..
قد طَهُرنا بولايتك
في محراب زيارة الزهراء عليها السلام
§
الشيخ
حسين كَوْراني
*
«الصدّيقة الزهراء عليها السلام، بضعةٌ ممّن لا ﴿يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾، ونُطقه
﴿وَحْيٌ يُوحَى﴾. وبهذا الوحي قال صلّى الله عليه وآله: (إنّ الله عزّ وجلّ
يغضبُ لغَضبِ فاطمة، ويَرضى لِرِضاها). فالبحثُ عن عظَمتها عليها السلام يجب
أن يكون في قلب البحث في العظَمة المحمّديّة. ويتجلّى سرّ العظمة المحمّديّة
للزهراء عليها السلام، في فرادة توحيد الله تعالى..».
هذه هي الثوابت التي يدور عليها
كتاب (الولاية المطهِّرة... شرح زيارة الزهراء عليها السلام) لسماحة العلامة الشيخ
حسين كوراني، ومن مقدّمة هذا الكتاب (يصدر قريباً) ومن بعض فصوله اخترنا هذه
المقالة بتصرّف يسير.
«شعائر»
قال الشيخ الطوسي رحمه الله:
«.. ثم زُر فاطمة عليها السلام من عند الرّوضة،
واختُلف في موضع قبرها، فقال قوم: هي مدفونةٌ في الرّوضة، وقال آخرون: في بيتها،
وقال فرقةٌ ثالثة: هي مدفونةٌ بالبقيع، والذي عليه أكثر أصحابنا: أنّ زيارتها من
عند الروضة، ومَن زارها في هذه الثلاث المواضع كان أفضل.
وإذا وقف عليها للزيارة فليقل:
يَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذِى
خَلَقَكِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صَابِرَةً،
وَزَعَمْنَا أنَّا لَكِ أَوْلِياءُ وَمُصدِّقُونَ وَصَابِرُونَ لِكُلّ مَا
أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلَّم، وَأَتَى بِهِ
وَصِيُّهُ، فَإنَّا نَسْأَلُكِ إنْ كُنَّا صَدقَنْاكِ إلاَّ أَلْحَقْتِنَا
بِتَصْديِقِنَا لَهُمَا، لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرنَا
بِوِلايَتِكِ». (مصباح
المتهجّد، ص711. وانظر ما يقرب من هذا اللفظ: المفيد، المزار، ص 178. وانظر:
العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء: ج8/452)
هذه
الزيارة هي إحدى زيارتَي الصدّيقة الشهيدة الزهراء عليها السلام، اللّتَين رواهما الشيخ الطوسي في (تهذيب
الأحكام في شرح المقنعة) للشيخ المفيد رضوان الله عليهما.
سنجد أنّ
ما لا نفهمه لأوّل وهلة، من هذه الزيارة - كما هو الحال في النّص المعصوم عموماً -
فضلاً عما لا نستسيغه فلا نطيقه، هو من الآفاق التخصصيّة للإيمان بالغيب، التي
يستعصي فهمها - أو يستحيل - بالذهنيّة المادية التي تقارب الحقائق الكونية،
بالحواسّ والغرائز، وثقافة اللّذّة، فتخلط بين العقل «الحُجّة»، وبين العقل
المدّعى، «الهوى»، ويؤدّي ذلك إلى ضعف الإيمان بالغيب ليصبح حضوره - في
غالب من يدّعونه - باهتاً، كحضور الروح في أذهان أغلبنا، ويؤدّي هذا بدوره إلى ضعف
حضور «الإنسانية» وقوّة حضور البُعد الحيوانيّ في الإنسان. ".."
وفي
القرون الثلاثة الأخيرة، تلاقح الغزو الثقافي مع الوهابيّة الأمويّة، فتفشّت ظاهرة
«الوهّابية المقنّعة» التي تُنزل المعصومين عن المراتب التي رتّبهم الله
تعالى فيها. وتدحرجت الشبهات حول المعصومين عليهم السلام، بدءاً بالمكانة والمقام،
مروراً بالأهداف والمهمّة، وصولاً إلى الخصائص، لا سيّما التوسّل والشفاعة. ".."
ومن بين
المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام، كانت الحُجب التي حالت دون معرفة الزهراء
عليها السلام، أكثر من غيرها وأشدّ، ولعلّ السبب أنّ الخلل المنهجيّ المتقدّم الذي
أخضع التعرّف إلى المعصوم للمقاييس المادّية، لم يجد في سيرة الزهراء عليها السلام
ما ينسجم مع مقاييسه، فالزهراء عليها السلام لم تكن إماماً - وإن كانت مفترضة
الطاعة - ثم إنّ مواجهتها للانقلاب على الأعقاب في أوّل مراحله التنفيذيّة، قد
تضافرت الدواعي على تغييبه، وطمس كلّ ما أمكن من معالمه.
وقد كان
لمَن يسمَّون بالنُّخب من بين المتديّنين، خصوصاً في أوساط ما اصطُلح على تسميته
الإسلام الحركيّ - وما يزال - النصيب الأسوأ من الأضرار الفادحة التي نتجت عن
الشبهات حول المعصومين – وخصوصاً الصدّيقة الكبرى الزهراء عليها السلام، ولا يعني
هذا أبداً التشكيك في نوايا مَن ضربته هذه اللَّوثة المدمّرة، كما لا يعني أنّي
أقارب هذه الحقيقة بلغة الواثق بالسلامة من نتائجها، والله تعالى خير الشاهدين.
ولقد منّ
الله تعالى على الأمّة في هذا العصر - والأجيال القادمة - بمرجعٍ دينيٍّ أعلى،
وفقيهٍ نوعيّ هو مجدّد القرن، السيد «الإمام» روح الله الموسوي الخميني، فتواصلت الأمّة
من خلاله مع كبار الفقهاء النوعيّين، وكانت الاستجابة له إلى حيث وجدنا أنّ المرجع
الدينيّ الظاهرة الشهيد السيد محمّد باقر الصدر قال في الحثّ على التزام نهجه:
«ذوبوا في الخمينيّ، بقدر ما ذاب هو في الإسلام».
أعاد
«الإمام» الخمينيّ التأكيد على ثوابت العقيدة والشريعة فجاء طرحه للإسلام
متكاملاً، وظهر الفرق عمّا انتشر وساد من التحريف العقائديّ. ".." ولعلّ
أبرز التحريفات العقائدية هو ما يرتبط بالزهراء عليها السلام، حيث وصل الأمر في
الحديث عنها إلى ما لا يتناسب مع شأن خادمتها «فضّة»، فإذا بنا نجد في لغة الإمام
الخميني على أعتاب الزهراء عليها السلام، ما يتناسب مع آفاق «بضعةٌ منّي»،
و«فداها أبوها»، و«تُبعث فاطمة أمامي»، وهي نفسها آفاق: «لولا
عليّ لم يكن لفاطمة كفؤ..»، و«على معرفتها دارت القرون الأولى»، وغير
ذلك مما تلقّاه الفقهاء العرفاء - وغيرهم - عبر القرون بأعلى درجات اليقين لتوفّر
أدلّته القطعية اليقينيّة.
الامتحان الإلهيّ
للزهراء عليها السلام في كلمات العلماء
* رأي المرجع الراحل الشيخ جواد
التبريزي
وُجِّه إليه السؤال التالي: «جاء في زيارة الصديقة
الشهيدة الزهراء البتول سلام الله عليها ما نصّه: (امتحَنكِ الّذي خلقَكِ قبلَ
أن يَخلُقَكِ، "فوَجَدَكِ" لِما امتحنَكِ به صابرةً). فما هو تفسير
الامتحان قبل الخلق، وكونها عليها السلام صابرة؟».
فأجاب رحمه الله تعالى: «التبريزي: لعلّ الامتحان
راجعٌ إلى عالم الذرّ، وخَلْق الأرواح في الصوَر المثالية قبل خلق الأبدان، واللهُ
العالم».
(الخوئي
والتبريزي، صراط النجاة، السؤال 1758)
وقال قدّس سرّه جواباً على سؤال آخر حول هذه الزيارة
للزهراء عليها السلام:
«وأما الامتحان المذكور في زيارة الزهراء سلام الله
عليها، فالمراد به عِلمُ الله بما يجري عليها، وصبرها على جميع الابتلاءات السابقة
على وجودها المادّي الخارجيّ، ممّا أوجب إعطاءها المقام الخاصّ بها، كما هو جارٍ
في سائر الأئمّة عليهم السّلام، ويدلُّ على ذلك جملة من الأدلة؛ منها ما ورد في
حقّهم في دعاء الندبة المعروف المشهور، والله العالم».
(التبريزي،
الأنوار الإلهية: ص 115)
* رأي المرجع
الديني الشيخ الوحيد الخراساني
«عندما نقرأ في زيارتها سلام الله عليها: (يا
ممتحنةُ، امتحنكِ اللهُ الّذي خلقَكِ قبلَ أن يخلقَكِ، فوجَدَكِ لِما امتحَنَكِ
صابرةً). نعرف أنّها بلغت مقامها العظيم بامتحانِ الله تعالى لها، لكنّا لا
نعرف إلّا القليل عن ذلك الامتحان وكيف نجحتْ فيه بالصبر، وكيف حبست نفْسها على
مرضاة الله تعالى حتّى رحلت من هذه الدنيا.
بقطع النظر عن كلّ ذلك، فإنّ كلّ المسلمين عرفوا أن
نبيّهم هو خاتَم الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد أوصاهم بعِترته،
ولم يبقَ منه ذكرى بعد موته إلّا ابنته الوحيدة عليها السلام، وأنّ هذه البنت
الطاهرة لاقتْ من أمّته من يوم وفاته، أنواعاً من الظلم والأذى، حتّى أوصت أن تُدفَن
سرّاً، وتعمّدت أن لا يُعرف قبرها! أقسم بالله أنّ هذه مصيبة فوق تحمّل الإنسان،
بل فوق الوصف»!
(الحقّ
المبين: ص 305)
ويُفهم مما تقدّم أنه لا يمكن الفصل بين هذا
الامتحان الذي تعرّضت له الزهراء عليها السلام في هذه الحياة الدنيا بعد وفاة رسول
الله صلّى الله عليه وآله، وبين امتحانها الإلهيّ في عالم الذرّ. هذا الامتحان هو
ذاك، والنجاح فيه هنا هو ما كان قد ظهر في عِلم الله تعالى في عالم الذرّ أو
النشأة الأولى.
* رأي الشيخ السند
حول امتحان الزهراء عليها السلام
قال العلاّمة الشيخ محمّد السند:
«إنّ الامتحان في رتبة العلم الربوبيّ
والاصطفاء والاختيار والانتجاب في أفق العلم الإلهيّ قبل خلق النبيّ صلّى الله
عليه وآله، وقبل خلق الزهراء عليها السلام، يدلّ على وقوع العلم الإلهيّ
على خصوصيّةٍ في تلك الذوات المطهّرة التي حباها الله بختم النبوّة والحجّية على
الخلق».
(الشيخ
محمد السند، الإمامة الإلهية، تقرير دروسه ص 199)
«ونظير ذلك ما يصنعه الزارع، فإنّه يرجع في انتخاب
البذر والزرع إلى علمه بخصائص البذور وأنواع ثمارها وصالحها من طالحها، ثمّ يختار
أَنفَسَها جودةً وطيبةً، ويُسمّى هذا بالامتحان في مقام العلم قبل الإيجاد والوجود
الخارجي».
ثمّ يتكلّم عن الامتحان في عالم الذرّ، فيقول:
«ومنها: ما وقع من امتحانات في العوالم السابقة، كعالم الذرّ».
(المصدر
نفسه)
* الشيخ محمّد فاضل المسعودي
قال الشيخ المسعودي: «والذي
يظهر من هذه الزيارة المخصوصة للصدّيقة الشهيدة أنها امتُحنت من قبل الباري عزّ
وجلّ قبل خلقها، أي عندما كانت نوراً من الأنوار التي خلقها الله تعالى قبل الخلق
بألف عام والتي كانت بعرشه محْدِقة، وكان الامتحان لها لأجل إظهار مقامها السامي،
ومنزلتها الحقيقية، حيث كانت نتيجة الامتحان (أنّها) صابرة.
والمعروف عند العرف العقلائي أنّ الشخص يمتحَن
ليُعرف مدى استعداداته وقابلياته ".." أما ماهيّة هذا الامتحان وفي أيّ
موضوعٍ كان، وكيف أجراه الله تعالى عليها؟ فهذا ما أشارت إليه بعض الروايات والتي
نستفيد من خلال التمعّن فيها والتدقيق في مدلولاتها أنّها امتُحنت في حمل العلم
والأمانة الربّانية، فوجدها الباري عزّ وجلّ صابرة على حمل العلم والأمانة
الربّانية، لذا استحقّت حمل الأسرار الربّانيّة».
(الأسرار
الفاطمية: ص 54)
من الأسرار النبويّة لقضاء الحوائج
«رُوي عن سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله، أنّه
قالَ لأمير المؤمنين ولابنته فاطمة عليهما السلام: إنّني أريد أن أَخُصَّكما
بشيءٍ من الخير ممّا علّمني الله عزّ وجلّ، وأطلَعني اللهُ عليه، فاحتفِظا به.
قالا: نعم يا رسولَ الله، فما هو؟
قال صلّى الله عليه وآله: يُصلِّي أحدُكما رَكعتَين، يقرأ
في كلّ ركعة (فاتحةَ الكتاب)، و(آية الكرسيّ) ثلاث مرّات، و(قل هو الله أحد) ثلاث
مرّات، وآخرَ (الحشر) ثلاث مرّات، من قوله: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا
الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ..﴾ إلى آخرِه، فإذا جلس فَلْيَتشهَّد، وَلْيُثْنِ على
الله عزّ وجلّ، وَلْيُصَلِّ على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وَلْيَدْعُ
للمؤمنين والمؤمنات، ثمّ يدعو على إثر ذلكَ فيقول:
أللّهُمّ إنّي أسألُكَ بِحَقِّ كلِّ اسْمٍ
هُوَ لكَ، يَحِقُّ عليكَ فيهِ إجابةُ الدّعاءِ إذا دُعِيتَ بِه، وأسألُكَ بحقِّ
كلِّ ذِي حَقٍّ عليك، وأسأَلُكَ بحقِّكَ علَى جَميعِ مَا هوَ دونَكَ، أن تفعلَ بي
كذا وكذا».
(السيّد ابن طاوس، جمال الأسبوع: ص 90)