المبعث
النبويّ الشريف
جهاد الإنسان الأعلى بمكارم الأخلاق
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع الديني الراحل الشيخ محمّد أمين زين الدين ــــــــــــــــــــــــــــــ
بُعث رسول الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم بالنبوّة يوم الاثنين في السابع والعشرين من شهر رجب، وهو في
الأربعين من عمره الشريف، وقبل الهجرة إلى المدينة المنوّرة بثلاثة عشر عاماً، في
سنة 610 من ميلاد نبيّ الله عيسى عليه السلام.
واقترنتْ بعثته
المباركة بنزول الوحي عليه؛ نزل به الروح
الأمين جبرئيل عليه السلام، يبشّره بأنّ الله تعالى قد اختاره رسولاً نبياً، وبلّغه
الآيات الخمس الأولى من سورة العلق، وهي أوّل ما أُنزل من القرآن الكريم نجوماً.
ويُسمّى اليوم السابع
والعشرون من شهر رجب الحرام بـ«يوم المبعث»، وهو يومٌ شريف ومبارك، ومن الأعياد
العظيمة، وينبغي للمسلمين جميعاً تعظيمه والاعتزاز به.
تتناول هذه المقالة
مجموعة عناوين ذات صلة بالبعثة النبويّة، وقد اختصرناها عن بعض فصول كتاب (من أشعّة
القرآن الكريم) للمرجع الديني الراحل الشيخ محمّد أمين زين الدين.
«شعائر»
.. وبُعث محمّدٌ صلّى الله عليه
وآله ليحقّق الغاية الكبرى التي أرادها الله تعالى من إحداث الكون وإيجاد الحياة،
وإنشاء الإنسان. وَلِيكون أعظم رسولٍ بأعظم رسالة، وأكبر داعٍ إلى أكبر دعوة.
وبُعث محمّدٌ صلّى الله عليه وآله
ليَصل الأرضَ بالسماء، وليتوَّج إماماً للأنبياء؛ فتتفَيَّأ الإنسانية ظلاله،
وتترسّم مثالَه.
وأُنزل القرآن دستوراً للدولة، وقانوناً
للحكم، ونظاماً للاجتماع، ومنهجاً للاقتصاد، وقاعدة للتربية، وسَنناً للأخلاق،
وشريعةً للعمل، وحدّاً للحقوق، ولساناً للهداية، وبرهاناً للدعوة.
ونظرتِ الفطرة فلم تشكّ، وفكّر
العقلُ فلم يَمْتَرِ، وشهِد البرهانُ فلم يَرْتَبْ، وأبصرَ العلمُ فلم يتردّد، وآمنتِ
الفطرة، وآمن العقلُ، وآمن البرهانُ، وآمن العلمُ.
ووقفتِ الأهواء فلم تُبصر، وتبلّدت
الغباوات فلم تهتَدِ. ورفع محمّدٌ صلّى الله عليه وآله قَبَساً بعد قبسٍ من أشعّة
القرآن الكريم لِيُنير النفوسَ التي طبعتْ عليها الأهواء، ويُحيي الأذهانَ التي
أماتها الغباء.
وجاهدَ بالحجّة، والموعظة، والنصيحة،
وجاهد بالخُلق الكريم والقلب الرّحيم.
وطمِعت بعض هذه النفوس في غير
مَطمع، وجهدتْ أن توصِد الأبواب في وجه الدعوة، وأن تقطع السُّبل، ولم يُجْدِ معها
البرهان شيئاً، ولم تنفع الذكرى فتيلاً. واضطُرَّ محمّدٌ صلّى الله عليه وآله أن
يحتكم مع هذه الفئة إلى القوّة لِفتح الأبواب وتخلية السبيل، فجاهد بالسيف وبالعزيمة،
وهي أمضى حدّاً من السيف، وجاهد بمَدد الله ونَصْره، وهي القوّة التي تمدّ السيف
والعزيمة والجُند بالمضاء والحزم. ولم يُزايل البَرْهَنة في مواقفه تلك، ولم يترك
النصيحة، ولم يفارق الخُلق الكريم والقلبَ الرّحيم، فظهرَ أمرُ الله وهم كارهون، وَعَلَتْ
كلمةُ الله عزّ وجلّ وهم راغمون.
الأهواء
في ثوب الحضارة!
ودار الزمان، ودارت القرون.. وتراكمتِ
الأهواء، وتكدّس الغباء.. واتّخذت الأهواء في دورتها هذه صبغة الحضارة، وأُلبِس
الغباء لباس المدنية. ودعوةُ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله لا تزال هي دعوته،
وبيّناته هي بيناته. هي تلك التي آمنت بها الفِطرة، وآمن بها العقل، وآمن البرهان،
وآمن العلم.
ووقفت الأهواء فلم تُبصر، وتبلّد
الغباء فلم يَهتد. ومُدّت الأيدي لتُوصِدَ الأبواب والسُّبل في وجه الدعوة.. ولِتَصُدَّ
الأذهان عن إدراكها، بل وَلِتُوقِرَ الآذان عن سماعها، ولتكمّ الأفواه عن الجهر
بها. فهل لنا أن نرفع القبس الذي رفعه محمّدٌ صلّى الله عليه وآله لنُضيء للسادرين
طُرقهم وننقذ هالكهم؟ وهل هي أمنية أو تساؤل، أو هي فريضة محتومة سريعة لا مجال
فيها للاماني، ولا وقت معها للإبطاء؟
ماذا
قبَسنا من الهدى الإلهيّ؟
وجئنا نحن في الأعقاب..
جئنا بعد كلّ
هذه التهيئة، وكلّ هذا الإعداد، وبعد أن أقام اللهُ لنا اثني عشر دليلاً معصوماً
بعد رسوله العظيم تُرشدنا إلى دينه القويم..
فماذا أفَدْنا من هذا الإعداد؟
وماذا قبسنا من
هذه الأنوار؟
وما
هي حصيلتنا من هذه الجهود ومن هذا الجهاد؟
نعم، ما هي حصيلتنا نحن، فنحن
المعنيّون، ونحن المخاطَبون ونحن المسؤولون.
أَكُلُّ حصيلتنا أنّنا أصبحنا
إمّعةً تتلاقفنا المبادئ الكافرة، وتصرفنا الأهواء الحائرة؟!
ما بهذا بُعث محمّدٌ
صلّى الله عليه وآله، وما لهذا جاهد عليٌّ عليه السلام، وما لهذا ناضل أبناؤهما
المعصومون عليه السلام.
فهل لنا أن نقف عند حدودنا فنعترف
بأننا ظالمون؟!
لقد
كرّمنا اللهُ تعالى كرامةً ليس فوقها من مزيد لَمّا ارتضى لنا أفضل أديانه، وهدانا
أشرفَ سُبله، واختصّنا بسيّد رُسُله وبأعظم كُتبه، وميّزنا بسادات أوصيائه
وخلفائه.
لقد
كرّمنا اللهُ سبحانه، بهذه الخِيرة لنا، كرامةً ليس فوقها من مزيد، فما بالنا لا
نرى أنفسنا أهلاً لهذا التكريم؟!
ولماذا
نستبدلُ بالرِّفعة هواناً وبالسعادة شقاءاً وخساراً؟!
آن لنا أن نقفَ لنُصلحَ أخطاءنا،
ونتلافى ما فاتنا، ونصحِّحَ باتّباع رسالته ما فسدَ من أوضاعنا وأعمالنا، ثمّ نحمل
دعوةَ الله عزّ وجلّ فنبلّغها مَن حولنا من الأمم.
إن الأمم ممّن حولنا تنتظر دعوةَ الله
التي حمّلنا محمّدٌ صلّى الله عليه وآله أعباءَها، وأوضحَ لنا أميرُ المؤمنين عليٌّ
عليه السلام مناهجها، وأبانَ لنا المعصومون من أبناء عليٍّ عليه السلام أسرارها،
إنهم ينتظرون هذه الدعوة المنقذة المشرقة تصل إليهم من أفواهنا وبأقلامنا وأعمالنا:
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. (التوبة:105)