الملف

الملف

منذ 3 أيام

موقف سيّد شباب أهل الجنّة من طُغاة زمانه

 

ذُقْ وَبالَ ما كسبتْ يداك

موقف سيّد شباب أهل الجنّة من طُغاة زمانه

* قال أمير المؤمنين عليه السلام: «وإِنَّا لأُمَرَاءُ الْكَلَامِ، وفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُه، وعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصُونُه».

كان الإمام الحسن عليه السلام لسانَ الله الناطق في زمانه، دحضَ الباطل وألقمَ المفترين لسيعَ حُجَجه البينّات. وفي ما يلي، جملة من المواقف التي تُظهِر، من ناحية، عظيم هيبة الإمام سلام الله عليه وتصاغُر الطُّغاة بين يدَيه، وتُبيّن من ناحية ثانية المكانة السامية التي تبوّأها صلوات الله عليه في قلوب الناس.

«شعائر»

 

* في (إعلام الورى) للطبرسيّ: «..عن محمّد بن إسحاق، قال: ما بلغ أحدٌ من الشرف بعد رسول الله ما بلغ الحسنُ بن عليّ، كان يُبسَط له على باب داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق؛ فما مرّ أحدٌ من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته، فمرّ الناس.

ولقد رأيته في طريق مكّة نزل عن راحلته فمشى، فما من خلق الله أحدٌ إلّا نزل ومشى، حتّى رأيتُ سعد بن أبي وقّاص قد نزل ومشى إلى جنبه».

 * وكان الحسن صلوات الله عليه إذا حجّ وطاف بالبيت، يكاد الناس يَحطِمونه ممّا يزدحمون للسلام عليه.

* قال الأصفهاني في (مقاتل الطالبيّين): «وأراد معاوية البيعةَ لابنه يزيد، فلم يكن شيءٌ أثقلَ عليه من أمر الحسن بن عليّ..».

* وقال واصل بن عطاء، وهو تلميذ الحسن البصريّ ومؤسّس فرقة المعتزلة: «كان الحسن بن عليّ، عليه سِيماءُ الأنبياء وبهاءُ الملوك».

.. وإنّي من قريش كواسطة القِلادة

* وفي (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد، قال: «روى المدائنيّ، قال: لقيَ عمرو بن العاص الحسنَ عليه السلام في الطّواف، فقال له: يا حسن، زعمتَ أنّ الّدين لا يقومُ إلاّ بك وبأبيك، فقد رأيتُ اللهَ أقامه بمعاوية، فجعله راسياً بعد ميله، وبيّناً بعد خفائه، أفرضيَ الله بقتل عثمان؟ أَوَمِنَ الحقّ أن تطوف بالبيت وأنت قاتل عثمان؟ والله إنّه لألمّ للشّعث وأسهل للوعث، أن يوردك معاوية حياض أبيك!

فقال الحسن عليه السلام: إنّ لأهل النّار علاماتٍ يُعرَفون بها، إلحاداً لأولياء الله؛ وموالاةً لأعداء الله، واللهِ إنّك لَتَعلمُ أنّ عليّاً لم يرتَبْ في الدّين، ولم يشكّ في الله ساعةً ولا طرفةَ عينٍ قطّ، وأَيْمُ الله لتَنتهينّ يا بن أمّ عمرو أو لأنفذنّ حضنَيك بنوافذ أشدّ من القعضبيّة – أي الأسِنّة - فإيّاكَ والتهجُّمَ عليَّ، فإنّي مَن قد عرفتَ... وإنّي من قريشٍ كواسطة القِلادة؛ يُعرَف حَسَبي، ولا أُدعى لغير أبي، وأنت مَن تعلمُ ويعلمُ النّاس، تحاكمتْ فيك رجالُ قريش، فغلب عليك جزّارها؛ ألأَمُهم حَسَباً، وأعظمُهم لؤماً، فإيّاك عنّي، فإنّك رِجس، ونحن أهلُ بيت الطّهارة، أذهبَ اللهُ عنّا الرّجسَ وطهّرنا تطهيراً.

