بنو هاشم يذودون عن النبوّة
لو قتلتموه، ما أبقيْتُ منكم أحداً حتّى نتفانى
§
المحامي أحمد حسين يعقوب
* تكشف هذه المقالة حقيقة دور الهاشميّين
عامّة، لا سيّما المولى أبي طالب وأبناؤه عليهم السلام،
في الدّفاع عن النّبيّ صلّى الله عليه
وآله في أشدّ المراحل صعوبةً التي قاساها كلّ من أسلم في بيئة معاندة وقويّة على
المستوى السياسيّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ في مكّة. وكيف استطاع هؤلاء الصمود أمام
عتاة بني أميّة ومن دار في فلكهم من المشركين الذين أسلموا بحدّ السّيف أو طمعاً
بالمناصب بعدما أحسّوا بقوّة الدين الجديد...
نشير
إلى أن هذا النصّ مختصر ما ورد في أحد فصول كتاب (المواجهة مع رسول الله وآله عليهم
الصلاة والسلام – القصّة الكاملة) للباحث في التاريخ الإسلامي المحامي أحمد حسين
يعقوب. ومن هذا الكتاب أيضاً تمّ اختيار النصّين الآتيين في هذا الملف مع ذكر
المصادر كما أوردها المؤلّف؛ يتناول الأول منهما رفض قريش أن تجتمع النبوّة
والإمامة في البيت الهاشميّ، ويتطرّق الثاني إلى حرب الشائعات التي واجه بها
الطلقاء والمنافقون رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد فتح مكّة.
«شعائر»
بعد ثلاث سنوات من
الدعوة السرّيّة، تلقّى النبيّ صلّى الله عليه وآله، أمراً إلهيّاً بإعلان دعوته
رسميّاً، فبدأ بالهاشميّين أوّلاً، فجمعهم في بيته وأطلعهم على النبأ العظيم، وعيّن
في هذا الاجتماع - بأمرٍ من ربّه - عليّاً بن أبي طالب عليه السلام خليفةً له من
بعده، وانفضّ الاجتماع عن إعلان عميد الهاشميّين، أبي طالب بن عبد المطلّب قرار البيت
الهاشميّ بحماية النبيّ صلّى الله عليه وآله، وعدم تسليمه للمشركين.
وتمثّلت الخطوة
الثانية بصعود النبيّ صلّى الله عليه وآله، على الصفا ومناداته بطون قريش الذين
كانوا يجتمعون دائماً حول الكعبة، وإعلامه إيّاهم بنبأ النبوّة.
وبهذا أُحيطت بطون
قريش وأهل مكّة عامّة بخبر النبوّة والولاية في وقتٍ واحد، وإن كان النبأ العظيم
(نبأ النبوّة) قد طغى على نبأ الولاية.
قريش ترفض النبوّة
ما أن أعلن النبيّ
صلّى الله عليه وآله نبوّته رسميّاً، واختياره خليفَتَه، حتّى وقفت قريش وقفة رجل
واحد بقيادة البيت الأمويّ، وأعلنت رفضها المطلق للنبوّة والكتاب والخلافة، وصرّحت
بأنّها ستجنّد كلّ طاقاتها المادّيّة والمعنويّة لِصدّ أهل مكّة خاصّة، والعرب عامّة،
عن اتّباع محمّدٍ
صلّى الله عليه وآله، والدخول في دينه؛ وانقسم المجتمع المكيّ إلى قسمَين:
الأوّل:
وهو الأكثر عدداً ومدداً ظاهريّاً، ويتألّف من ثلاثة وعشرين بطناً من بطون قريش،
ومَن والاهم من الموالي والأحابيش.
الثاني:
وهو الأقلّ عدداً، ويتألّف من رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومن بطنه الهاشميّ
وبني المطلّب، ومَن والاهما من الموالي والأحابيش، مضافاً إليهم الذين اعتنقوا
الدين الإسلاميّ.
شنّ القسم الأوّل حملةً
نفسيّةً وإعلاميةً مركّزة ومنظّمة على محمّدٍ صلّى الله عليه وآله والبطن
الهاشميّ، وعلى الذين آمنوا بالدين الجديد، من أجل عزلهم والتضييق عليهم وحملهم
على ترك هذا الدين، وأشاعوا الدعايات الكاذبة من أجل تشويه صورة النبيّ صلّى الله
عليه وآله، في أذهان الناس، وادّعوا أنّه - حاشاه - مجنون أو شاعر أو كاذب أو
كاهن، وأنّ القرآن الذي جاء به: ﴿..إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾.
(الأنعام:25)
أمّا النبيّ صلّى الله
عليه وآله، فقد مضى يبلّغ رسالة ربّه بإصرارٍ لا يعرف التراجع أو المساومة، وقال
لعمّه الذي راجعته بطون قريش ورجته أن يتدخّل لدى النبيّ صلّى الله عليه وآله، لكي
يتوقّف عن دعوته لقاء عروض مغرية: «يا عَمّ، واللهِ، لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ
في يَميني وَالقَمَرَ في يَساري عَلى أَنْ أَتْرُكَ هَذا الأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ
اللهُ أَوْ أَهْلَكَ فيهِ، ما تَرَكْتُهُ».
كان موقف عمادة البطن
الهاشميّ - المتمثّل آنذاك بأبي طالب - مُرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بموقف النبيّ
صلّى الله عليه وآله، فها هو أبو طالب يقول باسم الهاشميّين مخاطباً النبيّ صلّى
الله عليه وآله: «يا ابن أخي، إذا أردتَ أن تدعو إلى ربِّك فأعلمنا، حتّى نخرج معك
بالسلاح». (تاريخ اليعقوبي 27/2)
وقال له في موقفٍ آخر:
«اذهب يا ابن أخي فقُل ما أحببتَ، فوالله لا أسلّمك لشيءٍ أبداً». (الكامل
لابن الأثير 64/2)
وعندما شاعَ يوماً أنّ
محمّداً صلّى الله عليه وآله، قد قُتل، وضع أبو طالب خطّة لقتل كلّ سادات قريش
دفعةً واحدة، فلمّا حضر محمّدٌ صلّى الله عليه وآله، والفتية الهاشميّون على وشك
تنفيذ خطّة أبي طالب، أعلن أبو طالب تفاصيل خطّته، وكشف الفتية الهاشميّون عن سلاحهم،
فأدركت مشيخة بطون قريش الجدّ الهاشميّ، وأنّ أيّ اعتداء على رسول الله صلّى الله
عليه وآله، من قبل البطون هو بمنزلة إعلان حرب لن تضع أوزارها حتى يفنى الهاشميّون
والبطون معاً.
قرّرت البطون استعمال
كلّ الوسائل لعزل محمّدٍ صلّى الله عليه وآله عن الهاشميّين، فإن هم أصرّوا على
عدم التخلّي عنه، فلا بدّ من عزل الهاشميّين أنفسهم عن بطون قريش كافّة، وفرض
محاصرتهم ومقاطعتهم، فإنْ لمْ تُجدِ هذه الوسائل، تعيَّن على البطون أن تختار
رجالاً منها يشتركون جميعاً في قتل محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، فيضيع دمه بين القبائل،
ولا يقوى الهاشميّون على المطالبة بدمه، وإن لم تنجح محاولة القتل، وجب ملاحقة محمّد
صلّى الله عليه وآله أينما حلّ، ومحاربته حتى يتمّ القضاء التامّ عليه وعلى دعوته.
المواجهة بين جبهة
الإيمان وجبهة الشرك
أصبحت المواجهة بين
النبيّ صلّى الله عليه وآله والهاشميّين من جهة، وبين بقيّة بطون قريش قدراً
محتوماً، اتّخذت في المرحلة الأولى طابع الحرب الباردة، والمواجهة النفسيّة
والإعلاميّة، ذلك أنّ البطون أدركت أنّ عمليّة قتل النبيّ صلّى الله عليه وآله،
ستكون باهظة التكاليف، وقد لا تنتهي إلّا بدمار الطرفين، وهذا ما صرّح به أبو طالب،
حامي النبيّ صلّى الله عليه وآله، إذ قال لقريش: «والله لو قتلتموه، ما أبقيْتُ
منكم أحداً حتّى نتفانى نحن وأنتم». (الطبقات
الكبرى لابن سعد 186/1)
كان النبيّ محمّد صلّى
الله عليه وآله، هو القائد العام لجبهة الإيمان، وقد استعان بصفوةٍ من أتباعه
ليكونوا أركاناً لقيادته، وهم:
أوّلاً:
خليفته والإمام
من بعده عليّ بن أبي طالب عليه السلام، الذي عيّنه النبيّ صلّى الله عليه وآله،
بأمرٍ من الله خليفةً له، وأعلن ذلك مع إعلانه للنبوّة، وطلب من الهاشميّين وبني
المطّلب - وهم العمود الفقريّ لجبهة الإيمان - أن يسمعوا لعليٍّ عليه السلام ويطيعوه،
وكان من بين الحضور والده أبو طالب....
ثانياً:
أبو طالب، وهو والد الإمام عليّ عليه السلام، وعمّ الرسول الشقيق لوالده، كفل
النبيّ صلّى الله عليه وآله بعد وفاة جدّه، وضمّه إلى أولاده، وربّاه في كنفه حتّى
تزوّج.
وأبو طالب هو الذي شجّع
الهاشميّين وبني عبد المطّلب على حضور أوّل اجتماع سياسيّ في دار النبيّ، وتصدّى
لخصومه في ذلك الاجتماع ولجَمهم، وأرسى قواعد تأييدهم النبيّ وحمايته صلّى الله
عليه وآله، وأعلن أمام بطون قريش أنّها إذا قتلت محمّداً صلّى الله عليه وآله، فإنّ
الهاشميّين سيقاتلون البطون حتى الفناء التامّ، وشجّع بنيه على التضحية بأرواحهم
فداء لمحمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وكان يقوم بنقل النبيّ من فراشٍ إلى آخر ليليّاً
عدّة مرّات في أثناء الحصار، خوفاً على حياته، وكان الناطق الرسميّ باسم النبيّ
صلّى الله عليه وآله، عندما أكلت دابّة الأرض صحيفة المقاطعة، وقاد عمليّة الرجوع
من الشِّعب إلى مكّة، بعد انتهاء حصار المشركين للمسلمين في شعب أبي طالب.
ومن هنا نفهم معنى قول
النبيّ صلّى الله عليه وآله: «ما نالَتْ مِنّي قُرَيْشٌ حَتّى مات أَبو طالِبٍ»
(تاريخ ابن الأثير 2/21)،
وتسميته العام الذي مات فيه أبو طالب وخديجة «عام الحزن» (تاريخ
اليعقوبي 2/35)، وقوله صلّى الله عليه وآله عن
وفاتهما: «اجْتَمَعَتْ عَلى هَذِهِ الأُمَّةِ في هَذِهِ الأَيّامِ مُصيبَتانِ،
لا أَدْري بِأَيِّهما أَنا أَشَدُّ جَزَعاً» (تاريخ
اليعقوبي 35/2).
وممّا يثير الدهشة، أنّ
السلطة الأمويّة التي قبضت على مقاليد الأمور بالقوّة في فترة لاحقة، وسيطرت على
وسائل الإعلام، قلبت الحقائق رأساً على عقب، وحوّلت أبا طالب عليه السلام إلى رجلٍ
مشرك، وأنّه في ضحضاحٍ من النار! على حدّ تعبير المغيرة بن شعبة، المشهور بعداوته
لبني هاشم، ونسيت أو تناست قول النبيّ صلّى الله عليه وآله، وهو يقف على جنازة أبي
طالب: «يا عَمّ، رَبَّيْتَ صَغيراً، وَكَفَلْتَ يَتيماً، وَنَصَرْتَ كَبيراً، فَجزاكَ
اللهُ عَنّي خَيْراً». (تاريخ اليعقوبي 35/2)
ثالثاً:
جعفر بن أبي طالب، شقيق الإمام عليّ عليه السلام....
رابعاً:
حمزة بن عبد المطلّب، عمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله.... كان من القلّة التي ثبتت
إلى جانب الرسول صلّى الله عليه وآله، في معركة أُحد بعد أن فرّ الجميع، وبينما
كان يُقاتل، غدر به عبدٌ حبشيّ من عبيد أبي سفيان، وكان مقتله نتيجة مؤامرة أمويّة
رتّب فصولها أبو سفيان وزوجته هند (أم معاوية) التي بلغ حقدها على حمزة أن مثّلت
بجثّته، فبقرت بطنه، وقطعت أنفه وأذنيه، ولاكت كبده تشفّياً وانتقاماً.
خامساً:
عبيد الله بن الحارث، ابن عمّ النبيّ ومن سادات بني عبد المطّلب...
ويلاحظ أنّ أركان
قيادة جبهة الإيمان في مرحلة الدعوة كلّهم هاشميّون، ومردّ ذلك إلى أنّ الهاشميّين
هم الذين تحمّلوا عبء الدعوة وحماية النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله، وهم الذين
تآمرت عليهم البطون وحاصرتهم في شِعب أبي طالب، واشترك في الحصار كافّة بطون قريش
الثلاثة والعشرين. وأمّا الذين أسلموا خلال مرحلة الدعوة من غير بني هاشم، فهم على
نوعين:
الأوّل:
من كان ينتمي بالدم إلى أحد البطون القرشيّة، فكان داخلاً تحت حماية بطنه، فقد
يتعرّض للّوم والتقريع، لكن لا يقوى أحد على التعرّض له بالإيذاء أو القتل.
الثاني:
العبيد والأحابيش ومن كان منتمياً إلى بطون قريش بالموالاة، وهؤلاء كانوا موضع
النقمة ومحطّ الابتلاء، لأنّهم بلا حماية عشائرية، ومنهم:
1) بلال بن رباح الحبشيّ،
كان مملوكاً لأميّة بن خلف الجمحيّ، الذي كان يعذّبه عذاباً أليماً، ويضع الصخرة
العظيمة على صدره في الرمضاء، ومع ذلك لم يتحوّل عن إيمانه.
2) ياسر وزوجته سميّة
وابنهما عمّار، حلفاء بني مخزوم، عذّبهما أبو جهل، ولم يتورّع عن طعن سميّة في قلبها،
فاستشهد ياسر وزوجته تحت التعذيب، وبقي عمّار على قيد الحياة.
أركان جبهة الشرك
في المقابل، كان
القائد العام لجبهة الشرك طيلة مرحلتَي الدعوة والدولة، هو صخر بن حرب بن أميّة بن
عبد شمس بن عبد مناف، المكنّى بأبي سفيان.
كان تاجراً كثير
الأسفار، وقد سمع أنّ نبيّاً سيُبعث من قريش، فظنّ أنه سيكون ذلك النبيّ، إذ ليس
في قريش - في تصوّره - مَن هو أجدر بالنبوّة منه، فهو قائدها في غزواتها، وهو تاجر
ثريّ، ومن حوله بنو أميّة الأكثر مالاً ونفيراً.
وفوجئ أبو سفيان
بإعلان النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله عن نبوّته، فجنّ جنونه، واعتبر قضيّة
النبوّة مؤامرة هاشميّة على الأمويّين عامّة، وعليه خاصّة.
كان أبو سفيان وراء
وحدة بطون قريش الثلاثة والعشرين ضدّ محمّد صلّى الله عليه وآله والبطن الهاشميّ،
إذ ليس من المعقول أن تتّحد البطون في غياب قائد غزواتها ومن دون علمه.
وكان رئيس وفد قريش
الذي توجّه إلى أبي طالب، وطالَبَه إمّا بكفِّ ابن أخيه محمّد صلّى الله عليه وآله
عن دعوته، أو أن يخلّي بين محمّد صلّى الله عليه وآله وبين البطون.
وهو مهندس عمليّة حصار
الهاشميّين في شِعب أبي طالب مدّة ثلاث سنين، حتى اضطرّوا إلى أكل ورق الشجر من
الجوع، واضطرّ أطفالهم أن يمصّوا الرمال من العطش.
وكان وراء استقبال أهل
الطائف لرسول الله، ذلك الاستقبال السيّء الذي أثّر بنفسه الشريفة تأثيراً عميقاً
فهتف منادياً ربّه: «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكو ضَعْفَ قُوَّتي، وَقِلَّةَ حيلَتي،
وَهَواني عَلى النّاسِ».
وكان أحد الذين خطّطوا
لإرسال وفدٍ إلى النجاشيّ، مزوّداً بالهدايا، لردّ المسلمين الذين هاجروا إلى
الحبشة، حتّى يتمكّن أئمّة الكفر في مكّة من فتنتهم عن دينهم.
وكان هو وزوجته وابناه
معاوية ويزيد، وراء معركة أُحد، إذ حرّضوا المشركين على خوضها، وأنفق أبو سفيان
على هذه المعركة أربعين أوقيّة من الذهب.
وكان وراء أكبر تجمّع
شهدته الجزيرة العربيّة آنذاك، إذ جمع الأحزاب وغزا بها المسلمين في المدينة المنوّرة، وتحالف مع اليهود طمعاً باستئصال محمّدٍ
صلّى الله عليه وآله على حدّ زعمه.
وظل يحارب النبيّ صلّى
الله عليه وآله بكلّ وسائل الحرب، حتى أظهر اللهُ دينَه، وأحاط جند الله بعاصمة
الشرك، فاضطرّ لإظهار الإسلام، ليحقن بذلك دمه.
وتعاملاً مع التركيبة
النفسيّة لأبي سفيان، ونزعاً لفتيل المعاندة بالإعلان الضمنيّ عن استسلام أبي
سفيان، أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله منادياً ينادي «مَن دخلَ دارَ أبي سُفيانَ
فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ المَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بابَهُ فَهُوَ
آمِنٌ».
ومن العبارات التي
صدرت عن أبي سفيان، وكشفت عن دخيلة نفسه، وبقائه على الكفر، قوله لعثمان عندما آلت
إليه الخلافة: «صارت إليك بعد تَيمٍ وعديّ، فأدِرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أميّة،
فإنّما هو المُلك، ولا أدري ما جنّة ولا نار».
ودخل يوماً على عثمان
بعدما ذهب بصره، فقال: «أههنا أحد؟
فقالوا: لا.
فقال: اللّهمّ اجعل
الأمر أمرَ جاهليّة، والمُلك مُلك غاصبيّة، واجعل أوتاد الأرض لبني أميّة». (تاريخ
ابن عساكر 407/6)
وأمّا أركان قيادة
جبهة الشرك، فهم مجموعة من الشخصيّات المشركة ذات القدم الراسخة بمعاداة النبيّ
ومحاربته طيلة ثمانية عشر عاماً، ومن أبرزهم:
أوّلًا:
معاوية ويزيد وعتبة وحنظلة، أبناء أبي سفيان، وهم الحلقة الأولى من أركان الشرك،
قاوموا الإسلام بضراوة، ولم يلقوا سلاحهم إلّا بعد أن استسلم قائدهم أبو سفيان،
فأظهروا الشهادتيْن، وحقنوا بذلك دماءهم.
ثانياً:
عتبة وشيبة ابنا ربيعة (ربيعة جدّ معاوية لأمّه)، والوليد بن عتبة وهو ابن خال
معاوية، والعاص بن سعيد، وعقبة بن معيط، وقد قُتلوا جميعاً في معركة بدر.
ثالثاً:
الحكَم بن العاص وابناه مروان والحارث.
أمّا الحكَم فقد كان من
أشدّ الكفار عداوةً وحرباً للرسول صلّى الله عليه وآله، في مرحلتي الدعوة والدولة،
ثمّ صار طليقاً من الطلقاء بعد فتح مكّة، ولكن لم يتوقّف عن عداوته وكيده، فنفاه
النبيّ صلّى الله عليه وآله....
وأمّا ابنه مروان، فهو
من أعمدة الشرك.... وصار المُلك له ولأولاده من بعده، فأصبحوا خلفاء المسلمين! مع
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، قد لعنَهم وحرّم عليهم أن يسكنوا المدينة معه.
رابعاً:
الوليد بن عقبة... كان والده من أشدّ أعداء النبيّ صلّى الله عليه وآله، وقد قُتل
في بدر صبراً، واستمر الوليد في خطّ معاداة الإسلام ومحاربته، حتى اضطرّ إلى
التظاهر بالإسلام بعد فتح مكّة، فأصبح من الطلقاء، وصار لاحقاً والياً على الكوفة!
وكان مشهوراً بالزنا وشرب الخمر. صلّى الصبح أربعاً بدلاً من اثنتين، وكان يقول
وهو ساجد: «اشرب واسقني» (الأعلام للزركلي
122/8)، وكان له تأثير فعّال في إقامة الملك
الأمويّ وتثبيته.
خامساً:
عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامريّ.... وهو كغيره من بني أميّة من الطلقاء أيضاً،
كتب للنبيّ صلّى الله عليه وآله، وعرف النبيّ أنّ الرجل خائن فطرده، فارتدّ عن
الإسلام وأخذ يشيع في مكّة أنّه كان يتلاعب بالقرآن، فأباح الرسول دمه، ولكنّ بعضهم
أستأمن له من النبيّ صلّى الله عليه وآله؛ وفي فترة لاحقة أصبح والياً على مصر بعد
أن عُزل عنها عمرو بن العاص.
سادساً:
عبد الله بن عامر بن كريز الأمويّ... وهو من الطلقاء المشهورين بعداوتهم للنبيّ
صلّى الله عليه وآله، وَلي البصرة، وجُعل أميرًا على فتوحات الشرق! ساهم في زعزعة
أركان الإسلام، وتثبيت دعائم الحكم الأمويّ.
سابعاً:
أبو جهل (عمرو بن هشام المخزوميّ)، كان منافساً لأبي سفيان على قيادة جبهة الشرك،
وقد قُتل في معركة بدر.
ثامناً:
الوليد بن المغيرة وابنه خالد، كان الوليد أحد المستهزئين، وقاوم هو وابنه الإسلام
في مرحلتَي الدعوة والدولة...
تاسعاً:
العاص بن وائل، كان شانئاً لرسول الله صلّى الله عليه وآله، ويقول: «إنّ محمّداً
أبتر لا ابنَ له»، فنزل فيه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ الكوثر:3.