أبوابها
مشرّعة للهزائم المتتالية
السعودية غارقة في فصامها التاريخي
ـــــــــــــــــــــــ
محمّد لَواتي* ـــــــــــــــــــــــ
يبدو أنّ الوزير عادل
الجبير لا يؤمن بأنّ السياسة مبادئ بقدر ما يؤمن بمحتويات الفوضى التي يُطلقها من
حين إلى آخر. مرّةً يقول: «الرئيس الأسد عليه أن يرحل»! وأخرى يقول: «إنّ حزب الله
إرهابي ومثله حماس»!! في حين يرى في «إسرائيل» صديقة ولا بدّ من التعامل معها وفق
شراكة استراتيجية ضدّ الكلّ!
وليس هذا فحسب، فقد
طلبت السعودية وعلى مدار تاريخها من أميركا تحطيم الدول العربية «لتهنأ هي وأميركا»
كما جاء في رسالة الملك فيصل المسرّبة إلى الرئيس جونسون بتاريخ 22/12/1966: «أن
تقوم أميركا بدعم إسرائيل بالهجوم على مصر». «إنّ سوريا هي الثانية ألّا تسلم من
هذا الهجوم». ثمّ «الاستيلاء على قطاع غزّة». و«تقوية مصطفى البرزاني بإمداده
لإقامة حكومة كردية في شمال العراق»!!
والملك عبد الله سار
بدوره على نهجه وقد فضحه الوزير جون كيري حيث قال: «إنّ الملك عبد الله طلب منه
رسمياً ضرب إيران».
في سوريا مَن كانت
تعوِّل عليهم من المعارضة، الذين يشبهون الصناديق المثقوبة من الأسفل، للاستيلاء
على السلطة سقطوا كأوراق الخريف. والمفبرك منهم هرب بالمال المقدّم لأتباعه رواتب
شهرية..
السعودية تبدو بلا
نوافذ ولا أبواب أمام الهزائم المتتالية، حشرت كلّ جروحها في معبد السياسة المتعدّدة
الوجوه والمنافع لغيرها، وهي لا تمتلك أيّ تصوّر فيها خارج الكاراج المالي الذي
تسوّق به خرافات الوهّابية..
أنشأت «داعش» قهراً
بواسطة الفكر الوهّابي الذي لا يتعدّى مذهبُه بكامله حدّ كلمات مُختصرَة: «مُحاربة
الشرك»، و«هدم القبور» و«أقبية بقايا الديانات القديمة» التي تؤرِّخ لعصورٍ من
الحياة البشرية..
مذهبٌ بهذا التوجّه
لمحاربة القبور بدلاً من إحياء الدين بما يتوافق مع الإسلام ذاته هو عين الخطيئة،
لأنّه في الواقع أقرب إلى الغشّ الديني منه إلى الاجتهاد في الدين...
تبدو الوهّابية، ومنذ
نشأتها على خارطة الدم، وكأنّ مَن نشروها ظنّوا أنّ فتوى واحدة من مُفتيهم الأكبر
ترفعها وتُرهق غيرها بالفِتَن الأخرى..
تدّعي الصحافة ومراكز
البحث لدى أنظمة الخليج أنّ دولها تُحارب «داعش»، وأنّ إيران هي من أنشأته!! وأنّ
قطر مثلّت اللعبة القذرة في «مجلس التعاون الخليجي».. كلامٌ يبدو قبَلياً إلى أبعد
الحدود...
حين يُفتي مفتي بني
سعود بأنّ إيران «مجوسية» وأهلها «كفّار» فهو يَعي جيداً أنّ كلامه غير صحيح، ولكنْ
يقول ذلك إرضاءً للاتفاق المبرَم بين المؤسّسة الدينية والمؤسّسة السياسية....
وكان الاتفاق كالآتي: «يكون لأمير المؤمنين محمّد بن سعود (الطرف الأول) وذريّته
من بعده، السلطة الزمنية، ويكون للإمام محمّد بن عبد الوهاب (الطرف الثاني)
وذريّته من بعده السلطة الدينية..». والمقصود بالسلطة الزمنية الحُكم، وبالسلطة
الدينية الإفتاء وتكفير مَن ليسوا مع الوهّابية، ولا يدفعون ما لديهم من مال لها.
وهكذا تمّت الصفقة.
فسُمّيَ الطرف الأول باسم «إمام المسلمين»، وسُمّيَ الطرف الثاني باسم «إمام
الدعوة»، وهذا هو «داعش» التاريخي..
السعودية
تسدّد الجِزية للغرب
الغرب بالتأكيد ليس
غبيّاً.. والغرب أيضاً حين يُقرّر أن تسدّد السعودية - ومَن لحقها - فاتورة الحرب
على سوريا وليبيا واليمن، لا يؤمن بالحرية لهم خارج القهر المالي لمالهم، ولا
بالديمقراطية إلّا بما تلوكه الألسن أمام كاميرات العالم، لأنّ الديمقراطية إن
طُبّقت ترجع على أدعيائها بالوكالة.. لقد تكلّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب في
بداية حملته عن السعودية كلاماً مُشيناً ومُسجّلاً، وتوعّدها بالجزية مقابل
حمايتها، والحماية هنا غير واضحة؛ لأن لا أحد يريد للسعودية حرباً ضروساً ضدّها
تشعل المنطقة كلّها، بل إنّ داخلها المسكون بالخطأ التاريخي الذي حشرتْ نفسها فيه
منذ البداية هو الذي يُملي عليها هذا الخوف..
حين رفضت باسم
المذهبية الدينية أيّ رأي لا يلتقي ونظرتها السيّئة للدّين سخّرت لذلك أكثر من
سبعين مليار دولار لتسويقه من منتصف سبعينات القرن الماضي، كما سخّرت قنوات فضائية
ظاهرها ديني وباطنها سياسي مُنحرِف، وبدُعاة أغلبهم يبحث من وراء ذلك عن الثراء
الفاحِش.. بل إنّها أوقعت العالم الإسلامي، في الجزء الفقير منه، في تبعيّتها
بالرشاوى لحكّامه، وحتى إتاحة الحجّ مجاناً للبعض ليس حبّاً فيهم، ولا تقرّباً إلى
الله زُلفى، ولكنْ بقصد تسخيرهم وقت الحاجة للدفاع عن سيّئاتها بالتهريج السياسي..
ثمّ هل من الحُكم
الإسلامي أن يتولّى أبناء سلمان وحدهم المسؤولية قصد توصيلهم خلفاً إلى الحكم
الشمولي مثل مَن سبقوهم.. لقد كان قبله بندر بن سلطان «سفير المملكة ثمّ مدير
مخابراتها» أحد أهمّ العابثين بمصالح الأمن القومي العربي لفائدة الغرب كلّه، بل
كان أهم المنظّرين للإرهاب «الداعشي» في جزء مهمّ من القارّة الآسيوية، حتّى أنّه
في إحدى زياراته إلى موسكو طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفع يديه عن سوريا
لتسقط في فم الوهّابية، ويقوم هو بمنع المتطرّفين من شنّ هجمات على روسيا أثناء
الألعاب الأولمبية الشتوية التي جرت في «سوتشي»، فما كان من بوتين إلا إن قال له: «لسنا
أغبياء إلى هذا الحدّ الذي تتصوّروننا في ما أنتم عليه».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* رئيس تحرير يومية
المستقبل - المغرب