فأُفحم عمرو وانصرف كئيباً».

وكان العاص أالذي نُسب إليه عمرو ممّن يداوي الأمراض بقطع العضو المصاب وبَتْره، ولذلك اشتُهر بين العرب بـ«الجزّار».

* وقال الطّبرانيّ في (المعجم الكبير): «..عن أبي كبير، قال: كنت جالساً عند الحسن بن عليّ رضي الله عنه، فجاءه رجلٌ، فقال: لقد سبّ عند معاوية عليّاً رضي الله عنه سبّاً قبيحاً رجلٌ يقال له معاوية بن حديج، فهل تعرفه؟

قال الحسن: نعم، إذا رأيتَه فائتني به.

قال: فرآه عند دار عمرو بن حريث، فأراه إيّاه.

فقال له الحسن: أنتَ معاوية بن حديج؟ فسكت، فلم يُجبه ثلاثاً.

ثمّ قال الحسن: أنت السبّاب عليّاً عند ابن آكلة الأكباد، أما لئن وردتَ عليه الحوض، وما أراك تَرِدُه، لتجدنّه مشمِّراً حاسراً ذراعيه يذود الكفّار والمنافقين عن حوض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما تُذاد غريبةُ الإبل عن (حياضها)؛ قولُ الصّادق المصدوق أبي القاسم».

* وفي (مقتل الحسين) للخوارزمي: «إنّ معاوية قدم المدينة وجلس للعطاء، فكان يُعطي ما بين خمسين ألف إلى مائة ألف، فأبطأ عليه الحسن عليه السلام، فلمّا كان آخر النّهار دخل عليه، فقال معاوية: أبطأتَ علينا يا أبا محمّد، لعلّك أردت أن تبخّلنا!

ثمّ قال: أعطِه يا غلام مثلَ ما أعطيتَ اليوم أجمع.

ثمّ قال: خذها يا أبا محمّد، وأنا ابنُ هند.

فقال الحسن عليه السلام: لقد ردَدتُها عليك، وأنا ابنُ فاطمة».

* وروى ابن عساكر في (تاريخه): «قال معاوية يوماً في مجلسه: إذا لم يكن الهاشميّ سخيّاً لم يُشبه حسَبَه، وإذا لم يكن الزّبيريّ شجاعاً لم يُشبه حسَبَه، وإذا لم يكن المخزوميّ تائهاً لم يُشبه حسبَه، وإذا لم يكن الأمويّ حليماً لم يُشبه حسبَه.

فبلغ ذلك الحسن بن عليٍّ عليهما السلام، فقال: واللهِ ما أرادَ الحقّ؛ ولكنّه أراد أن يُغري بني هاشم بالسّخاء فيُفنوا أموالهم ويحتاجون إليه، ويُغري آل الزّبير بالشّجاعة فيَفنوا بالقتل، ويُغري بني مخزوم بالتِّيه فيبغضهم النّاس، ويُغري بني أميّة بالحِلم فيُحبّهم النّاس».

ما لهم؟! خَرَّ عليهم السّقف من فوقهم

* وقال الطبرسي في (الاحتجاج): «رُوي عن الشِّعبي، وأبي مِخْنَف، ويزيد بن أبي حبيب المصريّ أنّهم قالوا: لم يكن في الإسلام يومٌ في مشاجرةِ قومٍ اجتمعوا في محفل، أكثر ضجيجاً ولا أعلى كلاماً ولا أشدّ مبالغةً في قول، من يومٍ اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان، وعمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، والمغيرة بن شعبة، وقد تواطأوا على أمرٍ واحد.

فقال عمرو بن العاص لمعاوية: ألا تبعث إلى الحسن بن عليّ فتُحضره، فقد أحيا سُنّة أبيه، وخفقت النعالُ خلفه، أمر فَأُطِيع، وقال فَصُدِّق، وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظم منهما، فلو بعثتَ إليه فقصّرنا به وبأبيه، وسَببناه وسببنا أباه، وصغَّرنا بقدره وقدر أبيه!...

