ولو وجدتُ أعواناً ما سلَّمتُ له الأمر
نصوص
مرويّة عن
الإمام الحسن
عليه السلام توضح ظروف
الصلح
* حلقة مُرّة ومفصليّة من حلقات خِذلان الناس للحقّ الذي عرفوه، واتّباعهم للباطل الذي أنكروه، مستسلمين لداعي الحياة الذليلة، إبقاءً على الحطام الذي يسرع زواله، تلك هي محنة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام مع أهل الكوفة بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، وبيعة الناس له، إذ انتهز معاوية بن أبي سفيان فرصة وَهَن أهل العراق ليبسط سلطانه على الدولة الإسلامية، بسلاح الخدعة والمال.
ما يلي أبرز الوقائع التي جرّت إلى أن يهادن الإمام الحسن عليه السلام معاوية، كما أرّخت لها المصادر المختلفة، نوردها بتصرّف بسيط.
«شعائر»
*
قال ابن أعثم الكوفي في (الفتوح):
«..فلمّا
مضى عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى سبيل الله، اجتمع النّاس إلى ابنه الحسن
عليه السلام، فبايعوه ورضوا به وبأخيه الحسين مِن بعده.
قال:
فنادى الحسن عليه السلام في النّاس فجمعهم في مسجد الكوفة، ثمّ صعد المنبر فحمد
الله وأثنى عليه، ثمّ قال:
أيّها
النّاس، إنّ الدّنيا دارُ بلاءٍ وفتنة، وكلّ ما فيها نائلٌ إلى زوالٍ واضمحلال...
فازهدوا فيما يفنى، وارغبوا فيما يبقى، وخافوا الله في السّرّ والعلانية... وإنّي
أبايعكم على أن تحاربوا مَن حاربت، وتُسالموا مَن سالمت.
فقال
النّاس: سمعنا وأطعنا، فمُرنا بأمرك..».
*
وفي (تاريخ الطبري):
«قيل:
إنّ أوّل مَن بايعه قيس بن سعد؛ قال له: ابسط يدك أبايعك على كتاب الله عزّ وجلّ،
وسنّة نبيّه، وقتال المحِلّين.
فقال
له الحسن رضي الله عنه: على كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ ذلك يأتي من وراء كلّ
شرط، فبايعه وسكت، وبايعه النّاس».
الكُتب
المتبادلة بين الإمام عليه السلام ومعاوية
*
قال أبو الفرج في (مقاتل الطالبيّين)، وغيره:
«وكتب
الحسن عليه السلام، إلى معاوية مع جندب بن عبد الله الأزديّ: ..دعِ الّتمادي في
الباطل وادخل فيما دخل فيه النّاس من بيعتي، فإنّك تعلمُ أنّي أحقّ بهذا الأمر منك
عندَ الله وعند كلّ أوّابٍ حفيظ، ومَن له قلبٌ مٌنيب...
فكتب
إليه معاوية: ... ولكنّي قد علمتُ أنّي أكبر منك سنّاً، فأنت أحقّ أن تُجيبني إلى
هذه المنزلة الّتي سألتني، فادخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي، ولك ما في بيت مال
العراق من مالٍ بالغاً ما بلغ، تحمله إلى حيث أحببتَ، ولك خراج أيّ كور العراق
شئت، يجيبها لك أمينك، ويحملها إليك في كلّ سنة، ولك ألّا يستولى عليك بالإساءة،
ولا تُقضى دونك الأمور، ولا تُعصى في أمرٍ..
ثمّ
كتب إليه معاويةُ مرّة ثانية: ..إنْ أنتَ أعرضتَ عمّا أنت فيه وبايعتني، وفيتُ لك
بما وعدتُ، وأجزت لك ما شرطتُ...
فأجابه
الحسن بن عليّ عليه السلام: .. فاتّبعِ الحقّ تعلم أنّي من أهله».
فلمّا
وصل كتابُ الحسن عليه السلام إلى معاوية قرأه، ثمّ كتب إلى عمّاله على النّواحي
نسخةً واحدةً: فأقبلوا إليَّ حين يأتيكم كتابي هذا بجُندكم وجهدكم وحُسن عدّتكم.
فاجتمعت
العساكر إلى معاوية بن أبي سفيان، وسار قاصداً إلى العراق، وبلغ الحسنَ عليه
السلام خبر مسيره، وأنّه بلغ جسر منبج، فتحرّك لذلك، وبعث حجر بن عديّ يأمر
العمّال والنّاس بالتهيّؤ للمسير، ونادى المنادي: الصّلاة جامعة، فأقبل النّاس
يثوبون ويجتمعون.
الإمام
عليه السلام يستنفر أهل الكوفة
فخرج
الحسن عليه السلام فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أخرجوا، رحمكم
الله، إلى معسكركم بالنّخيلة، حتّى ننظر وتنظروا، ونرى وتروا.
فسكتوا
فما تكلّم منهم أحدٌ، ولا أجاب بحرف.
فلمّا
رأى ذلك عديّ بن حاتم، قال: أنا ابنُ حاتم، سبحان الله، ما أقبح هذا المقام؟ ألا تُجيبون
إمامَكم، وابنَ بنت نبيّكم؟..
ثمّ
استقبل الحسنَ عليه السلام بوجهه، فقال: أصابَ الله بك المراشد، وجنّبك المكاره،
وهذا وجهي إلى معسكري، فمن أحبّ أن يُوافيني فليُوافِ. ثمّ مضى لوجهه، فخرج من
المسجد ودابّته بالباب، فركبها ومضى إلى النّخيلة...
ثمّ
قام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاريّ ومعقل بن قيس الرّياحيّ، وزياد بن صعصعة
التيميّ فأنّبوا النّاس ولاموهم وحرّضوهم، وكلّموا الحسن عليه السلام بمثل كلام
عديّ بن حاتم في الإجابة والقبول.
فقال
لهم الحسن صلوات الله عليه: صدقتم.. فجزاكم الله خيراً.
ثمّ
نزل وخرج الناس، فعسكروا ونشطوا للخروج...
غدرُ
الكِندي والمُرادي
*
قال في (الخرائج):
«ثمّ
وجّه الحسن عليه السلام، إلى معاوية قائداً في أربعة آلاف، وكان من كِندة، وأمره
أن يُعسكِر بالأنبار ولا يُحدِثَ شيئاً حتّى يأتيه أمره. فلمّا توجّه إلى الأنبار،
ونزل بها، وعلم معاوية بذلك بعث إليه رُسلاً، وكتب إليه معهم: إنّك إن أقبلتَ
إليَّ وليّتك بعض كُور الشّام، أو الجزيرة، غير منفِس عليك، وأرسل إليه بخمسمائة
ألف درهم، فقبض الكنديّ - عدوّ الله - المال، وقلب على الحسن عليه السلام وصار إلى
معاوية، في مائتي رجل من خاصّته وأهل بيته.
وبلغ
الحسن عليه السلام ذلك، فقام خطيباً، وقال:
هذا
الكنديّ توجّه إلى معاوية وغدر بي وبكم، وقد أخبرتُكم مرّةً بعد أخرى أنّه لا وفاء
لكم، أنتم عبيدُ الدّنيا، وأنا موجِّهٌ رجلاً آخر مكانه، وأنا أعلم أنّه سيفعلُ بي
وبكم ما فعل صاحبه، لا يراقب الله فيّ ولا فيكم.
فبعث
إليه رجلاً من مراد في أربعة آلاف وتقدّم إليه بمشهدٍ من النّاس، وتوكّد عليه،
وأخبره أنّه سيغدر كما غدر الكنديّ، فحلف له بالأيْمان الّتي لا تقوم لها الجبال
إنّه لا يفعل.
فقال
الحسن عليه السلام: إنّه سيَغدر.
فلمّا
توجّه إلى الأنبار، أرسل معاوية إليه رسلاً، وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه،
وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم، ومنّاه أيّ ولايةٍ أحبّ من كور الشّام، أو الجزيرة،
فقلب على الحسن عليه السلام، وأخذ طريقه إلى معاوية، ولم يحفظ ما أخذ عليه من
العهود، وبلغ الحسن عليه السلام ما فعل المراديّ. فقام خطيباً وقال:
قد
أخبرتُكم مرّةً بعد مرّة أنّكم لا تَفُونَ لله بعهود، وهذا صاحبُكم المراديّ غدر
بي وبكم، وصار إلى معاوية.
فقالوا:
إن خانك الرّجلان وغدرا، فإنّا مناصحون لك...
ثمّ
إنّ الحسن عليه السلام أخذ طريق النّخيلة، فعسكر عشرة أيّام، فلم يحضره إلاّ أربعة
آلاف، فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر، وقال:
يا
عجباً من قومٍ لا حياء لهم ولا دين مرّةً بعد مرّةً، ولو سلّمت إلى معاوية الأمر؛
فَأَيْمُ الله لا ترونَ فرَجاً أبداً مع بني أميّة، والله ليسومنّكم سوء العذاب
حتّى تتمنّون أن يلي عليكم حبشيّاً، ولو وجدت أعواناً ما سلّمتُ
له الأمر، لأنّه محرّمٌ على بني أميّة، فَأُفٍّ وتَرَحاً يا عبيد الدّنيا.
(ثمّ
نزل وهو يقول: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ..﴾ (مريم:48).
فاتّبعه من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام عددٌ يسيرٌ إشفاقاً عليه وحقناً لدمه).
وكتب
أكثر أهل الكوفة إلى معاوية بأنّا معك، وإن شئتَ أخذنا الحسن وبعثناه إليك!».
غدرُ
عبيد الله بن عباس
*
وفي (مقاتل الطالبيّين)، وغيره:
«ثمّ
إنّ الحسن بن عليّ عليهما السلام، سار في عسكر عظيم وعُدّة حسنة حتّى أتى دير عبد
الرّحمن، فأقام به ثلاثاً حتّى اجتمع النّاس، ثمّ دعا عبيد الله بن العبّاس بن عبد
المطّلب فقال له:
يا
ابن عمّ، إنّي باعثٌ معك اثني عشر ألفاً من فرسان العرب وقرّاء المصر، الرّجل منهم
يَزِن الكتيبة، فسِر بهم، وألِن لهم جانبك، وابسط وجهك، وافرش لهم جناحك، وأدنِهم
من مجلسك، فإنّهم بقيّة ثقة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وسِر بهم على شطّ
الفرات حتّى تقطع بهم الفرات، ثمّ تصير إلى مسكن، ثمّ امضِ حتّى تستقبلَ معاوية،
فإن أنت لقيتَه فاحبسه حتّى آتيك فإنّي في أثرك وشيكاً، وليكن خبرك عندي كلّ يوم،
وشاور هذين - يعني قيس بن سعد، وسعيد بن قيس-
فإذا لقيتَ معاوية فلا تقاتله حتّى يقاتلك، فإنْ فعل فقاتل، فإن أُصبت فقيسُ بن
سعدٍ على النّاس، وإن أُصيب قيس فسعيدُ بن قيس على النّاس، ثمّ أمره بما أراد.
وسار
عبيد الله حتّى انتهى إلى.. مسكن.
فلمّا
كان اللّيل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن العبّاس يحتال عليه، بأنّ الحسن قد
راسلني في الصّلح وهو مسلّمٌ الأمر إليّ، فإن دخلتَ في طاعتي الآن كنت متبوعاً،
وإلاّ دخلتَ وأنت تابع، ولك إن جئتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم، يعجّل لك في هذا
الوقت النّصف، وإذا دخلتُ الكوفة النّصف الآخر، فانسّل عبيد الله ليلاً فدخل عسكر
معاوية، فوفى بما وعده، فأصبح النّاس ينتظرون أن يخرج فيصلّي بهم، فلم يخرج حتّى
أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه، فصلّى بهم قيس بن سعد...
وجعل
أهل العراق يتوجّهون إلى معاوية قبيلةً بعد قبيلة، حتّى خفّ عسكر سعد. فلمّا رأى
ذلك كتب إلى الحسن بن عليّ يخبره بما هو فيه، فلمّا قرأ الحسن الكتاب، أرسل إلى
وجوه أصحابه فدعاهم، ثمّ قال:
يا
أهل العراق، ما أصنعُ بجماعتكم معي، وهذا كتاب قيس بن سعد يُخبرني بأنّ أهل الشّرف
منكم قد صاروا إلى معاوية، أما واللهِ ما هذا بمُنكَرٍ منكم لأنّكم أنتم الذّين
أكرهتم أبي يوم صفّين على الحكَمين، فلمّا أمضى الحكومة وقبل منكم اختلفتم، ثمّ
دعاكم إلى قتال معاوية ثانيةً فتوانيتُم، ثمّ صار إلى ما صار إليه من كرامة الله
إيّاه، ثمّ إنّكم بايعتموني طائعين غير مكرهين، فأخذتُ بيعتكم وخرجتُ في وجهي هذا
والله يعلم ما نويتُ فيه، فكان منكم إلى ما كان..».
محاولة
اغتيال الإمام عليه السلام
قالوا:
فلمّا بلغ الحسنَ عليه السلام غدرُ عبيد الله به، ورأى ما عليه أهل الكوفة من
التشتّت واضطراب الرأي، عزم على حقن دماء مَن بقيَ من شيعته وخواصّ أمير المؤمنين،
فلمّا أصبح عليه السلام، نادى في النّاس: الصّلاة جامعة، فاجتمعوا، وصعد
المنبر، فخطبهم، وكان من جملة ما قاله صلوات الله عليه:
أمّا
بعد، فوالله إنّي لأَرجو أن أكون قد أصبحتُ بحمد الله ومنِّه وأنا أنصحُ خلق الله
لخلقه، وما أصبحتُ محتملاً على مسلمٍ ضغينةً ولا مريداً له سوءاً ولا غائلة، ألا
وإنّ ما تكرهون في الجماعة خيرٌ لكم ممّا تحبّون في الفُرقة، ألا وإنّي ناظرٌ لكم
خيراً من نَظَرِكم لأنفسِكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردّوا عليَّ رأيي..
ثمّ
كان من أهل الكوفة مع الحسن عليه السلام مثل الذي صنعوه مع أمير المؤمنين عليه السلام،
يومَ أكرهوه على القبول بالتحكيم، فلمّا رضيَ بذلك حقناً لدمائهم ودرءاً للفتنة في
معسكره انقلبوا عليه.
قالوا:
فلما سمع النّاسُ مقالة الحسن عليه السلام، نظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: ما ترونه
يريد بما قال؟ نظنّه والله يريد أن يصالح معاوية ويسلّم الأمر إليه، فقالوا: كفر
والله الرّجل!!
ثمّ
شدّوا على فسطاطه فانتهبوه حتّى أخذوا مصلاّه من تحته، ونزعوا مطرفه عن عاتقه،
فدعا الحسن عليه السلام بفرسه فركبه، وأحدق به طوائف من خاصّته وشيعته، ومنعوا منه
مَن أراده.
فقال
عليه السلام: ادعوا لي ربيعة وهمدان، فدُعوا له، فأطافوا به، ودفعوا النّاس
عنه، ومعهم خليطٌ من الناس من غيرهم.
فقام
إليه رجل يقال له الجرّاح بن سنان، فلمّا مرّ في مظلم ساباط (موضعٌ قرب المدائن)،
قام إليه فأخذ بلِجام بغلته وبيده مِعول، فقال: الله أكبر يا حسن، أشركتَ كما أشركَ
أبوك! ثمّ طعنه، فوقعت الطّعنة في فخذه، فضرب الحسن عليه السلام الّذي طعنه بسيفٍ
كان بيده وصرعه، فوثب عبد الله بن الخطل فنزع المِعول من يد جرّاح بن سنان فخضخضه
به، وأكبّ ظبيان بن عمارة عليه، فقطع أنفه ثمّ أخذوا الأجرّ فشدّخوا وجهه ورأسه،
حتّى قتلوه. وحُمل الحسن عليه السلام على سريرٍ إلى المدائن، وبها سعد بن مسعود
الثّقفيّ والياً عليها من قبله.
*
وقال الصّدوق في (علل الشرائع): دسّ معاوية
إلى عمرو بن حريث، والأشعث بن قيس، وإلى حجر بن الحارث، وإلى شبث بن ربعيّ دسيساً؛
أفرد كلّ واحدٍ منهم بعينٍ من عيونه: إنّك إنْ قتلتَ الحسن بن عليّ فلك مائتا ألف
درهم، وجندٌ من أجناد الشّام، وبنتٌ من بناتي، فبلغ الحسنَ عليه السلام فاسْتَلأَمَ،
ولبس درعاً وكفّرها، وكان يحترز ولا يتقدّم للصّلاة بهم إلاّ كذلك، فرماه أحدهم في
الصّلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللاّمة...
فقال
الحسن عليه السلام: ويلكم، واللهِ إنّ معاوية لا يَفي لأحدٍ منكم بما ضَمِنَه
في قتلي... كأنّي أنظرُ إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يَستسقونهم ويَستطعمونهم
بما جعلَه اللهُ لهم، فلا يُسقون ولا يُطعمون، فبُعداً وسحقاً لما كسبته أيديكم ﴿..وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ﴾». (الشعراء:227)
ثمّ
كتب معاوية إلى الحسن عليه السلام: يا ابن عمّ، لا تقطع الرّحم الّذي بيني وبينك!
فأجابه
الإمام عليه السلام: إنّ هذا الأمر لي والخلافةُ لي ولأهل بيتي، وإنّها لمحرَّمةٌ
عليك وعلى أهل بيتك، سمعتُه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. ولو وجدتُ
صابرين عارفين بحقّي غير مُنكِرين، ما سلّمتُ لك ولا أعطيتُك ما تريد. وانصرف
إلى الكوفة.
بل
البقيّةُ والحياة!
* قال الديلمي في
(أعلام الدين):
«من كلام الحسن بن عليّ
عليه السلام لأصحابه: ... وإنّ معاويةَ قد دعا إلى أمرٍ ليس فيه عزٌّ ولا نَصَفَة،
فإن أردتُم الحياةَ قبلناه منه، وأغضَضْنا على القَذى، وإن أردتُم الموت، بذلناه
في ذات الله وحاكمناهُ إلى الله.
فنادى القوم بأجمعهم:
بل البقيّةُ والحياة!».
*
وفي (الكامل) لابن الأثير:
«أنّ
بعضهم سأله: ما حمَلك على ما فعلت؟!
قال
عليه السلام: ..رأيتُ أهلَ الكوفة قوماً لا يثقُ بهم أحدٌ أبداً إلّا غُلِب،
ليس أحدٌ منهم يوافقُ آخرَ في رأيٍ ولا هوى، مختلفين لا نيّةَ لهم في خيرٍ ولا شرٍّ،
لقد لقيَ أبي منهم أموراً عظاماً، فليتَ شعري لمَن يصلحون بعدي، وهي أسرعُ البلاد
خراباً».
* ومن خطبه عليه السلام لمّا
تمّ الصلح: أيُّها الناس.. إنّكم لو طلبتم ما بين جابلق وجابرس (كناية عن
المشرق والمغرب) رجلاً جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ما وجدتموه
غيري، وغير أخي الحسين عليه السلام... وإنّ معاوية نازعني حقّاً هو لي دونَه،
فنظرتُ لصلاح الأمّة، وقَطْع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تُسالموا مَن
سالمني، وتُحاربوا مَن حاربني، فرأيتُ أنّ... حَقْنَ دماء المسلمين خيرٌ من سَفْكِها،
ولا أريدُ بذلك إلّا صلاحَكم، وبقاءَكم، ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ
وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾.
ثمّ
نزل وتوجه بعد ذلك إلى المدينة، وأقام بها».