وَنَهاني سيّدُ الناس
جعفرُ
الشاعر المستبصِر إسماعيل الحِمْيَريّ
ــــــــــــــــــــــــــــــ
العلامة الشيخ جعفر السبحاني ــــــــــــــــــــــــــــــ
*
كان كَيسانيّاً فاستبصر بعد لقائه بالإمام الصادق عليه السلام، وأنشد في ذلك
شعراً.
*
قال له الإمام الصادق عليه السلام: «أنت سيّدُ الشعراء».
*
لم يترك فضيلةً لأمير المؤمنين عليه السلام إلا ونظم فيها شعراً.
*
قال فيه الأصمعيّ: « لولا مذهبه – أي التشيُّع - ولولا ما في
شعره – أي هجاء الظَّلَمة - ما قدّمتُ عليه أحداً من طبقته».
*
في ما يلي، ترجمة شاعر أهل البيت إسماعيل الحِمْيَري، المعروف بـ«السيّد»، بقلم
العلامة الشيخ جعفر السبحاني، اختصرناها من مقدّمته على شرح الفاضل الهندي لعَينية
الحِمْيَري: «لأمّ عمروٍ بالّلوى مربعُ».
«شعائر»
هو إسماعيل بن محمّد
بن يزيد بن وداع الحِمْيريّ، المكنّى بأبي هاشم، والمعروف بالسيّد الحميريّ. وُلِدَ،
عام 105 للهجرة، بِعُمّان [وقيل: وُلد في النُّعمان؛ وادٍ قريبٍ من الفرات] ونشأ
في البصرة في حضانة والديه الإباضيّين (خوارج) إلى أن عَقَلَ وَشَعَرَ فهاجرهما
واتّصل بالأمير عقبة بن مسلم ولَزِمَه حتّى مات والداه... ثمّ غادر البصرة إلى
الكوفة وأخذ فيها الحديث عن الأعمش وعاش متردّداً بينهما. ومات عام 173 للهجرة
ببغداد.
ترجمه غير واحد من
رجال الفريقين، نذكر هنا بعض نصوصهم:
1) ذكره الشيخ الطوسيّ
في (رجاله) في أصحاب الإمام الصادق عليه السَّلام، قال: «إسماعيل بن محمّد الحِمْيَري،
السيّد الشاعر يُكنّى أبا عامر».
2) وذكره ابن شهر آشوب
في (المعالم) في فصل الشّعراء المجاهدين، قال: «... الحِمْيَريّ؛ من أصحاب الصادق
عليه السَّلام ولقي الكاظم عليه السَّلام...».
3) وقال عنه العلاّمة الحلّي
في (الخلاصة): «ثقة، جليل القدر، عظيم الشأن والمنزلة، رحمه الله».
إلى غير ذلك من كلمات
الإطراء في حقّه في معاجم أصحابنا، وأمّا ما ذكره غيرهم، فإليك نصوص بعضها:
4) قال ابن عبد ربّه
في (العقد الفريد): «السيّد الحِمْيَريّ وهو رأس الشيعة، وكانت الشيعة من تعظيمها
له تُلقي له الوسادة في مسجد الكوفة».
5) وقال أبو الفرج
الأصفهانيّ في (الأغاني): «كان السيّد شاعراً مُتقدّماً مطبوعاً. يقال: إنّ أكثر
الناس شعراً في الجاهليّة والإسلام ثلاثة: بشّار، وأبو العتاهية، والسيّد، فإنّه
لا يعلم أنّ أحداً قدر على تحصيل شعر أحدٍ منهم أجمع»...
6) ونقل أبو الفرج عن
التوزيّ، أنّه قال: «رأى الأصمعيّ جزءاً فيه من شعر السيّد، فقال: (لمن هذا؟)، فسترتُه
عنه لعلمي بما عنده فيه، فأقسم عليّ أن أخبره فأخبرته، فقال: أنشِدني قصيدةً منه،
فأنشدتُه قصيدة ثمّ أُخرى، وهو يستزيدني، ثمّ قال: قبّحه الله ما أسلكه لطريق
الفحول! لولا مذهبه، ولولا ما في شعره ما قدّمتُ عليه أحداً من طبقته».
أقول: «كلّ إناء
بالّذي فيه ينضح»، إنّ الأصمعيّ ناصبيّ عنيد يبغض عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام
والعترة الطاهرة عليهم السَّلام فلا غرو في أن يدعو على السيّد بما عرفت، ولكن مع
ذلك لم يستطع أن يُسدل الستار على عظمة السيّد في مجال الشعر، وأنّه سلك طريق
الفحول في عالم القريض، ويتلوه في المذهب والإطراء أبو عبيدة، ومع ذلك يقول في حقّ
السيّد: «أشعر المُحْدَثِين السيّد الحميريّ وبشّار».
مذهبه
كان السيّد إباضيَّ
المنبت، ثمّ صار شيعيّاً كيسانيّاً، يقول بإمامة محمّد بن الحنفيّة، لكنّه عدل عنه
إلى الإماميّة على يد الإمام الصادق عليه السَّلام، وعليه أكثر المؤرّخين.
يقول السيّد الحميريّ
عن نفسه: «كنت أقول بالغلوّ وأعتقد غيبة محمّد بن عليّ المُلقّب بابن الحنفيّة، قد
ضللتُ في ذلك زماناً، فمنَّ الله عليَّ بالصادق جعفر بن محمّد عليهما السَّلام
وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط... وتبتُ إلى الله تعالى ذكرُه على
يديه وقلت قصيدتي التي أوّلها:
وَلمّا رَأَيْتُ النّاسَ
في الدّينِ قَدْ غَوَوْا * تَجَعْفَرْتُ بِاسْمِ اللهِ فيمَنْ تَجَعْفَرُوا
وَنادَيْتُ بِاسْمِ
اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ * وَأَيْقَنْتُ أَنَّ اللهَ يَعْفُو وَيَغْفِرُ
وَدِنْتُ بِدينٍ غَيْرِ
ما كُنْتُ دائِناً * بِهِ وَنَهاني سَيِّدُ النّاسِ جَعْفَرُ
فَقُلْتُ: فَهَبْني قَدْ
تَهَوَّدْتُ بُرْهَةً * وَإِلاّ فَديني دينُ مَنْ يَتَنَصَّرُ
وَإِنّي إِلى الرَّحْمَنِ
مِنْ ذاكَ تائِبٌ * وَإِنّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَاللهُ أَكْبَرُ...
مَعَ الطَّيّبينَ الطّاهِرينَ
الأُولى لَهُمْ * مِنَ المُصْطَفى فَرْعٌ زَكِيٌّ وَعُنْصُرُ».
وها نحن نذكر بعض
الكلمات، التي أشارت إلى مذهبه:
1) قال الشيخ الصدوق
في (كمال الدين): «فلم يزل (السيّد) ضالّاً في أمر الغيبة يعتقدها في محمّد بن الحنفيّة،
حتى لقيَ الصادق جعفر بن محمّد عليهما السَّلام ورأى منه علامات الإمامة وشاهد منه
دلالات الوصيّة، فسأله عن الغَيبة، فذكر له أنّها حقٌّ، ولكنّها تقع بالثاني عشر
من الأئمّة عليهم السَّلام ، وأخبره بموت محمّد بن الحنفيّة وأنّ أباه محمّد بن
عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السَّلام شاهد دفنه، فرجع السيّد عن مقالته، واستغفر
من اعتقاده ورجع إلى الحقّ عند اتضاحه له ودان بالإمامة».
2) وفي (الفصول
المختارة) للشريف المرتضى نحو ذلك نقلاً عن الشيخ المفيد.
3) وقال الإربلي في
(كشف الغمّة) بعد أن ذكر خبر استبصار الحِميريّ ببركة الإمام الصادق عليه السلام: «..
ويُنبئك عن مذهب الحقّ الصحيح قوله:
عَلى آلِ الرَّسولِ وَأَقْرَبيهِ
* سلامٌ كُلَّما سَجَعَ الحَمامُ
أَلَيْسوا في السَّماءِ
هُمُ نُجومٌ * وَهُمْ أَعْلامُ عِزٍّ لا يُرامُ
فَيا مَنْ قَدْ تَحَيَّرَ
في ضَلالٍ * أَميرُ المُؤْمِنينَ هُوَ الإِمامُ
رَسولُ اللهِ يَوْمَ غَديرِ
خُمٍّ * أَنافَ بِهِ وَقَدْ حَضَرَ الأَنامُ
وَثاني أَمْرِهِ الحَسَنُ
المُرَجّى * لَهُ بَيْتُ المَشاعِرِ وَالمَقامُ
وَثالِثُهُ الحُسَيْنُ
فَلَيْسَ يَخْفَى * سَنا بَدْرٍ إِذا اخْتَلَطَ الظَّلامُ
وَرابِعُهُمْ عَلِيٌّ
ذو المَساعي * بِهِ للدّينِ وَالدُّنْيا قِوامُ
وَخامِسُهُمْ مُحَمَّدٌ
ارْتَضاهُ * لَهُ في المَأْثُراتِ إِذًا مَقامُ
وَجَعْفَرٌ سادِسُ النُّجَباءِ
بَدْرٌ * بِبَهْجَتِهِ زَها البَدْرُ التَّمامُ
وموسى سابِعٌ وَلَهُ مَقامٌ
* تَقاصَرَ عَنْ أَدانيهِ الكِرامُ
عَلِيٌّ ثامِنٌ وَالقَبْرُ
مِنْهُ * بِأَرْضِ الطّوسِ إِنْ قَحَطوا رُهامُ
وَتاسِعُهُمْ طَريدُ بَني
البَغايا * مُحَمَّدٌ الزَّكِيُّ لَهُ حُسامُ
وَعاشِرُهُمْ عَلِيٌّ
وَهُوَ حِصْنٌ * يَحِنُّ لِفَقْدِهِ البَلَدُ الحَرامُ
وحادي العَشْرِ مِصْباحُ
المَعالي * مُنيرُ الضَّوْءِ الحَسَنُ الهُمامُ
وَثاني العَشْرِ حانَ
لَهُ قِيامٌ * مُحَمَّدٌ الزَّكِيُّ بِهِ اعْتِصامُ».
تفانيه في حبّ أهل
البيت عليهم السَّلام ونشر مناقبهم
إنّ الأثر البارز في
حياة السيّد هو تفانيه في حبّ أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام ونشر مناقبهم بقريضه
وشعره وبيانه ولسانه، ونقده اللاذع لأعداء العترة الطاهرة ومناوئيهم، بحيث لا يرضى
أن يتبوّأ مجلساً ليس فيه ذكر لرسول الله أو لوصيّه صلّى الله عليهما وآلهما.
روى أبو الفرج الأصفهانيّ،
عن بعض أولاد أبي الأسود الدؤليّ، قال: «كنّا جلوساً عند أبي عمرو بن العلاء
فتذاكرنا السيّد، فجاء فجلس وخضنا في ذكر الزرع والنخل ساعةً فنهض، فقلنا: يا أبا
هاشم، مِمّ القيام؟ فقال:
إِنّي لَأَكْرَهُ أَنْ
أُطيلَ بِمَجْلِسٍ * لا ذِكْرَ فيهِ لِفَضْلِ آلِ مُحَمَّدِ
لا ذِكْرَ فيهِ لِأَحْمَدٍ
وَوَصِيِّهِ * وَبَنيهِ ذَلِكَ مَجْلِسٌ نَطَفٌ* رَدي
إنَّ الذي يَنْساهُمُ
في مَجْلِسٍ * حَتّى يُفارِقَهُ لَغَيْرُ مُسَدَّدِ».
وأمّا قصيدته العينيّة
في مدح رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، فهي من أشهر وأحسن
ما نَظَم. وفي (رجال الكشّي) أن بعضهم أنشد الإمام الصادق عليه السلام هذه القصيدة
عقب شهادة زيد بن عليّ، فترحّم الإمام على السيّد الحِميري. يقول في مطلعها:
«لأُمِّ عَمرو باللِّوى
مَرْبَعُ * طامِسَةٌ أَعْلامُهُ بَلقَعُ
تَرُوحُ عَنْهُ الطَّيرُ
وَحْشِيَّةً * والأُسْدُ مِنْ خِيفَتِهِ تَفْزَعُ
بِرَسْمِ دارٍ مَا بِها
مُونِسٌ * إلّا صِلالٌ في الثَّرى وُقَّعُ
لَمّا وَقَفْنَ العيسُ
في رَسْمِهِ * والعينُ مِنْ عِرفانِهِ تَدمَعُ
ذَكرتُ مَنْ قد كُنتُ أَلهُو
بهِ * فَبِتُّ والقلبُ شَجٍ مُوجَعُ
عجبتُ مِنْ قَوم أَتَوا
أحمداً * بِخطبة ليس لَها مدفَعُ
قَالُوا لَهُ لَو شِئْتَ
أَعْلَمْتَنَا * إِلَى مَنِ الغَايَةُ والمَفْزَعُ
إِذَا تُوفِّيتَ وَفَارَقْتَنا
* وَفِيهِمُ فِي المُلكِ مَن يَطمَعُ..».
وهناك وثائق تاريخيّة
تُعرب عن إخلاص السيّد وولائه المنقطع النظير للعترة الطاهرة، نقتطف منها هذه
الشذرات:
1) نقل أبو الفرج
الأصفهاني عن عليّ بن إسماعيل التميمي، قال: «كنتُ عند أبي عبد الله جعفر بن محمّد
الصادق [عليه السَّلام] إذ استأذنه آذنُه للسيّد، فأمر بإيصاله، وأقعد حرمَه خلف سِتر،
ودخل فسلّم وجلس، فاستنشده، فأنشده قوله:
اُمْرُرْ عَلى جَدَثِ
الحُسَيْنِ * فَقُلْ لِأَعْظُمِهِ الزَّكِيَّه
يا أَعْظُماً لا زِلْتِ
مِنْ * وَطفَاءَ ساكِبَةً رَوِيَّه...
فَإِذا مَرَرْتَ بِقَبْرِهِ
* فَأَطِلْ بِهِ وَقْفَ المَطِيَّه
وَابْكِ المُطَهَّرَ
للمُطَهَّرِ * وَالمُطَهَّرَةِ النَّقِيَّه
كَبُكاءِ مُعْوِلَةٍ أَتَتْ
* يَوْماً لِواحِدِها المَنِيَّه
قال: فرأيت دموع جعفر
بن محمّد [عليه السَّلام] تنحدر على خدّيه، وارتفع الصراخ والبكاء من داره، حتّى
أمره بالإمساك، فأمسك».
2) روى الشيخ ابن
قولويه في (كامل الزيارات) بسنده عن أبي هارون المكفوف، قال: «دخلت على أبي عبد
الله عليه السَّلام ، فقال لي: أنشِدني، فأنشدته، فقال: لا، كما تُنشِدُونَ
وَكَمَا تَرثِيهِ عندَ قبرِه، قال فأنشدته:
اُمْرُرْ عَلى جَدَثِ
الحُسَيْنِ * فَقُلْ لِأَعْظُمِهِ الزَّكِيَّه
قال: فلمّا بكى أمسكتُ
أنا، فقال: مُرّ - أي تابِع - فمررتُ، قال: ثمّ قال: زِدني زِدني،
قال: فأنشدته:
يا مَرْيَمُ قومي فَانْدُبي
مَوْلاكِ * وَعَلى الحُسَيْنِ فَأسْعِدي بِبُكاكِ
قال: فبكى وبكتِ
النساء».
3) ورُوي أن السيّد كان
إذا استُنشد شيئاً من شعره لم يبدأ بشيء إلاّ بقوله:
أجَدّ بآلِ فاطِمَةَ
البكورُ * فَدَمْعُ العَيْنِ مُنْهَمِرٌ غَزيرُ.
4) روى الأصفهاني، عن
العتبيّ الشاعر البصريّ المعروف أنه قال: «ليس في عصرنا هذا أحسن مذهباً في شعره
ولا أنقى ألفاظاً من السيّد. ثمّ قال لبعض من حضر: أنشِدنا قصيدته اللاميّة التي
أنشدْتَناها اليوم، فأنشده قوله:
هَلْ عِنْدَ مَنْ أَحْبَبْتُ
تَنْويلُ * أَمْ لا فَإِنَّ اللَّوْمَ تَضْليلُ
إلى أن يقول:
أُقْسِمُ بِاللهِ وَآلائِهِ
* وَالمَرْءُ عَمّا قالَ مَسْؤولُ
إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبي
طالِبٍ * عَلى التُّقى وَالبِرِّ مَجْبولُ
فقال العتبيّ: هذا
والله الشعرُ الذي يهجمُ على القلب بلا حجاب».
إلى غير ذلك من قصائد
جمّة ذكر فيها فضائل الإمام عليّ وأهل بيته عليهم السَّلام. ويكفيك في ذلك ما ذكره
ابن المعتزّ في (طبقات الشّعراء)، قال: «كان السيّد أحذق الناس بسوق الأحاديث
والأخبار والمناقب في الشعر؛ لم يترك لعليّ بن أبي طالب [عليه السلام] فضيلة
معروفة إلاّ نقلها إلى الشعر، وكان يملّه الحضور في محتشَد لا يُذكر فيه آل محمّد
صلوات الله عليهم، ولم يأنس بحفلة تخلو عن ذكرهم».
وروى أبو الفرج الأصفهانيّ:
«كان السيّد يأتي الأعمش فيكتب عنه فضائل عليّ [عليه السلام] ويخرج من عنده، ويقول
في تلك المعاني شعراً، فخرج، ذات يوم، من عند بعض أُمراء الكوفة وقد حمله على فرس
وخلع عليه، فوقف بالكُناسة، ثمّ قال: يا معشر الكوفيّين، من جاءني منكم بفضيلة
لعليّ بن أبي طالب لم أقلْ فيها شعراً أعطيتُه فرسي هذا وما عليَّ..».
صلته الوثيقة بالإمام
الصادق عليه السَّلام
إنّ أئمّة أهل البيت
كانوا يُثمِّنون جهود الشعراء المخلصين المجاهرين بالولاء الذين نذروا أنفسهم في
هذا السبيل، ولبسوا في ذلك جلباب البلايا، منهم شاعرنا السيّد إسماعيل، فكان
الإمام الصادق يتفقّده حيناً بعد حين.
روي أنّ أبا عبد الله الصادق
عليه السَّلام لقي السيّد بن محمّد الحميريّ، وقال: «سمّتك أُمّك سيّداً،
وفِّقت في ذلك، وأنت سيّدُ الشعراء»، ثمّ أنشد السيّدُ في ذلك.
وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِقائِلٍ
لي مَرَّةً * عَلَّامَةٌ فَهِمٌ مِنَ الفُقَهاءِ
سَمّاكَ قَوْمُكَ سَيِّداً
صَدَقوا بِهِ * أَنْتَ المُوَفَّقُ سَيِّدُ الشُّعَراءِ
ما أَنْتَ حينَ تَخُصُّ
آلَ مُحَمَّدٍ * بِالمَدْحِ مِنْكَ وَشاعِرٌ بِسَواءِ
مَدْحُ المُلوكِ ذَوي
الغِنى لِعَطائِهِمْ * وَالمَدْحُ مِنْكَ لَهُمْ بِغَيْرِ عَطاءِ
فَأَبْشِرْ فَإِنَّكَ
فائِزٌ في حُبِّهِمْ * لَوْ قَدْ وَرَدْتَ عَلَيْهِمْ بِجَزاءِ
ما تَعْدِلُ الدُّنْيا
جَميعاً كُلُّها * مِنْ حَوْضِ أَحْمَدَ شَرْبَةً مِنْ ماءِ
وفاته
أثار نبأ وفاة السيّد الحِميري
ضجّة كبيرة في المجتمع الكوفيّ، فقد توفّي السيّد عام 173 للهجرة، وقيل 178
للهجرة.
روى المرزبانيّ في
(أخبار شعراء الشيعة) بإسناده عن ابن أبي حودان، قال: حضرت السيّد ببغداد عند
موته، فقال لغلامٍ له: إذا متُّ فأتِ مجمع البصريّين وأعلِمهم بموتي وما أظنّه
يجيءُ منهم إلاّ رجلٌ أو رجلان، ثمّ اذهب إلى مجمع الكوفيين فأعلمهم بموتي؛
أنشدهم:
يا أَهْلَ كوفانَ إِنّي
وامِقٌ لَكُمْ * مُذْ كُنْتُ طِفْلاً إِلى السَّبْعينَ وَالكِبَرِ
أَهْواكُمْ وَأُواليكُمْ
وَأَمْدَحُكُمْ * حَتْماً عَلَيَّ كَمَحْتومٍ مِنَ القَدَرِ
بِحُبِّكُمْ لِوَصِيِّ
المُصْطَفى وَكَفى * بِالمُصْطَفى وَبِهِ مِنْ سائِرِ البَشَرِ
إلى أن قال:
ولا يُشَيِّعْني النُّصّابُ
إِنَّهُمْ * شَرُّ البَرِيَّةِ مِنْ أُنْثَى وَمِنْ ذَكَرِ
عَسَى الإِلَهُ يُنَجِّيني
بِرَحْمَتِهِ * وَمَدْحي الغُرَرَ الزّاكينَ مِنْ سَقَرِ
فإنّهم ليسارعون إليَّ
ويُكبّرون، فلمّا مات فعل الغلام ذلك، فما أتى من البصريّين إلاّ ثلاثة معهم ثلاثة
أكفان وعطر، وأتى من الكوفيّين خلقٌ عظيمٌ ومعهم سبعون كفناً، ودفنوه في منطقة
الرّميلة من بغداد.
* النّطَف: العيب أو
الفساد