نصائح
وتوجيهات من شيخ الفقهاء العارفين الشيخ بهجت قدّس سرّه
لِنتحصّن بالقرآن من فتن الدنيا
ـــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــ
إنّ قول القائل: لماذا الحاجة إلى المرشد مع وجود القرآن
الكريم والسنّة المطهّرة للنبي صلّى الله عليه وآله والمعصومين عليهم السلام؟! يشبه
قول المريض: إنّه لمّا كانت كُتُب الطبّ مدوّنة من قبل الأطباء وهي موجودة، فلا حاجة
لمراجعة الأطباء!!
ولا شكّ في عدم صوابية هذا القول، إذ لا يتيسّر لكلّ أحد
تشخيص العلاج من كتب الطبّ، وكما أنّ على المريض مراجعة الأطباء، كذلك من يريد الهداية
والحقّ فعليه مراجعة أهل الاستنباط من الفقهاء العدول ومن العارفين بالله تعالى
المُفنين أعمارهم بالمجاهدة والتزكية.
فيما يلي مختارات من أحاديث مختلفة لشيخ الفقهاء
العارفين الشيخ محمّد تقي بهجت رضوان الله تعالى عليه، تقدّمها شعائر بأسلوب السؤال
والجواب.
س: كيف ينبغي أن ندعو بتعجيل فرج صاحب الزمان أرواحنا له الفداء؟
يجب أن نطلب من الله في خلواتنا معه، وفي تضرّعاتنا وتوبتنا وصلواتنا
وعباداتنا، وخصوصاً بالدعاء الشريف «إلهي عظُم البلاء وبرح الخفاء..» أن يظهر
صاحب الأمر وأن نكون معه. فإذا أظهره الله تعالى فهو المطلوب، وإلّا فليكن طلبُنا
أن لا نبتعد عنه، ولا نبتعد عن رضاه، فإنّه يرى ويعلم ما نتكلّم به مع بعضنا، إنّه
عين الله الناظرة، وأذنه الواعية، ويسمع كلامنا قبل أن نسمعه نحن، بل بمجرّد أن
نتكلّم فهو يسمع كلامنا، فإنّ الكلام يحتاج لمدّة ليصل من اللسان إلى الأذن لكنّه
يسمعه قبل هذه المدّة.
س: نحن نحزن عند فقد إخواننا وأصدقائنا الذين صاروا في عداد الشهداء، فهل
في هذا الحزن بأس؟
لو أردنا تقييم الشهادة، فهي ممّا يوجب المَسرّة لا الحزن، فهذا الحزن الذي
يظهر في الإنسان سببه أنّ ذلك الشهيد قد ارتحل إلى تلك الغرفة مثلاً، بينما بقينا
نحن في هذه الغرفة، ولا نفكّر عند ذلك في أفضليّة حاله من حالنا، وبأنّنا مكدّرون،
بينما هو في راحة، ولا نفكّر في الأمور التي جعلها الله له الآن، بينما لا يُدرى
كيفية ارتحالنا نحن، هل نمضي مع الإيمان أو من دونه؟ هو قد مضى مؤمناً، وبهذا
النحو أيضاً: لقد مضى شهيداً.
علينا أن نفهم أنّ الشهادة من موجبات السعادة، وأنّها ترتقي بكلّ فرد إلى
أعلى، ولا تنزله إلى أسفل، وهذا البيت ليس بالبيت الذي نخلد فيه، بل على الفرد
منّا أن يجمع أموراً معيّنة للمكان الذي سوف يعيش فيه.
س: ما هو الميزان الذي يجعل أعمالنا مقبولة عند الله عزّ وجل ّمهما كانت
قليلة، بحيث نرجو ثوابها الجزيل في الآخرة؟
لو أنفق المرء شيئاً من ماله لله -ولو كان زهيداً- وأنفق في المقابل الآلاف
من الذهب والفضة دون أن يكون ذلك لله، فذاك من الباقيات، بينما هذا من الفانيات.
