مقابلة أحوال العيد بأحوال يوم القيامة
____
الفتال النيسابوري رحمه الله ____
من
كتاب (روضة الواعظين) للعلامة زين المحدّثين، محمّد بن الفتّال النيسابوري، الشهيد
في سنة 508 للهجرة، وهو من أعلام القرنين الخامس والسادس الهجرييّن، اخترنا هذا
النصّ الداعي إلى التفكّر والاعتبار بيوم العيد، من خلال مقابلة أحواله بأحوال يوم
القيامة.
ينبغي للمؤمن أن يحضرَ العيد معتبراً
لا ناظراً، حتّى لا يكون حاله كحال الذين اتّخذوا دينهم لهواً ولَعِباً، فقد قيل:
إنّ الحكمة في العيدَين تذكيرُ القيامة وأهوالها، وذلك أنّ أحوالها موافقة
لأهوالها.
* فإذا كانت ليلة العيد فاذكر الليلة
التي تكون صبيحتها يوم القيامة، فإذا سمعتَ صوت الطبل والطوس والبوق فاذكر نفْخ
الصُّور. قال الله تعالى في سورة (الكهف): ﴿..وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ
جَمْعًا﴾ (الآية:99).
* فإذا خرجتَ من بيتك يوم العيد إلى
المصلّى، فاذكر يوم خروجك من الدنيا، ويوم خروجك من القبر إلى المحشر. قال الله
تعالى في سورة (ق): ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾
(الآية:41).
* وإذا رأيتَ الناس متوجّهين إلى
المصلّى مختلفين في أحوالهم؛ فبعضهم يلبسون الثياب الفاخرة، وبعضهم الخُلقان،
وبعضهم الجُدد، فاذكر اختلاف أحوالهم في الآخرة؛ فبعضهم يلبسون الحُلَل، وبعضهم
يلبسون القَطِران.
* وإذا رأيت اختلافهم في المشي؛ قومٌ
مشاة وقومٌ رُكبان، فاذكر مشيَك على الصراط. قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «يرِدُ
النّاسُ الصّراطَ، ثمّ يَصدرونَ عَنها بأعمالِهم؛ فأوَّلُها كَلمحِ البَرق، ثمّ كَالرّيح،
ثمّ كَحُضْرِ الفرَس، ثمّ كَالرّاكِب في رَحْلِه، ثمّ كَشَدِّ الرِّجل، ثمّ كَمَشْيه».
* واذكر أيضاً قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ
الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ
وِرْدًا﴾ (مريم:85-86)،
أي عُطاشى. وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «يُحشَر الناسُ على ثلاثةِ
أثلاث: ثلثٌ على الدّواب، وثلثٌ يَنسلون على أقدامهم نَسْلاً، وثلثٌ على وجوههم».
* وإذا جلستَ في المصلّى ورأيت الناس مجتمعين
منتظرين للسلطان، بعضُهم في الشمس، وبعضُهم في الظلّ، وبعضُهم قيام، فاذكر وقوفَك
في عَرَصات (ساحات) القيامة منتظراً للحساب، وفصْل القضاء. قال الله تعالى في سورة
(إبراهيم): ﴿..إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ
مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾
(الآيتان:42-43). قومٌ في الشمس
قد ألجمَهم العرق، وقومٌ في ظلّ العرش.
*
وإذا رأيتَ الألوية والرايات، فاذكر ألويةَ القيامة؛ لكلّ قومٍ لواء.
* وإذا قمتَ إلى الصلاة واصطفّ الناس
فاذكر يوم العرض. قال الله تعالى في سورة (الكهف): ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا..﴾
(الآية:48).
* وإذا صعد الإمام المنبر وخطب،
والناسُ سكوتٌ منصتون، فاذكر يوم يتقدّم رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله
وسلّم للشفاعة، والخلقُ حَيارى سكوت.
* وإذا أخذ في الخطبة بالوعد، والوعيد،
والترغيب، والترهيب، فاذكر يوم ينادي المنادي: «سعدَ فلان، وشقيَ فلان».
* وإذا رأيتَ الناس منصرفين طرقُهم
مختلفة، ومنازلُهم مختلفة، وأطعمتُهم مختلفة، فاذكر قوله تعالى في سورة (الروم): ﴿وَيَوْمَ
تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ (الآية:14)،
﴿..فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ (الشورى:7).
وقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ (الزلزلة:6).
* وإذا رأيتَ السُّؤّالَ (المستعطين) في
الطريق قد مدّوا أيديهم والغبارُ على وجوههم، وأثرُ الضُّرّ والمَسكنة ظاهرٌ عليهم،
فاذكر قوله تعالى في سورة (الروم): ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾
(الآية:12).
فهذه مقابلة أحوال العيد بأحوال
القيامة، وفيها عبرةٌ لمَن اعتبر، وعِظَةٌ لمَن تذكّر.