93 عاماً على
هدم مقامات الأئمّة عليهم السلام في البقيع
الثامن من شوّال: الذكرى السنوية
لجريمة الوهّابيّين وآل سعود
ــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــ
أقدم الوهّابيّون
السعوديّون خلال القرنين الماضيين على هدم أضرحة الأئمّة المعصومين من أهل بيت
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والقباب المشيّدة فوقها في مقبرة البقيع
بالمدينة المنوّرة.
هذا الاعتداء
الوهّابيّ السعوديّ على مقامات أئمّة المسلمين ومنازل الوحي حصل على دفعتين؛
الأولى في منتصف رجب سنة 1220 للهجرة/ 1805، ميلاديّة إبّان ما عُرف بقيام الدولة السعوديّة
الأولى.
والاعتداء
الثاني على مقبرة البقيع (تضمّ أيضاً أضرحة عدد كبير من الهاشميّين، والصحابة،
والتابعين، وأمّهات المؤمنين، وفيها بيت الأحزان الذي بناه أمير المؤمنين عليه
السلام للصدّيقة الكبرى عليها السلام بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله) حصل
في الثامن من شوّال لسنة 1344 هجرية (1925م)، عند قيام الدولة السعوديّة الثالثة.
الجريمة الأولى
عام 1220 للهجرة/
1805م دخل الوهّابيّون المدينة المنوّرة بعد حصار استمرّ سنة ونصف السنة. يقول
المؤرّخ الجبرتي (ت:1237) في (عجائب الآثار): «وفيه – أي منتصف رجب 1220 - وردت الأخبار
بأنّ الوهّابيّين استولوا على المدينة المنوّرة، على ساكنها أفضل الصلاة وأتمّ التسليم،
بعد حصارها نحو سنة ونصف من غير حرب، بل تحلّقوا حولها وقطعوا عنها الوارد... فلمّا
اشتدّ بهم الضّيق سلّموها ودخلها الوهّابيّون... فهدموا القباب، ما عدا قبّة الرسول
صلّى الله عليه [وآله] وسلّم».
ويروي المؤرّخ
حسن الرّيكي في (لُمَع الشّهاب) جانباً من الحادثة، فيقول: «فلمّا قرُب إلى المدينة
أرسل - أي سعود بن عبد العزيز - إلى أهلها بدخوله، فأبوا وامتنعوا من ذلك، فحمل
عليهم مراراً حتى دخلها فقتل منها بعض أهلها حيث سمّى أهلها بالناكثين.
ويوم الحادي
عشر جاء هو وبعض أولاده فطلب الخَدَم السودان الذين يخدمون حرم النبيّ، فقال أريد
منكم الدلّالة على خزائن النبيّ، فقالوا لا نولّيك عليها ولا نسلّطك، فأمر بضربهم
وحبْسِهم حتى اضطرّوا إلى الإجابة، فدلّوه على بعضٍ من ذلك فأخذ كلّ ما فيها، وكان
فيها من النقود ما لا يُحصى، وفيها تاجُ كِسرى أنوشروان، الذي حصل عليه المسلمون
لمّا فُتحت المدائن.... وفيها تُحَف غريبة من جملة ما أرسله سلاطين الهند بحضرته
تزييناً لقبّته صلّى الله عليه وآله، وأخَذ قناديل الذهب، وجواهر عديدة.
ثم إنّه رتّب
في المدينة أحداً من آل سعود، وخرج إلى البقيع يريدُ نجداً، فأمر بتهديم كلّ قبّة
كانت في البقيع، و[من] تلك القبب ... قبّة الحسن بن عليّ رضي الله عنه، وقبّة عليّ
بن الحسين رضي الله عنه، وقبّة محمّد الباقر، وقبّة جعفر الصّادق... رضي الله عنهم
أجمعين».
البقيع بعد الهدم الأوّل
مرّ الرحالة الألماني
هرمان بورخارت بالمدينة المنوّرة في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك بعد هدمِ
الوهّابيّين أضرحةَ البقيع وتخريب المقبرة، فوصفها وصفاً مؤثّراً جاء فيه:
«ولعله (أي
البقيع) أشدّ المقابر (بؤساً) بالقياس إلى
مثله في أية مدينة شرقيّة في حجم "المدينة"، فليس به متر واحد حسن
البناء، كلا؛ بل ليست به أحجار كبيرة عليها كتابة اتُّخذت غطاء للقبور، إنّما هي
أكوام من تراب أُحيطت بأحجار غير ثابتة... ويُعزى تخريب المقبرة إلى الوهّابيّين».
ويشير
بورخارت إلى بقايا القباب والمباني الصغيرة التي عمد الوهّابيّون إلى تخريبها،
ليختم بالقول: «والموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر، وحُفَر عريضة..».