إنّ الإنسان يترقّى باستمرار، وينمو آناً فآن، ومن المحال أن يقوم بعمل خير
لله عزّ وجلّ ويكون مغفولاً عنه ﴿..لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ..﴾ سبأ:3، [فمن المحال إذاَ]
ألّا يطّلع عليه الملائكة، أو لا يكتبه أحد أو يقوم بتسجيله. علينا الالتفات! فكل
خير أو شرّ يصدر من أيٍّ كان سيكون هناك بارزاً [ظاهراً]. والله يعلم مقدار
الناظرين والذين سيطّلعون على هذه الأوضاع! والله أعلم أيّ جزاء ثابت سيؤدّى
للإنسان على أعماله، خيراً كانت أم شرّاً.
لا ينبغي التوهّم أنّ المسألة مسألة قلّة أو كثرة، بل المدار على الكيفية،
فإن كان العمل لله فله قيمتُه حتى لو كان قليلاً، وإن كان لغير الله فلن ينفع ولو
كان كثيراً. ومن المفروض ملاحظة ما يقوله دستور الشرع ليرى ما الذي يجب فعله أو
تركه في ذلك المورد. إنّنا ضيوف الله وعلى سفرته، وهو يرانا ويعلم ما الذي نفعله،
وما الذي نفكّر بإتيانه. فهو أعلم منّا بأفكارنا.
س: وصيّة نبينا صلّى الله عليه وآله وسلّم التمسّك بالقرآن والعترة، ما هي
نصيحتكم لكيفية الالتزام بهذه الوصية؟
علينا الالتفات إلى لزوم الترقّي في هذين الأمرين يوماً بيوم؛ فكما يتقدّم
بنا السنّ فكذلك يلزم أن تترقّى معلوماتنا بهذين الأمرين. لا نذهبنّ هذه الجهة أو
تلك، وإلّا ضعنا. ما دام هذان الأصلان الأصيلان معنا فلن نضيع أو نضلّ.
فلنتعلّم القرآن: ألفاظه لنتجنّب الغلط في قراءة ما نعرفه منه، لنتعلّم
قراءته بشكلٍ صحيح، وكذا تجويده، لتكون قراءتنا في الصلاة صحيحة.
ولنتعلّم تفسيره بواسطة التفاسير السهلة المبسّطة والمعتبرة.
لنحفظ القرآن لكي يكون دوماً معنا ونحن معه، ولنتحصّن به ونجعله الحافظ لنا
والوسيلة لذلك في فتن الدنيا وشدائدها.
لنسأل الله عزّ وجلّ أن لا يفرّق بيننا وبين القرآن، كما نسأله أيضاً أن لا
يفرّقنا عن العترة، إذ العترة مع القرآن، والقرآن مع العترة. إذا افتقد شخص ما أحد
هذين، فقد افتقدهما كلاهما.
س: نضطر -أحياناً كثيرة- في معاملاتنا أو في علاقاتنا مع أرحامنا لمخالطة
غير المتديّنين فهل لذلك أثر ما على تديّننا؟
إنّ كثرة مجالسة أهل الغفلة تزيد من قساوة القلب وظلمته، ومن النفور من
العبادات والزيارات، ولذا نجد أنّ الأحوال الحسنة الحاصلة من العبادات والزيارات
وأنحاء التلاوة، تتبدّل بسبب مجالسة ضعفاء الإيمان إلى سوء الحال والنقصان.
فمجالسة ضعفاء الإيمان إذاً في غير صورة الاضطرار، أو من دون قصد هدايتهم تسبّب
فقدان الملَكات الحسنة للمرء، بل إنّه يكتسب أخلاقهم الفاسدة.
س: هل لكم أن تعظونا ببعض ما تذكرونه من قصص الصالحين؟
سمعتُ أنّ المرحوم الشيخ غلام رضا اليزدي كان يعيش حياة مرفّهة أثناء وجوده
في يزد، لكنّه عندما يتوجّه إلى القرى المجاورة كان يحمل معه زاده من الخبز واللبن
وغيرهما، وكلّما وصل قرية قام بتعليم أهلها القراءة الصحيحة في الصلاة والأحكام
الشرعية الضرورية التي يحتاجونها، ثمّ ينتقل إلى قريةٍ أخرى. وكان يحمل طعامه معه
في جميع الأحوال ويجتنب طعام الناس.
لقد كان هؤلاء كالأنبياء عليهم السلام في القيام بمهمّة التبليغ ويؤدّون ذلك
من غير توقّع أجرٍ أو منّة على أحد، والله تعالى يعلم كم لهؤلاء من مقامات! طبعاً
هذا في حالة كون المبلّغ عالِماً بما يفعل ويترك، وعاملاً بما يأمر وينهى.
[و] حضرت ذات مرّة في مدرسة الشيرازي في سامرّاء -حيث يقيم البغداديون وأهل
الكاظمية- مجلس العزاء في الثالث من رجب [يوم وفاة الإمام الهادي عليه السلام]،
فارتقى المنبر واعظ عجوز، وكان سيّداً نحيفاً وطويلاً، ومحلّ احترام كبير من
الحضور. وكان خطيباً حقّاً، لقد كان مجلسه كلّه روايات، ولم أرَ من قبله ولا بعده
أحداً مثله، فلم يكن يذكر في خطابه من أوّل كلامه إلى آخره كلمة من غير الروايات،
وكان حريصاً جدّاً على أن لا يتجاوز كلامه الروايات، وكلّما قرأ رواية يصعب فهم
معناها، أردفها مباشرةً برواية أخرى توضح معنى الرواية الأولى، فيبيّن معى الرواية
بالرواية أيضاً. وكان يختار الروايات القصيرة إلى حدٍّ ما بحسب الحاجة.
وفي الواقع أنّ من كمال الإنسان أن يتحدّث ساعة كاملة دون أن يقول شيئاً من
عنده! وأنا أتعجّب الآن كيف قرأ المصيبة في مجلس العزاء.
س: ما هو الحدّ الأدنى المطلوب منّا في علاقتنا بالله عزّ وجلّ؟
يجب أن نعلم أنّ كلّ واحد منّا بينه وبين الهدف الأعلى والمقصد الأقصى مسافة،
وهذه المسافة مختلفة باختلاف الأفراد، وكلّ شخص له مسافة معيّنة بينه وبين مقصده،
ولهذا يجب علينا أن نسعى أن لا نزيد تلك المسافة، وأن لا نجعل حِملنا أبهظ وأثقل.
والذنوب توجب ثقل الحمل وبُعد المسافة إلى المقصد، حيث سنحتاج إلى الكثير من
الاستغفار والسعي للرجوع إلى محلّنا الأوّل. إنّ ملاحظة هذا المطلب مهمة جداً، حيث
يمكن بواسطتها أن تنفتح طرق السعادة أمامنا.
س: ما هي وصيّتكم للتوفيق في حُسن العلاقة بين الزوجين؟
إنّ الانسجام والتوافق الأخلاقي بين الرجل والمرأة في جوّ العائلة لا يمكن
إحرازه مئة بالمئة لغير الأنبياء والأولياء عليهم السلام، وإذا أردنا أن نجعل جوّ
العائلة دافئاً ومقروناً بالصفاء والإخلاص، فيجب علينا فقط الصبر والاستقامة
والعفو وغضّ النظر والرأفة ليكون جوّ العائلة نورانياً. فإذا لم توجد هذه الأمور،
فإنّ الاصطدام آتٍ لا محالة، وجميع الخلافات العائلية ناشئة من عدم مراعاة هذه
المسألة. هنيئاً لأولئك الذين يرون أخطاءهم ويهتمون بعيوبهم، ويتجاهلون عيوب
الآخرين، ولا يرون أنفسهم كاملين وبلا عيب ونقص. بل يرون أنفسهم في مواضع الخطأ
مخطئين.
س: كيف هو سبيل النجاة في معرفة التكاليف الإلهية
المتوجّهة إلينا؟
علينا أن نطلب من الله أن نكون في كلّ أمرٍ من الأمور [الدينية أو الدنيوية]
إمّا علماء أو متعلّمين أو محتاطين، فإن لم نكن علماء، فإمّا أن نرتبط بعالِم أو
نحتاط، وإلّا فلنتوقّع التردّي والغرق في الشقاء. وأمّا إذا كان الإنسان عالِماً
أو محتاطاً فهو سائر في طريق السعادة، ولن يضرّه ما يصيبه من بلاء، وحتّى لو رحل
عن هذه الدنيا أيضاً فليس بذي بال؛ إذ لا بدّ من ارتحالنا جميعاً من هذه الدنيا
آخر الأمر بسببٍ من الأسباب، والأساس هو الهلاك والشقاء الأخروي والأبدي، لا
الهلاك الدنيوي.