بصائر

بصائر

22/06/2017

ذكرى نهب آل سعود الحجرة النبوية، وهدم قباب البقيع


فاجعة الثامن من شوّال 1344 هجرية

ذكرى نهب آل سعود الحجرة النبوية، وهدم قباب البقيع

ـــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــــــ

البقيع أو «بقيع الغَرْقد» كما هو اسمه في الأصل، له في قلب كلّ مسلم مكانة خاصّة جداً، تنشأ من حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله عن البقيع وتكرّر زياراته له. ولو جُمعت روايات البقيع ومناسباتها لشكّلت مجلّداً كبيراً.

والبقيع، لغةً، الموضع الذي فيه أَرُوم الشّجَر من ضروبٍ شتّى... والبقيعُ من الأرض: المكان المتّسع، ولا يُسمّى بقيعاً إلّا وفيه شجَر. أمّا الغَرقد فهو كبارُ العَوسج، وهو شجرٌ من شجر الشَّوك.

في البقيع قبور أعدادٍ كبيرة من أهل البيت عليهم السلام والصّحابة وأمهات المؤمنين والتابعين. وممّن دُفن في البقيع من أهل البيت عليهم السّلام، الأئمّة: الحسن المجتبى السّبط الأكبر، وعليّ بن الحسين السّجاد زين العابدين، ومحمّد بن عليّ بن الحسين الباقر، وابنه جعفر الصّادق عليهم السلام.

 

 

وعندما استولى الوهّابيّون على الحجاز، عمدوا إلى هدم القِباب والمباني التي كانت قائمة على قبور الأئمّة عليهم السّلام، ولم يجرؤوا على هدم قبّة رسول الله صلّى الله عليه وآله، رغم محاولتهم ذلك.

قال المؤرّخ الجبرتي في تاريخه: «لما استولت (الوهّابيّة) على المدينة المنورة هدموا القباب التي فيها وفي يَنبُع، ومنها قبّة أئمّة البقيع بالمدينة، لكنّهم لم يهدموا قبة النبيّ صلّى الله عليه وآله، وحملوا الناس على ما حملوهم عليه بمكّة، وأخذوا جميع ذخائر الحجرة النبويّة وجواهرها، حتى أنهم ملأوا أربع سحاحير من الجواهر المحلاّة بالألماس والياقوت العظيمة القدر، ومن ذلك أربع شمعدانات من الزمرّد، و نحو مئة سيف ملبّسة قراباتها بالذهب الخالص، وعليها ياقوت، ونصابها من الزمرّد».

والخلاف كبيرٌ جداً ودائمٌ بين الشيعة والسنة من جهة وبين الوهابيّين من جهة ثانية حول الموقف من قِباب البقيع والبناء على القبور عموماً.

وها هي مراقد الأولياء والأئمة والصلحاء في جميع ديار الإسلام الشيعية والسُنيّة مقصد المؤمنين لقراءة الفاتحة أو الزيارة، والتبرّك واستلهام الدروس والعِبر قربةً إلى الله تعالى وحده لا شريك له.

إلا أن الوهابيّين يصرّون على مفارقتهم جماعة المسلمين.

أصدر أحدهم ويعرف بـ (ابن جبرين) فتوى نشرها في موقعه الإلكتروني الخاص، وذلك بتاريخ 7/2/2007 جاء فيها: «فالواجب هدم تلك الأبنية، حيث يقرّ أهلها بأن البناء محرّم، ولا يسوّغ بقاءها الناحية الفنية والجمالية في البناء، ولا أنها تراث إسلامي وعمارة إسلامية، وأما وصفها بأنها عمارة إسلامية فليس بصحيح، وإن كانت في بلاد المسلمين، ولا تُسمّى تراثاً إسلامياً، فإنّ الشرع لا يقرّها، والإسلام يأمر بإزالتها، وأما تدريسها بعد إزالتها فلا مانع من ذلك، ويكون على وجه التحذير منها، فيكون تدريسها يشتمل على ذكر صفتها قبل هدمها وزمان بنائها، وكذلك سبب هدمها وإزالتها».

وقد جاء هدم مدافن البقيع عن آخرها (بتاريخ 8 شوال 1344 هجرية) عقب ما يُعرف بـ «الدولة السعودية الثالثة»، وكان سبقها قيام دولتين قضى عليهما العثمانيون في فترة وجيزة، أولاهما كانت سنة 1221 هجرية عندما احتلّ الوهابيّون المدينة المنورة وعاثوا فيها خراباً.

هدم قباب البقيع


زار بعض المستشرقين الإنكليز المدينة المنوّرة قبل استيلاء الوهّابيّين عليها، فدُهش لروعتها قائلاً إنّها من أجمل مدن العالم وأن لا مدينة في الشرق تُشبهها من حيث التنظيم وحسن التخطيط سوى اسطنبول عاصمة الخلافة.

 

 

أمّا الرحّالة الغربي آلدون ريتر الذي زار المدينة المنوّرة - للمرّة الثانية - بعد هدم قباب البقيع، يصف زيارته للبقيع قائلاً: «حينما دخلتُ إليه وجدتُ منظره كأنه منظر بلدة قد خربتْ عن آخرها ... وقد كان أشبه بالبقايا المبعثرة لبلدة أصابها الزلزال فخرّبها كلّها، لقد هُدّمت واختفت عن الأنظار القباب البيضاء التي كانت تدلّ على قبور أولاد النبيّ..».

الثامن من شوّال سنة 1344 للهجرة

عندما استتبّ الأمر للوهابيّين ومَلَكوا الحجاز قاطبة، عمدوا إلى تخريب المعالم الإسلامية في مكّة وجدّة والمدينة، فهدموا في مكّة قباب عبد المطلب جدّ النبىّ صلّى الله عليه وآله، وأبي طالب عمّه، وخديجة أُم المؤمنين، وخربوا حجرة مولد النبيّ وحجرة مولد فاطمة الزهراء عليها السَّلام، ولمّا دخلوا جدّة هدموا قبّة حواء، وخرّبوا قبرها، بل خرّبوا في هذه البلاد كلّ القباب والمزارات والأمكنة التي يُتبرّك بها، ولما حاصروا المدينة هدموا مسجد حمزة سيد الشهداء ومزاره، لوقوعهما خارج المدينة المنورة.

يقول أُستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد الدكتور علي الوردي في كتابه (لمحات اجتماعية): 

«ظلّت هذه القبور [البقيع] سليمة أكثر من أربعة أشهر دون أن يمسّها أحد بسوء، ولكن اتُّهم ابن سعود في تنفيذ مبدأ الوهابية لإبقائه عليها، فأرسل في شهر رمضان سنة 1344 (1925م) كبير علماء نجد عبد الله بن بليهد من مكة إلى المدينة للعمل على هدم القبور، وعندما وصل ابن بليهد إلى المدينة اجتمع بعلمائها ووجّه إليهم الاستفتاء التالي:

ما قول علماء المدينة - زادهم الله فهماً وعلماً - في البناء على القبور واتّخاذها مساجد، هل هو جائز أم لا؟ وإذا كان غير جائز بل ممنوع منهيٌّ عنه نهياً شديداً، فهل يجب هدمها ومنع الصلاة عندها أم لا؟ وإذا كان البناء في مسبلة كالبقيع، وهو مانع من الانتفاع بالمقدار المبنيّ عليها، فهل هو غصب يجب دفعه لما فيه من ظلم المستحقين ومنعهم استحقاقهم أم لا؟ وما يفعله الجهّال عند هذه الضرائح من التمسّح بها ودعائها مع الله، والتقرّب بالذبح والنذر لها، وإيقاد السرج عليها، هل هو جائز أم لا؟ وما يُفعل عند حجرة النبيّ من التوجّه إليها عند الدعاء وغيره، والطواف بها وتقبيلها والتمسّح بها، وكذلك ما يُفعل في المسجد من الترحيم والتذكير بين الأذان والإقامة وقبل الفجر ويوم الجمعة، هل هو مشروع أم لا؟ أفتونا مأجورين وبيّنوا لنا الأدلة المستند إليها، لا زلتم ملجأ للمستفيدين»!

ترى أنّ الأسئلة طُرحت بشكل أُدرج فيها الجواب، وأَلزم المفتين على الإجابة بما يرتأيه السائل، وفعلاً جاء الجواب الذي أراده «فقيه السلطان»، فعلى أثر صدور هذه الفتوى – الجواب - استقدمت «جماعة الإخوان»، وهي أوّل أجنحة الحركة الوهابية، جميع بنّائي المدينة المنوّرة وباشرت بهدم قباب قبور البقيع، فأحدثت هذه الجريمة ضجّة مدوّية في أقطار العالم الإسلامي، خصوصاً الشيعية منها، وأعلن علماء الشيعة الحزن العام وإظهار الحداد، وعُقد في مقام الإمام الكاظم عليه السلام في بغداد إجتماع حضرته جماهير كثيرة، وتُليت فيه البرقيات والرسائل الواردة في هذا الشأن، كما نُظمت البرقيات وأُرسلت إلى ملوك وعلماء العالم الإسلامي في أقطارهم المختلفة، وجرى مثل ذلك في كربلاء والنجف.

وأخذت الجرائد العراقية تنشر المقالات في التنديد بابن سعود وشجب أعماله، فقد كتبت جريدة (العراق) في مقالة افتتاحية لها تقول: «قُضي الأمر، وأصدر ابن بليهد الفتوى المعلومة، فقام بأكبر خدمة لسيّده ابن سعود، ولم يعلم بأنّ مسعاه كان سهماً أصاب كبد العالم الإسلامي فآلمه أيّما ألم».

 

 

كما نشرت مقالة أخرى بقلم إسماعيل آل ياسين من الكاظمية عنوانها (الطامة الكبرى والأماكن المقدسة في الحجاز) جاء فيها: «أيّها المسلمون، ما هذا السبات وما هذا الجمود الّذي أدّى بكم إلى السكون وإلى عدم الاكتراث بهذه القضايا المؤلمة، والأدوار المخزية التي يمثّلها ذلك الطاغية في البلاد المقدسة؟».

وأصبح يوم 8 شوال يوم حداد في السنوات التالية في النجف وكربلاء، حيث تغلق فيه الأسواق وتخرج مواكب اللّطم استنكاراً لجريمة الوهّابيّين في حقّ رسول الله وآل بيته الأطهار صلوات الله تعالى عليهم أجمعين.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

22/06/2017

دوريات

  إصدارات اجنبية

إصدارات اجنبية

نفحات