الملف

الملف

منذ 5 أيام

الزهراء هي المقياس في معرفة الإسلام

واسطة العقد من منظومة العصمة

الزهراء هي المقياس في معرفة الإسلام

§      الشيخ حسين كوراني

لا تَنافي بين وجوب الحديث عن ظُلامة الصدّيقة الكبرى السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، من جهة، وصيانة الوحدة بين المسلمين من جهة ثانية، حيث إنّ تعريف الأجيال بما جرى على آل البيت عموماً، وعلى السيّدة فاطمة عليها السلام بالتحديد، بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، هو الحجّة الأقوى في تمييز الإسلام المحمّديّ الأصيل، عن المسارات المنحرفة التي حكمتْ باسم الإسلام.

هذه هي خلاصة الفكرة التي عالجها سماحة العلامة الشيخ حسين كوراني، في الفصل الثالث من كتاب (في محراب فاطمة عليها السلام)، ومنه مختصراً هذه المقالة.

«شعائر»

 

 

في أجواء الأيام الفاطمية، من واجبنا أن نُنير عقولنا والقلوب بأنوار الزهراء عليها السلام. هذه الذكرى ليست فقط مناسبة للحديث عن معصوم ندينُ اللهَ تعالى بحبّه، وليست فقط مناسبة عن معصوم معرفتُه مفتاح معرفة الله تعالى، وإنما هي مناسبة للحديث عن استمرار الإسلام المحمّديّ الأصيل؛ حيث إنّ هذا الاستمرار فاطميّ، كما هو علويّ وكما هو حَسَنيّ وحسينيّ.

لكلّ معصومٍ في منظومة المعصومين الأربعة عشر هذا الموقع في استمرار الإسلام، كما أنّ الاعتقاد بالمعصومين الأربعة عشر لا ينفكّ بعضه عن بعض، فمَن لم يعتقد بمعصوم منهم فإنّه لا يدين بدين الله عزّ وجلّ الذي ارتضاه لعباده، والزهراء عليها السلام واسطة العقد في هذه المنظومة.

مفهوم الوحدة بين المسلمين

في البداية أطرح هذا السؤال الذي قد يتبادر إلى الأذهان: كيف توفّقون بين الحديث عن الزهراء عليها السلام وبين الحديث عن الوحدة الإسلامية، فنحن نعيش في مرحلة حسّاسة من عمر الإسلام «برز الإيمان كلّه إلى الكفر كلّه»، ودماء الشهداء تغلي، وهذه أصداؤها تتردّد في أرجاء العالم الإسلامي، ونحن مدعوّون إلى توحيد الكلمة في مواجهة الغارة الأميركيّة والصّهيونيّة على أمّتنا، فكيف توفّقون بين الحديث عن ظلامة الزهراء عليها السلام وبين الحديث عن وحدة الأمّة ووحدة الكلمة، ألا ينافي الوحدة إدانة خصوم الزهراء عليها السلام؟

والجواب على هذا السؤال: نحن نقف أمام أمرين كلٍّ منهما دينٌ لا يُمكننا إلا أن نتعامل معه ونحرص عليه.

الأمر الأوّل: إظهار الإسلام المحمّديّ والحفاظ على هويّة الإسلام الأصيل.

الأمر الثاني: وحدة الصفّ وحفظ قوّة الإسلام والمسلمين في مواجهة الأعداء، وكِلا الأصلين دينٌ لا نتعاطى معه على أساس أنه شعارٌ للاستهلاك..

كلا.. عندما ندعو إلى وحدة الكلمة نعني ما نقول، وعندما نتحدّث عن ظلامة الزهراء عليها السلام لا نرى في ذلك تنافياً مع الدعوة الصادقة إلى توحيد كلمة المسلمين في معترَك الصراع ضد العدوّ الأميركي والصهيوني .. كيف ذلك؟

سيتّضح من مطاوي الحديث أن معرفة الزهراء عليها السلام هي معرفة الإسلام المحمّديّ الأصيل، بل لا أبالغ أبداً إذا قلت: إنّ الزهراء عليها السلام هي الإسلام، وسيأتي مزيد توضيح.

ومسألة الوحدة لا نفهمها مجاملة وتظاهراً وتصنّعاً، أو نفاقاً، أي أن يقول الشيعيّ للسنّي – أو العكس – أنا مثلك تقريباً. هذا ليس توحيداً لكلمة المسلمين.. مسألة التوحيد لا تتنافى مع الإثنينيّة، فهناك نمطان، وفهمان، وتغايُر في كثير من الأمور. ومع وعينا لهذا التغاير نُصِرُّ على الوحدة، لأننا نريد الوحدة بين أهل فهمَين تجمعهما قواسم مشتركة في مواجهة الأعداء .. تجمعهما وحدة الاعتقاد بالله تعالى، ونبوّة المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقدسيّة القرآن الكريم، وعظَمة أهل البيت عليهم السلام، وغير ذلك كثير ..

الأمر الذي لا بُدّ من إيضاحه أنّ لكلٍّ من الفريقين؛ الشيعي والسنّي، أن يتحدّث في دائرته الخاصة بما يعتقده حقاً بينه وبين الله تعالى. يعزّز كلُّ فريقٍ قناعته، يربّي جمهوره على ما يعتقد أنه الدّين، إلا أنّ خصوصيّات الوحدة الإسلامية، يجب أن تُلحَظ، لا سيما في الدائرة العامّة.

ولا ننسى  أننا روّاد الحوار مع الغير، فلماذا لا نعتبر الحوار بيننا دليل قوّة فيرى الجميع أننا نتحاور في أمور حسّاسة ولا يؤثّر ذلك على وحدة صفّنا .. لا تعني الوحدة إلغاء الفوارق الموجودة أصلاً، وإنّما تعني أن لا نسمحَ لهذه الفوارق أن تمزّقنا فننشغلَ بالصراع فيما بيننا، ونغفل عن الصراع مع الأعداء، يُمكن أن نجمّد الصراع، ولكنّ الحوار والبحث والتحقيق ومحاولة التعرّف على الإسلام المحمّديّ الأصيل؛ كلٌّ من وجهة نظره أمر آخر.

وينبغي التنبّه جيداً إلى أنّ تثبيت معادلة أنّ الوحدة تساوي المداراة – التي هي بالنفاق أشبَه – والامتناع عن البحث في ما نشعر بضرورة البحث فيه يشكّل خطراً كبيراً على المعتقَد وعلى الوحدة معاً.

إذاً، لا يصحّ أن تُطرَح الأحاديث عن ظلامة الزهراء عليها السلام في إطار إثارة النعرات بين المسلمين. يجب الحرص جدّاً على أن لا يعلو صوتٌ فوق صوت المعركة مع أميركا والعدوّ الصهيونيّ، وأن تُطرح حقائق الإسلام ويجري البحث عنها في الإطار الذي ينبغي، لأنّ التعريف بالإسلام المحمّديّ الأصيل واجبٌ لا مجالَ لأنْ نحيدَ عنه.

الزهراء عليها السلام هي الإسلام

أما مسألة أنّ الزهراء عليها السلام هي الإسلام.. فعندما نجد شخصاً ورِعاً متّقياً، قمّةً في الإيمان كما يقال، لا يخالف أحكام الشّرع، أو أنه حريصٌ جداً على عدم المخالفة، ودقيقٌ في التزامه بالحكم الشرعي.. نقول: إنه تجسيدٌ للإسلام، إنه إسلامٌ يمشي على الأرض، فإذا كان يصحّ هذا الوصف بالنسبة لشخص غير معصوم، فكيف بالنسبة للمعصوم الذي لا ينفكّ عن الإسلام ولا ينفكّ الإسلام عنه؟ الزهراء عليها السلام هي الإسلام لأنّها القمّة المحمّديّة التي لا تُبارى.

الزهراء عليها السلام عظيمة، وقد أكّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ عظَمتها فوق ما نتصوّر بكثير: «فاطمة بضعةٌ منّي»، «إنّ اللهَ لَيَرضى لِرضى فاطمة»، وغير ذلك من الأحاديث.

ليس كلُّ عظيمٍ يرقى إلى مرتبة أنه بضعةٌ من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو يرضى الله تعالى لرضاه.. ولأنّها عظيمة فقد أكّد المصطفى هذا التّأكيد لأسبابٍ منها: أنّ الفترة التي ستلي شهادة المصطفى ستكون فترةً فاطميّةً بامتيازٍ شديد، وإلا فإنّ كلّ القرون فاطميّة..

لا يمكن أن يُعرف خطّ استمرار الإسلام المحمّديّ الأصيل، في تلك الفترة وبعدها، إلّا من خلال رصْد مواقف الزهراء عليها السلام كما سنرى، هذا الأمر ينبغي أن يضعنا أمام حقيقةِ أنّ الزهراء عليها السلام في تلك المرحلة خاطبتِ الأجيال، ونَجِد في خطبتها المباركة (في المسجد النبويّ) المؤشِّرَ على ذلك: «أنّها كانت تخاطب الأجيال».

كانت تعلم أنّ القوم الذين يسمعونها لن ينصروها، لذلك أشارت إلى أنها تخاطب الأجيال، والمصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله وسلّم أكّد (عظَمتها) لأنها تستحقّ هذا التأكيد، ولأنّ هذا التأكيد يجعل إصغاء الأجيال عبر القرون إلى صوت الزهراء عليها السلام، الذي دوّى في تلك الأجواء، إصغاءً مميزاً، وهذا يعني أنّ الزهراء عليها السلام هي المقياس في معرفة الإسلام.

واجب الأجيال تجاه الخطاب الفاطميّ

إذا أردنا أن نوضح ذلك بعض الشيء، فلا بدَّ من الوقوف عند بعض الخصوصيّات.

أولاً: كانت الردّة مستبطنة، موجودة في زمن المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله وسلّم ﴿.. أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ..﴾ (آل عمران:144)، فالقرآن الكريم يتحدّث عبر هذا الإنقلاب على الأعقاب عن رِدَّةٍ مستبطنة، ونجد أنّ القرآن الكريم يصف أركانها بأنّهم مَردوا على النفاق.

ثانياً: أنّ وفاة المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله وسلّم أتاحت الفرصة، رأى أولئك أن الفرصة مؤاتية للانقضاض على الإسلام بالطريقة المناسبة.

ثالثاً: أن عليّاً عليه السلام كان مأموراً بالصبر..

هذه هي الأجواء التي نقرأ فيها عن مواقف الزهراء عليها السلام والتي أطلقتْ فيها للأجيال خطبتَها الفصل. عندما نُلقي نظرة سريعة على أهمّ عناوين هذه الخطبة المباركة، نجد أنّها عليها صلوات الرحمن كانت تريد أن تثبّت حقائق الإسلام ومفاهيمه في خطبة تاريخية خالدة، بل هي السند الأقوى على الخطّ الإسلاميّ المحمّديّ الأصيل.

تبدأ الخطبة بالحديث عن توحيد الله تعالى، ثمّ الحديث عن اختيار المصطفى الحبيب قبل أن يخلق الله تعالى الخلق، ثمّ تتحدّث باختصار عن البِعثة وعن الشهادة، ثم عن جملة من العناوين الإسلامية الأبرز، الصوم تثبيتاً للإخلاص وما بعده.. ثم ترجع إلى الحديث بالتفصيل عن أجواء البِعثة والحروب التي خاض غمراتِها المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلى أن تصل إلى الظرف الذي كانت فيه.

بعد ذلك تتحدّث مع الأنصار، ثم تؤكّد أنها تعرف أن الأنصار لن ينصروها، ولن ينصروا عليّاً عليه السلام.

أيها الحبيب: ما هو واجب الأجيال تجاه هذا الخطاب الفاطميّ؟

لنستحضِرْ أن أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام لم يتصدّ في تلك المرحلة، كان مأموراً بالصبر، الزهراء عليها السلام هي التي تصدّت، ما معنى ذلك؟

معناه أن تراقب الأجيال مواقفَ الزهراء في تلك الفترة الحَرِجة، وتحاول معرفة الإسلام المحمّديّ الأصيل من خلال مواقفها عليها السلام.

إذا أردتُ أن أقف عند بعض الدلالات لتصدّي مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام، فينبغي أن أؤكّد في البداية أن من الدلالات، أنّ استمرار الإسلام رهنُ مواقف الزهراء عليها السلام. ولكي نستوعب أهمية هذه النقطة يجب أن نتنبّه إلى ما يلي:

هناك نمطان في الحديث عن ظُلامة الزهراء عليها السلام في الدائرة الشيعية. نمط يريد أن يوحى لنا أنّ ظلامتها عليها السلام على الهامش.

النمط الآخر: أن الحجّة التي يُعرَف بها الإسلام المحمّديّ الأصيل ينبغي أن يُبحث عنها في تلك الفترة النوعية في ظلامة الزهراء عليها السلام، وينبغي أن لا توضع ظلامة الزهراء على الهامش على الإطلاق، وإنما هي المدخل.

عندما نريد أن نبحث عن الحجّة الأقوى والأبرز والأشدّ وضوحاً، والتي يُمكن أن يقف عندها العدوّ والصديق، البعيد والقريب، نجد أن مواقف الزهراء عليها السلام هي الحجّة الأقوى، هذا الأمر يجعلنا نتنبّه إلى خطورة أدنى تقليل من شأن ما جرى على الصدّيقة الكبرى.

والدلالة الثانية: أنّ التأكيد على كلّ مفردة من مفردات ظلامة الزهراء، تأكيدٌ على الإسلام المحمّديّ الأصيل، حيث إنه تأكيدٌ على أقوى حجّة يمتلكها الإسلام لإثبات المسار الصّحيح، وتمييزه من مسار «مسجد ضِرار».

والدلالة الثالثة: أنّ إضعاف أيّ مفردة من مفردات ظلامة الصدّيقة الكبرى عليها السلام هو إضعافٌ للإسلام المحمّديّ الأصيل.

في الختام، أيّها الحبيب، درسٌ عمليّ بالإضافة إلى الدروس الكثيرة في العبادة والورَع وغير ذلك، هو درس الجهاد في سيرة مولاتنا الزهراء عليها صلوات الرحمن، هي أمّ المجاهدين وأمّ الأسرى وأمّ الجرحى وأمّ الشهداء، إذا أردنا نكون فاطميّين، مع الزهراء، لترضى عنّا عليها السلام، فينبغي أن نكون في خطّ الجهاد، ونحن في عصرٍ لا يصحّ أن يحرم الإنسان نفسه من التطلّع إلى الشهادة.

ما أسوأها من عاقبة أن يُحرَم الإنسان الشهادة وقد فُتحت أبوابها في عصرٍ نرى فيه كيف يقتحم فيه المجاهدون في فلسطين وفي المقاومة الإسلامية في لبنان سوحَ الجهاد، علينا أن نكون معهم ونبحث عن رضى الزهراء عليها السلام في خدمتهم، بل في الحرص على أن نكون منهم، وما ذلك على الله تعالى بعزيز.

اخبار مرتبطة

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ 5 أيام

إصدارات عربية

  سنن وآداب

سنن وآداب

منذ 5 أيام

سنن وآداب

نفحات