الحُلْم
مشاهدة النَّفْس
حقائق عالمها
ــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــــــــــــــــ
الحُلْمُ والحُلُم:
الرُّؤْيا، والجمع أَحْلام. ويُقال:
حَلَمَ يَحْلُمُ، إذا رأَى في المَنام.
وفي (مجمع البحرين: 6/49-50) للشيخ فخر الدين الطريحي
رحمه الله، قال: «الحُلُم بالضمّ: واحد الأحلام في النوم، وحقيقته على ما قيل: أنّ
الله تعالى يخلق بأسبابٍ مختلفةٍ في الأذهان عند النوم صوراً علمية، منها مطابقٌ لِما
مضى ولِما يستقبَل، ومنها غير مطابق وقد مرّ في (رأى) أنّ منها ما يكون من الشيطان.
وفي الحديث: «لم تكن الأحلام قبل وإنّما حدثتْ، والعلّة في
ذلك أنّ الله، عزّ ذِكره، بعث رسولاً إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته،
فقالوا: إنْ فعلنا ذلك فما لنا؟
فقال: إنْ أطعتموني أدخلَكم اللهُ الجنّة، وإنْ عَصيتم أدخلَكم
النار.
فقالوا: وما الجنة، وما النار؟ فوصف لهم ذلك. فقالوا: متى
نصير إلى ذلك؟
فقال: إذا مِتّم، فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاماً
ورفاتاً.
وازدادوا تكذيباً وبه استخفافاً، فأُحْدِثت الأحلام فيهم،
فأتوه وأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك.
فقال: إنّ الله تعالى أراد أن يحتجّ عليكم بهذا، هكذا تكون
أرواحُكم إذا مِتّم وأُزيلت أبدانُكم؛ تصير الأرواح إلى عقابٍ حتّى تُبعث الأبدان».
ويُستفاد من هذا الحديث أمور؛ منها: أن الأحلام حادثة، ومنها
أن عالمَ البرزخ يُشبه عالم الأحلام، ومنها أن الأرواح تعذَّب قبل أن تُبعث الأبدان.
السَّفَر عبر عوالم الطبيعة والمثال والعقل
في
(تفسير الميزان: 11/ 271 – 273)، يقول العلامة السيد محمّد حسين الطباطبائي حول
طبيعة الرؤى والأحلام ما ملخّصه: «العوالم ثلاثة:
أوّلها:
عالم الطبيعة، وهو العالم الدنيويّ الذي نعيش فيه. والأشياء الموجودة فيها – أي في
الطبيعة - صوَر مادّية تَجري على نظام الحركة والسكون، والتغيُّر والتبدُّل.
وثانيها:
عالَم المثال وهو فوق عالم الطبيعة وجوداً، وفيه صور الأشياء بلا مادّة. منها تنزل
هذه الحوادث الطبيعية وإليها تعود. وله مقام العليّة ونسبة السببية لحوادث عالم
الطبيعة.
وثالثها:
عالم العقل وهو فوق عالم المثال وجوداً، وفيه حقائق الأشياء وكليّاتها من غير مادّة
طبيعية ولا صورة، وله نسبةُ السببيّة لما في عالَم المثال.
والنفس
الإنسانية لتجرّدها، لها مسانخة مع العالمَين؛ عالَم المثال وعالَم العقل. فإذا نام
الإنسان وتعطّل الحواسّ انقطعت النفس طبعاً [أي من حيث طبيعتها] عن الأمور
الطبيعية الخارجية، ورجعتْ إلى عالمها المسانخ لها، وشاهدتْ بعضَ ما فيه من
الحقائق، بحسب ما لها من الاستعداد والإمكان.
فإنْ
كانت النفس كاملةً متمكّنةً من إدراك المجرّدات العقلية، أدرَكَتها واستحضرت أسباب
الكائنات على ما هي عليها من الكلية والنورية، وإلّا حكتها حكاية خيالية بما تأنس
بها من الصور والأشكال الجزئية الكونية؛ كما نحكي نحن مفهوم السرعة الكلية بتصوّر
جسم سريع الحركة، ونحكي مفهوم العظَمة بالجبل، ومفهوم الرِّفعة والعلوّ بالسماء
وما فيها من الأجرام السماوية، ونحكي الكائد المكّار بالثعلب، والحسود بالذئب،
والشجاع بالأسد، إلى غير ذلك.
وإن
لم تكن [النفس] متمكّنة من إدراك المجرّدات، على ما هي عليها، والارتقاء إلى
عالمها، توقّفتْ في عالم المثال مُرتقيةً من عالم الطبيعة، فربّما شاهدت الحوادث
بمشاهدة عِللها وأسبابها من غير أن تتصرّف فيها بشيءٍ من التغيير، ويتّفق ذلك
غالباً في النفوس السليمة المتخلّقة بالصدق والصفاء، وهذه هي المنامات الصريحة.
وربما
حكَتْ ما شاهدته منها بما عندها من الأمثلة المأنوس بها؛ كتمثيل الازدواج [الزواج]
بالاكتساء والتلبُّس، والفَخَار بالتاج، والعلم بالنور، والجهل بالظُّلمة، وخمود
الذكر بالموت، وربما انتقلنا من الضدّ إلى الضدّ؛ كانتقال أذهاننا إلى معنى الفقر
عند استماع الغِنى، وانتقالنا من تصوّر النار إلى تصور الجمد، ومن تصوّر الحياة
إلى تصوّر الموت، وهكذا..
وقد
تبيّن ممّا قدّمناه أنّ المنامات الحقّة تنقسم انقساما أوّلياً إلى:
1)
منامات صريحة لم تتصرّف فيها نفس النائم، فتنطبق على ما لها من التأويل من غير مؤونة.
2)
ومنامات غير صريحة تصرّفتْ فيها النفس من جهة الحكاية بالأمثال والانتقال من معنى
إلى ما يناسبه أو يضادّه؛ وهذه هي التي تحتاج إلى التعبير بردّها إلى الأصل الذي
هو المشهود الأوليّ للنفس، كردّ التاج إلى الفَخَار، وردّ الموت إلى الحياة،
والحياة إلى الفرَج بعد الشدّة، وردّ الظلمة إلى الجهل والحيرة أو الشقاء.
ثمّ
هذا القسم الثاني ينقسم إلى قسمين:
أحدهما:
ما تتصرّف فيه النفس بالحكاية؛ فتنتقل من الشيء إلى ما يناسبه أو يضادّه، ووقفتْ
في المرّة والمرّتين مثلاً، بحيث لا يعسر ردهّ إلى أصله، كما مرّ من الأمثلة.
وثانيهما:
ما تتصرّف فيه النفس من غير أن تقف على حدّ، كأنْ تنتقل مثلاً من الشيء إلى ضدّه،
ومن الضدّ إلى مثله، ومن مثل الضدّ إلى ضدّ المِثل، وهكذا.. بحيث يتعذّر أو يتعسّر
للمعبّر أن يردّه إلى الأصل المشهود، وهذا النوع من المنامات هي المسمّاة بأضغاث
الأحلام، ولا تعبير لها لتعسّره أو تعذّره.
وقد
بان بذلك أنّ هذه المنامات ثلاثة أقسام:
1)
كليّة: وهي المنامات الصريحة، ولا تعبير لها لعدم الحاجة إليه. [أي أنّها معبّرة
ذاتاً]
2)
وأضغاث الأحلام: ولا تعبير فيها لتعذّره أو تعسّره.
3)
والمنامات التي تصرّفتْ فيها النفس بالحكاية والتمثيل، وهى التي تقبل التعبير.
وفي
القرآن الكريم ما يؤيّد ذلك. قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ..﴾
الأنعام:60.
وقال:
﴿ اللهُ
يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ
الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى..﴾
الزمر:42.
وظاهرُه
أنّ النفوس متوفّاة ومأخوذة من الأبدان، مقطوعة التعلّق بالحواسّ الظاهرة، راجعة
إلى ربّها نوعاً من الرجوع يُضاهي الموت.
وقد
أُشير في كلامه تعالى إلى كلّ واحدٍ من الأقسام الثلاثة المذكورة:
فمن
القسم الأول: ما ذُكر من رؤيا إبراهيم عليه السلام، ورؤيا أمّ موسى عليه السلام.
ومن
القسم الثاني: ما في قوله تعالى: ﴿ قَالُوا
أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ..﴾ يوسف:44.
ومن
القسم الثالث: مناما صاحبَي يوسف عليه السلام في السجن، ورؤيا ملك مصر في البقرات
والسنبلات».