لولاهم، لَمَا خَلَق الله تعالى آدم عليه السلام

لولاهم، لَمَا خَلَق الله تعالى آدم عليه السلام

01/07/2011

نور الحسين قبل الخَلْق

 الشيخ علي الجابري

كان نور الإمام الحسين عليه السلام، بين الأنوار الخمسة التي رآها النبيّ آدم على نبيّنا وآله وعليه السلام، بناءً على ما صحَّحه العلماء من الروايات ومنهم الشيخ المفيد قدّس سرّه، كما سيجد القارىء في ما يلي:

مِن أَوضح الأُسُس الإعتقاديّة المُجمَع عليها بين المسلمين، أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله «سِرُّ الخَلق»، ولولاه لَمَا خَلَق الله النبيّ آدم عليه السلام، وما كان زيدٌ في الوجود ولا عمرو.
يتلازم مع هذا الأصل الأصيل، إجماعُ المسلمين على أنَّ تأكيد النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله على الأجيال في العلاقة بالحسين السِّبط عليه السلام، هو تأكيدٌ شديد الخصوصيّة، بالغ الفرادة، يُلَخِّصه قوْلُ مَن قولُه «وحيٌ يُوحى»: «حسينٌ منّي وأنا من حسين».
إنَّ أهل البيت عليهم السلام، -جميعاً- تجلِّياتٌ نبويّة محمّديّة، شاء الله تعالى أن يرتبط بهم بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، بقاء الإسلام وحفظ الذِّكر، إلَّا أنَّ للحسين عليه السلام من بينهم موقع القيادة الميدانيّة لمسيرة الرسالة الخاتمة. هذه القيادة المتواصلة منذ أعطى الحسين الراية لأخيه أبي الفضل العبّاس عليهما السلام، وإلى أن يتحقَّق وعدُ الله تعالى بإظهار الدِّين على الدِّين كلّه، وقيام الحكومة العالميّة الواحدة تحت شعار: «يا لثارات الحسين».
كلٌّ من الأئمّة الإثني عشر هو وارث النبيّين، على النبيّ الأعظم وآله وعليهم الصلاة والسلام، إلّا أنَّ الحسين عليه السلام وارث النبيّين الذي يتحقَّق باسمه، وفي مَسار كربلائه، حُلُم النبيّين وكلُّ آمالهم في بَسْط الهُدى والعدل. تسعة من الإئمّة الإثني عشر عَوَّض الله تعالى بهم الحسين -بعض العِوَض والجزاء- عن شهادته. تاسعُهم هو الطالب بِدَم المقتول بكربلاء، الذي ادَّخره الله تعالى وادَّخر له ولمسيرته وثورته النبويّة العالميّة النبيّ المُعظَّم عيسى عليه السلام، لِيَنصره، ويَقتدي به بإجماع المسلمين.
حسينيّةُ المهدي هي أبرز خصائصه عليه السلام، لأنَّ محمّديّة الحسين فوق أن تُدرِكَ كُنهَ أبعاد اتّحادها مع المحمَّديّة العقول: «وأنا من حسين».
القائل: «وأنا من حسين» هو مَن قال الله تعالى له: «لولاك ما خلقتُ آدم»، «لولاك ما خلقتُ الأفلاك»،
وهو القائل: «فسبَّحتِ الملائكة بتسبيحنا!».
لذلك، كان من الطبيعي أن يَقترن حديث خَلْق آدم بحديث الحسين عليه السلام.
حديث الحسين في مسار البشريّة في الدُّنيا، ومصيرها في الآخرة، حديث الهُدى الإلهي الذي بدأ مع أوّل إنسانٍ أراده الله تعالى أن يكون نبيّاً، يحمل أوّل فَيْض نور هدىً إلهيٍّ له ولِبَنيه، لآدم وبني آدم عليه السلام.
إذا كان التسلسل الطبيعي في دراسة سيرة أيّ شخص من بني آدم، هو البدء بالأَبوين، فالولادة، فإنّ التسلسل الطبيعي في دراسة سيرة المعصومين الأربعة عشر، هو البدء بمرحلة ما قبل خَلْق آدم عليه السلام، حيث لا سماء مَبنيّة ولا أرض مَدحيّة.
هذه هي الحقيقة المُغيَّبة التي تُلحّ على كلِّ مسلم أن يَقف عندها، بل يَنطلق في معرفة المعصوم منها، ويؤسِّس عليها، ويَعقد حبَّات القلوب ويَصوغ عقد اليقين على أساسها، وفي هَدْيِ نورها الإلهي، والنبوي، في الآيات والروايات.
وتجدر المبادرة هنا إلى التحذير الذي عَبَّر عنه العلَّامة السيّد الطباطبائي قدّس سرّه، بعدما عرض رواية «أوّل ما خلق الله ".." نور نبيّك يا جابر»، وخَشي السيِّد رحمه الله من هجمة «المنهج» السائد في التعاطي مع مثل هذه الروايات، واختطاف هذه الهجمة لقلوب بعض الأعزّاء، فإذا هم يصدُّون عن مثل هذا بتوهُّم العقلانيّة والتحضُّر: فقال في تفسير (الميزان):
«.. والأخبار في هذه المعاني كثيرة مُتضافرة، وأنت إذا أَجَلْتَ نظرة التأمُّل والإمعان فيها وجدتَها شواهد على ما قدَّمناه، وسيجيء شطرٌ من الكلام في بعضها. وإيّاك أن ترمي أمثال هذه الأحاديث الشريفة المأثورة عن معادن العلم ومنابع الحكمة بأنّها من اختلاقات المتصوّفة وأوهامهم، فَلِلْخِلقة أسرار، وها همُ العلماء من طبقات أقوام الإنسان لا يألون جهداً في البحث عن أسرار الطبيعة، منذ أَخذ البشر في الإنتشار، وكلّما لاح لهم معلومٌ واحد بَانَ لهم مجاهيل كثيرة، وهي [ساحة أبحاثهم] عالم الطبيعة، الذي هو أَضيَق العوالِم. فما ظنّك بما وراءها، وهي عوالم النُّور والسَّعة».

**


من الآيات المباركة، حول تقدُّم خلْق الحقيقة المحمّديّة

* ﴿وعلّم آدم الأسماء كلّها ثمّ عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلَّا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلمّا أَنبأَهم بأسمائهم قال ألم أَقُل لكم إنّي أَعلم غيب السماوات والأرض وأَعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾ البقرة:31-33.   
* ﴿وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنا عن هذا غافلين﴾. الأعراف:172.
وفي كُتُب  المفسِّرين والمُحدِّثين حول هاتين الآيتين وما يرتبط بهما من الأبحاث، ما يَرقى إلى مستوى أهمّ الأبحاث التخصصيّة، التي تقارب المُرتَكَز العقائدي الأوّل في معرفة الحقيقة المحمّديّة، إلَّا أنَّ هذه الأبحاث لا تَحظى بما يُناسبها من التظهير والبحث والتحليل، لِمَا تقدَّم بيانه.
* والروايات في هذه الموضوعات المُتعاضدة في تظهير مُجريات مراحل ما قبل الخَلق، فوق حدِّ الإستقصاء، ويكشف عن عظيم وفرتها أنَّ روايات بابٍ واحد منها، هي «روايات النور» تفوق المائتي رواية، كما نصَّ على ذلك بعض المُختصِّين.
وأكتفي هنا بذكر ما تَوصَّل إليه الشيخ المفيد عليه الرحمة والرضوان، حول «مِحوَر الأشباح» في عالم ما قبل الخَلق، الذي هو من أبرز تلكم الموضوعات المتقدِّمة الذِّكر، كما أنَّه أشدُّ إثارةً لِمُدَّعي العقلانيّة، قياساً بعنوان «النُّور» أو أصل عنوان «قبل الخَلق» وغيرهما.

روايات «الأشباح» كما يراها الشيخ المفيد

خَصَّص الشيخ المفيد قدّس سرّه، المسألة الثانية من كتابه (المسائل السّرويّة) للحديث عن «الأشباح، والذَّرِّ، والأرواح»، فأورد سؤالاً وُجِّه إليه، ثمّ أجاب عنه. وهذا نصّ السؤال والجواب مع إضافة عناوين فرعيّة:
المسألة الثانية: في الأشباح والذَّرّ والأرواح. ما قوله -أدام الله تأييده- في معنى الأخبار المرويّة عن الأئمّة الهادية عليهم السلام في الأشباح، وخَلْقِ الله تعالى الأرواح قبل خَلْقِه آدم عليه السلام بألفَي عام، وإخراج الذريّة من صلبه على صُوَر الذرّ؟ و[ما قوله في] معنى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: «الأرواح جنود مُجنَّدة، فما تَعارَف منها ائتلَف، وما تناكر منها اختَلَف»؟

أباطيل الغُلاة

*الجواب : وبالله التوفيق. إنَّ الأخبار بذِكر الأشباح تَختلف ألفاظها وتَتباين معانيها، وقد بَنَت الغُلاة عليها أباطيل كثيرة، وصنَّفوا فيها كُتباً لَغَوْا فيها وهَذَوْا في ما أثبتوه منه في معانيها، وأضافوا ما حَوَته الكُتُب إلى جماعة من شيوخ أهل الحقّ، وتَخَرَّصوا الباطل بإضافتها إليهم، من جملتها كتاب سمَّوه: (كتاب الأشباح والأظِلَّة) ونسبوا تأليفه إلى «محمّد بن سنان». ولسنا نعلم صحّة ما ذكروه في هذا الباب عنه، فإنْ كان صحيحاً فإنَّ ابن سنان قد طُعِن عليه، وهو متَّهمٌ بالغُلُوّ. فإن صَدقوا في إضافة هذا الكتاب إليه، فهو ضالٌّ بضلاله عن الحق، وإنْ كذبوا فقد تحمّلوا أوزار ذلك.

الصحيح من حديث الأشباح

والصحيح من حديث الأشباح، الروايةُ التي جاءت عن الثقاة: بأنّ آدم عليه السلام رأى على العرش أشباحاً يلمع نورُها، فسأل الله تعالى عنها، فأوحى إليه: أنّها أشباح رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، وأَعْلَمَه أنْ لولا الأشباحُ التي رآها ما خَلَقَه ولا خلق سماءً، ولا أرضاً.

وجه الحكمة في ذلك

والوجهُ في ما أظهره الله تعالى من الأشباح والصُّوَر لآدم عليه السلام أنْ دَلّه على تعظيمهم وتبجيلهم، وجعل ذلك إجلالاً لهم، ومقدِّمةً لما يفترضه من طاعتهم، ودليلاً على أنَّ مصالح الدِّين والدُّنيا لا تَتمّ إلَّا بهم. ولم يكونوا في تلك الحال صُوَراً مُحياةً، ولا أرواحاً ناطقة، لكنَّها كانت صُوَراً على مثل صُوَرهم في البشريّة تدلُّ على ما يكونون عليه في المستقبل من الهيئة. والنُّورُ الذي جعله عليهم يدلُّ على نور الدِّين بهم، وضياء الحقِّ بحُجَجِهم.

أسماؤهم مكتوبة على العرش

وقد رُوِي أنَّ أسماءهم كانت مكتوبةً إذ ذاك على العرش، وأنَّ آدم عليه السلام لمّا تاب إلى الله عزّ وجلّ، وناجاه بقبول توبته سَأله بِحقِّهم عليه، ومحلِّهم عنده، فأجابه. وهذا غير مُنكَرٍ في العقول ولا مُضادّ  للشَّرع المعقول، وقد رواه الصالحون الثُقاة المأمونون، وسلَّم لروايته طائفةُ الحقّ، ولا طريق إلى إنكاره. والله وليُّ التوفيق. (برنامج مكتبة أهل البيت، المسائل السروية، الشيخ المفيد، ص 37 - 40).

***


وأنتَ ترى كيف تَعامَل هذا العالِم العَلَم مع الروايات التي لم تَثبُت صحَّتها، التي بنى الغُلاة عليها «لَغواً، وهَذَوْا فيها»، ليَخْلُص إلى التأكيد على الصحيح من روايات «الأشباح»، ثمّ أدرج  عنواني محورَين بالغي الأهمية: أنَّ أسماء الرسول وأهل البيت عليهم السلام، كانت مكتوبة على العرش قبل خَلْق آدم عليهم وعليه السلام، وأنَّ توبة النبيّ آدم عليه السلام قد قُبلتْ بالتوسُّل بهم عليهم صلوات الله تعالى.
ومن الواضح أنَّ تغييب مثل هذه المحاور لدى دراسة سيرة المعصوم، يؤسِّس لِفتح بابِ كثيرٍ من الشُّبُهات التي تَبقى حائرة نتيجة اجتزاء معرفة المعصوم، واعتماد منهجيّةٍ للتعريف به لا تختلف عن منهجيّة دراسة سيرة غير المعصوم.
محلُّ الشاهد ممّا تقدَّم هو أنَّ الحديث عن الإمام الحسين عليه السلام، بالإسم، كان قبل خَلق الله تعالى للنبيّ آدم على نبيّنا وآله وعليه السلام، وأنَّ الإمام الحسين عليه السلام، أحد الذين «لولاهم ما خلَق الله تعالى آدم عليه السلام»، كما نصّ الشيخ المفيد في تقريره للرواية التي صحّحها وبَنى عليها، فقال: «.. آدم عليه السلام رأى على العرش أشباحاً يلمع نورُها، فسأل الله تعالى عنها، فأوحى إليه: أنَّها أشباح رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، وأَعلَمَه أنْ لولا الأشباحُ التي رآها، ما خَلَقَه ولا خَلَق سماءً ولا أرضاً».
وتجدر الإشارة إلى أنَّ أنوار التسعة من ذريّة الإمام الحسين عليهم السلام، قد ذُكرت في ضمن ذِكر نور الحسين عليه السلام، لأنّ الله تعالى عَوَّضه بهم عن شهادته، ويُؤيِّد ذلك أنَّ في روايات ما قبل الخَلق الكثيرة جداً، ما يَرد فيه التصريح بالأنوار الإثني عشر. من ذلك رواية طويلة، جاء فيها:
عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «ليلة أسري بي إلى السماء ".." فأُوحي إليّ ".." يا محمّد! أَتُحبُّ أن ترى صورة شَبَحِك وأشباح خُلفائك من بعدك، عليٍّ وأحدَ عشر إماماً من ذريّته؟ قلت: نعم يا ربّ. فأوحى تعالى إليَّ، أن تَقدَّم أمامك. فتَقدّمت، فإذا أنا بأشباحٍ من نورٍ يتلألأ، مكتوبٌ عليها بالنور أسماؤنا، وهي: «محمّد، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، و«م ح م د» بن الحسن»، وهو في وسطهم شبيه الكوكب الدُّرِّي.
 فقلتُ: يا ربّ! مَن هؤلاء؟ فأوحى إليَّ: أنْ يا محمّد! هذه ابنتُك والخلفاءُ من وُلدها من ذريّة وصيِّك عليّ، وهذا الذي بينهم كالكوكب الدُّرِّيّ، هو القائمُ المهدي؛ يَهدي أمَّتك إلى الإيمان، ويُخرجها من الضلالة والطغيان، أَملأُ به الأرض عدلاً وقسطاً، كما مُلئت ظلماً وجَوْراً.
 قلت: يا ربِّ! ما اسمه؟ فأَوحى إليّ: هو سَمِيُّك والمُوفِي بعهدك، وهؤلاء الأئمّة مَن إئْتَمَّ بهم نجا وسَلِم، وعذابي مقيمٌ على مَن جحدَهم حقَّهم، وهم أوليائي وخلفائي، وسكَّان جنَّتي، وهم خِيَرتي من خَلْقي، فطُوبى لِمَن أحبَّهم وصدَّقهم، وويلٌ لِمَن جَحَد حقَّهم وكذَّب بهم
».
 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

03/07/2011

  كتب أجنبية

كتب أجنبية

03/07/2011

  كتب عربية

كتب عربية

03/07/2011

نفحات