مصطلحات : المناظرة
معناها وقيمتها في الفكر الإسلامي

مصطلحات : المناظرة معناها وقيمتها في الفكر الإسلامي

منذ 6 أيام

إعداد: «شعائر»
ماذا نعني بـ«المناظرة»، وما هي منزلتها في تاريخ الفكر العربي والإسلامي، لا سيّما وأنّها ارتبطت بشكل وبآخر بالجدل الكلامي منذ العصور الإسلاميّة الأولى، في حين يجري تداولها اليوم في إطار الحوار بين الثقافات والحضارات والأديان وكذلك داخل المجتمع الإسلامي المعاصر نفسه.
عن معنى المناظرة وقيمتها، نعرض في هذا الشأن موجزاً ممّا أورده الفيلسوف والمفكر المغربي د. طه عبد الرحمن في كتابه (فقه الفلسفة).          

قامت «المناظرة» في فكرنا العربي الإسلامي على «التّحاور» و«التّحاجّ»، وهي بحسب استقراءات طه عبد الرحمن تُفضي إلى الخروج بوحدة النظر وبناء المطابقة من الإختلاف. وهكذا يكون الفكر العربي الإسلامي حاملاً لمظهر مخصوص يجعل الإختلاف يُقيم داخل الوحدة. وبهذا المعنى تُعدّ المُناظرة بحقّ، شهادة تامة على ذلك. لقد أحصى طه عبد الرحمن مجموعة من الألفاظ التي تدلّ على غلبة الحوار في الفكر العربي وذكر منها، بالإضافة إلى «المُناظرة» و«المحاورة»: «المخاطبة» و«المجادلة» و«المحاججة» و«المناقشة» و«المنازعة» و«المباحثة» و«المجالسة» و«المفاوضة» و«المراجعة» و«المطارحة» و«المساجلة» و«المعارضة» و«المناقضة» و«المداولة» و«المداخلة». وهذا الإحصاء أدعى إلى تبنّي المحاورة من «العقلانيّة» وتبيان فائدة المناظرة وقيمتها المنهجيّة والعمليّة، ودلالتها الجدليّة بالنّسبة لسياق الفكر الإسلامي العربي القديم. لهذا يمكن أن نُجمِل قيمة المناظرة في ثلاثة مظاهر:
المظهر الأول: تنمّ المناظرة عن «المستوى الرفيع الذي حصَّله (المتكلِّمون) في ضبط المناهج» المعتمدة في طُرق النظر.

المظهر الثاني: استوعب النظّار المسلمون مختلف أسباب عصرهم العلميّة والتاريخيّة من وسائل نظريّة وأوضاع ظرفيّة، وهو استيعاب يرى طه عبد الرحمن أنّه يفوق دعاوى الباحثين المعاصرين الذين يرمون تجديد التراث من دون وعي بآليّاته. فقد الْتَبَس على أغلبهم التمييز بين مضامين التراث ومناهجه.

المظهر الثالث: سلك النُّظار المسلمون في أبحاثهم طرقاً استدلاليّة تمتاز بالتجريد والدقّة، واتَّبعوا في تحليلاتهم أساليب تمتاز بالطرافة والعُمق، بينما لا تستقيم للكتابات المعاصرة عن التراث مثل هذه القدرة على ممارسة مناهج التفكير المنطقي.
لقد تحامل جُلّ الباحثين المعاصرين في الغالب على كثير من الجوانب المشرقة في تراثنا، مغفلين القيمة المنهجيّة والعدّة المفاهيميّة التي تحملها، فجازفوا بأحكام قيمة يُقيّدونها تارةً بمنطلقاتهم المنهجيّة المستمَدّة من الفكر الغربي دون وعي بأصولها وفائدتها المحدودة، وتارةً بقناعاتهم الإيديولوجيّة التي تجعلهم تارةً يبحثون عن (نزاعات ماديّة) أو عن (عقلانيّة محاصرة)!!! ويُفوّتون بذلك على أنفسهم الإنصات إلى كلمة التراث المنحدرة إلينا من أنفسنا. إنّ السؤال الذي ينبغي أن نطرحه هو: ما سرُّ فشل الخطاب الفلسفي المشّائي، وما سرُّ استمراريّة منطق أصول الفقه، بل وتطوّره، إن لم يكن ذلك لأنّه أخذ بالتفكير بأساليب العربيّة في التدليل والتبليغ والتوجيه وتوسيعه لأساليب استدلاليّة عرفها (المتكلِّمون) وبحثوها في مناظراتهم ووسائلهم وهي: «القياس»، «الإستنباط» (البرهان)، و«الإستقراء».
وعلى هذا الأساس، سيسمح تعميد طرق المناظرة بتكميل تنظيرات أخرى جرت لتصارعات غير كلاميّة، مثل «تصارع الأفراد»، و«تصارع الطبقات الإجتماعيّة»، و«تصارع الأنظمة السياسيّة» و«التنافس على السلطة»، بل قد يمدّنا تنظير المناظرة بوسائل لإحكام الربط بين «التصارعات: الفكريّة والماديّة». لهذا تُعدُّ المجالس والمناظرات حقلاً خصباً للتعرّف على خصوصيّة النظر والتفلسف في تراثنا العربي-الإسلامي: فإذا صحّ أنّ ما يُميّز الفلسفة عن غيرها من أصناف المعرفة الإنسانيّة ويمنحها منهجيّة مخصوصة هو أسلوب «المُناظَرة»، صحّ معه بالضرورة أنّ كلّ قطاع معرفي يكون حظّه من العمل الفلسفي على قدر انتهاجه لهذا الأسلوب «المناظري»، وإذا كان لكلّ مدرك مسلك، لزم أن يكون هذا المسلك:
أ‌- مستوفياً لشروط «مُعاقلة» لا عقلانيّة، لأنّ المعاقلة تأخذ بأسباب وأهميّة الجدل أو المناظرة بين المتكلّم والمُخاطب، اللّذان «يطلبان تمييز الصواب من الخطأ»، وهذا ما جنح إليه «المسلمون في جعل علم المنطق جزءاً من علم المناظرة وإلباسه لباس الجدل».
ب- سالكاً سلوكاً يقرن فيه بين النّظر والعمل، فلا ينهض القول إلّا بما تحته عمل، فيكون المناظِر مفيداً فائدة نظريّة بإسهامه في بناء الحقيقة، ومعيناً عمليّاً يدفعه للعمل من أجل تحقيق الحقيقة.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

  كتب أجنبية

كتب أجنبية

منذ 6 أيام

  كتب عربية

كتب عربية

منذ 6 أيام

نفحات