التّقوى وقاية الروح من المرض
اعلم، أيّها العزيز، أنّه كما أنّ لهذا الجسد صحّةً ومرَضاً،
وعلاجاً ومعالجاً، فإنّ للنفس الإنسانيّة أيضاً صحّةً ومرضاً، وسُقْماً وسلامة،
وعلاجاً ومعالجاً.
إنّ صحّة النفس وسلامتها هي الاعتدال في طريق الإنسانيّة،
ومرضَها وسُقْمَها هو الاعوجاج والانحراف عن طريق الإنسانيّة، وإنّ الأمراض النفسيّة
أشدّ فتكاً آلاف المرّات من الأمراض الجسميّة. وذلك لأنّ هذه الأمراض إنّما تصل
إلى غايتها بحلول الموت. فما أن يحلّ الموت، وتفارق الروح البدن، حتّى تزول جميع
الأمراض الجسميّة والاختلافات المادّيّة، ولا يبقى أثرٌ للآلام أو الأسقام في
الجسد. ولكنّه إذا كان ذا أمراضٍ روحيّة وأسقام نفسيّة - لا سمح الله - فإنّه ما
أن تفارق الروحُ البدن، وتتوجّه إلى ملكوتها الخاصّ، حتّى تظهر آلامُها وأسقامُها.
إن مَثَل التوجّه إلى الدنيا والتعلّق بها، كمثل المخدّر
الذي يسلب الإنسان شعوره بنفسه. فعندما يزول ارتباط الروح بدنيا البدن، يرجع إليها
الشعور بذاتها، ومن ثَمّ الإحساس بالآلام والأسقام التي كانت في باطنها، فتظهرُ
مهاجمةً لها بعد أن كانت مختفيّة كالنار تحت الرماد. وتلك الآلام والأسقام إمّا أن
تكون ملازمة لها (للرّوح) ولا تزول عنها أبداً، وإمّا أن تكون قابلة للزوال. وفي
هذه الحال يقتضيها أن تبقى آلاف السنين تحت الضغط والعناء والنار والاحتراق قبل أن
تزول، إذ إنّ آخر الدواء الكيّ. قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي
نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ..﴾ التوبة:35.
إنّ الأنبياء هم بمنزلة الأطبّاء المشفِقين، الذين جاؤوا
بكلّ لطفٍ ومحبّةٍ لمعالجة المرضى، بأنواع العلاج المناسب لحالهم، وقاموا بهدايتهم
إلى طريق الرشاد.... وإنّ الأعمال الروحيّة القلبيّة والظاهريّة والبدنيّة هي بمنزلة
الدواء للمرض. كما أنّ التقوى، في كلّ مرتبة من مراتبها، بمنزلة الوقايّة من ضرر
الأمراض. ومن دون الحِمية لا يُمكن أن ينفع العلاج، ولا أن يتبدّل المرض إلى صحّة.