فقال لهم معاوية: إنّي أخاف أن يُقلِّدكم قلايد يبقى عليكم عارها، حتّى يدخلكم قبوركم، والله ما رأيتُه قطُّ إلّا كرهتُ جنابَه، وهِبْتُ عتابَه، وإنّي إنْ بعثتُ إليه لأُنْصِفَنَّه منكم.

قال عمرو بن العاص: أتخاف أن يتسامى باطله على حقّنا، ومرضُه على صحّتنا؟!

قال: لا.

قال: فابعث إذاً إليه.

فقال عتبة: هذا رأيٌ لا أعرفه، والله ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم ممّا في أنفسكم عليه، ولا يلقاكم بأعظم ممّا في نفسه عليكم، وإنه لَمن أهل بيتٍ خَصِمٌ جَدِل.

فبعثوا إلى الحسن، فلمّا أتاه الرسول قال له: يدعوك معاوية.

 قال: ومَن عنده؟

قال الرسول: عنده فلان وفلان، وسمَّى كلاً منهم باسمه.

 فقال الحسن عليه السلام: ما لهم؟ خَرَّ عليهم السّقفُ من فوقهم، وأتاهم العذابُ من حيث لا يشعرون.

ثمّ قال: يا جارية، أبلغيني ثيابي.

ثمّ قال: أللّهمّ إنّي أدرأُ بك في نحورهم، وأعوذُ بك من شرورهم، وأستعينُ بك عليهم، فاكفِنيهم بما شئتَ، وأنّى شئتَ، مِن حَولك وقوّتك، يا أرحمَ الراحمين، وقال للرسول: هذا كلامُ الفَرَج،

فلمّا أتى معاوية رحّب به، وحيّاه وصافحه. فقال الحسنُ عليه السلام: إنّ الذي حيَّيتَ به سلامة، والمصافحةُ أمْن.

فقال معاوية: أجل، إنّ هؤلاء بعثوا إليك وعصوني ليُقِرّوك: أنّ عثمان قُتل مظلوماً، وأنّ أباك قتله، فاسمع منهم، ثمّ أَجِبْهم بمثل ما يكلّمونك، فلا يمنعك مكاني من جوابهم.

فقال الحسن: فسبحان الله! البيتُ بيتُك والإذنُ فيه إليك! واللهِ لَئِن أجبتَهم إلى ما أرادوا إنّي لأستحيي لك من الفُحش، وإن كانوا غلبوك على ما تريد؛ إنّي لأستحيي لك من الضعف، فبأيِّهما تُقرّ، ومن أيّهما تعتذر؟...

(ثمّ تُورد المناظرة افتراءات الحاضرين من بني أميّة على الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن عليهما السلام في كلام طويل، فتصل إلى جواب الإمام الحسن الذي اختتمه بهذه الكلمات):

ثمّ قام الحسن فنفض ثيابه وهو يقول: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ..﴾ هم والله يا معاوية: أنت وأصحابُك هؤلاء وشِيعتُك،..﴿..وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ..﴾.. هم عليُّ بن أبي طالب عليه السلام، وأصحابُه وشيعتُه.

ثمّ خرج وهو يقول لمعاوية: ذُقْ وَبالَ ما كسبتْ يداك وما جَنَتْ، ما قد أعدّ اللهُ لك ولهم من الخِزي في الحياة الدنيا والعذابِ الأليم في الآخرة.

فقال معاوية لأصحابه: وأنتم فذوقوا وبالَ ما جَنيتُم.

فقال الوليد بن عقبة: واللهِ ما ذُقنا إلّا كما ذُقتَ، ولا اجترأَ إلّا عليك.

فقال معاوية: ألم أقلْ لكم إنّكم لن تنتقصوا من الرجل... فواللهِ ما قام حتّى أظلمَ عليَّ البيت، وهممتُ أن أسطو به، فليس فيكم خيرٌ اليوم، ولا بعدَ اليوم».

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات