حقَّانية
السَّنَد.. نبويّة المقصد
(في رحاب الزيارة
الجامعة الكبيرة) للمحقّق الشيخ محمّد السند
ــــــــــــــــــــــــــــ قراءة:
محمود إبراهيم
ــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب: في
رحاب الزيارة الجامعة الكبيرة
المؤلّف: العلامة
المحقق الشيخ محمد السند
الناشر: «باقيات»،
قمّ المقدّسة 1428 هجريّة
تُعتبر «الزيارة الجامعة الكبيرة» إحدى أهمّ النصوص
الشرعية التي رويت لنا عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، وبحسب المحقّقين من
المدرسة الإمامية فإنّ هذه الزيارة العظيمة تمثّل خلاصة عقائد مذهب أهل البيت عليهم
السّلام، وتُبرز المقامات الحقّة للأئمّة المعصومين عليهم السّلام، وتبيّن منزلتهم
العظيمة عند الله عزّ وجلّ، فإنّهم
مَحالُّ معرفة الله، ونورُ الله، ومساكنُ بركة الله،
ومعادنُ حِكمة الله، وخَزَنَة علم الله، وحفَظةُ سرِّ الله، وحمَلةُ كتاب الله،
وورَثةُ رسولِ الله وأوْصياؤهُ وذُرّيّتُه صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وهذه العبارات الشريفة في الزيارة الجامعة هي فوق كلام
سائر المخلوقين، ودون كلام الخالق، لا يُدرك كُنهَها عقل، ولا يحسّها قلب، كما
نوّه أئمّة أهل البيت عليهم السّلام في الأخبار الصحيحة على ذلك، فقد قال الإمام
أبو جعفر الباقر عليه السّلام: «حديثُنا صعبٌ مستصعَب، لا يؤمنُ به إلّا مَلَكٌ
مقرَّب، أو نبيٌّ مُرسَل، أو عبدٌ امتحنَ اللهُ قلبَه للإيمان، فما عرفتْ قلوبُكم
فخُذوه، وما أنكرتْ فردُّوه إلينا».
وهكذا، فقد أمر الأئمّة عليهم السّلام بعدم ردّ حديث
أو رواية أو إنكارها حين لا نستطيع فهمها، بل علينا أن نردّها إلى أهل الذكر وأُولي
الأمر وعَيبة علم الله. ومع ذلك فثمّة مَن «يتحفّظ» أو يُنكر نسبة
هذه الزيارة لأهل العصمة، لا سيّما أولئك الذين لم يستطيعوا استيعاب عمق مضامينها ومقاصدها
وأسرارها الإلهية، ثم حاولوا ردّها وإنكارها بشتّى الطرق. فمرّة قالوا: «إنّ
سندها ضعيف!» ومرّة: «إنّها من الآحاد»! ومرّة ثالثة: «إنّ مضامينها تخالف ظواهر
ومضامين القرآن الكريم»!
رسالة في الرد على الشبهات
يشكّل هذا الكتاب للمحقّق المعروف العلامة
الشيخ محمّد السند ردّاً على هذه التشكيكات
التي صدرت خلال الأحقاب المنصرمة. وهكذا تأتي استعادة الزيارة وتحقيقها في سياق
إثبات السند والمتن نصّاً وروحاً.
ومن الجدير بالذكر، أن هذا الكتاب –الرسالة-
هو في الأصل عبارة عن مجموعة محاضرات ألقاها سماحة الاستاذ المحقّق في البحرين، وتمّ
تدوينها وتنقيحها وترتيبها على قسمين:
الأوّل: حول سند الزيارة، وهو عبارة عن بحث حول توثيق الراوي؛ موسى بن عمران بن يزيد النّخعي
رحمه الله.
الثاني: حول متن الزيارة، وهو يشكّل نوعاً من جدال معمّق ودقيق يقصد ردّ الشبهة القائلة: «إنّ
مضامين الزيارة الجامعة مخالفة للقرآن للكريم»، وذلك عن طريق إثبات تطابقها مع القرآن
الكريم.
في تمهيده يبيِّن العلامة المحقّق أنه ليس
بالإمكان اعتبار توثيق الرجال أو تضعيفهم استناداً إلى آراء وفتاوى روّاد علم
الرجال اجتهاداً، وما ذاك إلا لأنّ ذلك يخرج عن التقليد، إذ لا يُمكن أن يدان أحد
أو يلزم بما قاله النجاشي أو ابن الغضائري أو غيرهما في توثيق رجل أو تضعيف آخر،
لاعتبار هذا من التقليد في التوثيق وفي الجَرح والتعديل.
وإذا ما أراد أحد أن يبني عقيدته وتراثه
على التحقيق والاجتهاد، فلا يصحّ له أن يقلّد فيه، بل يجب عليه أن يسبر بنفسه ويبحث
عن منشأ تضعيف هذا الرجل الذي ضُعِّف، هل هو صحيح أو ربّما كان تحاملاً عليه؟ وعن
منشأ التوثيق، أهو صحيح أم أنّ فيه تحيّزاً؟
وهذا نظير البحث التاريخي (فعلم الرجال
اشتُقّ من علم التاريخ)، والباحث والمحقّق التاريخي لا يقف عند أقوال المعاصرين
لشخصيّة تاريخيّة معينة، ولا يحسب نظرته ونتيجته النهائيّة ويوقفها عند أقوال
المعاصرين لها، فضلاً عن غير المعاصرين، فَكَم من معاصر قد أخذه تحاملٌ وحسد، واختلافٌ
في المبنى أو في العقيدة، وغير ذلك ممّا يُخرجه عن روح التحقيق ومصداقيّة البحث.
وأمّا من أراد أن يجتهد ويحقّق فعليه
دراسة تلك التضعيفات وتلك الطعون. وكما هو واضح للخبير الممارس لعلم الرجال -فإن جملة
من التضعيفات لا سيّما عند العامّة- هي ناشئة من مبنى اعتقادي معيّن. فإذا كان
الراوي لا يتّفق معه في مسألة كلاميّة أو اعتقاديّة، يسارع إلى تكذيبه وطعنه وجرحه،
والنيل منه، والوقيعة فيه بكلّ ما أوتي. وقد صرّح بذلك كثيرون حتّى في علم الدراية
وعلم الرجال.
ثم يتساءل العلامة السند: كيف يمكننا أن
نبني على جَرح معيّن مبنيّ على عقيدة ورؤية معيّنة في مثل هذه الحالة؟
ولقد كان كلّ من الميرداماد، والمحقّق
الوحيد البهبهاني -الذي يعتبر من المجدّدين في الحوزات العلميّة في القرن الثاني
عشر- لا يجمدان على نصوص علماء الرجال الإماميّين من جانب الجَرح أو من جانب
التعديل.
صدقية الراوي وخصائصه
يعود المحقّق العلامة الشيخ محمد السند ليلاحظ
أن موسى بن عمران النّخعي كما يظهر من تتبّع رواياته المتكاثرة في كُتب
الصدوق وغيره تؤكّد أنه من الرواة الثقاة. وإلى هذا فإن له من الخصائص التَّقَوية
والأخلاقية والإخلاص لمدرسة أهل البيت عليهم السلام ما يمنحه شهادة صدق الرواية.
ويورد أهل التحقيق جملة مزايا في هذا
السياق:
أوّلاً: إنّه تلميذ عمّه الحسين بن يزيد النوفلي، وأغلب رواياته عنه، وقد
اعتمد توثيقه الشيخ الطوسي في (عدّة الأصول)، وأنّه من الأجلّاء.
ثانياً: إنّه أستاذ وشيخ أبي الحسين، محمّد بن أبي عبد الله جعفر بن عون
الأسدي الكوفي الذي قال عنه الطوسي: «وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام
ثقات ترِد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم أبو الحسين
محمّد بن جعفر الأسدي».
ثالثاً: إنّه معتمدٌ من الصدوق
في كُتبه (كمال الدين) و(التوحيد)، و(الخصال)، و(العِلل)، و(الفقيه)، و(ثواب
الأعمال)، و(صفات الشيعة)، و(الأمالي). كما اعتمده في مشيخة الفقيه في طريقه إلى
يحيى بن عبّاد المكّي، وكذلك في طريقه إلى الحديث عن سليمان بن داود في معنى قوله
تعالى: ﴿.. فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾. (ص:33)
رابعاً: إنّ غالب رواياته بالطريق المتكرّر، وهو محمّد بن أبي عبد الله
(الأسدي)، عن موسى بن عمران، عن عمّه الحسين بن يزيد هي في تُحف المسائل
الاعتقاديّة ولطائف المعارف، بل جلّ رواياته بغير هذا الطريق أيضاً هي في نكات
المعرفة في الأصول الاعتقاديّة، كما يشهد لذلك التتبّع لجميع رواياته، وهي تُظهر
بوضوح مستوى رفيعاً في العلم مستقيم العقيدة، وعلى نمط رائق ظريف في معاني المعرفة.
خامساً: إنّه وتبعاً لأستاذه، وهو عمّه الحسين بن يزيد النوفلي، كان منفتحاً
على عدّة مشارب في تيّارات الرواة من الإماميّة، فهو يروي بتوسّط عمّه عن فقهاء
الرواة، وكذلك يروي عن رواة أسرار المعارف كالمفضّل بن عمر، ومحمّد بن سنان، ويروي
كذلك عن متكلّمي الرواة وغيرهم.
سادساً: اعتمد رواياته أيضاً الكليني في (أصول الكافي)، وابن قولويه في (كامل
الزيارات)، وعليّ بن محمّد القمّي في (كفاية الأثر).
فصول الرسالة
بنى العلامة المحقّق رسالته في (رحاب الزيارة
الجامعة الكبيرة) على مجموعة فصول شكّلت على الجملة الأسس التي تقوم عليها حجّته
العلمية في ردّ الشبهات وتوكيد حقانيتها التاريخية ونسبتها إلى أهل العصمة عليهم
السلام.
وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى العناوين
والمحاور التالية:
الأول: أقوال العلماء في سند الزيارة ومتنها. وفي هذا الفصل يحيل إلى كبار
المحققين من علماء الإمامية كالعلامة المجلسي، والمولى محمّد تقي المجلسي،
والعلامة السيد عبد الله شبّر، والسيد شرف الدين الحسيني، والسيد صدر الدين
الطباطبائي، والشيخ الأنصاري، والشيخ الأصفهاني، والملا هادي السبزواري، وصولاً إلى
المتأخرين كالمرجع السيد الخوئي، والسيد الكلبايكاني وسواهم.
الثاني: وهو مجموعة من الفصول تحت عنوان رد الشبهات ويتضمن الفصول التالية:
- نظرية التجسيم ودورها في خلق التساؤل - نفي
مقالة التجسيم – نفي التعطيل وما قد يجرّ إليه – نفي التشبيه وعلاقته بمبحث المعاد
– الفرق بين نظرة الإمامية ونظرة بقية المدارس لصفات الله تعالى – بيان أمير
المؤمنين عليه السلام في وصف الذات الإلهية - وساطة المخلوقات في أفعال الألوهية –
أقسام الصفات الإلهية – تجلّي صفات الله بتوسّط أفعاله ومخلوقاته الشريفة – إيابُ
الخلق وحسابهم يوم القيامة.
هذه العناوين التي تنطوي عليها الرسالة هي
غاية ما ذهب المؤلف إلى تظهيره لما تختزنه الزيارة الجامعة من معارف وجودية لم يُفلح
إلا الراسخون في العلم من إدراك كُنهها وبيانها للعالمين.