مصطلحات الفينومينولوجيا (الظاهراتيّة)

مصطلحات الفينومينولوجيا (الظاهراتيّة)

منذ 6 أيام

مِحوَرها الإنسان وما يفكّر فيه، وما يعيشه


خضر إبراهيم

لقد تمَّ وَضْع العديد من القواعد والمبادئ لـ «الفينومينولوجيا» أو «الظاهراتيّة» منذ ظهورها وإلى الآن، غير أنّه يُمكن أن يَستمرّ النقاش حول المعنى التاريخي لِحَركتها إلى ما لا نهاية؛ ذلك لأنَّ هذا المعنى لا يُمكن تعيينه بصورة نهائيّة.

تعني هذه الكلمة، التي تحوَّلت إلى مُصطَلح، مِن ثَمَّ إلى مَذهب فكري، دراسة «الظاهرات»، أي الشيء الذي يبدو للوجدان، أو ما يُسمِّيه الفلاسفة «الشيء المُعطَى» أو «الشيء بالذَّات»، وهو الذي نُفكِّر فيه، ونتكلَّم عنه، مُتَجنِّبين صياغة الإقتراحات حول العلاقة التي تربط الظاهرة بالكائن، الذي هي ظاهرته، والعلاقة التي تربطها بالأنا، الذي هي ظاهرة بالنسبة إليه.
كُتِبَ وقِيل الكثير في معنى الظاهراتيّة (La Phénoménologie) وقد قال عنها المفكر «مرلو بونتي»: «إنّنا في داخلنا نَجِد وحدة الظاهراتيّة ومعناها الحقيقي». وشدَّد جانسون على «سُخُف المطالبة بتحديد موضوعي لِمَعنى الظاهراتيّة». والواقع أنَّ معنى هذه الحركة، أو هذا الأسلوب، لا يُمكن تَعيينه، إلَّا إذا وَلَجْنا إلى داخِلِهِ وأخذنا على عاتقنا السؤال الذي يحتوي عليه. ويمكننا أن نقول الشيء نفسه بالنسبة إلى مذهب الفيلسوف «ديكارت» أو إلى الماركسيّة. وهذا يعني إجمالاً أنّه لا ينبغي أن نَنْظُر إلى الفلسفة كَحَدَث وحسب، و«من الخارج»، بل علينا أن نَستعيدَها كَفِكرة، أي كَمُشكلة وتَكَوُّن. وفي هذا تَكمُن الموضوعيّة الصحيحة، أي الموضوعيّة التي أرادها «هوسِّرل». غير أنَّ شهادة الظاهراتيّة ليست لصالح ذاتيّة تَبسيطيّة، كالذاتيّة التي يقول بها «جانسون»، والتي عندما يصف المؤرِّخ فكرة ما، لا يتوصّل في نهاية المَطاف، إلَّا إلى دسّ فكرته الشخصيّة فيها.
بَرَزَت ظاهراتيّة «هوسِّرل» في صميم أزمة الذاتيّة واللاّعقلانية (نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين). لذا علينا أن نَضَع هذه الحركة في إطارها التاريخي، كما وَضَعت هي نفسها فيه، باعتبار أنَّ التاريخ هو تاريخنا أيضاً. وقد فكّرَتْ الظاهراتيّة وحاربَتْ ضدّ النفسانيّة وضدّ البراغماتيّة، وكذلك ضدّ مرحلة من مراحل الفكر الغربي. وهكذا فقد كانت في أوّل عهدها، وظلّت أيضاً، حالة تَأمُّل حول المعرفة.
ولكي نفهم الظاهراتيّة، يُمكن أن نَنظر إليها من وجهين:
«إنَّها تَثِق بالعِلْم ثقة عمياء، وتَدفع بالإرادة إلى تدعيم قواعده تدعيماً قويّاً، لتثبيت بُنيانه، والحَؤول دون قيام أزمة جديدة. ومن ناحية أُخرى، فإنَّ إنجاز هذه العمليّة يَفرض الخروج من العِلم والغَوْص في ما يَغوص فيه هذا العلم، ببراءة تامّة».
يُجمِع الباحثون على أنَّ أوّل مَن استعمل لفظة «فينومينولوجيا» كان «لامبرت»-1764، ثمَّ «كانط»-1786، ومن بعده «هيغل»-1807، ثمَّ «وليام هاميلتون»-1840، و«إدوار فون هارتمان»-1879. غير أنَّ أوّل مَن تَعامل مع هذه الكلمة للدَّلالة على منهج فكري واضِح المَعالِم، هو «إدموند هوسِّرل» 1859-1938.
وعندما تَلَقَّف الفلاسفة الوجوديُّون المنهج الفينومينولوجي في ما بعد، لم يشاؤوا تطبيقه من دون تعديل، ذلك لأنَّ المنهج يَقتفي الموضوع. لكنَّ هؤلاء الفلاسفة ما سُمّوا وجوديِّين، إلَّا لأنّهم جَعلوا من الوجود الإنساني موضوع تأمُّلاتهم المنهجيّة. ومن الفكر الوجودي عَبَرَتْ منهجيّة «هوسِّرل» إلى العلوم الإنسانيّة، خصوصاً في أوروبا. في حين أنَّ أكثر العلوم إفادة من المنهج الجديد، كانت قطاعات الطبّ النفسي والعقلي على اختلافها.
لقد تمَّ وَضْع العديد من القواعد والمبادئ لـ«الفينومينولوجيا» منذ ظهورها وإلى الآن؛ غير أنّه في نظر الظاهراتيّة يُمكن أن يَستمرّ النقاش حول المعنى التاريخي لِحَركتها إلى ما لا نهاية، ذلك لأنَّ هذا المعنى لا يُمكن تعيينه بصورة نهائيّة. ولئن كان «مرلو بونتي» قد تَبَنّى ما قاله «ماركس» من «أنَّنا لا نستطيع القضاء على الفلسفة إلَّا بتحقيقها»؛ فذلك لأنَّ الظاهراتيّة تبدو له فلسفة مُلغاة كَوُجودٍ مُنفصِل، أي أنَّها تعبير عن حالة تاريخيّة ومُجتمعيّة موجودة في الواقع.


 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

  كتب أجنبية

كتب أجنبية

منذ 6 أيام

  كتب عربية

كتب عربية

منذ 6 أيام

نفحات