إخراج آل سعود من المدينة المنوّرة
بقيت الأمور
في البقيع على حالها إلى أن تمّ إخراج آل سعود من المدينة المنوّرة على يد
العثمانيّين سنة 1227 للهجرة/ 1812 ميلاديّة. وفي الفترة اللاحقة أُعيد إعمار
البقيع وبناء الآثار الإسلاميّة التي هدمها الوهّابيّون على صورة فنيّة تتّفق مع
ذوق العصر، وساعد على ذلك التبرّعات السخيّة والأضرحة الجاهزة التي كانت تأتي من
كافّة أنحاء العالم الإسلامي.
الجريمة الثانية
في المرّة
الثانية أراد الوهّابيّون أن يُقدّموا مُبرّراً وعذراً لعملهم في هدم قباب أئمّة
المسلمين وقبورهم وإنكار فضلها وفضل أهلها، عملاً باعتقادهم الفاسد أنّ تعظيمها
عبادة لها؛ فأرسلوا قاضي قضاتهم المُسمّى «الشيخ عبد الله بن بليهد» إلى المدينة المنوّرة
في شهر رمضان سنة 1344 للهجرة وبعد دخوله المدينة، وجّه إلى علمائها سؤالاً حول جواز البناء على
القبور واتّخاذها مساجد والتقرّب إلى الله تعالى بجاه أصحابها.
فجاء الجواب
المنسوب إلى علماء المدينة المنوّرة بالنفي وعدم الجواز. ومن نافل القول إنّ علماء
المدينة – أو جلّهم – أفتوا بذلك خوفاً من سطوة آل سعود والوهّابيّين. وحول هذه
النقطة بالتحديد يقول السيّد محسن الأمين في كتابه (كشف الارتياب في أتباع محمّد بن
عبد الوهّاب):
«.. فجلّ
علماء المدينة ساكتون خائفون من نسبة الإشراك (بالله تعالى) إليهم الذي به تُستحلّ
دماؤهم وأموالهم وأعراضهم. فمن وافق منهم على هذا الجواب فخوفاً من السوط والبنادق».
وفي الثامن
من شهر شوّال من السنة نفسها (1344) قصد الوهّابيّون وآل سعود مرّةً أخرى إلى قبور
البقيع، فهدموا قبابها والأضرحة والمساجد بصورة كاملة، مستهدفين أوّلاً وبكلّ حقد
أضرحة الإمام الحسن المجتبى، والإمام زين العابدين، والإمام الباقر، والإمام
الصادق عليهم السلام.
وفي الوقت
نفسه توجّهوا إلى قبر الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله محاولين هدمه لولا ردود
الأفعال التي حصلت من خلال المظاهرات والاستنكارات في الدول الإسلاميّة والعربيّة.
وكان
أحد الموالين من أهالي المدينة المنوّرة بعث برسالة إلى الحوزة العلمية في النجف
الأشرف يصف فيها وقائع تلك الأيام، يقول: «..جميع البلاد الحجازيّة مقهورة تحت
سيطرة ابن سعود وحكمه المطلق فيها. ومنذ أيّام ورد المدينة قاضي قضاة الوهّابيّين [يقصد
الشيخ عبدالله بن بليهد] وبينما كان مجلسه غاصّاً بعلمائها صرّح أمامهم بتحريم
زيارة القبور، وأنّها بدعة في الدين، وشركٌ بالله، وأنّه يلزم تحصيل الاتّفاق من
جميع علماء المذاهب الأربعة على تخريبها تماماً ومحو آخر أثر من آثارها على وجه
الأرض. ونظراً لذلك فقد مُنعت زيارة جميع المراقد المطهّرة، وأُغلقت أبوابها، ومنذ
عشرين يوماً لم نجرؤ على قصد هذه المشاهد المشرّفة وزيارتها، إذ إنّ جنود الوهّابيّين
قد رصدوا الحرم المطهّر النبويّ ومنعوا أيّ زائر من التقرّب إلى ضريح رسول الله،
صلّى الله عليه وآله.
ثمّ
إنّ قاضي قضاة الوهّابيّين لم يتمكّن من تحصيل الاتّفاق المطلوب من علماء المدينة،
إلّا بعد أيّام، إذ استعمل معهم الوسائل الأخرى المخوّفة من القوّة، والبعض الآخر
وافق ابتداء، فحكموا جميعاً طبق رغبته بتحريم زيارة القبور مطلقاً والتمسّح بها
إلى الله، والاستشفاع بها إليه وتلاوة الزيارة فيها. ثمّ صدر الأمر بهدم المراقد
الشريفة وتخريبها، فشرع الجند أولّاً بنهب جميع ما تحتويه تلك البنايات المُقدّسة
في البقيع من الفرش والستائر والمعلّقات والسرج وغير ذلك، ثمّ بدأوا يخرِّبون تلك
المشاهد المقدّسة، وفرضوا على جميع بنّائي المدينة الاشتراك في التخريب والتهديم... اليوم وهو الثامن من شوال وقع التخريب والهدم في القبة المقدّسة
في البقيع، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم. يلزم عليكم أن تبادروا جميعاً
إلى إخبار علماء العراق جميعاً بهذه الحادثة الفجيعة».