرَ مَنِيَّتَهُ».
* سأل رجلٌ أبا عبد الله الصادق عليه السلام،
فقال له: جُعلت فداك، إنّي كثير المال وليس يولَد لي ولد، فهل من حيلة؟
قال عليه السلام: «نَعَمْ، اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ
سَنَةً في آخِرِ اللَّيْلِ مِئَةَ مَرَّةٍ، فَإِنْ ضَيَّعْتَ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ فَاقْضِهِ
بِالنَّهارِ، فَإِنَّ اللهَ يَقولُ: ﴿اسْتَغْفِروا رَبَّكُمْ..﴾».
* الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين، عن أبيه،
عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام: «قالَ رَسولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ: مَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَلْيَحْمَدِ اللهَ تَعالى،
وَمَنِ اسْتَبْطَأَ الرِّزْقَ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللهَ، وَمَنْ حَزَنَهُ أمرٌ فَلْيَقُلْ:
لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلّا بِاللهِ».
قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ
وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ الآية:23.
الإمام الصادق عليه السلام: «كانوا [أي أصحاب هذه الأسماء] يَعْبُدونَ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَماتوا،
فَضَجَّ قَوْمُهُمْ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَجاءَهُمْ إِبْليسُ، لَعَنَهُ اللهُ،
فَقالَ لَهُمْ: أَتَّخِذُ لَكُمْ أَصْناماً عَلى صُوَرِهِمْ فَتَنْظُرونَ إِلَيْهِمْ
وَتَأْنَسونَ بِهِمْ وَتَعْبُدونَ اللهَ، فَأَعَدَّ لَهُمْ أَصناماً عَلى مِثالِهِمْ؛
فَكانوا يَعْبُدونَ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، وَيَنْظُرونَ إِلى تِلْكَ الأَصْنامِ، فَلَمّا
جاءَهُمُ الشِّتاءُ وَالأَمْطارُ أَدْخَلوا الأَصْنامَ البُيوتَ فَلَمْ يَزالوا يَعْبُدونَ
اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، حَتّى هَلَكَ ذَلِكَ القَرْنُ وَنَشَأَ أَوْلادُهُمْ، فَقالوا:
إِنَّ آباءَنا كَانُوا يَعْبُدونَ هَؤلاءِ؛ فَعَبَدوهُمْ مِنْ دونِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ..».
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى
الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ الآية:26.
الإمام الباقر عليه السلام: «لَمّا دَعا نوحٌ،
عَلَيْهِ السَّلامُ، رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى قَوْمِهِ أَتاهُ إِبْليسُ فَقالَ
لَهُ: يا نوحُ، إِنَّ لَكَ عِنْدي يَداً أُريدُ أَنْ أُكافيَكَ عَلَيْها.
فَقالَ نُوحٌ: وَاللهِ، إِنّي لَيُبَغَّضُ إِلَيَّ
أَنْ يَكونَ لي عِنْدَكَ يَدٌ، فَما هِي؟
قالَ: بَلى! دَعَوْتَ اللهَ عَلَى قَوْمِكَ فَأَغْرَقَهُمْ
فَلَمْ يَبْقَ لي أَحَدٌ أَغْويهِ، فَأنا مُسْتَريحٌ حَتّى يَنْشَأَ قَرْنٌ آخَرُ فَأَغْويهِمْ.
قالَ لَهُ [نوح]: فَما الّذي تُريدُ أَنْ تُكافيَني بِهِ؟
قالَ لَهُ: اذْكُرْني في ثَلاثِ مَواطِنَ؛ فَإِنّي
أَقْرَبُ ما أَكونُ مِنَ العَبْدِ إِذا كانَ في إِحْداهُنَّ: اذْكُرْني عِنْدَ غَضَبِكَ،
وَاذْكُرْني إِذا حَكَمْتَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَاذْكُرْني إِذا كُنْتَ مَعَ امْرَأَةٍ
جالِساً لَيْسَ مَعَكُما أَحَدٌ».
قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا
عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ الآية:27.
الإمام الباقر عليه السلام: «..أَوْحى اللهُ،
عَزَّ وَجَلَّ، إِلَيْهِ: ﴿.. أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ
قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ هود:36، فَلِذَلِكَ قالَ نوحٌ: ﴿..وَلَا
يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾، فأَوْحَى اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَيْهِ
﴿..أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ..﴾ المؤمنون:27».
قوله تعالى: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ
وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا..﴾ الآية:28.
الإمام الصادق عليه السلام: «يَعْني الوِلايَةَ،
مَنْ دَخَلَ في الوِلايَةِ دَخَلَ في بَيْتِ الأَنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ».