مراقبات

مراقبات

06/05/2016

مراقبات شهر شعبان


مراقبات شهر شعبان

موسمُ المناجاة وغفران الذنوب الكبار

ـــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــ

 

يُجمع الفقهاء العرفاء على أنّ شهر شعبان محطّة كبرى في الطريق إلى الله تعالى، ومنزلٌ مميّز لا بدّ من النزول فيه والتزوّد من بركاته لمن أراد الوصول إلى رضوان الله عزّ وجلّ. ففضائل هذا الشهر الشريف كثيرة جداً إلى حدّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يُوليه عناية خاصّة، ويحثّ المسلمين على المزيد من أعمال البرّ فيه. ومقتضى واجب الاقتداء بالمصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، أن نهتمّ بهذا الشهر الشريف، فنعرف آدابه، ونحرص على الإتيان بها، لما في ذلك من فوائد جليلة تحصّن النفس والمجتمع من الشّيطان وأوليائه.

وينبغي أن نلتفت أيضاً إلى مجاورته شهرَ الله تعالى، وإلى ليلة النصف من شعبان التي يُشبه فضلها فضلَ ليلة القدر، بل هي من ليالي التّقدير، كما في الروايات، والحقيقة أنه لو لم يكن في شهر شعبان إلّا ليلة النصف، التي هي ليلة مولانا الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لَكفى.

 

«حملَةُ العرش تُعظّمه وتعرف حقّه». هذا ما حدّث به رسول الله أصحابه وقد تذاكروا عنده فضائل شهر شعبان. ثمّ قال صلّى الله عليه وآله: «وهو شهرٌ العملُ يضاعَف فيه؛ الحسنةُ بسبعين، والسيّئةُ محطوطة، والذنبُ مغفور...».

وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان إذا رأى هلال شعبان أمر منادياً ينادي في المدينة: «يا أهلَ يثربَ إنّي رسولُ رسولِ الله إليكم، ألا إنّ شعبان شهري، فرحِم اللهُ مَن أعانَني على شهري..».

وقد وصفه أمير المؤمنين عليه السلام بالشهر «الكريم». وقال: «سمّاه ربُّنا شعبانَ لتَشعُّب الخيرات فيه؛ قد فتح ربّكم فيه أبوابَ جنانه وعرضَ عليكم قصورها وخيراتها بأرخصِ الأثمان وأسهلِ الأمور فاشتروها...».

وكان الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين إذا دخل شهر شعبان جمع أصحابه، وقال لهم تنبيهاً وترغيباً: «يا أصحابي، أتدرون ما هذا الشهر؟ هذا شهرُ شعبان!».

ومن أوجه الشبه بين شعبان وبين شهر رمضان أن فيهما تُزيّن الجنان وتزداد أرزاق المؤمنين، كما في الحديث النبويّ.

وفي (إقبال الأعمال) للسيّد ابن طاوس أنّ شهر شعبان من منازل السالك إلى الله تعالى، «وكفاه شرفاً أن رسول الله صلّى الله عليه وآله اختاره لنفسه الشريفة بصريح مقاله».

وفي كتاب (المراقبات) للعارف الفقيه الشيخ الملَكي التبريزي، أنّ في شعبان «ليلة من ليالي القدر... وقد ولد فيه مولودٌ وعد الله تعالى أن ينتصر به لجميع من مضى من أنبيائه وأوليائه، وأن يملأ به الأرض قسطاً وعدلاً... وكفى في شأنه أنّه شهر رسول الله، وقال فيه صلّى الله عليه وآله: شعبانُ شهري، رحمَ الله مَن أعانني على شهري».

ويؤكّد الميرزا التبريزي ضرورة العناية بهذه الدعوة النبوية العظمى، تأسّياً بأمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: «ما فاتني صومُ شعبان مذ سمعتُ منادي رسول الله صلّى الله عليه وآله ينادي في شعبان..».

الصوم والرحيق المختوم

سُئل رسول الله أيّ الصيام أفضل؟ فقال: «شعبان، تعظيماً لشهر رمضان». وسُئل صلّى الله عليه وآله عن صوم رجب، فقال: «أين أنتم عن صوم شعبان؟!».

وجاء في آخر الرواية المتقدّمة عن مذاكرة الأصحاب فضائلَ شعبان أن أمير المؤمنين عليه السلام قام فقال: «بأبي أنتَ وأمّي يا رسولَ الله، صِفْ لنا شيئاً من فضائله لنزدادَ رغبةً في صيامه وقيامه..»، فعدّد رسول الله ثواب من صام يوماً أو يومين أو ثلاثة إلى تمام الثلاثين يوماً من شعبان.

وكان الصادق عليه السلام يأمر شيعته بصيامه، ويقول لبعض أصحابه: «حُثَّ مَن في ناحيتك على صوم شعبان».

وعموماً لم يرد في الروايات تركيزٌ على شيء من الطاعات في شعبان كما ورد حول الصيام فيه؛ حتى جاء في الحديث الشريف أن صوم يومٍ واحد من شعبان يُوجب دخول الجنة، وهو أقلّ الجزاء. ومَن صام ثلاثة أيام منه قيل له: «اسْتأنِفِ العملَ». وفي صيامه إصلاح أمر المعاش وكفاية شرّ الأعداء. ويتأكّد استحباب صيام يوم الخميس من شعبان، ففي الحديث: «تتزيّنُ السّماوات في كلّ خميسٍ من شعبان فتقولُ الملائكةُ: إلهنا اغفِرْ لصائمه وأجِبْ دعاءَه». وفي النبويّ الشريف: «مَن صام يوم الاثنين والخميس من شعبان قضى اللهُ له عشرين حاجةً من حوائج الدنيا، وعشرين حاجةً من حوائج الآخرة».

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «صوموا شهرَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يكنْ لكم شفيعاً يومَ القيامة. وصوموا شهرَ الله لتشربوا من الرحيق المختوم...».

ولا شيء أدلّ على عظيم كرامة الصوم في شعبان من قسم المعصوم عليه السلام. فعن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه جمع أصحابه في شعبان، وقال لهم: «أُقسِمُ بمَن نفسي بيده، لقد سمعتُ أبي الحسينَ عليه السلام يقول: سمعتُ أميرَ المؤمنين عليه السلام يقول: مَن صام شعبان حُبّاً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وتقرُّباً إلى الله أحبّه اللهُ وقرّبه إلى كرامته يوم القيامة، وأَوجبَ له الجنة».                 

وكذلك يقسم بالله تعالى الإمام الصادق عليه السلام في المرويّ عنه: «صومُ شعبان وشهرِ رمضان شهرَين مُتتابعَين توبةٌ من الله، وَاللهِ».

ويكفي في تتابع الشهرين صوم الأيام الثلاثة الأخيرة من الشهر، ففي الرواية عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: «..ومَن صامَ ثلاثةَ أيامٍ من شعبان، وَوَصَلَها بصيام شهر رمضان كتبَ اللهُ له صومَ شهرين متتابعَين».

ومن فضائل صوم شعبان أنه طهورٌ وكفارّة من «الوصمة والبادرة». والوصمة هي «اليمينُ في المعصية والنذرُ في المعصية». أما البادرة فهي: «اليمينُ عند الغضب..»، هكذا في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام.

وعن الصادق عليه السلام أنّه ذكر شيئاً كثيراً في فضل صوم شعبان، ثمّ قال: «..حتّى إنّ الرجلَ لَيرتكبُ الدمَ الحرامَ فيُغفَر له».

وعن أم سلَمة رضي الله عنها أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، لم يكن يصوم من السنة شهراً تامّاً إلّا شعبان؛ يَصِلُ به شهر رمضان.

وروي عن الصحابي أسامة بن زيد أنّه كان يصوم شعبان تأسّياً برسول الله، ويقول: «شهر شعبان تُرفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، فأُحبّ أن يُرفع عملي وأنا صائم».

 

وجوه البرّ في شعبان

عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه من جملة كلامٍ طويل: «... هذه غرّة شعبان، وشُعَبُ خَيراته الصّلاةُ، والزّكاةُ، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، وبِرُّ الوالدَين والقرابات والجيران، وإصلاحُ ذات البَين، والصدقةُ على الفقراء والمساكين...».

يؤكّد الفقيه العارف الملَكي التبريزي أنّ إعانة رسول الله على شهره لا تقتصر على صوم شعبان، وإنّما تتعدّاه لتشمل وجوه البرّ كلّها؛ من الصلاة، والصدقة، والمناجاة، وسائر العناوين الواردة في هذه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام.

ويُستفاد من الروايات أنّ أفضل الأدعية والأذكار في هذا الشهر – زيادةً على تلاوة القرآن الكريم - هي التهليل، والصلاة على رسول الله وآله الأطهار، وكذلك الاستغفار. وروي في الأخير صيغتان، كلٌّ منهما سبعين مرّة يومياً: (اسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَسْأَلُهُ التَّوْبَة). و(أسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ الحَيُّ القَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْه).

* ومن مهمّات الأعمال عند كلّ زوال من أيام شعبان، الصلوات المروية عن الإمام زين العابدين عليه السلام:

أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، شَجَرَةِ النُّبُوَّةِ، وَمَوْضِعِ الرِّسالَةِ، وَمُخْتَلَفِ الْمَلائِكَةِ (محلّ تَرَدُّدها) وَمَعْدِنِ العِلْمِ، (أصْلِ العلم) وَأَهْلِ بَيتِ الوَحْي.

أللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، الْفُلْك (السُّفُن) الْجارِيةِ فِي اللُّجَجِ الغامِرَةِ، يأْمَنُ مَنْ ركِبَها، وَيغْرَقُ مَنْ تَرَكهَا، الْمُتَقَدِّمُ لَهُمْ مارِقٌ، وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْهُمْ زاهِقٌ، وَاللاّزِمُ لَهُمْ لاحِقٌ.

أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، الكهْفِ الْحَصينِ، وَغِياثِ الْمُضْطَرِّ الْمُسْتَكينِ، وَمَلْجَإِ الْهارِبينَ، وَعِصْمَةِ الْمُعْتَصِمينَ.

أللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، صَلاةً كثيرَةً تَكُونُ لَهُمْ رِضًى، وَلِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أداءً وَقَضاءً، بِحَوْلٍ مِنْكَ وَقُوَّةٍ يا رَبَّ الْعالَمينَ.

أللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، الطَّيبينَ الأبْرارِ الأخْيارِ، الَّذينَ أَوْجَبْتَ حُقُوقَهُمْ، وَفَرَضْتَ طاعَتَهُمْ وَوِلايتَهُمْ.

أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاعْمُرْ قَلْبي بِطاعَتِكَ، وَلا تُخْزِني بِمَعْصِيتِكَ، وَارْزُقْني مُواساةَ مَنْ قَتَّرْتَ عَلَيهِ مِنْ رِزْقِكَ، بِما وَسَّعْتَ عَليَّ مِنْ فَضْلِكَ، وَنَشَرْتَ عَلَيَّ مِنْ عَدْلِكَ، وَأحْيِني تَحْتَ ظِلِّكَ، وَهذا شَهْرُ نَبِيّكَ سَيدِ رُسُلِكَ، شَعْبانُ الَّذي حَفَفْتَهُ مِنْكَ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ، الَّذي كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلَّمَ، يدْأَبُ في صِيامِهِ وَقِيامِهِ، في لَياليهِ وَأَيامِهِ، بُخُوعاً (خُضوعاً) لَكَ في إِكْرامِهِ وَإِعْظامِهِ إِلى مَحَلِّ حِمامِهِ.

أللَّهُمَّ فَأَعِنّا عَلَى الاسْتِنانِ بِسُنَّتِهِ فيهِ، وَنَيلِ الشَّفاعَةِ لَدَيهِ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْهُ لي شَفيعَاً مُشَفَّعاً، وَطَرِيقَاً إِلَيْكَ مَهْيَعاً (واسعاً)، وَاجْعَلْني لَهُ مُتَّبِعاً، حَتّى أَلْقَاكَ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَنّي راضِياً، وَعَنْ ذُنُوبِي غَاضِياً، قَدْ أَوْجَبْتَ لي مِنْكَ الرَّحْمَةَ وَالرِّضْوانَ، وَأَنْـزَلْتَني دارَ الْقَـرارِ، وَمَحَـلَّ الأَخْيَـارِ».

* وتستحب الصدقة فيه – كشهر رمضان – ولو بشقّ تمرة، وفيه يُرْبي الله تعالى الصدقات.

* ومن الأعمال العامّة في شهر شعبان، الإكثار من الصّلاة على النّبيّ وآله صلّى الله عليه وآله، فقد رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «وأكثِروا في شعبان مِن الصّلاةِ على نبيِّكُم وأهلِه». شعبان شهرُ رسول الله صلّى الله عليه وآله، فمن الطبيعي الإكثار من الصّلاة على نبيّ الله في شهره. أضف إلى ذلك أنّ شهر شعبان كما بيّن لنا المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله هو «بين الشُّهور كَآلِ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله بين النّاس».

اغتنــِموا الفُـــرَص

* عن النّبيّ صلّى اللهُ عليه وآلِه:

«ومَن قالَ في شعبان ألفَ مرّة: (لا إِلَهَ إلَّا اللهُ ولا نَعبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَو كَرِهَ المُشْرِكُون)، كَتَبَ اللهُ لَهُ عِبَادَةَ ألفِ سَنَةٍ، وَمَحَى عَنْهُ ذَنْبَ أَلفِ سَنَةٍ، ويَخرُجُ مِنْ قَبْرِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَوَجْهُهُ يَتَلَأْلَأُ مِثلَ القَمَرِ لَيلَةَ البَدْرِ، وكُتِبَ عِندَ اللهِ صِدِّيقاً». 

 (الحرّ العاملي، وسائل الشّيعة: 10/511؛ السيّد ابن طاوس، الإقبال: 3/294)

 

المناجاة الشعبانية: منهلُ العارفين

في مستهلّ حديثه عن أعمال شعبان، يأتي الفقيه العارف الملكي التبريزي على ذكر المناجاة الشعبانية التي هي «من مهمّات أعمال هذا الشهر» كما يقول مؤكّداً. وهي مناجاة مرويّة عن أمير المؤمنين عليه السلام، والوحيدة التي ورد أنّ الأئمة جميعاً كانوا يدعون بها في شعبان. وهي أيضاً «نعمة عظيمة من بركات آل محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم». وأهلُ المعرفة وأصحاب القلوب إنما يشتاقون لشعبان ويرقبون قدومه لأجلها؛ ففيها «علومٌ جمّة في كيفيّة تعامل العبد مع الله جلّ جلاله». وتبلغ جلالة هذه المناجاة أنّ الوقوف على حقائقها والمعارف المودعة فيها لا يتيسّر إلّا لأولياء الله من طريق الكشف والشهود.

ويعدّ الإمام الخميني المناجاة الشعبانية خير تهيئة لشهر رمضان المبارك، «فلقد توارثها أئمّتنا الأطهار وأكثَروا من الدعاء بها، وهي بحقّ كنزٌ ثمين اعتمد عليه العرفاء في عرفانهم». بل إنّ «جميع المسائل التي أوردها العرفاء في كُتبهم المبسوطة أو رووها موجودة في عدّة كلمات من المناجاة الشعبانية».

ويقول رضوان الله عليه: «هذه المناجاة الشعبانية... وقد قرأتَها غير مرّة، هل تأمّلتَ وتدبّرت جُملها؟! وأنّ الغاية القصوى لآمال العارفين ومنتهى أمل السالكين هذه الفقرة الشريفة من ذلك الدعاء الشريف: إِلهي هَبْ لِي كَمَالَ الانْقِطَاع إِلَيْكَ، وَأَنْرِ أَبْصَارَ قُلوبِنَا بِضِياءِ نَظَرِها إِلَيْكَ حَتّى تَخْرِقَ أَبْصَارُ القُلوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ إِلَى مَعْدِنِ العَظَمَةِ، وَتَصِيرَ أرْوَاحُنَا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. إِلهِي وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ نَادَيْتَهُ فأجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وعَمِلَ لَكَ جَهْراً...».

ويتحدّث الإمام الخامنئي عن المناجاة الشعبانية، فيعتبر أنّ الشعب الذي يأنس المفاهيم الواردة فيها، ويمضي في مسيرته وفق ميزانها، سوف تتصاغر أمامه الصعاب، ولن يستعظم شيئاً.

ويؤكد العلماء أنّ هذه المناجاة الجليلة – وإن نُسبت إلى شعبان – تُقرأ على مدار السنة، «ويَحسن أن يُدعى بها عندَ حضور القلب متى ما كان»، يقول المحدّث القمي في (مفاتيح الجنان).

 

ميلادُ ثار الله تعالى

في اليوم الثالث من شعبان من السنة الثالثة للهجرة، ولد الإمام الحسين عليه السلام في المدينة المنوّرة. ويلفت الفقيه العارف الملَكي التبريزي إلى أنّ شرف هذا اليوم على قدر منزلة المولود فيه عند الله تبارك وتعالى. ويَجمل بالمؤمن أن يكون فرحه في ذكرى ميلاد سيد الشهداء عليه السلام مشوباً بالحزن، تأدّباً ومواساةً لرسول الله وأهل بيته في حزنهم وبكائهم على الإمام الحسين عليه السلام في يوم مولده.

وكما أنّ فطرس الملَك شُفي من علّته بعد أن مسح جناحَيه بمهد سيد الشهداء، كذلك يجدر بالسالك أن يلوذ بالحسين عليه السلام ويجعله سببَ نجاته، ويمسح جناحَي عقله وقلبه على أعتاب وارث النبيّين وقرّة عين رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وفي (مصباح المتهجد) للشيخ الطوسي عن الإمام العسكريّ عليه السلام لبعض وكلائه أنّ «مولانا الحسين عليه السَّلام وُلد يومَ الخميس لثلاثٍ خَلَونَ من شعبان، فصُمه وادعُ فيه بهذا الدعاء: اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ المَوْلُودِ فِي هذا اليَوْمِ، المَوعُودِ بِشَهادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلالِهِ وَوِلادَتِهِ، بَكَتْهُ السَّماء وَمَنْ فِيها وَالأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها...».

يضيف الشيخ الطوسي: «ثمّ تدعو بعد ذلك بدعاء الحسين عليه السلام، وهو آخرُ دعاءٍ دعا به عليه السلام يوم كُوثِر – أي يوم عاشوراء: اللّهُمَّ أَنْتَ مُتَعالِي المَكانِ عَظِيمُ الجَبَروتِ شَدِيدُ المِحَال...».

ومن مناسبات شعبان الجليلة ولادة الإمام عليّ بن الحسين السجّاد عليه السلام في اليوم الخامس، وولادة المولى أبي الفضل العبّاس والمولى عليّ الأكبر عليهما السلام، في اليومين الرّابع والحادي عشر على التوالي.

ليلة النصف من شعبان: يغفر الله فيها الذنوب الكبار

هي ليلةُ ميلاد سلطان العصر وصاحب الزمان الإمام محمّد بن الحسن القائم المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف. وُلد عند السحر سنة 255 من الهجرة النبوية في سامرّاء.

وفي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام أن ليلة النصف من شعبان أفضلُ ليلة بعدَ ليلة القدر، «..وقد آلى اللهُ تعالى على نفسِه أن لا يَرُدَّ سائلاً لهُ فيها..».

وعن التابعيّ الجليل كميل بن زياد، قال: «كنتُ جالساً مع مولاي أمير المؤمنين عليه السّلام في مسجد البصرة، ومعه جماعةٌ من أصحابه، فقال بعضُهم: ما معنى قول الله عزّ وجلّ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾  - الآية الرابعة من سورة الدخان - فقال عليه السّلام: هي ليلةُ النصفِ من شعبان. وَالّذي نَفْسُ عَلِيٍّ بيَده، إنّه ما مِن عبدٍ إلّا وجميعُ ما يَجري عليه من خيرٍ وشرٍّ مقسومٌ له في ليلة النصفِ من شعبان إلى آخر السنة؛ في مثل تلك اللّيلة المقبلة...».

وسُئل الإمام الرضا عليه السلام عنها، فقال: «هي ليلةٌ يَعتِقُ اللهُ فيها الرقابَ من النار، ويغفرُ فيها الذنوبَ الكبار.. وَأَكثِرْ فيها من ذِكر الله تعالى، ومن الاستغفار، والدعاء، فإنّ أبي عليه السلام كان يقول: الدعاءُ فيها مُستجاب».

وفي (مصباح) الشيخ الطوسي أنّ أفضل أعمال هذه الليلة زيارة سيد الشهداء عليه السلام، وهي تُوجب غفران الذنوب. وأيسر ما يُزار به عليه السلام أن يصعد الزائر سطحاً مرتفعاً فينظر يُمنةً ويُسرة، ثمّ يرفع رأسه إلى السماء ويقول: «السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُه».

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّ أرواح النبيّين تستأذن الله تعالى لزيارة الحسين عليه السلام في النصف من شعبان، فيُؤذَن لهم.

وعنه عليه السلام: «إذا كان النصفُ من شعبان نادى مُنادٍ من الأفق الأعلى: زائري الحسين! ارجعوا مَغفوراً لكم، ثوابُكم على ربّكم ومحمّدٍ نبيّكم».

ويستحبّ إحياؤها؛ فقد تقدّم أنّها تاليةُ ليلة القدر فضلاً وشرفاً. وورد في كيفية إحيائها صلوات وأدعية مخصوصة، لا سيّما:

- دعاء النبيّ صلّى الله عليه وآله: «اللّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يحَوُلُ بَيْنَنا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ...». ورد فيه أنّه من الدعوات الجامعات الكاملات.

- الدعاء الذي هو بمنزلة زيارة للإمام صاحب العصر والزمان عليه السلام: «اللّهُمَّ بِحَقِّ لَيْلَتِنا وَمَوْلُودِها وَحُجَّتِكَ وَمَوْعُودِها...».

- الدعاء المرويّ عن الصادق عليه السلام: «يا مَنْ إِلَيْهِ مَلْجأُ العِبادِ فِي المُهِمَّاِت...»، وتتقدّمه صلاة من ركعتين وتسبيح الزهراء عليها السلام بكيفية خاصة.

- دعاء الخضر المعروف بدعاء كميل. عن أمير المؤمنين عليه السلام في آخر الرواية المتقدّمة: «..وما من عبدٍ يُحيِيها – أي ليلة النصف من شعبان - ويَدعو بدعاء الخضر عليه السّلام إلّا أُجِيبَ له».

- دعاء رسول الله صلّى الله عليه وآله في سجوده: «سَجدَ لَكَ سَوادِي وَخَيالِي وَآمَنَ بِكَ فُؤادِي...».

- صلاة جعفر الطيار، وصلوات وأدعية وأوراد أخرى مذكورة في جميع كتب المراقبات، لا سيّما (مفاتيح الجنان).

 

يوم النصف من شعبان: ميلاد خاتم الأوصياء وفخر الأولياء

يوم الخامس عشر من شعبان، هو «ذكرى الولادة السّعيدة والمباركة لخاتم الأوصياء وفخر الأولياء الحجّة بن الحسن العسكريّ أرواحنا لمقدمه الفداء»، كما يعبّر الإمام الخميني، مباركاً للمستضعفين في العالم «هذا الميلاد العظيم لشخصيّةٍ ستُقيم العدلَ الذي كانت من أجله بعثةُ الأنبياء عليهم السلام».

وتتأكّد زيارته عليه السلام في هذا اليوم في سامرّاء، والدعاء بتعجيل فرجه صلوات الله عليه وعلى آبائه، ويستحبّ فيه إظهار الفرح والسرور، والصوم، والغسل، وزيارة سيّد الشهداء عليه السلام.

 

الأسبوع الأخير: الإقلاع عن الذنوب ونزع الحقد من القلب

يقول آية الله الملكي التبريزي إنّ من جملة المواقف الشريفة في شعبان الجمعة – أي الأسبوع – الأخيرة من شعبان، لما روي عن الإمام الرضا عليه السلام، في حديثه لأبي الصلت الهرويّ، قال: «دخلتُ على أبي الحسن الرّضا عليه السلام في آخر جمعة مِن شَعبان، فقالَ لي:

يا أبا الصَّلْت، إنّ شعبانَ قد مضى أكثرُه، وهذا آخرُ جمعةٍ فيه، فتداركْ فيما بقيَ منه، تقصيرَك في ما مضى منه.

1) وعليك بالإقبال على ما يَعْنيك وتَرْكِ ما لا يَعنيك.

2) وأكثِرْ من الدعاء،

3) والاستغفار،

4) وتلاوةِ القرآن.

5) وتُبْ إلى الله من ذنوبك، ليُقبلَ شهرُ الله إليك وأنت مخلِصٌ لله عزّ وجلّ.

6) ولا تَدَعَنَّ أمانةً في عُنُقك إلّا أدَّيْتَها.

7) ولا في قلبِك حقداً على مؤمنٍ إلَّا نزَعْتَه.

8) ولا ذَنْبَاً أنت مُرتكِبُه إلَّا أقلعتَ عنه.

9) واتَّقِ اللهَ.

10) وتوكّلْ عليه في سرِّ أمرِك وعلانيتِه، ﴿.. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. (الآية الثالثة من سورة الطلاق)

11) وأَكثِر مِن أنْ تقول فيما بقيَ من هذا الشّهر: (اللّهمّ إنْ لم تكُنْ قد غفرْتَ لنا فيما مضى من شعبانَ، فاغفِرْ لنا فيما بَقِيَ منه)، فإنَّ الله تبارك وتعالى يعتقُ في هذا الشّهر رقاباً من النّار لِحُرمة شهر رمضان».

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

06/05/2016

دوريات

   إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات