ندوة

ندوة

منذ يومين

حاضرية المنتظَر في فلسفة التاريخ*

تناصّ على كتاب (فلسفة الإمامة) للشيخ محمّد شقير

حاضرية المنتظَر في فلسفة التاريخ*

ـــــــــــــــــــــــ الأستاذ محمود حيدر** ـــــــــــــــــــــــ

وجدت أن أقارب كتاب (فلسفة الإمامة) للشيخ د. محمد شقير من وجهين متوازيين متلازمين:

- وجه التناصّ، وأعني بذلك متاخمة النص ومرافقته ومعاينة ما عاينه المؤلّف من مسائل فلسفية وعقدية.

- ووجه الضرورة، وهو وجوب تسييل فلسفة الإمامة كمعطى حيّ في التاريخ الإسلامي.

ينطوي عمل المؤلّف على طائفة من الأفكار وكلها تدور مدار فلسفة الإمامة ثبوتاً وإثباتاً؛ بَيد أنني ارتأيت واحدة منها قد تفي المقتضى. وهي على وجه التعيّن عقيدة حضور الحجّة الإلهية كمقصدٍ إلهيٍّ في التاريخ البشري.

بدءاً من مستهل الكتاب الى خواتيمه، نقرأ بياناً يعرب عن قاعدة كبرى تتأسس عليها أطروحة المؤلّف على الجملة: «لا بدّ من وجود حجّة في كلّ زمن».

 تبعاً لهذه القاعدة سوف تتراءى لنا فلسفة الإمامة على ركنين أساسيين: ركن الحضور في الغَيب، وركن الحضور في التاريخ. هذان الركنان يتكاملان ولا ينفصلان، وإن كان لكلٍّ منهما سبيله الخاص في الاستظهار والتبيين. وأمّا الشاهد على تكاملهما فهو امتداد الوحي في التاريخ وديمومته في سيْرِيَّة جوهرية مبدأها واحد وختامها واحد. وهذا مردّه إلى أنّ الاعتناء الإلهي بدنيا الإنسان لا يدع مجالاً للفراغ والمصادفة.

يترتّب على هذا التأصيل طائفة من المسائل العقدية والمعرفية تدخل دخولاً بيِّناً في التنظير المعاصر، مثلما حظيت من قبلُ، باهتمام الفقهاء والحكماء والمتكلمين. ولقد وجدنا في كتاب الشيخ ما يجمع الأمرين معاً، وفيهما خمسة مقاصد:

أولاً: التعرُّف إلى فلسفة الغيبة والانتظار والظهور والتعريف بها.

ثانياً: فهم ضرورة الامتحان الإلهي للبشرية والغاية منها.

ثالثاً: استقراء سرّ مكان هبوط الوحي حيث شاء الله أن تكون جغرافية الامتحان الإلهي للبشرية أرض الأمّة الوسط. وهو هذه الأرض التي شهدت ظهور النبوات والرسالات منذ آدم إلى الرسالة الخاتمة. ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا..﴾ البقرة:143.

رابعاً: تبصّر الغاية الإلهية من الخَلق. حيث الدنيا في فلسفة الإمامة عبور من عالم الخَلق إلى عالم الحقّ. من عالم الكثرة والتشظّي إلى عالم الوحدة والالتئام. وهنا تتجدّد وظيفة الولي وتالياً المهمّات التي يتولّاها الأولياء الممهّدون عبر الزمن.

خامساً: استشعار التواصل الخفي بين الإمام المنتظَر والأولياء الممهِّدين، وتكاملية المهمّة بين إمام الزمان وإمام الأوان.

تلازم التوحيد مع الولاية

تقرر فلسفة الإمامة كما يستدلّ عليها من كتاب الشيخ، أنّ حقيقة الإيمان بالتوحيد يعادل الإقرار بالولاية، وأنّ التوحيد والولاية أمران لا ينفصلان، وأنّ الولاية هي الدليل على تجلّي الأسماء والصفات والأفعال الإلهية في كل طور من أطوار التوحيد.

بهذا تكون الولاية عنصراً ذاتياً من عناصر ختم النبوّة. فالوليّ هو خليفة النبيّ، ومبيّن الشريعة من بعده، وهو الذي يتولّى صيرورة الدين الخاتم إلى غاياته ومقاصده.

منازل الولاية إذاً على ثلاث مراتب وجودية هي: ولاية الله – ولاية النبيّ – ولاية الوليّ.

المرتبة الأولى - ولاية الله: هي الولاية الحقيقية المطلقة، وتكون بالأصالة للوليّ الواحد الأحد على العالمين.

المرتبة الثانية - ولاية النبيّ: وهي من الله. أي أنّها امتداد لولايته تعالى ومن أمره. ولأنّ ولايته تعالى محيطة بكل شيء، ومدبّرة لنظام الخلق، وبسُنَنِها تنتظم هندسة الكون، فولاية النبيّ الخاتم صلّى الله عليه وآله، المستمَدة من الرحمانية هي - بهذه الصفة الاستمدادية - ولاية للعالمين.

المرتبة الثالثة - ولاية الولي: وهي متصلة بالولايتين الأولى والثانية، بها تتجلّى الحقيقة المحمدية في عالمَيْ الغيب والواقع، ومن خلالها يكشف الحقّ عن عنايته بشؤون الخلق.

في الحكمة الإمامية مهمتان رئيستان:

1) مهمة الحضور في حضرة الله حيث يتجلّى الله من خلالهم للناس.

2) مهمة الحضور في حضرة الناس الذين يرون فيهم بشراً وآيات إلهية في الوقت نفسه. فأن تكون في حضرة الإمام يعني أن تحضر أمام الله عبر هذا الإمام الذي هو الشاهد أمام الله.

النقطة المحورية في (فلسفة الإمامة) أنّ الغيب يظهر نتيجة لفعل الحضور المزدوج هذا. فإلامام، صورة المعرفة بالله وجوهرها. لكن إن لم يُدرك هذا الجانب من مهمة الامام، قد يقع الموحِّد في شرَكِ الشِّرك الخفي الذي لا يفرّق بين الشاهد الشهيد وهو الإمام، وبين الله الباطن الذي يشهد على وجوده، والذي لا يُدرك إلا بهذه الشهادة. وبذلك، يكون الإمام هو الصورة الحكمية، أي الوجه الذي منه يؤتى فيض الغيب، والذي سوف تدركه المعارف الإنسانية كلها في نهاية المطاف.

بفضل هذا الحضور المتبادل او المشترك يصبح الإمام هو الشهيد الظاهري والهادي الباطني. ويتضح هذا الحضور المشترك في ما ينقله الشيخ الصدوق عن الأئمة: «مَن عرفَنا فقد عَرفَ الله». وبذلك يكون الحاصل أن مَن عرف نفسه عرف إمامَه، ومَن عرف إمامه عرف ربَّه.

من الموضوعات المهمة التي عني بها كتاب (فلسفة الإمامة) أنّ الإمام هو القطب الروحي الباطني الذي لولاه لساخت الأرض بأهلها. يعني هذا أنّ ارتباط حضور الإمام باستمرارية عالم الإنسان هو من قبيل الحفظ الإلهي للوطن البشري بواسطة الإمام. وبذلك يكون الإمام كمبعوثٍ إلهيٍّ في نهاية التاريخ أشبه بالسرّ المقدّس. ولذا، لا يخلو العالم من إنسانٍ هو مستودَع الأسرار الإلهية حتى وإن لم يظهر للعوامّ من هذا المستودع شيء على نحو المباشرة. فالولاية، وهي النبوّة الخفيّة، مستمرّة.. ما يعني أنّ الحاجة إلى الامام هي حاجة وجودية للاجتماع البشري تبعاً لرعاية الحق ولطفه بعالم الخلق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نصّ المداخلة التي أُلقيت في ندوة نظّمها «معهد المعارف الحكمية» حول كتاب (فلسفة الإمامة) للشيخ محمّد شقير في نيسان 2017

** باحث في الفلسفة والإلهيات

 

الكتاب: فلسفة الإمامة في الفكر الشيعي الاثني عشري

المؤلّف: الشيخ د. محمّد شقير

الناشر: «دار المعارف الحكميّة»، بيروت 2017م

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ يومين

إصدارات عربية

نفحات