بصائر

بصائر

منذ 3 أيام

خطاب الإمام الخميني بعد مجزرة مكّة المكرّمة


خطاب الإمام الخميني بعد مجزرة مكّة المكرّمة

حَرمُ الله الآمن مغصوبٌ بأيدي حُفنة من الملحدين

تركت مجزرة الحجّاج الإيرانيّين الأخيرة في المشاعر المقدّسة بمكّة المكرّمة بصماتها المؤلمة على ملايين المسلمين في العالم أجمع. وهي أعادت ذكرى المذبحة التي ارتكبها نظام آل سعود بحقّ المئات من الحجّاج قبل نحو ثلاثين سنة خلَتْ.

إثر هذا الخَطب الجلل كان للإمام الخميني قدّس سرّه، كلمة أمام كبار القادة والمسؤولين في الجمهورية الإسلامية، كشف فيها عن طبيعة النظام الحاكم في السعودية، والأبعاد غير الدينية وغير الأخلاقية للمجزرة.

إنّنا إذ نستعيد هذه الكلمات، فلِكي نشير إلى المدى الخطير الذي يسلكه نظام آل سعود حيال ضيوف الرحمن، وعدم مراعاته لأبسط البديهيّات في القيم الدينية والإنسانية.

وفي ما يلي مقتطف من الكلمة الطويلة التي ألقاها الإمام قدّس سرّه، في حسينيّة جماران بطهران، في الثالث والعشرين من آب 1987م.

 

ما أردت التعرّض له اليوم هو القضية المؤلمة التي حدثت في مكّة، نحن قدّمنا العديد من الشهداء في سبيل الله ومن أجل إنقاذ هذا الشعب منذ أوائل الثورة، سواء مَن استشهد قبل الثورة، أم الذين سقطوا أثناء الثورة المباركة وبعدها، لكنّ موضوع الحجاز يختلف عن كلّ المواضيع.

نحن تعرّضنا لأنواع من الظلم والتعدّي وقدمنا عدداً كبيراً من الشهداء في أماكن متعدّدة؛ ففي زمن رضا شاه (الشاه الأب) تحمّلنا مختلف أنواع القسوة والشدائد، والكثير منكم على علم بما جرى‏ آنذاك، وفي زمن محمّد رضا (الشاه المخلوع) أيضاً، وكما تعلمون جميعاً وصلت المعاناة حدّاً لا يطاق واستمرّت قوافل الشهداء بالسير قُدماً نحو الهدف السامي.

إنّ ‏قضية الحجاز تختلف عن كلّ ذلك، فبرغم أنّ موضوع القدس موضوع عظيم، وقد رأيتم ما حدث بأمّ أعينكم، إلا أنّ يوم القدس يغاير يوم الجمعة الدموي في مكّة؛ لقد أعلنّا «يوم القدس العالمي» لتحرير القدس من المغتصبين، وإعادته الى‏ أصحابه.

فقدنا الكثر من الأحبّة في هذه التداعيات والاغتيالات، وأنا أعتقد أنّ تراب أقدامهم أفضل من الأمراء وسكّان القصور، وفي كلّ تلك الأمور كنا نصول ونجول ويُصال علينا أيضاً؛ كذلك فقدنا العديد من الأعزّة في حربنا المفروضة مع صدّام وتكبّدنا الكثير من الخسائر، برغم كل ذلك يبقى موضوع الحجاز متميّزاً.

نحن مازلنا راقدين، والعالم راقد كذلك ولم يعِ ما حصل في الحجاز، إذ هُتكت حرمة أقدس الأماكن الإسلامية؛ ليست الكعبة تحظى باحترامنا فقط، لا وليس المسلمين فقط، بل تحترمها كافة الشعوب المعتقدة بالدين، كانت الكعبة وما زالت رمزاً للقدسية منذ زمن سحيق وعلى‏ تعاقب العصور والأزمنة، وحظيت باحترام كافة الأنبياء.

 

 

هتك حرمة الكعبة موضوع لا يمكن تجاهله والمرور عليه مرور الكرام، فإنْ تنازلنا عن موضوع القدس، وصفحنا عن صدّام، وعن كلّ مَن أساء لنا لا نستطيع السكوت عن موضوع الحجاز، فموضوع الحجاز يختلف عن بقيّة المواضيع.

ينبغي إحياء هذا اليوم، أي اليوم الذي أُسي‏ء فيه للإسلام، ونحن على أبواب شهر محرّم الملي‏ء بالأحزان، ففي هذا الشهر صار سيّد الشهداء عليه السلام، ضحية أيضاً، ولم يبقَ في مكّة خشية أن تُنتهك حرمتها.

يضحّي الجميع من أجل مكّة؛ لأنّها مكان مقدّس وحَظِيَ باحترام الأنبياء كلّهم، أمّا الآن فقد ابتُليت مكّة بحفنة من المُلحدين الذين لا يعرفون ما ينبغي فعله، والخِزي والعار لجميع المسلمين في العالم إذ جلسوا يتفرّجون على ‏هتك حُرمة أقدس بقاع العالم ولم يحرّكوا ساكناً، فيجب إحياء هذه القضية خاصّة في شهر محرّم، وينبغي أن يجعل أصحاب المنابر والمراثي ومواكب العزاء هذه القضية في صدر مواضيعهم، فقد استُشهد الإمام الحسين عليه السلام من أجل هذا ومن أجل إقامة العدل الإلهي وصيانة بيت الله؛ إلى متى ‏القعود والتفرّج؟ وما هو الواجب فعله؟

 

 

طبعاً يجب التنبيه على موضوع، (و) هو أنّ وجوب مواجهة هذه القضية لا يعني التعرّض للسعوديّين، والكويتيّين، وغيرهم الذين يقطنون في بلادنا؛ إنّ هؤلاء يعيشون في كنَفنا ويجب المحافظة عليهم.

يتحلّى ‏شبابنا بصدق النيّة، لكن يجب أن أنبّههم إلى إمكان وجود أشخاص يفتقرون إلى صدق النيّة المعهود لديكم، فيرغبون بتشويه سمعة إيران؛ يجب أن تلتفتوا إلى ‏أنّ الموضوع أعمق من ذلك بكثير، فينبغي أن نقوم بحشد كلّ طاقاتنا، وأن يعبّئ المسلمون وكلّ الموحدين كافة طاقاتهم لمجابهة هذا الموضوع بالشكل الذي يرونه مناسباً.

قتل الحجّاج مؤامرة مدبّرة

لا شكّ في أنّ هذه المؤامرة أُعدِّت سلفاً ودُبِّرت مسبقاً، وقد قرّروا حصول هذا الأمر وفرضوا على آل سعود الأغبياء القيام بهذا العمل الطائش، ما جعلهم منحطّين بأعيُن العالم بأسره.

واقعاً لا ندري ماذا نفعل! إنّ لله بيتاً يحميه، لكنّه تعرّض لضربة من المسملين ومن الحجازيّين على وجه التحديد، لا أعتقد أنّ الحجازيّين على‏ علم بهذا الموضوع عدا بعض الزُّمَر ذات الصلة بهذا الحزب الباطل، وهذه الحكومة الباطلة.

لم يسبق أن يرسل الملك السعودي لي نداءاً قبل إيفاد الحجّاج ويُبدي فيه شكره على قولي بوجوب المحافظة على‏الهدوء والاستقرار هناك، وهذا على‏ خلاف عادته، فلماذا أرسل لي نداءً؟

لأجل أن يقول لاحقاً لم أكن أقصد شيئاً، وهذا النداء يمثّل سلامة نيّتي؛ أفضل دليل على أنّ الموضوع مدبَّر هو كيفية عملهم، لقد أقرّوا بهذا المعنى، يقولون كان الإيرانيون ينوون‏ حرق الكعبة ويجعلون قمّ كعبة لهم، ومن قبيل هذا الكلام الغبيّ، وبهذا تتّضح نواياهم الدفينة. ونحن على ‏أُهبة الاستعداد لأن نلقّنهم درساً لن ينسوه، ليس الموضوع مرتبط بالقتل فقط، بل هو هتك حرمة.

إنّ ‏لقضية الحجاز أبعاداً مختلفة، لكنّ البُعد المهمّ هو هتك حرمة مكان مقدّس، ولن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي أمام ذلك، وسيعلم «فهد» وأمثاله لاحقاً ما حجم الجريمة التي نفّذها تلبيةً لأسياده.

لو أنّ هذه الجريمة البشعة وقعت في الطائف لأمكن تحمّلها؛ لأنّ الطائف ليست كالكعبة، ومن جهة أخرى ‏قُتل منّا الكثير في الحروب وقبلها وبعدها، وهذا يهوِّن الخَطب علينا، لكنّ هذه الجريمة وقعت في حرم الله الآمن، وهو الآن مغصوب بأيدي هؤلاء المجرمين، مَن هؤلاء كي يلقِّبوا أنفسهم بـ«خادم الحرمين» (خائن الحرمين)؟ ومَن جعلهم خدّاماً للحرمين؟ بأيّ مبرر غيَّر أولئك اسم دولة إسلامية من الحجاز إلى ‏المملكة السعودية؟ ما المناسبة لهذا التسمية؟ كل هذه أمور متشابكة، ولا نعرف كيف نغسل هذا العار.

لقد تحمّلتُ كثيراً من الأمور كالحرب وأمثالها، لكنّ صبري بدأ ينفد إزاء هذا الموضوع، نسأل الله تعالى أن يحلّ المشاكل بقدرته ويوفّقنا إلى التغلّب على عدم الاكتراث، ويوفّق المسلمين لذلك في شهر محرم الحرام.

نسأل الله أن يوفّق الجميع، ويوفّقكم لخدمة عباد الله الذين كانوا وما زالوا مظلومين، ونحمد الله أنّكم من هذه الطبقة المستضعفة، أي الطبقة الممتازة، ولستم من الطبقة (التي يُقال إنّها العُليا)، وفّقكم الله جميعاً لهذه الخدمة.

والسلام عليكم ورحمة الله‏

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 3 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات